هو حالة نشأت في مجتمعاتنا مؤخراً، وهي أخطر وأشدُّ فتكاً على الأسرة من الطلاق. ففي هذه الحالة لا يكون هناك طلاق، بل يبقى عقد الزواج سارياً بين الزوجين، ولكن كلاً منهما يعيش بمعزلٍ عن الآخر في كل مناحي حياته، حتى أنهما لا يناما في نفس الغرفة. وتأتي هذه الحالة عند غياب المودة والرحمة والمحبة التي تُبنى عليها البيوت، فتُنزعُ هذه الخِصال الحميدة من قلوب الزوجين؛ ولا يبقى لها إلا واجب التواجد سوياً، وذلك خوفاً من لقب مُطلِّق أو مطلَّقة، وخصوصاً لقب مُطلَّقة للزوجة؛ وذلك لنظرة مجتمعنا القاصِرة للمطلَّقات. وهذه الحالة قد لا يعرف عنها أحدٌ خارج الزوجين، فأمام العائلة والأصدقاء؛ يكونان وكأنهما أكثر حبيبين هياماً ببعضهما، ولكن في خلوتهما؛ يخلعان قناع العائلة ويعودان إلى وجه الفراق القبيح.
الطلاق الصامت هو نهاية غير رسمية للعلاقة الزوجية، فلا يوجد تواصل بين الزوجين ولا كلام ولا وعلاقة زوجية والتي تزيد من المودة وتقرِّب القلوب. يُصبِح هناك تلبُّدٌ في المشاعر؛ لدرجة أنّه في بعض الحالات تنعدم الغيرة لدى أحد الطرفين أو كلاهما؛ وهي المحرِّك الرئيسي للحياة الزوجية؛ والدليل القاطع على وجود الحبِّ بينهما. يصبح الزوجان في هذه الحالة جيراناً في بيتٍ واحد، وأفضل تشبيه للحياة الزوجية بينهما هي مثل الميت – الحي، أو كما يُسمَّى في الأفلام الأجنبية الزومبي، هناك بيت ورجل وامرأة يعيشان تحت سقفٍ واحد، فقط. و”فقط” هذه هي المُعضِلة، جسدٌ بلا روح، ونباتٌ بلا ثمار.
إقرأ أيضا:كيفية كتابة مقدمة عن التدخينمن أسباب نشوء الطلاق الصامت هو التعنُّت لدى الزوجين، كلٌّ منهما يريد كل شيءٍ لنفسه، ولا يعلم أحدهما أنّ الحياة الزوجية مبنية على أساس طرفين، لكلٍّ منهما واجباته التي هي حقوق للآخر، وحقوقه التي هي واجباتٌ على الآخر، بل إن كل طرف يريد كل شيء لنفسه، وقد يكون الخلل من طرفٍ واحد فقط، ولكن هذا يجعل الطرف الآخر يَنْفُر، ومع مرور الزمن؛ تتولَّد ردة فعل عكسية تدعو إلى التمرُّد والخروج عن المألوف. وفي حالات يكون السبب هو تراكمات من مشاكل لم يتم حلها في وقتِها، مع العلم أنّها تكون صغيرةً وليست ذات تأثير بحدِّ ذاتها في ذلك الوقت، ولكن عدم الوصول إلى حلٍّ لها؛ يؤدي مع مرور الزمن إلى تراكمها وتكاثرها، مثل الحصى الصغيرة، تتجمَّع فوق بعضها، يكون من السهل إزالتها أولاً بأول، ولكن تراكمها يجعلها تصبح جبلاً يستحيل إزاحته من وجه العلاقة الزوجية.
البيت ليس جدراناً، بل جسدٌ وروح، الجسد كناية عن العمل والجِدِّ وتأمين مستلزمات الحياة، وهذا هو الرجل. والروح كناية عن العطف والدفء والحنان، وهذه هي المرأة. نفاعل الروح مع الجسد هو ما يدُبُّ الحياة فيه، وانفصالهما عن بعضهما يجعله كأعجازِ نخلٍ خاوية، فيجب على الطرفين حل الأمور العالقة بينهما بأي طريقة كانت، إذا كانا ينويان الاستمرار كزوجين؛ وليس كطرفي حرب باردة. يجب أن يفتحا قنوات الحوار بينهما، لا تهُمُّ الطريقة ولا التوقيت، هو قرارٌ لا بُدَّ وأن يتَّخِذهُ أحدهما لإنقاذ الوضع؛ والخروج به من ذلك القاع. يجب الوصول إلى حلّ، ولا أقول أنْ تعود الحياة الزوجية إلى سابق عهدها، مع أن هذا هو الحلُّ الذي أرجوه ويتمناه كل ذي عقلٍ؛ ولديه لو مقدر ذرَّةٍ من إيمان، ولكن قد يكون الطلاق النهائي حلاً أيضاً، قد يكون في الكَيِّ شِفاء، ولكن ألم ساعة أفضل من ألم كل ساعة. ولكن في البداية يجب أن يكون الهدف من حلِّ المشاكل هو الوصول بالعلاقة الزوجية إلى برِّ الأمان، والمحاولة الجادة لِلَمِّ شمل الجسد المُمزَّق، وإن لم تُفلِح هذه الطريقة، فإكرام الميِّت دفنه.
إقرأ أيضا:عبر من الحياة