الإمام علي السجاد عليه السلام، (38-95 هـ)، هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الشهير بالسجاد، وزين العابدين، هو رابع أئمة أهل البيت، ولد في الخامس من شعبان سنة 38 هـ، واستمرت إمامته 35 عاماً. اتسمت الفترة التي عاشها الإمام زين العابدين بكثرة الأحداث التي وقعت في التاريخ الإسلامي، ومنها واقعة كربلاء، حيث كان حاضراً فيها، والتي استشهد خلالها الإمام الحسين وأهل بيته، ولكن بسبب مرضه لم يتمكن من المشاركة في القتال، وبعد أن سُبيت العيال على يد جيش عمر بن سعد، كان الإمام السجاد مع موكب السبايا، وبعد أن ألقى خطبة مؤثّرة في مجلس يزيد بن معاوية بيّن من خلالها سموّ مكانة أهل البيت وحقيقة أعدائهم، إضافة إلى شرح ما حدث من الرزايا في كربلاء. رجع بالسبايا من الشام إلى المدينة.
للإمام علي بن الحسين ألقاب عدة، ومنها: زين العابدين، وسيد العابدين، وذو الثفنات، والسجاد، كما واتصف بمجموعة من الصفات والملكات التي نقلها المؤرخون، مما جعل إمامته محل قبول أغلب المسلمين من الشيعة، وأهل السنة، ومما امتاز به الإمام من سمات وأخلاق يمكن الإشارة إلى الحلم، والشجاعة، والصبر، وغيرها من الفضائل الأخلاقية، كما وكان يحنّ على العبيد، فلم يضرب عبداً أو أمة قط، بل كان يتملك العديد منهم ويعتقهم جميعاً في عيد الفطر، ويشتري مجموعة أخرى؛ ليعتقها هي الأخرى أيضا.
ومن الناحية السياسية حدث في عصر الإمام السجاد ثورات عدة في العالم الإسلامي، منها: ثورة أهل المدينة الشهيرة بواقعة الحرة، وثورة التوابين، وثورة المختار الثقفي.
إقرأ أيضا:قصة النبي سليمان مختصرةهناك مجموعة من الآثار التي نُسبت للإمام زين العابدين، وهي: الصحيفة السجادية، ورسالة الحقوق، والمناجيات الخمس عشرة، إضافة إلى: كتاب علي بن الحسين، وديوان منسوب للإمام السجاد، ومصحف بخطه.
عاصر الإمام علي بن الحسين عدداً من حُكّام بني أمية، منهم: يزيد بن معاوية، ومروان بن الحكم، واستشهد عليه السلام مسموماً بأمر من الوليد بن عبد الملك، في 25 من المحرم سنة 95 هـ، ودُفن بمقبرة البقيع في المدينة المنورة إلى جوار عمّه الإمام الحسن.
للإمام السجاد عدة أولاد من بنات وبنين، منهم الإمام محمد الباقر الذي تسلم الإمامة بعد استشهاد أبيه و زيد الذي استشهد بعد ما ثار ضد الحكم الأموي.
هويته الشخصية
جدول المحتويات
شجرة الإمام السجاد
هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وقد ورد في بعض الروايات أن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) قد سمّاه بـ”علي” ولقّبه بـ”زين العابدين”، وذلك قبل أن يولد بعشرات السنين، ومن هذه الأخبار: روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال كنت جالساً عند رسول الله(صلى الله علييه وسلم) والحسين في حجره، وهو يداعبه، فقال: يا جابر يولد له مولود اسمه “علي” إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيد العابدين، فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمد، فإن أدركته يا جابر فأقرأه مني السلام. و عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُنَادِي مُنَادٍ أَيْنَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَلَدِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَخْطُو بَيْنَ الصُّفُوفِ
إقرأ أيضا:أين هبط سيدنا آدم عليه السلامأبوه: هو الحسين بن علي سيد شباب أهل الجنة، والإمام الثالث عند الشيعة.
أمه: فقد اختلف في اسم والدة الإمام السجاد، فقيل هي: سلامة. سلافة. غزالة. سلمة. سادرة. شهربانويه. ولكن عُرفت بشاه زنان، ومعناه في اللغة العربية ملكة النساء أو سيدة النساء، وقيل بأنه ليس اسمها بل لقبها. والمشهور بين الأوساط المختلفة أنّها ابنة يزدجرد آخر ملوك إيران في العهد الساساني.
ذكرت المصادر الروائية أن والدة الإمام علي بن الحسين السجاد اتصفت بالعفة، والطهارة، والكمال، وسمو الأخلاق، وحدّة الذكاء؛ ولذلك بادر أمير المؤمنين إلى زواجها من ولده الإمام الحسين، كما عهد إليه بالإحسان إليها، والبر بها، قائلاً له: وأحسن إلى شهربانويه، فإنها مرضية ستلد لك خير أهل الأرض بعدك.
ألقابه
لقد لُقب الإمام علي بن الحسين بمجموعة من الألقاب، ومنها:
- 1- زين العابدين: لقبه النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم) بهذا اللقب، وإنما لُقب به لكثرة عبادته، وقد عُرف بهذا اللقب.
-
- وقالوا: إنَّ سبب تلقّبه بـ “زين العابدين” إنَّ الشيطان تمثّل بصورة أفعى، فلدغ إصبع رجله حين كان منشغلا بالصلاة، فلم يلتفت إليه، ولم يقطع صلاته. فسمع مناد ينادي: أنت زين العابدين حقا.
- 2 – سيد العابدين: لُقب به لما ظهر منه من الانقياد والطاعة لله، فلم يُؤَثر عن أي أحد من العبادة مثل ما أثر منه عدا جده الإمام أمير المؤمنين.
- 3- ذو الثفنات: لُقب بذلك لما ظهر على أعضاء سجوده من شبه ثفنات البعير؛ وذلك لكثرة سجوده، وعن محمد بن علي الباقر قال: كان لأبي في موضع سجوده آثار ناتية، وكان يقطعها في السنة مرتين في كل مرة خمس ثفنات؛ فسمي ذا الثفنات لذلك.
- 4 – السجّاد: قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر إن أبي علي بن الحسين ما ذكر نعمة الله عليه إلا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله فيها سجود إلا سجد، ولا دفع الله تعالى عنه سوء يخشاه أو كيد كايد إلا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد، ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد، وكان أثر السجود في جميع مواضع جسده فسمي السجاد لذلك.
- ونظم ابن حماد أبياتا يصف فيها كثرة سجود الإمام وعبادته، وهي:
وراهب أهل البيت كان، ولم يزل | يــلقب بالسجــاد حيــن تعبده | |
يقضي بطول الصوم طول نهاره | منيـــباً، ويقــــضي ليله بتهجده | |
فأين به مــن علمه ووفائـه منيـــباً | وأيـن به من نسكــــــه وتعبده؟ |
- 5 – الزكي: لُقب بالزكي؛ لأن الله زكاه وطهّره.
- 6 – الأمين: ذُكر في التاريخ انه لُقب بـ “الأمين”، فقد روي عنه أنه قال: لو أن قاتل أبي أودع عندي السيف الذي قتل به أبي لأديته إليه.
-
- كما واختلفت المصادر بين كونه علي الأصغر أو الأوسط أو الأكبر، فلُقب في بعض المصادر بعلي الأصغر وفي مصادر أخرى بعلي الأوسط وذكره المفيد عليا الأكبر.
كُناه
كُني الإمام علي بن الحسين بأبي الحسين وأبي الحسن، وأبي محمد وأبي عبد الله.
إقرأ أيضا:قصة صالح عليه السلامولادته ونشأته
تاريخ الولادة
لقد تعددت الأقوال في تاريخ ولادة الإمام زين العابدين، وأشهرها عند الإمامية، والذي تُقام فيه المهرجانات العامة إحياء لذكرى ولادته، هو اليوم الخامس من شعبان سنة “38 هـ” وذلك في يوم الخميس. وقيل بأنه ولد في يوم التاسع من شعبان، أو النصف من جمادى الأولى أو 26 جمادى الآخرة.
مكان الولادة
هناك اختلاف في تحديد مكان ولادة الإمام علي بن الحسين فقد قال البعض بأنه ولد في الكوفة، واعتبر آخرون يثرب مكانا لولادته.
ونشأ الإمام زين العابدين في بيت النبوة والإمامة، فقد عاش في كنف جده أمير المؤمنين فترة قصيرة جدا وقد حددها المؤرخون بسنتين، وبعد شهادة أمير المؤمنين تولى تربية الإمام زين العابدين عمّه الإمام الحسن، وبعدها تولى تربية الإمام زين العابدين والده الإمام الحسين.
استشهاده
روي بأن الأمويين قد خافوا من وجود شخصية كالإمام السجاد، وكان أشدهم خوفا منه الوليد بن عبد الملك، فقد روى محمد بن مسلم الزهري أنه قال: “لا راحة لي، وعلي بن الحسين موجود في دار الدنيا”.
وأجمع رأي الوليد بن عبد الملك على اغتيال الإمام حينما جلس على كرسي الحكم، فبعث سماً قاتلاً إلى عامله على يثرب، وأمره أن يدسه للإمام، وهكذا استشهد الإمام مسموماً بأمر الوليد ودُفن في البقيع مع عمه الإمام الحسن، بقرب مدفن العباس بن عبد المطلب.
تاريخ ومكان شهادته (ع)
هناك آراء عند علماء الشيعة ومؤرخيهم في تاريخ شهادة الإمام زين العابدين. فنقل الشيخ الكليني: عن أبي عبد الله الصادق، قال: قُبض علي بن الحسين وهو ابن سبع وخمسين سنة، في عام خمس وتسعين. ووافقه الشيخ المفيد في ذلك وأضاف بأنه توفي بالمدينة. وقال الشيخ الكفعمي بأن وفاته كانت في الخامس والعشرين من المحرم.
وأما الشيخ الطوسي فذكر وفاته في اليوم الخامس والعشرين من المحرم في المدينة المنورة، ولكن اعتبره في سنة 94 للهجرة.
واختلف كل من ابن شهر آشوب والأربلي مع المفيد والطوسي والكليني، فرغم ذكرهم وفاته في المدينة ولكن حددوها بيوم السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من المحرم، أو لإثنتي عشرة ليلة، سنة أربع وتسعين أو خمس وتسعين من الهجرة.
ومن جهتهم فاختلف أهل السنة في وفاته أيضاً، فقال سبط ابن الجوزي: وفاته على أقوال: إنه توفي سنة أربع وتسعين، أو سنة اثنتين وتسعين، أو سنة خمس وتسعين، والأول أصح، لانها تسمى سنة الفقهاء، لكثرة من مات بها من العلماء، وكان سيد الفقهاء، مات في أولها، وتتابع الناس بعده. ووافق رأيه بشأن وفاته في سنة 94 كل من الخطيب التبريزي، ومجد الدين بن الأثير وابن الصبّان المصري ومحمد بن طلحة الشافعي، الذي أضاف للسنة، يوم الثامن عشر من المحرم والشبلنجي الذي اعتبره الثاني عشر من المحرم
ولكن الكنجي الشافعي فقال بأنه عليه السلام توفي بالمدينة سنة خمس وتسعين، وله يومئذ سبع وخمسون سنة.
عائلته
ذكرت المصادر التاريخية عدد من الزوجات للإمام السجاد إضافة لعدد من البنين والبنات:
إضافة للجدول أعلاه هناك مصادر ذكرت الشيبانية في عداد زوجاته وهناك زوجتين كانت إحداهما أم ولد لأخيه علي الأكبر والثانية أم ولد لعمه الإمام الحسن (ع)، كما وعدّ البعض في أولاده القاسم وأم الحسن، وأم البنين. ولقد صار أبناء الإمام السجاد بحكم تربيته لهم من رجال الفكر والعلم في الإسلام، فكان ولده الإمام محمد الباقر من أئمة المسلمين، ومن أكثرهم عطاءاً للعلم، أما ولده عبد الله الباهر فقد كان من علماء المسلمين في فضله، وقد روى عن أبيه علوماً شتى، وكتب الناس عنه ذلك، أما ولده زيد فقد كان له إلمام في علوم مختلفة كالفقه والحديث والتفسير وعلم الكلام وهو الذي قام بثورة على الأمويين.
إخوته وأخواته: للإمام السجاد (ع) مجموعة من الأخوة والأخوات، وبحسب ما ذكره المفيد في الإرشاد هم خمسة أولاد: علي بن الحسين قُتل مع أبيه في الطف وأمه ليلى، جعفر بن الحسين، كانت وفاته في حياة الإمام الحسين (ع)، عبد الله بن الحسين، قتل مع أبيه صغيرا حيث جاءه سهم وذبحه، وأمه الرباب، سكينة بنت الحسين، وأمها الرباب أيضا، وفاطمة بنت الحسين وأمها أم إسحاق التيمية.
صفاته
اتصف الإمام علي بن الحسين بمجموعة صفات، وهي:
الخَلْقية
روى التاريخ أنه كان أسمرا، وقصيرا، ونحيفا، ورقيقا، وجميلا.
ولقد وصف الفرزدق هيبة الإمام بقوله:
يُغضي حياءً ويُغضى من مهابته | فلا يُكلَّمُ إلا حين يبتســــــــــــــــــــــمُ |
الخُلْقية
- الحلم: توجد صورا كثيرة تدل على حلمه، ومنها: انه كانت له جارية تسكب على يديه الماء، فسقط الإبريق من يدها على وجهه الشريف فشجّه، فبادرت الجارية قائلة: إنّ الله يقول:﴿والكاظمين الغيظ﴾ وأسرع الإمام قائلاً: «كظمت غيظي»، وطمعت الجارية في حلم الإمام ونبله، فراحت تطلب منه المزيد قائلة:﴿والعافين عن الناس﴾ فقال الإمام: «عفا الله عنك»، ثمّ قالت:﴿والله يحبّ المحسنين﴾ فقال لها: «إذهبي فأنت حرّة».
- الشجاعة: ذكر المجلسي انه لما اُدخل الإمام أسيراً على عبيد الله وقد جابهه بكلمات التشفي فأجابه الإمام بكلمات أمر ابن زياد على إثرها بقتله، فأجابه الإمام: أبالقتل تهددني يا ابن زياد أما علمت ان القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة.
- التجرد عن الأنانية: روى الصدوق في عيون أخبار الرضا: أن الإمام علي بن الحسين كان إذا أراد السفر سافر مع قوم لا يعرفونه ليقوم بنفسه برعايتهم وخدماتهم ولا يخدمه أحد منهم، وسافر مرة مع قوم لا يعرفونه، فنظر إليه رجل فعرفه فصاح بالقوم: ويلكم أتعرفون من هذا ؟ فقالوا: لا ندري، فقال: هذا علي بن الحسين، وأسرع القوم نحو الإمام، وجعلوا يقبّلون يديه ورجليه قائلين: “أتريد أن تصلينا نار جهنم؟ ما الذي حملك على هذا ؟..”، فقال: “كنت قد سافرت مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول الله(صلى الله عليه وسلم) ما لا أستحق وإني أخاف أن تعطوني مثل ذلك، فصار كتمان أمري أحب إلي.
- الإحسان إلى الناس: أُثِرَ أنه كان يبادر لقضاء حوائج الناس خوفاً من أن يقوم بقضائها غيره فيحرم الثواب، وقد قال: إن عدوي يأتيني بحاجة فأبادر إلى قضائها خوفاً من أن يسبقني أحد إليها أو أن يستغني عنها فتفوتني فضيلتها.
- السخاء: لقد نقلت التواريخ أخبار كثيرة من جوده وكرمه، ومنها: أنه كان يُطعم الناس إطعاما عاما في كل يوم في يثرب، وذلك في وقت الظهر في داره.
- حنوه على الفقراء: روى العلامة المجلسي: ان الإمام السجاد كان يحمل إلى الفقراء الطعام والحطب على ظهره حتى يأتي بابا من أبوابهم فيناولهم إياه.
سيرته
نقلت كتب التاريخ نماذج من سيرته، ومنها:
سيرته في بيته
كان الإمام زين العابدين من أرحم الناس وأبرهم بأهل بيته، وكان لا يتميز عليهم، بل كان كأحدهم، ويُنقل عنه قوله: “لأن أدخل السوق ومعي دراهم أبتاع بها لعيالي لحماً، وقد قرموا أحب إلي من أن أعتق نسمة”. وكان يبكر في خروجه صبحاً لطلب الرزق لعياله، فقيل له: إلى أين تذهب؟ فقال: أتصدق لعيالي من طلب الحلال، فإنه من الله صدقة عليهم.
سيرته في بره بمربيته
عهد الإمام الحسين بعد موت والدة الإمام زين العابدين – وهو لا يزال صغيرا – إلى سيدة من أمهات أولاده بالقيام بحضانة ولده زين العابدين ورضاعته ورعايته، وقد ذكر الرواة أنه أمتنع أن يؤاكلها فلامه الناس، وأخذوا يسألونه بإلحاح قائلين: أنت أبر الناس، وأوصلهم رحماً فلماذا لا تؤاكل أمك؟ فأجابهم: أخشى أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليها فأكون قد عققتها.
سيرته مع مماليكه
كان عليه السلام لا يستخدم خادما فوق حول، فإذا ملك عبدا في أي وقت من السنة كان يعتقه ليلة عيد الفطر، واستبدل سواهم في الحول الثاني ثم أعتق، كذلك كان يفعل حتى لحق بالله تعالى، فيُذكر بأنه كان لا يضرب عبدا له ولا أمة، وكان إذا أذنب العبد والأمة يكتب عنده: أذنب فلان، وأذنبت فلانة يوم كذا وكذا، حتى إذا كان آخر ليلة من شهر رمضان دعاهم وجمعهم حوله ثم أظهر الكتاب، ثم يقوم وسطهم ويقول لهم: “ارفعوا أصواتكم، وقولوا: يا علي بن الحسين إن ربك قد أحصى عليك كلما عملت كما أحصيت علينا كلما عملنا […] فاعف واصفح يعف عنك المليك،” ثم يقبل عليهم فيقول: “اذهبوا فقد عفوت عنكم وأعتقت رقابكم رجاء للعفو عني وعتق رقبتي” فيعتقهم، فإذا كان يوم الفطر أجازهم بجوائز.
تنقل الروايات ان الإمام علي بن الحسين اهتم بطبقة العبيد، فقد كان يسعى لرفع منزلتهم فقد أعتق إحدى إمائه، وعقد عليها فعابه عبد الملك بن مروان على ذلك، وقال له: ما الذي دفعك لمثل هذا العمل؟ فأجابه الإمام السجاد محتجا بالآية الشريفة﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ وهو يشير بذلك إلى زواج النبي(صلى الله عليه وسلم) من صفية وينبّه إلى مافعله النبي حيث عقد لإبنة عمته زينب على زيد بن حارثة الذي كان عبدا.
سيرته مع جيرانه
لقد روى الزهري انه كان من أبر الناس بجيرانه، فكان يرعاهم كما يرعى أهله، وكان يستقي لضعفاء جيرانه في غلس الليل.
سيرته العبادية
- الإنابة لله تعالى: نقلت لنا الكثير من كتب الأدعية أدعية للإمام السجاد في الإنابة لله تعالى، ومنها دعاؤه عند اللجأ إلى الله تعالى، والذي جاء فيه: اللَّهُمَّ إِنْ تَشَأْ تَعْفُ عَنَّا فَبِفَضْلِكَ، وَإِنْ تَشَأْ تُعَذِّبْنَا فَبِعَدْلِكَ * فَسَهِّلْ لَنَا عَفْوَكَ بِمَنِّكَ، وَأَجِرْنَا مِنْ عَذَابِكَ بِتَجَاوُزِكَ، فَإِنَّهُ لَا طَاقَةَ لَنَا بِعَدْلِكَ، وَلَا نَجَاةَ لِأَحَدٍ مِنَّا دُونَ عَفْوِكَ * يَا غَنِيَّ الْأَغْنِيَاءِ، هَا نَحْنُ عِبَادُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَأَنَا أَفْقَرُ الْفُقَرَاءِ إِلَيْكَ، فَاجْبُرْ فَاقَتَنَا بِوُسْعِكَ.
- وضوؤه: رووا عنه انه إذا أراد الوضوء اصفرّ لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فأجابهم عن خوفه وخشيته من الله قائلا: أتدرون بين يدي من أقوم؟
- صلاته: فيُذكر بأنه “كَانَ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ غَشِيَ لَوْنَهُ لَوْنٌ آخَرَ وَ كَانَ قِيَامُهُ فِي صَلَاتِهِ قِيَامَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ الْجَلِيلِ كَانَتْ أَعْضَاؤُهُ تَرْتَعِدُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَ كَانَ يُصَلِّي صَلَاةَ مُوَدِّعٍ يَرَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّيَ بَعْدَهَا أَبَدا”
- صومه: سُئلت جارية له عن عبادتهؤ: فقالت: ما قدمت له طعاما في نهار قطّ، فقد كان يحث على الصوم، فقد قال: إنَّ الله تعالى وكَّلَ ملائكة بالصائمين.
- زهده: سئل الزهري عن أزهد الناس، فقال: علي بن الحسين. وروي عن الإمام زين العابدين أنه رأى سائلا يبكي، فتأثر منه، وراح يقول: “لو أنَّ الدنيا كانت في كفِّ هذا، ثم سقطت منه لما كان ينبغي له أن يبكي عليها”.
- حجّه: ذكر ابن عبد ربه: أنه حج خمسا وعشرين حجّة راجلا.
إمامته
هناك نصوص ودلائل عدة في المصادر الروائية تثبت إمامة الإمام السجاد (ع) بعد أبيه الإمام الحسين (ع).
النص على إمامته
هناك أحاديث كثيرة تنص على إمامة الإمام علي بن الحسين، ومنها:
- إنَّ الرسول الأعظم(صلى الله عليه وسلم) عيّن أوصياءه وخلفاءه الإثني عشر من بعده، وصرّح بأسمائهم، ومنهم الإمام السجاد، وقد تظافرت النصوص بذلك.
- نص أمير المؤمنين على إمامة الإمام زين العابدين فقد قال للإمام الحسين: إنك القائم بعد أخيك الحسن، وإن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) يأمرك أن تدفع المواريث من بعدك إلى ولدك زين العابدين فإنه الحجة من بعدك، ثم أخذ بيد زين العابدين وكان طفلاً وقال له: إن رسول الله يأمرك أن توصي بالإمامة من بعدك إلى ولدك محمد الباقر واقرأه من رسول الله ومني السلام.
- نص الإمام الحسين على إمامة ولده زين العابدين، وعهد إليه بالإمامة من بعده، فقد روى الزهري قال: كنت عند الحسين بن علي إذ دخل علي بن الحسين الأًصغر – يعني زين العابدين – فدعاه الحسين وضمه إليه ضماً، وقبل ما بين عينيه، والتفت الزهري إلى الإمام الحسين فقال له: يا ابن رسول الله إن كان ما نعوذ بالله أن نراه فإلى من؟ فقال الحسين: علي ابني هذا هو الإمام أبو الأئمة.
دلائل إمامته
- أحد أدلة إمامته هو ما رواه الشيخ الطوسي عن الإمام الباقر قال:َ لمّا توجه الْحُسَيْنُ إِلَى الْعِرَاقِ دَفَعَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ(صلى الله عليه وسلم) الْوَصِيَّةَ وَالْكُتُبَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَقَالَ لَهَا: إِذَا أَتَاكَ أَكْبَرُ وُلْدِي فَادْفَعِي إِلَيْهِ مَا قَدْ دَفَعْتُ إِلَيْكِ، فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ أَتَى عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ أُمَّ سَلَمَةَ، فَدَفَعَتْ إِلَيْهِ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَاهَا الْحُسَيْنُ.
- والدليل الآخر هو إخبار الإمام زين العابدين عن كثير من الملاحم التي تحققت بعده، وكان منها:
-
-
- إخباره بشهادة ولده زيد
- إخباره عن حكومة عمر بن عبد العزيز
- إخباره عن حكومة العباسيين
- إخباره بمصير قتلة سيد الشهداء الحسين بن علي
-
إمامته عند الشيعة
لقد أجمعت الشيعة على إمامة الإمام علي بن الحسين السجاد، إلا الفرقة الكيسانية التي ذهبت إلى إمامة محمد بن الحنفية.
عند الإمامية الإثنا عشرية
قال الشيخ المفيد: واتفقت الإمامية على أن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) نص على علي بن الحسين، وان أباه وجده نصا عليه كما نص عليه الرسول، وانه كان بذلك إماما للمؤمنين.
عند الزيدية
قال الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ت 298 هـ” من أئمة الزيدية: إن الله أوصى بخلقه على لسان النبي إلى علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وإلى الأخيار من ذرية الحسن والحسين، أولهم علي بن الحسين، وآخرهم المهدي، ثم الأئمة في ما بينهما. وذلك أن تثبيت الإمامة عند أهل الحق في هؤلاء الأئمة من الله عز وجل على لسان رسول الله (ص)
عند الاسماعيلية
تعتبر الاسماعيلية بأن الإمامة تثبت عن طريق النص، حيث كان النص الأول بناء على أمر أو وحي إلهي إلى الإمام علي (ع) ومنه إلى الحسن (ع) وثم الحسين (ع) وبعدهما الإمام زين العابدين (ع)، وصولا إلى الإمام الباقر (ع) والصادق (ع).
علمه
هناك روايات عديدة تدل على علمه بالقرآن الكريم وتفسيره وما يخص الفقه والكلام وسائر العلوم الإسلامية.
تفسيره للقرآن الكريم
ذكر العلماء والمفسرون إن الإمام زين العابدين كان من مفسري القرآن الكريم، وقد استشهدوا بالكثير من تفاسيره، وقالوا: انه كان صاحب مدرسة لتفسير القرآن، وقد أخذ عنه ابنه الشهيد زيد في تفسيره للقرآن، كما أخذ عنه ابنه الإمام الباقر (ع) في تفسيره الذي رواه عنه زياد بن المنذر زعيم الفرقة الجارودية.، ومما يُذكر بخصوص تفسيره يمكن الإشارة إلى:
- تفسيره لقوله تعالى:﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا﴾ فقد قال: بيّنه – أي القرآن – في تلاوته تبيينا، ولا تنثره نثر البقل، ولا تهذه هذي الشعر، قفوا عند عجائبه لتُحركوا به القلوب، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة.
- تفسيره لقوله تعالى:﴿ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾ بقوله: السلم هو ولاية الإمام أمير المؤمنين.
الفقه
يقال أن الإمام زين العابدين كان يشبه جده الإمام أمير المؤمنين في قدرته على الإحاطة بالمسائل الفقهية من جميع جوانبها والتفريع عليها، فقد كان الزهري و هو من فقهاء المدينة المشهورين يرجع إلى الإمام السجاد في ما يهمه من الأحكام الشرعية. ومن الأمور الفقية التي تنسب للإمام السجاد هي:
- الجمع بين صلاتي العشائين: روى الفضيل بن يسار فقال: كان علي بن الحسين يأمر الصبيان يُجمعون بين المغرب والعشاء الآخرة، ويقول: هو خير من أن يناموا عنها.
- اعتبار النية في العبادات: روي عن الإمام زين العابدين: لا عمل إلاّ بنية.
بحوث كلامية
تطرق الإمام عليه السلام لبعض البحوث الكلامية خلال دعائه وأقوله، فمثلا بشأن القضاء والقدر وعلاقتهما بالعمل روي عنه عليه السلام: إِنَ الْقَدَرَ وَالْعَمَلَ بِمَنْزِلَةِ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ، فَالرُّوحُ بِغَيْرِ جَسَدٍ لَا تُحَسُّ، وَالْجَسَدُ بِغَيْرِ رُوحٍ صُورَةٌ لَا حَرَاكَ بِهَا، فَإِذَا اجْتَمَعَا قَوِيَا وَصَلُحَا كَذَلِكَ الْعَمَلُ وَالْقَدَرُ. فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْقَدَرُ وَاقِعاً عَلَى الْعَمَلِ لَمْ يُعْرَفِ الْخَالِقُ مِنَ الْمَخْلُوقِ، وَكَان الْقَدَرُ شَيْئاً لَا يُحَسُّ، وَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْعَمَلُ بِمُوَافَقَةٍ مِنَ الْقَدَرِ لَمْ يَمْضِ، ولَمْ يَتِمَّ وَلَكِنَّهُمَا بِاجْتِمَاعِهِمَا قَوِيَا وَلِلَّهِ فِيهِ الْعَوْنُ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ.
وعنه عليه السلام، بشأن استحالة وصف الله تعالى بالمحدودية: إِنَّ اللَّهَ لَا يُوصَفُ بِمَحْدُودِيَّةٍ عَظُمَ رَبُّنَا عَنِ الصِّفَةِ، فَكَيْفَ يُوصَفُ بِمَحْدُودِيَّةٍ مَنْ لَا يُحَدُّ وَلا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ.
وروى الشيخ المفيد عنه عليه السلام بشأن عقيدة التشبيه والتجسيم: إِلَهِي بَدَتْ قُدْرَتُكَ، وَلَمْ تَبْدُ هَيْئَةٌ فَجَهَلُوكَ وَقَدَّرُوكَ بِالتَّقْدِيرِ عَلَى غَيْرِ مَا بِهِ أَنْتَ شَبَّهُوكَ، وَأَنَا بَرِيءٌ يَا إِلَهِي مِنَ الَّذِينَ بِالتَّشْبِيهِ طَلَبُوكَ لَيْسَ كَمِثْلِكَ شَيْءٌ إِلَهِي، وَلَمْ يُدْرِكُوكَ وَظَاهِرُ مَا بِهِمْ مِنْ نِعْمَةٍ دَلِيلُهُمُ عَلَيْكَ لَوْ عَرَفُوكَ، وَفِي خَلْقِكَ يَا إِلَهِي مَنْدُوحَةٌ أَنْ يُنَاوِلُوكَ، بَلْ سَوَّوْكَ بِخَلْقِكَ فَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَعْرِفُوكَ، وَاتَّخَذُوا بَعْضَ آيَاتِكَ رَبّاً فَبِذَلِكَ وَصَفُوكَ فَتَعَالَيْتَ يَا إِلَهِي عَمَّا بِهِ الْمُشَبِّهُونَ نَعَتُوكَ.
الآثار المنسوبة إليه
لقد ذكر أصحاب الحديث والرواة مجموعة من الآثار التي وصلت إلينا ونسبوها للإمام علي بن الحسين وهي:
الصحيفة السجادية
تعتبر الصحيفة السجاديّة من أهم الآثار التي انطوت على الحقائق والمعارف الإسلامية بعد القرآن الكريم ونهج البلاغة، وقد أشار أغا بزرك الطهراني إلى مجموعة من الأسماء و النعوت التي وصفت بها الصحيفة السجادية، منها: «أخت القرآن»، و«إنجيل أهل البيت»، و«زبور آل محمد» و«الصحيفة الكاملة».
ونُقل عن ابن الجوزي قوله: «إن لعلي بن الحسين زين العابدين حق التعليم على المسلمين في الإملاء والإنشاء وكيفية التكلم والخطاب وطلب الحاجة من الباري تعالى؛ فلولاه لم يكن ليعرف المسلمون آداب التحدث وطلب الحوائج من الله تعالى؛ إن هذا الإمام علّم البشر كيف يستغفرون الله وكيف يستسقون ويطلبون الغيث منه تعالى وكيف يستعيذون به عند الخوف من الأعداء لدفع شرورهم.
ولقد اهتم علماء الشيعة بدراسة الصحيفة السجادية، وأخذوا يبحثون في مضامينها، وجاوزت رواية الصحيفة حد التواتر. وقد ترجمت الصحيفة السجادية إلى كثير من اللغات في العالم، منها الفارسية والإنجليزية والإسبانية، والتركية، والفرنسية، والروسية.
رسالة الحقوق
روى رسالة الحقوق عن الإمام علي بن الحسين ثابت بن أبي صفية المعروف بأبي حمزة الثمالي، ورواها المحدث الصدوق، ومحمد بن يعقوب الكليني، والحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني في “تحف العقول”.
ولقد ذكر الإمام مجموعة من الحقوق في رسالة الحقوق بلغ عددها “54” موضحا كل واحد من تلك الحقوق توضيحا تاما، وذلك ضمن سبع مجاميع، هي:
- حق الله
- حق النفس والجوارح
- حق الافعال العبادية
- حق الحاكم الشرعي
- حقوق الأهل والأقارب
- حقوق بعض الاصناف والطبقات الاجتماعية
- حق المال
المناجيات الخمس عشرة
لقد شاعت نسبة هذه المناجيات للإمام زين العابدين وقد دوّنها العلامة المجلسي في بحار الأنوار، وعدّها العلماء الذين ألّفوا في ملحقات الصحيفة السجادية من بنودها، كما ذكرها الشيخ عباس القمي في مفاتيح الجنان.
تُرجمت المناجيات الخمس عشرة إلى بعض اللغات ومنها اللغة الفارسية، وقد خُطت بخطوط أثرية مذهّبة ومزخرفة، تعدّ من ذخائر الخط العربي وقد حفلت بها خزائن المخطوطات في مكتبات العالم الإسلامي، وتوجد منها نسخة أثرية بخط رائع في مكتبة الإمام أمير المؤمنين تسلسل “2098”.
كتاب علي بن الحسين (عليه السلام)
من الآثار التي ذكرت للإمام علي بن الحسين كتاب سُمي بـ”كتاب علي بن الحسين” وقد فُقد هذا الكتاب، وقد عُثر على قطعة يسيرة منه نقلها عنه الإمام الباقر حيث يذكر عليه السلام قبل نقله للحديث جملة: “وجدنا في كتاب علي بن الحسين”
ديوان منسوب للإمام السجاد (عليه السلام)
نُسب للإمام زين العابدين ديوان من الشعر حافل بالنصائح والمواعظ، وتوجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة الإمام أمير المؤمنين بخطّ السيد أحمد بن الحسين الجزائري، وقد استنسخها على نسخة بخط السيد محمد بن السيد عبد الله الشوشتري (ت 1283 هـ). وهناك ظن بأن ما نُسب للإمام هو من مضامين كلامه، ونظم معانيه، واتّباع منهجه، ودليل سيرته واقتداء بهداه.
كما وشكك البعض في نسبة الديوان للإمام وذلك لركّة بعض ألفاظه، رغم كون الصحيفة السجادية من مناجم البلاغة في الإسلام، مضافا إلى عدم النص عليه في المصادر القديمة.
مصحف بخط الإمام السجاد (عليه السلام)
ذُكِرَ أن للإمام زين العابدين مصاحف تنسب إلى خطّه الشريف توجد في مكاتب شيراز وقزوين وأصفهان ومشهد
مكانته عند المسلمين
تذكر المصادر كثيرا من الكلمات في حق الإمام السجاد والتي تُبيّن منزلته بين المسلمين في كل الأعصار، وكمثال على ذلك فيذكر ابو حمزة الثمالي بأنه ما سمع بأحد أزهد من علي بن الحسين إلاّ الإمام علي بن أبي طالب“. واعتبر جابر الأنصاري أن ليس في أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين.”
كما وامتدحه كل من محمد بن مسلم الزهري والذي كان يُعد عالم الحجاز والشام قائلا: “ما رأيت أورع ولا أفضل منه” وابن سعد والجاحظ وابن الجوزي وابن خلكان وابن تيمية والذهبي وغيرهم.
فيقول ابن حجر العسقلاني: عليّ بن الحُسين بن عليّ بن أبي طالب، زين العابدين، ثقة ثبت، عابد، فقيه، فاضل، مشهور ويقول الشيخ المفيد: “كان عليّ بن الحُسين أفضل خلق الله بعد أبيه علماً وعملاً وقد روى عنه فُقهاء العامّة من العُلوم ما لا يحصى كثرة، وحفظ عنه من المواعظ والأدعية، وفضائل القران والحلال والحرام والمغازي والأيام ما هو مشهور بين العُلماء”.
كما وللإمام السجاد مكانة في الأدب العربي ومنه ما نظمه الفرزدق في جواب عن سؤال قاله هشام بن عبد الملك تجاهلا لقدر الإمام زين العابدين عندما جاء لإستلام الحجر الأسود ففرج له الناس، فقال هشام بن عبد الملك: من هذا؟ فأجابه الفرزدق:
هذا الذي تعـــرف البطحاء وطأته | والبــيت يعــرفه والحــل والحـــــرم | |
هــذا ابــن خــــــــــــــير عــباد الله كلهم | هــــذا التــــقي النــقي الطاهر العــلم | |
يغـضي حيـاء ويُغضى من مهابته | فمــا يكـــــــــــلم إلا حــــين يــــبــــتســـــم | |
مــــا قــــال لا قــــــــــط إلا في تشهده | لــــولا التـــــــــــــــشهد كــــانت لاؤه نـــعم | |
هــــذا ابــن فاطـــمة إن كنت جاهله | بجــــده أنبــــياء الله قـــــــــــد خــــتــموا |
ورغم اختلاف تفسير كلمة “الإمام” بين الشيعة والسنة، ولكن إضافة للمصادر الشيعية فكثيرا من مصادر أهل السنة ذكرته كإمام أيضا ومنها ما قاله الذهبي في ترجمة الإمام السجاد: “السيد الإمام، زين العابدين، وكان له جلالة عجيبة، وحق له ذلك، فقد كان أهلا للإمامة العظمى: لشرفه، وسؤدده، وعلمه، وتألهه، وكمال عقله. ومثل هذه النصوص ذكرها كل من المناوي والجاحظ.
الدعاء الرابع والعشرين من الصحيفة السجاديةوَ كَانَ مِنْ دُعَائِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأَبَوَيْهِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ
…أللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَهَابُهُمَا هَيْبَةَ السُّلْطَانِ الْعَسُوفِ، وَأَبَرُّهُمَا بِرَّ الاُمِّ الرَّؤُوفِ، وَاجْعَلْ طَاعَتِي لِوَالِدَيَّ وَبِرِّيْ بِهِمَا أَقَرَّ لِعَيْنِي مِنْ رَقْدَةِ الْوَسْنَانِ، وَأَثْلَجَ لِصَدْرِي مِنْ شَرْبَةِ الظَّمْآنِ حَتَّى أوثِرَ عَلَى هَوَايَ هَوَاهُمَا وَاُقَدِّمَ عَلَى رِضَاىَ رِضَاهُمَا وَأَسْتَكْثِرَ بِرَّهُمَا بِي وَإنْ قَلَّ وَأَسْتَقِلَّ بِرِّي بِهِمَا وَإنْ كَثُرَ. أللَّهُمَّ خَفِّضْ لَهُمَا صَوْتِي، وَأَطِبْ لَهُمَا كَلاَمِي، وَأَلِنْ لَهُمَا عَرِيْكَتِي، وَاعْطِفْ عَلَيْهِمَا قَلْبِي، وَصَيِّرْنِي بِهِمَا رَفِيقاً، وَعَلَيْهِمَا شَفِيقاً…
أصحابه والرواة عنه
لقد ذكر علماء الرجال للإمام السجاد الكثير من الرواة والأصحاب الذين عاصروه، وممن ذكرهم الطوسي في رجاله:
- أبان بن تغلب
- بشر بن غالب
- ثابت بن دينار (أبو حمزة الثمالي)
- جابر بن عبد الله الأنصاري
- الحسن بن محمد بن الحنفية
- رشيد الهجري
- سعيد بن جبير
- سعيد بن المسيب
- سليم بن قيس الهلالي
- عبد الله بن شبرمة
- الفرزدق
- محمد بن جبير بن مطعم
- محمد بن شهاب
- يحيى بن أم الطويل
- المنهال بن عمرو
- أم البراء
الإمام السجاد ورزايا كربلاء
حضوره في واقعة كربلاء
تشير أغلب المصادر التاريخة على أن الإمام السجاد كان يوم عاشوراء شديد المرض، حيث لما أراد الأعداء قتله بعد المعركة، امتنعوا عن ذلك وقالوا يكفيه مرضه، كما وذكر المفيد بأن مرضه كان مشرفا على الموت، ويُذكر بأنه عليه السلام طلب من عمته زينب في يوم الطف أن تزوده بالعصا ليتوكأ عليها، وبالسيف ليذب به عن أبيه رغم أن المرض كان قد فتك به ولم يتمكن من أن يخطو خطوة واحدة على الأرض إلا أن عمته صدته عن ذلك لئلا تنقطع ذرية النبي(صلى الله عليه وسلم) .
ولكن هناك مَن ذكر بأنه قد قاتل يوم عاشوراء وجُرح.فلقد ذكر المحدّث الزيدي الفُضَيل بن الزُبير، الأسدي، الرسّان، الكوفي، وهو من أصحاب الإمامين الباقر والصادق ما نصّه: وكان علي بن الحسين عليلاً، وارتُثَ يومئذٍ، وقد حَضَرَ بعض القتال، فدفع اللهُ عنه، وأخِذَ مع النساء.
الإمام السجاد في الأسر
في زوال الشمس من اليوم الثاني بعد واقعة كربلاء، أخذت النساء والأطفال سبايا إلى الكوفة، وكان بينهم الإمام السجاد، وهو مريض، وبعد ذلك عُرض في الكوفة على ابن زياد حيث دار حديث بينهم أراد إثره أن يقتل ابن زياد الإمام لو لا تدخلت السيدة زينب ومنعته عن ذلك، ومن ثم أمر ابن زياد أن يغلّوا الإمام بغُلّ إلى عنقه، وأرسله مع النساء والصبيان والرؤوس إلى الشام
خطبته في الكوفة
وفقا لبعض التقارير، أدلى الإمام سجاد (ع) بخطبة في الكوفة بعد خطبة عمته زينب: فبعد حمد الله والثناء عليه، بدأ كلامه بـ “أيها الناس من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني، فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن المذبوح بشط الفرات. ولكن بحسب ظروف الكوفة وقسوة عملاء دار الإمارة ومخاوف أهل الكوفة يصعّب قبول مثل هذه الروايات. ومن جانب آخر، كلمات الإمام سجاد (ع) في خطبة الكوفة تشبه إلى حد كبير خطبته في الجامع الأموي، هذا ما يرجح بأن الرواة مزجوا بين أحداث الكوفة والشام.
حواره مع ابن زياد
ذكر أصحاب المقاتل أنه لما أدخل عيال الإمام الحسين على عبيد الله بن زياد وأخذ يشمت بهم حدث حوار بينه وبين الإمام السجاد فقد التفت ابن زياد إلى علي بن الحسين، فقال: من هذا؟
فقيل: علي بن الحسين.
فقال: أليس قد قتل الله علي بن الحسين؟!
فقال له علي: «قد كان لي أخ يُسمى علي بن الحسين قتله الناس».
فقال: بل الله قتله.
فقال له علي:﴿الله يتوفى الأنفس حين موتها﴾.
فقال ابن زياد: وبك جرأة على جوابي، إذهبوا به فاضربوا عنقه.
فسمعت به عمته زينب، فقالت: يا ابن زياد، إنك لم تبقِ منا أحداً، فان كنت عزمت على قتله فاقتلني معه.
فقال علي لعمته: «اسكتي يا عمة حتى أكلمه»، ثم أقبل إليه فقال: «أبالقتل تهددني يا ابن زياد، أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة».
حواره مع يزيد
لما أدخل عيال الإمام الحسين بعد واقعة عاشوراء إلى الشام وأوقفوهم بين يدي يزيد بن معاوية أخذ يزيد بالشماتة من الإمام السجاد وأهل بيته فقال له: يا علي بن الحسين الحمد لله الذي قتل أباك، فقال علي بن الحسين: لعنة الله على من قتل أبي، قال: فغضب يزيد وأمر بضرب عنقه، فقال علي بن الحسين: فإذا قتلتني، فبنات رسول الله(صلى الله عليه وسلم) من يردهم إلى منازلهم، وليس لهم محرم غيري؟ فقال: أنت تردهم إلى منازلهم، ثم دعا بمبرد، فأقبل يبرد الجامعة من عنقه بيده. ثم قال له: يا علي بن الحسين أتدري ما الذي أريد بذلك؟ قال: بلى، تريد أن لا يكون لأحد علي منّة غيرك، فقال يزيد: هذا والله ما أردت، ثم قال يزيد: يا علي بن الحسين﴿وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم﴾، فقال علي بن الحسين: كلا ما هذه فينا نزلت، إنما نزلت فينا﴿ما اصاب من مصيبة في الأرض ولا في انفسكم إلا في كتاب من قبل ان نبرأها﴾، فنحن الذين لا نأسى على ما فاتنا ولا نفرح بما آتانا منها.
خطبته في الشام
قال الخوارزمي: أن يزيد أمر بمنبر وخطيب، ليذكر للناس مساوئ الحسين وأبيه علي، فصعد الخطيب المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وأكثر الوقيعة في عليّ والحسين وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد.
فصاح به علي بن الحسين: ويلك أيها الخطيب! اشتريت رضا المخلوق بسخط الخالق؟ فتبوَّا مقعدك من النار، ثم قال: يا يزيد، إئذنْ لي حتى أصعد هذه الأعواد، فأتكلم بكلمات فيهن لله رضا ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب.
فأبى يزيد، فقال الناس: يا أمير الؤمنين إئذنْ له ليصعد، فلعلّنا نسمعُ منه شيئا. فقال لهم: إنْ صعد المنبر هذا لم ينزل إلاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان، فقالوا: وما قدر ما يُحسن هذا؟ فقال: إنه من أهل بيت قد زُقوا العلم زقا، ولم يزالوا حتى أذن له بالصعود.
فصعد المنبر فخطب فيهم وحمد الله وأثنى عليه، ثم خطب خطبة أبكى منها العيون، وأوجل منها القلوب.
كلامه مع أهل المدينة
ذكرت كتب التاريخ انه لما دخل عيال الحسين إلى المدينة المنورة وعلى رأسهم الإمام زين العابدين خرج إليهم أهل المدينة وقد أخذوا الطرق والمواضع، وكان الإمام علي بن الحسين بينهم ومعه خرقة يمسح بها دموعه.
-
-
- فقال:… أيها الناس إن الله -وله الحمد – ابتلانا بمصائب جليلة، وثلمة في الاسلام عظيمة، قتل أبو عبد الله وعترته، وسبي نساؤه وصبيته، وداروا برأسه في البلدان من فوق عامل السنان، وهذه الرزية التي لامثلها رزية.
-
-
-
- أيها الناس أصبحنا مطرودين مشردين مذودين شاسعين عن الأمصار كأنا أولاد ترك وكابل، من غير جرم اجترمناه، ولا مكروه ارتكبناه، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الاولين، إن هذا إلا اختلاق والله لو أن النبي تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدّم إليهم في الوصاءة بنا لما ازدادوا على ما فعلوا بنا، فانا لله وإنا إليه راجعون، من مصيبة ما أعظمها، وأوجعها وأفجعها، وأكظها، وأفظعها، وأمرّها، وأفدحها؟ فعند الله نحتسب فيما أصابنا وما بلغ بنا إنه عزيز ذو انتقام.
-
أساليب الإمام السجاد لإحياء ذكرى عاشوراء
- بكاؤه وتأكيده على البكاء على مصاب سيد الشهداء
روي عن الإمام الصادق أنه قال: ان جدّي زين العابدين بكى على أبيه أربعين سنة، صائما نهاره، وقائما ليله، [… وكان] يقول: قتل ابن رسول الله(صلى الله عليه وسلم) جائعا قتل ابن رسول الله عطشانا. فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه، فلم يزل كذلك حتى لحق بالله تعالى.
وقد روي عن أبي جعفر قال كان علي بن الحسين يقول: أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين حتى تسيل عى خده بوّأه الله تعالى بها في الجنة غُرفا يسكنها أحقابا. وأيّما مؤمن دمعت عيناه حتى تسيل على خديّه مما مسّنا من الأذى من عدونا فى الدنيا بوّأه الله منزل صدق.
- تأكيده على زيارة الإمام الحسين وحثه المؤمنين عليها
روي عن أبي حمزة الثمالي قال: سألت علي بن الحسين عن زيارة الحسين؟ فقال: زرْه كلّ يوم، فإنْ لم تقدر فكلّ جمعة، فإنْ لم تقدر فكل فكل شهر، فمن لم يزره فقد استخفّ بحق رسول الله(صلى الله عليه وسلم).
- الاحتفاظ بتربة قبر الحسين
روى المحدثون انه كانت للإمام زين العابدين خريطة ديباج صفراء، فيها تربة قبر أبي عبد الله، فإذا حضرت الصلاة سجد عليها.
الحياة السياسية
لقد ذكر بعض المفكرين مجموعة من الصفات التي اتصفت بها فترة الحكم الأموي:
- إن نظام الحكم في عهد ملوك الأمويين كان بما يُسمى في لغة العصر بـ “نظام الأحكام العرفية”.
- لقد كان الاتهام بالكفر والزندقة والالحاد في زمن حكم الأمويين أهون من الاتهام بالولاء لأهل البيت، وقد عُلّقت في الساحات العامة في الكوفة مجموعة من الجثث قد صُلبوا لحبهم للإمام أمير المؤمنين كميثم التمّار ورشيد الهجري وأمثالهما.
- كان الأمويون طغاة مستبدين لانتهاكهم قوانين الإسلام وشرائعه، وامتهانهم لمثله العليا، ووطئها بأقدامهم.
الملوك الذين عاصرهم
الملوك الذین عاصرهم الإمام السجاد هم يزيد بن معاوية، ومعاوية بن يزيد، ومروان بن الحكم، وعبد الملك بن مروان، والوليد بن عبد الملك.
وبخصوص علاقة مروان بن الحكم بالإمام فيُنقل أن علاقته كانت طيّبة مع الإمام السجاد لما أبداه الإمام تجاهه من رعاية أيام وقعة الحرة، وكان مروان شاكرا للإمام هذه المكرمة.
وأما علاقة عبد الملك بالإمام زين العابدين ففي بداية حكمه نقلت لنا التواريخ ان عبد الملك بن مروان كان ليّنا في تعامله مع الإمام فلم يتعرض له بسوء في بدايات حكمه، فعندما أشار عليه الحجاج الثقفي بقتل الإمام السجاد ليصفو له الملك، فكتب له كتاب يقول فيه: فانظر دماء بني عبد المطلب فاحتقنها و اجتنبها، فإنّي رأيت آل أبي سفيان لمّا ولغوا فيها لم يلبثوا إلّا قليلا
ولكن روي ان عبد الملك بن مروان بعث للإمام السجاد يستوهبه سيف رسول الله فامتنع الإمام من إجابته، فكتب إليه عبد الملك يتهدده ويتوعده بقطع رزقه من بيت المال، فأجابه الإمام: أما بعد، فإنَّ الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون، والرزق من حيث لا يحتسبون، وقال جل ذكره﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ فانظر أينا أولى بهذه الآية، والسلام.
وأخيرا أمر عبد الملك باعتقال الإمام زين العابدين وحمله من المدينة إلى دمشق: قال الزهري: شهدت علي بن الحسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام، فأثقله حديداً ووكل به حفاظاً في عدّة وجمع
وهكذا بالنسبة لعلاقة الوليد بن عبد الملك بالإمام علي بن الحسين حيث قيل: إنَّ الوليد بن عبد الملك كان يرى أنه لا يتم له الملك والسلطان مع وجود الإمام زين العابدين، فدسّ له السم.
الثورات في عصر الإمام
تذكر المصادر بعض الثوارت التي عاصرت الإمام السجاد عليه السلام، والتي ترتبط به بشكل أو بآخر، منها:
واقعة الحرة
وهي من الوقائع الشهيرة التي حدثت في عهد يزيد بن معاوية، وتحديدا في ذي الحجة سنة 63 هـ. وقد ذكر الكثير من المؤرخين أنّ سبب هذه الواقعة هو قيام أهل المدينة ضد حكم يزيد بن معاوية وهدف قيامهم يظهر من خلال إعلانهم الأول الذي ما نصه: إنّا قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويدع الصلاة، ويعزف بالطنابير، وتضرب عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسامر الخرّاب، والفتيان، وإنّا نُشهدكم أنا قد خلعناه. وأتوا عبد الله بن الغسيل، فبايعوه وولّوه عليهم. وأجمعوا على أنَّ أهل الشام قتلوا في هذه الواقعة جمعاً كبيراً من الصحابة ومن أبناء المهاجرين والانصار وصل وفقاً لبعض النقول التاريخية إلى عشرة آلاف شهيد، واستباحوا المدينة المنورة ثلاثة أيام بإيعاز من يزيد بن معاوية.
موقف الإمام منها
لقد اتخذ الإمام السجاد موقف الحياد في هذه الثورة، وتذكر المصادر أسبابا مختلفة لموقف الإمام هذه، منها:
- علم الإمام بما كان عليه أهل المدينة من ضعف وقلّة، في مواجهة ما كان عليه أهل الشام من كثرة وبطش وقسوة.
- الاختيار الخاطئ لأهل المدينة لمكان الثورة، كما أخطأ ابن الزبير في اتخاذه مكة مقرا لحركته، فقد عرضوا هذين المكانين _الحرمين المقدسين_ لهجمات أهل الشام وانتهاكهم للمقدسات، ولذلك فإن كل العلويين الذين ثاروا على الحكام خرجوا من الحرمين، حفاظا على كرامتهما من أن يُهدر فيهما دم، وتهتك لهما حرمة.
- لعلم الإمام زين العابدين ان اشتراكه في تلك الحركة سوف يؤدي إلى إبادة أهل البيت النبوي وشيعتهم إبادة شاملة، فتمكن بحياده من الوقوف في وجه هذا العمل.
- لعله اتخذ الحياد موقفا للحفاظ على أرواح الكثير من الناس حتى من غير العلويين، ففي الخبر أنه ضمّ إلى نفسه أربعمائة منافيّة (أي من بني عبد مناف) يعولهن إلى أن تفرّق الجيش، وكان فيمن آواهن عائلة مروان بن الحكم، وزوجته هي عائشة بنت عثمان بن عفان الأموي، فكان مروان شاكرا لعلي بن الحسين ذلك. ورغم موقفه المحياد قد تكفل الإمام (ع) بالإنفاق على 400 عائلة طيلة وجود مسلم بن عقبة والجيش الشامي في المدينة..
ثورة التوابين
وهي أول الثورات التي عاصرها الإمام علي بن الحسين حيث عقد الثوار مؤتمراً في منزل شيخ الشيعة وكبيرهم آنذاك سليمان بن صرد الخزاعي، فتداولوا الحديث فيما بينهم، ورأوا أنَّ ما حدث لا يمحى إلا بالثأر من قَتَلَة الحسين وكان انعقاد المؤتمر سنة “61 هـ” وهي التي قتل فيها الحسين ومِن هذا المؤتمر انطلقت ثورة التوَّابين للأخذ بثأر الإمام الشهيد، وتسمية هؤلاء الثائرين أنفسهم بالتوَّابين، يُعبِّر عن حالة الشعور بالذنب العظيم تِجاه الإمام وثورته، وإعلان التوبة مِن ذلك الذنب. وكان هدف الثوار – بعد نجاح الثورة – إعادة الحكم إلى ابناء فاطمة وانطلقت في مستهل شهر ربيع الأوّل سنة 65 هجرية.
موقف الإمام السجاد منها
إن الإمام السجاد لم يعلن عن ارتباطه المباشر بالثورات التي قامت تدعو للثأر لأهل البيت، وكذلك لم يعلن عن رفضه لها كما واجه ابن الزبير، بل أصدر بيانا عاما يصلح لتبرير الحركات الصالحة، من دون أن يترك آثارا سيئة على الإمام
ثورة المختار الثقفي
لقد خرج المختار الثقفي مطالبا بدم الإمام الحسين، في الرابع عشر من ربيع الأول سنة 66 للهجرة وقد رفع شعار “يا لثارات الحسين“، وتمكن من تحقيق ما خرج من أجله، حيث ثأر من قتلة الإمام الحسين وتولى إدارة شؤون البلاد، وشكّل حكومة.
موقف الإمام السجاد منها
ذكر الرواة انه لما أرسل المختار برؤوس قتلة الإمام الحسين إليه، خرَّ الإمام السجاد ساجدا، ودعا له، وجزّاه خيرا، وقام أهل البيت كافة بإظهار الفرح، وترك الحداد والحزن. كما ويُنقل عن الإمام قوله لعمّه محمد بن الحنفية: يا عم، لو أن عبدا تعصّب لنا أهل البيت، لوجب على الناس مؤازرته، وقد ولَّيتك هذا الأمر فاصنع ما شئت. ولكن توجد بعض الروايات أيضا تحكي عن عدم رضى الإمام عن فعلة المختار ومنها ما يذكر من إرسال المختار للإمام بعض الهدايا من العراق ولكن أبى الإمام أن يقبلها قائلا: “أَمِيطُوا عَنْ بَابِي فَإِنِّي لَا أَقْبَلُ هَدَايَا الْكَذَّابِينَ وَ لَا أَقْرَأُ كُتُبَهُم”
ثورة عبد الله بن الزبير
قال الشيخ القرشي: انطوت نفوس الحجازيين على كره عميق للأمويين، وذلك لهجومهم في أيام يزيد على مدينة النبي وعلى الكعبة المقدسة التي هي موضع عز المسلمين، وعندما دعاهم ابن الزبير لمبايعته استجابوا له، وقد خلص له الحجاز بأسره كما خلص له غيره من سائر الأقاليم الإسلامية.
كان عبد الله بن الزبير يبغض آل النبي(صلى الله عليه وسلم) ,يُذكر ان ابن الزبير طلب من العلويين البيعة له، فقالوا: لا نبايع حتى تجتمع الأمة، فاعتقلهم في زمزم وتوعدهم بالقتل والاحراق، فاستنجد ابن الحنفية بالمختار الثقفي، فأرسل المختار قوة عسكرية بقيادة أبي عبد الله الجدلي، فهجمت على السجن وخلصت العلويين منه.
موقف الإمام السجاد منها
يحدثنا التاريخ ان الإمام السجاد لم يؤيد ابن الزبير وكان يظهر التخوف من حكمه، ولعلّه بسبب أنّ ابن الزبير اتّخذ مكّة موقعاً لحركته، مما يؤدي عند هزيمته إلى أن يعتدي الأمويون على هذه البلدة المقدَسة الاَمنة، وعلى حرمة البيت الحرام والكعبة الشريفة، – وقد حصل ذلك فعلاً – مع أنَ علم الإمام بفشل حركته لضعفه وقلّة أنصاره بالنسبة إلى جيوش الدولة الأموية، كان من أسباب امتناع الإمام ومعه كل العلويين من الاعتراف بحركة ابن الزبير.
الدور الفكري للإمام السجاد
قال الشيخ القرشي: لقد فتح الإمام زين العابدين آفاقا من العلم لم يعرفها الناس من ذي قبل فقد عرض لعلوم الشريعة الإسلامية من الحديث، والفقه، والتفسير، وعلم الكلام، والفلسفة، ويقول بعض المترجمين له: إن العلماء رووا عنه من العلوم ما لا يحصى.
وذكر المحدثون أن الإمام علي بن الحسين روى مجموعة كبيرة من الأحاديث عن جدّيه الرسول الأعظم(صلى الله عليه وسلم) والإمام أمير المؤمنين، وعن أبيه الإمام الحسين وغيرهم.
ولقد استفاد الإمام زين العابدين من الدعاء لطرح بعض المعتقدات الإسلامية فأوجد لدى الناس مرة أخرى اندفاعا وحركة نحو العبادة والتوجّه إلى الله.
ومن هذه المعتقدات التي وردت في الصحيفة السجادية مسألة الإمامة، كقوله: رَبِّ صَلِّ عَلَى أَطَايِبِ أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِأَمْرِكَ، وَجَعَلْتَهُمْ خَزَنَةَ عِلْمِكَ، وَحَفَظَةَ دِينِكَ، وَخُلَفَاءَكَ فِي أَرْضِكَ، وَحُجَجَكَ عَلَى عِبَادِكَ، وَطَهَّرْتَهُمْ مِنَ الرِّجْسِ وَالدَّنَسِ تَطْهِيراً بِإِرَادَتِكَ، وَجَعَلْتَهُمُ الْوَسِيلَةَ إِلَيْكَ، وَالْمَسْلَكَ إِلَى جَنَّتِكَ.
وقوله: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا الْمَقَامَ لِخُلَفَائِكَ وَأَصْفِيَائِكَ وَمَوَاضِعَ أُمَنَائِكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي اخْتَصَصْتَهُمْ بِهَا قَدِ ابْتَزُّوهَا، وَأَنْتَ الْمُقَدِّرُ لِذَلِكَ، لَا يُغَالَبُ أَمْرُكَ، وَلَا يُجَاوَزُ الْمَحْتُومُ مِنْ تَدْبِيرِكَ كَيْفَ شِئْتَ وَأَنَّى شِئْتَ، وَلِمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ غَيْرُ مُتَّهَمٍ عَلَى خَلْقِكَ وَلَا لِإِرَادَتِكَ حَتَّى عَادَ صِفْوَتُكَ وَخُلَفَاؤُكَ مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ مُبْتَزِّينَ، يَرَوْنَ حُكْمَكَ مُبَدَّلًا، وَكِتَابَكَ مَنْبُوذاً، وَفَرَائِضَكَ مُحَرَّفَةً عَنْ جِهَاتِ أَشْرَاعِكَ، وَسُنَنَ نَبِيِّكَ مَتْرُوكَةً.
المناسبات المرتبطة
أعلنت العتبة الحسينية المقدسة عن إقامة مهرجان تراتيل سجادية لعام 1441 هـ تحت عنوان “العدالة الاجتماعية في رسالة الحقوق للإمام السجاد عليه السلام”، وذلك عند مرقد الإمام الحسين (ع). ويذكر أن المهرجان تقام بنسخته السادسة.
كتب حوله
قام علي فرحان العلي في كتابه «ببليوجرافيا الإمام زين العابدين (ع)» بعرض المؤلَّفات بشأن الإمام علي بن الحسين (ع) بلغات شتی كالعربية والفارسية والأردوية، والتركية، والإنجلیزیة، كما ذكر المؤلفات التي ورد اسمها في كلمات العلماء ولم يقف علیها مباشرة.