منوعات أدبية

عناصر القصة القصيرة

القصة القصيرة

ممّا لا شكَّ فيه أنّ القصّة القصيرة تشغل حيِّزاً شديد الأهمّية بين الأدبيّات الموجودة لدى الثقافات المختلفة، وبخاصّة الثقافة العربيّة؛ حيث إنّها تُعَدُّ من أهم الفنون التي تهتمّ بإصلاح سلوك المجتمعات، ومعالجة قضاياه، علماً بأنّ أصول هذا النوع الأدبيّ تعود إلى مصدرين، هما: الأدب العربيّ القديم، والذي يتمثّل بالقصص الواردة في القرآن الكريم، والمقامات، وغيرها، والأدب الغربيّ الذي تمّت ترجمته بعد الاختلاط بالثقافات الأجنبيّة، والتأثر بها، ومن هنا، كان لا بُدّ من تسليط الضوء على هذا الفنّ الأدبيّ، بتعريفه، وبيان عناصره، وأنواعه، وأبرز روّاده.

ورد تعريف القصّة في اللغة على أنّها لفظة من الفعل (قصَّ)، حيث نقول: قصَّ، يَقُصُّ، فهو قاصٌّ، واسم المفعول منه هو (مقصوص)، يُقال: قَصَّ القِصَّةَ؛ أي حكاها، ورواها لهم، وأخبرهم بها، والقِصَّةُ: حكاية مكتوبة طويَلةٌ تُستمَدُّ من الخيال، أَو الواقع، أو منهما معاً، وتُبنى على قواعد مُعيَّنة من الفنّ الأدبيّ، وجمعها (قِصَصٌ)، كما أنّها تُعرَّف على أنّها: قطعة نثريَّة روائيّة فيها عدد قليل من الشخصيّات، وتهدف إلى وحدة التأثير. أمّا في الاصطلاح، فقد تعدَّدت التعريفات من قِبَل الباحثين؛ فقد وَرَد أنّ القصّة هي: نَقل صورة عن الواقع، وتتبُّع الحقيقة، دون كَذب، أو انتحال، ومنهم من عرَّفها على أنّها: فنٌّ أدبيٌّ نثريٌّ، يُلخِّص أحداثاً ووقائع مُعيَّنة، حيث تُؤدّي هذه الأحداث شخصيّاتٌ مُحدَّدة، ضمن قالب فنّي متوازن، وضمن بيئة تلتزم بزمان، ومكان مُحدَّد، غير أنّ هناك من عرَّفها على نحو مختلف قليلاً؛ وتفصيل ذلك على النحو الآتي:

إقرأ أيضا:من هم كليلة ودمنة
  • يُعرِّف إيمبرت القصّة القصيرة على أنّها: “سرد نثريّ موجز يعتمد على خيال قصّاص فرد برغم ما قد يعتمد عليه من أرض الواقع، فالحدث الذي يقوم به الإنسان، أو الحيوان الذي يتمّ إلباسه صفات إنسانيّة، يتألَّف من سلسلة من الوقائع المتشابكة في حبكة، حيث نجد التوتُّر والاسترخاء في إيقاعهما التجريديّ من أجل الإبقاء على يقظة القارئ، ثم تكون النهاية مرضية من الناحية الجماليّة”.
  • يرى والتر ألان أنّ القصّة القصيرة هي: “أكثر الأنواع الأدبية فعاليّة في عصرنا الحديث بالنسبة للوعي الأخلاقي، فهي عن طريق فكرتها، وفنّياتها، تتمكّن من جلب القارئ إلى عالمها، فتبسّط الحياة الإنسانيّة أمامه بعد أن أعادت صياغتها من جديد”.
  • يُعرِّفها مصطفى فاسي على أنّها: “عمل أدبيّ مُركَّز مُكثَّف، يُصوِّر حياة شخصية، أو أكثر في مرحلة حماسة من حياتها”.

ومن خلال ما سبق، يمكن لنا التوصّل إلى تعريف بسيط وواضح للقصّة القصيرة، حيث يمكن تعريفها على أنّها: نوع من الفنون الأدبيّة النثريّة التي تهتمّ بوصف مظاهر الحياة، ومكنوناتها المُتمثِّلة بالحبّ والكُره، والخير والشرّ، والأمل، والألم، وغيرها، في تناسُق فنّي شيّق، ولطيف، يتجانس فيه الخيال البديع مع الحقيقة الصائبة، وبقَدر عالٍ من التصوير الفنّي، والجماليّ الرفيع.

عناصر القصّة القصيرة

ممّا يجدر ذكره هنا أنّ هناك اختلاف واضح بين المُختَصّين في هذا المجال حول ما يتعلَّق بتحديد عناصر القصّة القصيرة؛ بناء على التصوُّر الخاصّ بكلٍّ منهم حول ماهيّتها، وأركانها، وما إلى ذلك من أمور مُرتبطة بهذا النوع من الفنون الأدبيّة، ومن هنا كان لا بُدّ من ذِكر العناصر التي تمّ الاتّفاق على ضرورة وجودها في أيّ قصّة قصيرة، وهي على النحو الآتي:

إقرأ أيضا:ما معنى اللئيم
  • الحدث: وهو أبرز عناصر القصّة القصيرة، ومحورها الذي تدور حوله، علماً بأنّه يتشكّل من مجموعة من الوقائع الجزئية التي ترتبط ببعضها البعض على نحو مُنظَّم، وقد يُبنى الحدث باستخدام عدّة طرق، منها:
    • الطريقة التقليديّة التي يسلك فيها القاصّ أسلوب التدرُّج من مقدّمة القصّة، وحتى نهايتها.
    • الطريقة الحديثة التي يتمّ فيها العرض منذ لحظة التأزُّم، ثمّ الرجوع إلى الماضي ليرويَ البداية، وذلك باستخدام أساليب فنّية، كأسلوب الذكريات.
    • طريقة الارتجاع التي يستخدمها الكاتب في روايته للحدث مُبتدِئاً بالنهاية، ثمّ يعود فيروي القصّة كلَّها.

أمّا في ما يتعلَّق بطُرق صياغة الحدث، فيمكن استخدام طريقة السرد المباشر التي تترك للقاصّ الحرّية في تحليل الشخصيّات، والأحداث بشكل دقيق، عِلماً بأنّه يستخدم في هذه الطريقة ضمير الغائب، وهي تُعّدُّ أفضل من طريقة الترجمة الذاتيّة التي يلجأ فيها القاصّ لاستخدام ضمير المتكلّم. ومن الجدير بالذكر أنّ من أهمّ عناصر الحدث وجود الحبكة التي تُعبّر عن تسلسُل الأحداث وصولاً إلى نتيجة قد يتسبّب فيها الصراع بنوعَيه: الداخليّ، والخارجيّ.

  • الخبر القصصيّ: وهو الغاية من تأليف القصّة، والهدف الذي يُراد الوصول إليه، حيث لا بُدّ من أن يحتوي على الوحدة والاتّساق في ما بين أجزائه، كما لا بُدّ من أن يكون مُشتمِلاً على مُقدّمة، وحبكة، وخاتمة، ومن الجدير بالذكر أنّه لا بُدّ من أن يكون له أثر؛ حتى يتركَ انطباعاً يصل إلى المُتلقِّي.
  • النسيج القصصيّ: وهو الأسلوب اللغويّ الذي يضمن تحقيق الهدف المَرجوّ، ويتميّز باختلافه بحسب اختلاف الشخصيّات؛ إذ لا بُدّ من أن تتّخذَ كلّ شخصيّة أسلوباً لغويّاً خاصّاً بها، ممّا يُبرز المنطقيّة، والواقعيّة في بناء القصّة، عِلماً بأنّ هذا النسيج يتكوّن من ثلاثة عناصر أساسيّة، هي: السَّرد الذي يهتمّ برواية أحداث القصّة، سواء كانت أحداثاً حقيقيّة، أو خياليّة، كما أنّه يساعد على ترابُطها معاً، والحوار الذي يركّز على كَسر الرتابة، والملل في أحداث القصّة، ممّا يُساهم في جَعلها أكثر واقعيّة، إلّا أنّه لا بُدّ أن يكون ملائماً للشخصيّات، كلٌّ بحَسب ثقافته، كما لا بُدّ من أن يكون مُوجَزاً، وسريعاً في التعبير عن أفكار شخصيّات القصّة، وغيرها من الأمور، والوصف الذي يُركّز على بيان ملامح البيئة الداخليّة، أو الخارجيّة للقصّة، وذلك باستخدام الأساليب البيانيّة المختلفة، من تشبيه، واستعارة، وعناية بالألفاظ، وغيرها؛ بهدف تحقيق الانسجام في النسيج القصصي، إلّا أنّ هذا الوصف لا بُدّ من أن يكون نابعاً من رؤية الشخصيّات له، وليس من وجهة نظر القاصّ نفسه، وهو ليس بهدف تزيين النصّ الأدبيّ، ولا بهدف زيادة جماليّته بالقَدر نفسه الذي يخدم فيه الأحداث، ويَبنيها في القصّة.
  • الشخصيّة: وهي أساس القصّة القصيرة، ومحورها الذي يتمّ من خلاله إيصال الأفكار، وعرض الأحداث، علماً بأنّ لها ثلاثة أبعاد مهمّة، هي: البعد النفسي الذي يشمل سلوك الشخصيّة، ومزاجها، وأفكارها، ومشاعرها، وما إلى ذلك، والبعد الجسديّ الذي يتمثّل بوصف الجسد الخارجيّ، كالوزن، والطول، والعمر، وغيرها، والبعد الاجتماعي الذي يتمثّل بثقافة الشخصيّة، ونشاطها، ودينها، وطبقتها الاجتماعيّة التي تنتمي إليها، وغيرها من الأمور. ومن الجدير بالذكر أنّ الشخصيّة تُقسَم إلى عدّة أنواع، هي:
    • الشخصيّة الرئيسيّة: حيث تتمتّع هذه الشخصيّة بالفاعليّة، والنموّ، والاستقلاليّة في رأيها، كما أنّها مسؤولة عن تجسيد الحدث، وبالتالي فهي تُعتبَر شخصيّة صعبة التكوين.
    • الشخصيّة الثانويّة (المُساعِدة): تُعَدّ أقلّ أهميّة من الشخصية الرئيسيّة في القصّة، إلّا أنّها تؤدّي بعض الأدوار المهمّة في نموّ الأحداث، وفي حياة الشخصيّة الرئيسيّة.
    • الشخصيّة المُعارِضة: وهي شخصيّة تتمتّع بالقوّة، وتُعرقل أهداف الشخصيّة الرئيسيّة، ممّا يساعد في تنمية الصراع بينهما، إلّا أنّ لها دوراً كبيراً في بناء الأحداث، وتناميها.
    • الشخصيّة البسيطة: وهي الشخصيّة التي لا يطرأ عليها أيّ تغيير، فلا تتطوّر، ولا تنمو.
    • الشخصيّة النامية: وهي الشخصيّة التي يرتبط نُموّها بسَير الأحداث، وتطوُّرها.
  • الأسلوب: وهو يُعبِّر عن طريقة القاصّ في جَذب انتباه المُتلقِّي؛ حيث لا بُدّ أن تحتوي هذه الطريقة على عنصر التشويق، بالإضافة إلى استخدام الأساليب القويّة، والمناسِبة لنَمط الأحداث، فلا يعيد تكرار الوصف، أو الألفاظ؛ حتى لا يتسبّب هذا الأمر بإحداث الملل في نفس المُتلقِّي، ومن المهمّ أن لا يتّسم أسلوب القاصّ بتقليد أسلوب غيره، حتى وإن أعجبه، كما أنّ الدقّة، والبساطة، والوضوح، من أبرز الأمور التي من شأنها أن تسهم في في سلامة اللغة، وبالتالي سلامة الأسلوب القصصيّ.
  • البيئة (الزمان، والمكان): وهي كلّ ما يتّصل بالواقع الزمانيّ، أو المكانيّ، حيث تُعَدُّ عنصراً مهمّاً في بُنية القصّة؛ فهي تؤدّي دوراً أساسيّاً في الكشف عن الصفات التي تتّسم بها الشخصيّات، إلّا أنّه من الأفضل تجنُّب التنوُّع فيها؛ حتى يتمكّن من السيطرة على الأحداث، وبالتالي تحديد صفات الشخصيّات.
  • الصِّراع: وهو يُعبِّر عن التصادُم الذي يحصل بين الشخصيّات في القصّة، حيث يُقسَم إلى قسمَين، هما:
    • صِراع داخليّ: ويكون لدى الشخصيّة ذاتها.
    • صِراع خارجيّ: ويكون بين شخصيّات القصّة ككلّ.
  • العُقدة والحل: وهي تعني ذروة الأحداث، وتأزُّمها، وذلك قَبل اكتشاف الحلّ الذي لا يُعَدّ بالضرورة مُرتبِطاً بالعقدة؛ حيث قد تأتي بعض النهايات بلا حلّ، فتُسهِم بالتالي في إذكاء مُخيّلة المُتلقِّي.

أنواع القصّة القصيرة

تُقسَم القصّة القصيرة إلى عدّة أنواع، وذلك على النحو الآتي:

إقرأ أيضا:أنواع الخطاب
  • من حيث الحجم: وتُقسَم إلى:
    • الأقصوصة: وهي تتكوّن من صفحة واحدة، وحدث واحد، وموقف مُعيَّن.
    • القصّة القصيرة: وعادة ما تكون أكبر من الأقصوصة، حيث تتضمّن حوالي 500 كلمة.
    • القصّة: وهي تُعَدّ أكبر من القصّة القصيرة؛ حيث تحتوي القصّة على أكثر من حدث واحد، وعلى عدّة شخصيّات بما يخدم الحدث الأصليّ.
    • الرواية: وهي أكبر نوع من الأنواع السالفة الذِّكر؛ حيث تتعدَّد فيها الأحداث، والشخصيّات، وتمتدّ الأحداث فيها إلى أكثر من زمن واحد.
  • من حيث المضمون: وتُقسَم إلى عدّة أنواع، منها:
    • القصّة الشعبيّة: وتمثّل الحياة والواقع الاجتماعيّ.
    • القصّة الإسلاميّة: وهي تُستمَدّ من التشريع الإسلاميّ، وتمثّله، دون أن تؤثِّر في الحرّية الإبداعيّة للقاصّ.
    • القصّة البوليسيّة: وتناقش جريمة ما عبر تحليلها، وإيجاد الحلول لها.
    • القصّة الفُكاهيّة: وهي تلخيص الأحداث في قالب فُكاهيّ؛ بهدف التسلية.
    • قصص الطبيعة: حيث تدور فيها الأحداث على ألسنة الحيوانات، أو الطيور، أو الجمادات، بقالب يعكس صفات البشر.
    • قصص الخيال العِلميّ: حيث تدور حول النظريات العلميّة، والاكتشافات التي توصّل إليها العلماء، وقد تدور حول حياة العلماء.

أبرز رُوّاد القصّة القصيرة

لمع نجم العديد من الشخصيّات في التاريخ الحديث للقصّة القصيرة، حيث كان من أبرزهم:

  • زكریا تامر.
  • محمود تيمور.
  • محمود شقیر
  • یوسف إدریس.
  • فخري قعوار.
  • إبراهيم المازني.
  • يحيى حقّي.
السابق
موضوع عن عيد المعلم
التالي
مقدمة عن الأم