عبد الله بن عمر
جدول المحتويات
هو عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، يُكنّى بأبي عبد الرحمن، وُلِد قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعامين لزينب بنت مظعون الجمحية رضي الله عنه وعنها، قيل إنّه أسلم قبل أبيه، والصحيح أنّه أسلم معه وهو صغير ولكنه هاجر قبله، لم يشهد غزوة بدر لأنه كان صغيراً حينها، واختُلِف في كونه شهد غزوة أحد أم لا لصغره أيضاً، إلا أنّه شهد غزوة الخندق بالاتفاق، كان -رضي الله عنه- شديد الحرص على ملازمة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان يتابعه في كل حركة وسكنة، فيصلّي معه أينما صلّى، ويرافقه أينما ذهب، وكان حريصاً على اجتناب الفتن وعدم الدخول فيها.
أكثر عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- من رواية الحديث لملازمته الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وبلغ بذلك المرتبة الثانية في أكثر الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان بعد أبي هريرة في ذلك، وقد روى ما يقارب 2630 حديث، وكان كثير التصدق والإنفاق في سبيل الله، فقد يُخرِج في المجلس الواحد ثلاثين ألفاً من الدراهم، ولم يكن يجلس على مائدته للطعام إلا ومعه يتيم يشاركه فيها، شارك في بيعة الرضوان، وكان فقيهاً كريماً طيب القلب، توفي -رضي الله عنه- وله ثلاثة عشر ابناً، وكان عمره حين وفاته أربعة وثمانون عاماً، وقيل ستّة وثمانون عاماً، وهو آخر من توفي من الصحابة -رضي الله عنهم- في مكة، وذلك سنة ثلاث وسبعين أو أربع وسبعين للهجرة.
إقرأ أيضا:عذاب قوم لوطمواقف من حياة عبد الله بن عمر
كان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- حريصاً على محاكاة أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- وتقليدها، حتى إنّه رأى ناقة الرسول -صلى الله عليه وسلم- مرّة تدور دورتين قبل أن ينزل عنها الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم صلّى -عليه الصلاة والسلام- ركعتين، فكان عبد الله بن عمر لا يبلغ ذلك المكان الذي رأى فيه فعل الناقة ذاك إلا ويدور بناقته، ثمّ ينزل فيصلّي لله ركعتين، ورأى مرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينزل تحت شجرة، فظلّ يتعاهد تلك الشجرة بالسقاية والرعاية خشية أن تموت أو تيبس، وقد قالت فيه السيدة عائشة رضي الله عنها: (ما كان أحد يتبع آثار النبيّ في منازله كما كان يتبعه ابن عمر).
رأى عبد الله بن عمر -رضي لله عنه- مرّةً أنّه يلبس بيده قطعةً من إستبرق، تذهب به حيث شاء من الجنة، ثمّ جاء اثنان يريدان أن يأخذاه إلى النار، فصار يقول: أعوذ بالله من النار، أعوذ بالله من النار، فلمّا استيقظ أخبر أخته حفصة بذلك، وقصّت هي تلك الرؤيا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (نِعمَ الرَّجلُ عبدُ اللهِ لو كان يُصلِّي منَ اللَّيلِ فيكثر)، ومنذ ذلك اليوم ظلّ ابن عمر يقوم الليل في حِلّه وترحاله حتى توفّاه الله تبارك وتعالى، وقد كان -رضي الله عنه- شديد الورع حتّى إنّه رفض تولّي القضاء في عهد عثمان بن عفّان، وظلّ مُصرّاً على موقفه، فلما سأله عثمان بن عفان -رضي الله عنه- عن سبب رفضه، قال: إنّه قد سمع أن القضاة على ثلاثة أنواع، واحد يقضي بالهوى وهو في النار، والآخر يقضي بالجهل وهذا أيضاً في النار، والأخير يجتهد ويصيب، وهذا ليس له أجر وليس عليه وزر، فأعفاه عثمان حينها.
إقرأ أيضا:قصة ادم عليه السلاموقد ورد في زُهد عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنّ صديقاً له أهداه مرّةً وعاءً مملوءاً فسأله ابن عمر عمّا فيه، فقال له: إنّه دواء يهضم الطعام، فضحك حينها ابن عمر، وقال له: إنّني لم أشبع من الطعام منذ أربعين عاماً أبداً، وقد كان -رضي الله عنه- يزهد في الدنيا خشية أن يكون ممّن قال الله -تعالى- فيهم في القرآن الكريم: (أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا)، وقد دخل ميمون بن مهران مرّةً إلى بيت ابن عمر، فثمّن كل ما في بيته من لحف وفراش وبساط، فلم يجده يساوي مئة درهم.
موقف عبد الله بن عمر من الخلافة والفتن
لم يقبل عبد الله بن عمر بالخلاقة رغم أنّها عُرِضت عليها مرّاتٍ عديدةً، فقد قال الحسن: إنه لما قُتِل عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قيل لعبد الله بن عمر: إنّك سيّد الناس وابن سيد الناس، فاخرج ليبايعك الناس، إلا أنّه رفض ذلك خشية أن يكون سبباً في إراقة دم أحد المسلمين، فهدّده بعضهم بالقتل إن لم يقبل بالخلافة إلا أنّه أصرّ على قوله، فحاولوا أن يطمّعوه بالخلافة ويخوّفوه من رفضها، إلا أنّ ذلك لم يغيّر في رأيه شيئاً وبقي على موقفه الرافض لها، وأمّا في الفتنة بين علي ومعاوية فقد رفض -رضي الله عنه- استخدام القوة والسيف بين المسلمين، وكان مصرّاً على موقفه المحايد بينهما، ويقول: إنّه يجيب من ينادي بحيّ على الفلاح، ويجيب من ينادي بحيّ على الصلاة أيضاً، أمّا من ينادي بحي على قتل أخيك المسلم فلا يجيبه مهما حصل، وقد سمعه أبو العالية البراء مرّةً وهو يقول: (واضعين سيوفهم على عَوَاتِقِهم، يقتل بعضهم بعضاً، يقولون: يا عبد الله بن عمر، أَعْطِ يدك).
إقرأ أيضا:صبر سمية آل ياسرصفات ابن عمر الخَلقية
ورد في صفات عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- الخَلقيّة أنّه كان أسمر اللون، ويلبس إزاراً يصل إلى منتصف ساقَيه، وقال هشام بن عروة: إنه رأى عبد الله بن عمر وله جمّة، والجمّة هي الشعر الذي يصل إلى أذنيّ الإنسان، وقال عثمان بن إبراهيم الحاطبي: إنّ عبد الله بن عمر كان يحف شاربه حتى يظنّ الناظر إليه أنّه ينتفه، وكان في السفر يتزر على قميصه، كما كان يختم الأشياء بخاتمه، ويصفر لحيته، وورد عن نافع قوله: إنّ ابن عمر كان يقبض على لحيته، ويأخذ منها ما زاد على قبضته تلك.