أضرار تلوّث البيئة
جدول المحتويات
يشمل التلوّث البيئي (Environmental pollution) العمليات التي تلحق الضرر بالبيئة، وتؤثّر سلباً على جودة الحياة، ويُعدّ التلوث البيئي مشكلة واسعة التأثير، فهي تشمل البلدان النامية والمتقدّمة، كما يمكن تقسيمه إلى ثلاثة أنواع رئيسية بناءً على الوسط الذي يحدث فيه، وهي: تلوّث الهواء، وتلوّث الماء، وتلوّث التربة.
أضرار تلوّث الهواء
أضراره على صحة الإنسان
يتمثّل تلوّث الهواء في الغازات والجسيمات العالقة فيه، والذي يسبّب التعرّض لها العديد من المشاكل الصحية، منها: الأمراض المتعلّقة بجهاز القلب والأوعية الدموية بما في ذلك تصلّب الشرايين، وقصور القلب، وارتفاع ضغط الدم، والنوبة القلبية، والسكتة الدماغية، وعدم انتظام ضربات القلب، بالإضافة إلى أمراض الرئة التي تشمل الربو، والانسداد الرئوي المزمن، والتهاب الشعب الهوائية، وضعف وظائف الرئة، وسرطان الرئة، والحساسية، وقد أظهرت الدراسات أنّ احتمالية الإصابة بسرطان الرئة تزداد عند الإقامة بالقرب من الطرق الرئيسية، أو نتيجة قضاء أوقات طويلة في حركة المرور، كما أنّ التعرّض لتلوّث الهواء بشكل مستمرّ يزيد من نسب الوفاة، إذ ينتج عنه بما يُقارب 800 ألف حالة وفاة مبكّرة سنوياً وفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية، ويُعدّ التعرّض له أكثر خطورة على الأطفال، والنساء، وكبار السن الذين يعانون من أمراض القلب، والسكري، والسمنة، إذ إنّه يساهم في زيادة سرعة تطوّر هذه الأمراض.
إقرأ أيضا:حلول لتلوث الماءيساهم تلوّث الهواء في تقليل متوسّط العمر المتوقّع لبقاء الإنسان على قيد الحياة، فإذا استمرّ تلوّث الهواء بهذه المستويات المرتفعة فإنّ سكان العالم سيفقدون ما يُقارب 12.8 مليار سنة من عمرهم، أي أنّ الشخص الواحد سيخسر حوالي 1.8 سنة من عمره، إذ إنّ تأثير تلوّث الهواء على متوسط عمر البشرية يُعادل تأثير التدخين تقريباً، بينما يزيد أضعافاً عن تأثير أمراض نقص المناعة كالإيدز، وإدمان الكحول والمخدرات، وغيرها، ويجدر بالذكر أنّه في حال قلّ معدّل تلوّث الهواء في جميع أنحاء العالم ليصل إلى الحدّ المسموح به لدى منظمة الصحة العالمية، فإنّ متوسط العمر المتوقّع عالمياً سيرتفع بمقدار 1.8 سنة ليصل إلى حوالي 74 سنة للشخص الطبيعي.
أضراره على البيئة وكوكب الأرض
يمكن أن يسبّب تلوّث الهواء مجموعة متعدّدة من الآثار السلبية على البيئة، ومنها:
- تشكّل المطر الحمضي: (Acid Rain)، يُعرّف المطر الحمضي بأنّه المطر الذي يحتوي على كميات ضارّة من حمض النيتريك والكبريتيك، إذ تتكوّن هذه الأحماض بشكل أساسي من أكاسيد النيتروجين والكبريت التي تنبعث إلى الغلاف الجوي نتيجة احتراق الوقود الأحفوري، حيث تختلط بمياه الأمطار أو الثلوج وتسقط على الأرض، ممّا يسرّع من تآكل المباني، والتماثيل، والمنحوتات التي تُعدّ جزءاً من التراث الوطني، كما يسبّب تلف الأشجار، وارتفاع معدّل حموضة التربة والمسطحات المائية، وبذلك تصبح المياه بيئة غير مناسبة للعديد من الأسماك والكائنات الحية.
- فرط المغذّيات في المسطحات المائية: (Eutrophication)، يُعدّ وجود العناصر الغذائية كالنيتروجين في بعض البحيرات ومصبّات الأنهار أمراً طبيعياً، إلّا أنّ وجودها بتراكيز عالية في المسطّحات المائية يؤثّر سلباً على توازن وتنوّع الحياة النباتية والحيوانية فيها، ويعود السبب في ذلك إلى الأنشطة البشرية التي تساهم في انبعاث كميات كبيرة من أكاسيد النيتروجين الصادرة عن محطّات توليد الطاقة والسيارات وغيرها إلى الهواء، وبالتالي زيادة نسبة دخولها إلى النظم البيئية المائية.
- تشكّل الضباب: (Haze)، يحدث الضباب بسبب تشتّت أشعة الشمس عن الجسيمات الصغيرة العالقة في الهواء الملوّث، ممّا يقلّل من مدى وضوح الرؤيا، ويمكن أن تُطلق هذه الجسيمات الصغيرة مباشرة إلى الغلاف الجوي من عدّة مصادر، منها: محطّات الطاقة، والمنشآت الصناعية، والسيارات، وأنشطة البناء، وغيرها، وقد تتكوّن أيضاً نتيجة انبعاث عدد من الغازات، مثل ثاني أكسيد الكبريت، وأكاسيد النيتروجين.
- التأثير سلباً على الحياة البرية: يواجه الإنسان والحيوانات المختلفة العديد من المشاكل الصحية إذا تعرّضت لتراكيز عالية من المواد السامّة العالقة في الهواء، أو المترسّبة في التربة والمياه السطحية، إذ تظهر الدراسات أنّ ملوّثات الهواء تساهم في حدوث تشوّهات خلقية ومشاكل في الإنجاب عند البشر، بالإضافة إلى العديد من أمراض الحيوانات، كما تشكّل المواد السامّة التي تبقى مدّة طويلة في الهواء وتتحلّل بشكل بطيء في البيئة مصدر ضرر كبير في النظم البيئية المائية.
- تلف المحاصيل الزراعية والغابات: يمكن أن يتسبّب تلوّث الهواء في إتلاف المحاصيل الزراعية والأشجار، إذ إنّ تشكّل غاز الأوزون بالقرب من سطح الأرض يقلّل من الإنتاج الزراعي، وقدرة الشتلات الزراعية على النموّ، ويزيد من احتمالية تعرّض النباتات للإصابة بالآفات والأمراض المختلفة، كما يقلّل من قوة تحمّلها للظروف البيئية القاسية.
- تغيّر المناخ العالمي: (Global climate change)، يحتوي الغلاف الجوي لكوكب الأرض بشكل طبيعي على مكوّنات متوازنة من الغازات التي تتمثّل وظيفتها في حجز جزء من الأشعة الشمسية، ممّا يحافظ على استقرار درجة حرارة الأرض، إلّا أنّ إنتاج الإنسان لكميات كبيرة من بعض الغازات الدفيئة أدّى إلى احتباس مزيد من حرارة الشمس، وبالتالي ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض، وهو ما يُعرف بظاهرة الاحترار العالمي أو الاحتباس الحراري (Global Warming)، والتي بدورها تؤثّر بشكل كبير على صحة الإنسان، والمنتجات الزراعية، والموارد المائية، والغابات، والحياة البرية، والمناطق الساحلية.
- اضمحلال طبقة الأوزون: (Ozone depletion)، يشكّل وجود غاز الأوزون في الطبقات العليا من الغلاف الجوي للأرض وتحديداً في الستراتوسفير طبقة تتمثّل وظيفتها في حماية الحياة على كوكب الأرض من ضرر أشعة الشمس فوق البنفسجية، إلّا أنّ إنتاج الإنسان لبعض المواد الكيميائية مثل مركبات الكلوروفلوروكربون، ومركبات الهيدروكلوروفلوروكربون، والهالونات أدّى إلى تآكل طبقة الأوزون تدريجياً، وبالتالي زيادة كمية الأشعة فوق البنفسجية التي تنفذ إلى الأرض، ممّا يزيد من خطر إصابة الإنسان بالعديد من الأمراض كسرطان الجلد، وإعتام عدسة العين، وضعف جهاز المناعة، كما يمكن أن تسبّب الأشعة فوق البنفسجية تلف بعض المحاصيل الزراعية، وتقليل إنتاجها، ويجدر بالذكر أنّه بالرّغم من منافع الأوزون، إلّا أنّه قد يُعدّ ملوّثأً يضرّ بصحة الإنسان إذا تواجد بالقرب من سطح الأرض.
أضرار تلوّث الماء
أضراره على صحة الإنسان
يؤدّي تسرّب الملوّثات المختلفة إلى بعض المسطحات المائية إلى إلحاق الضرر بالإنسان، وانخفاض كمية المياه الصالحة للشرب، فقد أظهر تقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2017م أنّ هناك ما يُقارب 2.1 مليار شخص حول العالم لا يحصلون على مياه صالحة للشرب، كما بيّنت تقارير عام 2019م أنّ نحو 785 مليون شخص يفتقرون إلى مياه الشرب الأساسية، ممّا يؤدّي بدوره إلى التسبّب بآثار خطيرة على صحة الإنسان، إضافة إلى المساهمة في انتشار العديد من الأمراض، إذ تسجّل منظمة الصحة العالمية حوالي 120 ألف حالة وفاة سنوياً مرتبطة بمرض الكوليرا، ويجدر بالذكر أنّ تنظيف وتنقية المسطحات المائية من الملوّثات تُعد عملية مكلفة، إلى جانب التكلفة الصحية المرتفعة لعلاج الأمراض الناتجة عن المياه الملوّثة.
إقرأ أيضا:ظاهرة الجفافأضراره على البيئة وكوكب الأرض
إنّ أكثر من يتأثّر بتلوّث المياه هي الحيوانات والنباتات التي تعتمد في حياتها على البيئات المائية، إذ يؤثّر تلوّث المياه على السلسلة الغذائية بشكل كبير، وذلك عن طريق نقل السموم من مستوى معيّن فيها إلى مستويات أعلى، كما قد يؤدّي في بعض الحالات إلى تفكيكها ومحو جزءٍ كامل منها، وهذا بدوره يؤثّر على الكائنات الحية الأخرى، فقد يتسبّب في نموّ مفرط لبعض الكائنات الحية في حال موت الحيوانات التي تتغذّى عليها، أو قد يؤدّي إلى وفاة بعض الحيوانات المفترسة بسبب انقراض فرائسها.
- تلوّث المياه بالمغذّيات الضارّة: يؤدّي تلوّث المياه بالمغذّيات الضارّة إلى تحفيز نموّ النباتات والطحالب في البحيرات والبيئات المائية المختلفة، ممّا يقلّل من مستويات الأكسجين في الماء، وهذا بدوره يؤدّي إلى موت بعض النباتات والحيوانات، وبالتالي نشوء مناطق ميتة خالية من الحياة، كما قد تنتج هذه الطحالب الضارّة في بعض الحالات سموماً تؤثّر على حياة الكائنات الحية المتنوّعة كالحيتان، والسلاحف البحرية، وغيرها.
- تلوّث المياه بالمعادن الثقيلة والمواد الكيميائية: تُعدّ مياه الصرف الصحي مصدراً رئيساً لتلوّث المجاري المائية بالمواد الكيميائية والمعادن الثقيلة السامّة، والتي تقلّل من عمر الكائنات الحية وقدرتها على التكاثر، كما أنّها تنتقل عبر السلسلة الغذائية من خلال غذاء الحيوانات المفترسة على الكائنات الصغيرة، ممّا يفسّر ارتفاع كمية السموم مثل الزئبق في سمك التونة والأسماك الكبيرة أيضاً.
- تلوّث المياه بالمخلّفات البحرية: تُجرف الكثير من المخلّفات الصلبة كالأكياس البلاستيكية والعلب عبر مجاري ومصارف المياه وصولاً إلى البحر، ممّا يحوّل المحيطات إلى مكبّات للنفايات، والتي تظهر أحياناً على السطح مشكّلة بقع قمامة عائمة، وتؤدّي هذه المخلّفات إلى اختناق وموت العديد من الكائنات التي تعيش في البيئات المائية، بالإضافة إلى إلحاق الضرر بأكثر من 200 نوع مختلف من الحيوانات البحرية.
أضرار تلوّث التربة
أضراره على صحة الإنسان
يرتبط تلوّث التربة ارتباطاً وثيقاً بتلوّث الهواء والماء، وقد يتحدّد الضرر الناجم عن تعرّض الإنسان للمواد الكيميائية السامّة والملوّثات والنفايات الخطيرة من خلال الطرق التي تدخل فيها هذه المواد إلى جسمه، وهي: الاستنشاق، والابتلاع، والامتصاص من خلال الجلد، وبالرغم من أنّ قائمة الآثار السمّية المحتملة المرتبطة بتعرّض الإنسان لهذه المواد قد تطول، إلّا أنّ الاهتمامات العامّة والدراسات العلمية تميل إلى التركيز على الأضرار التي تلحق بالقدرة الإنجابية، واحتمالية الإصابة بالسرطان خاصّة سرطان الدم الذي يشكّل خطراً كبيراً على الأطفال، إذ إنّه يسبّب تلفاً في نموّ الدماغ، وقد وُجد أنّ تعرّض الإنسان للتربة الملوّثة بالزئبق يزيد من إصابته بالأمراض العصبية العضلية، كما يسبّب الصداع، والفشل الكلوي، وضعف الجهاز العصبي المركزي، وتهيّج العين، والطفح الجلدي، والغثيان، والتعب.
إقرأ أيضا:كيف تتم معالجة المياهأضراره على البيئة وكوكب الأرض
تتأثّر مكوّنات النظام البيئي كافّة بتلوّث التربة بشكل كبير، وقد تُصاب بأضرار لا يمكن إصلاحها، إذ تتأذّى أصناف متعدّدة من النباتات والحيوانات، وقد تختفي بكتيريا التربة التي تساهم في نموّ المحاصيل الزراعية، كما يساهم تلوث التربة في تقليل الإنتاج الزراعي، وإحداث تغيير على عملية التمثيل الغذائي للنباتات، والعمليات الحيوية الطبيعية لدى الكائنات الدقيقة والمفصليات التي تعيش في التربة الملوّثة، وبالإضافة إلى ذلك فقد تستهلك الكائنات الحية الصغيرة بعض المواد الكيميائية الضارّة، ممّا يؤدّي إلى انتقالها بعد ذلك في السلسلة الغذائية إلى الحيوانات الأكبر، وهذا بدوره يساهم في تفكّك السلسة وفقدان بعض أجزائها، وزيادة معدّلات وفيات وانقراض بعض الحيوانات.
تتمثّل مصادر تلوّث التربة في النفايات الصلبة، والصناعية، والزراعية، والصحية، بالإضافة إلى مخلّفات المنتجات الاستهلاكية، والنفايات الكيميائية الناتجة عن فرط استخدام الأسمدة، ممّا يلحق الضرر بالتربة، ويؤدّي إلى تدمير الطبقة العليا منها، وفقدانها خصوبتها وغطاءها النباتي، كما يمكن أن تنتقل هذه النفايات والمواد السامّة من التربة إلى المسطحات المائية نتيجة جريان المياه مسبّبة تلوّثها، أو قد ترشح عبر التربة لتصل إلى طبقات المياه الجوفية، ويجدر بالذكر أنّ الماء الملوّث قد يتبخّر ليعود مرّة أخرى مع هطول الأمطار، وبالتالي استمرار دورة التلوّث البيئي.