مولد جبران خليل جبران
جبران خليل جبران هو كاتب، وروائيّ، وشاعر، وفنّان، وفيلسوف لبنانيّ، وقد وُلِد في بلدة بشرى في لبنان في السّادس من شهر كانون الثّاني من عام 1883م، أمّا وفاته فقد كانت عام 1931م في الولايات المُتّحدة في نيويورك، ويُذكر أنّ جبران الأديب والفيلسوف كان من الشخصيات المؤثرة في الحركة الرّومانسيّة التي بُنيت على أساس تجديد الأدب العربيّ في نصف القرن العشرين الأول.
نشأة جبران خليل جبران
عاش جبران في حالة اجتماعيّة ملؤها الفقر والقهر مُنذ نعومة أظافره، فذُكر أنّ أبيه خليل جبران الذي كان يعمل في جباية الرّسوم مِن عدّ المواشي، والذي اتُّهم فيما بعد بالاختلاس، فتمّ الحجز على أملاكه مع فرض إقامة جبريّة عليه في مركز يقع قُرب المحكمة، كان منشغلاً عن أمور أسرته أيضاً ممّا دعى السّيدة كاملة -والدة جبران- لترك زوجها ووطنها والهروب بأولادها بعيداً عن حياة الذّل والمهانة إلى ولاية بوسطن في الولايات المتّحدة، والجدير بالذِّكر أنّ السيدة كاملة كان لها ثلاثة أبناء من والد جبران، وهم مريانة، وسُلطانة، وجُبران، بالإضافة إلى ابنها الأكبر بطرس من زوجها الأوّل.
وتجب الإشارة إلى أنّ والدة جبران كانت امرأة تتمتّع بصفتي الذّكاء والقوّة، ولمّا كان لها ذلك تركت الأثر البالغ والعميق في حياة جُبران وشخصيّته، فلا عجب أنّه قد أشار إلى دورها المُهمّ في حياته في إحدى رسائله إلى الأديبة (مي زيادة) قائلاً: “كانت محبوبة في مُحيطها، ما عهدتها في أدنى درجاتها أقلّ من شقيقة، ولا في أعلى درجاتها أقلّ من سيدة”، ثمّ أكمل شارحاً أنّها أفهمته الدُّنيا وهو في سِنّ الثّالثة، ثمّ وصفها مرّة بأنّها (أعجب) إنسان عرفه في حياته، وأضاف بأنّ الرّابطة التي جمعتهما كانت قويّة للحدّ الذي جعلهما صديقيْن، ووصفها فقال: “رابطة حبّ متبادل، وأننا كائنان مستقلّان جمعتهما يد الحياة الشّريفة”.
إقرأ أيضا:أين ولد عنترة بن شدادجبران خليل في المهجر
استقرّ جُبران مع أمّه وإخوته في مدينة بوسطن، فيما حاولت الأسرة كسب قوتها وبدء حياة جديدة بعد تركها لبنان، فبدأت أمّه بالعمل في الخياطة، فيما قام أخوه بطرس بفتح محلّ صغير، أمّا بالنّسبة لجبران فقد بدأ في الثّلاثين من شهر أيلول لعام 1895م بالذّهاب إلى المدرسة التي أُلحق بفصلّ خاصّ بالمُهاجرين فيها ليتعلّم الّلغة الإنجليزيّة، بالإضافة إلى تردّده على مدرسة للفنون، وهو ما جعل موهبته في الفنّ تنمو أكثر فأكثر، لا سيما أنّه تلقّى من معلمة الرّسم فلورنس بيرس التشجيع الذي دفعه للاستمرار، ولم يقتصر الدعم الذي تلقّاه جبران على الآنسة فلورنس بيرس وحسب، بل تعدّاه إلى الآنسة دجيسي بيل التي كتبت لصديقها المُثقّف الغنيّ هولاند داي رسالة تشرح له فيها عن إبداع جبران وتفرّده، ممّا دفع بيل لدعمه وتشجيعه بعد أن رأى ما رآه من محاولات إبداعيّة فذّة لجبران، بالإضافة إلى إعارته إيّاه العديد من الكُتب التي ساهمت في توجيهه فِكريّاً، وروحيّاً، وفنيّاً لما لقي فيها من تأثير في هذه الجوانب.
عودة جبران خليل إلى لبنان
رغب جبران خليل جبران بالعودة إلى موطنه لبنان بعد أن كان في مدينة بوسطن عام 1898م لدراسة الّلغة العربيّة في موطنه، فنزلتْ أمّه عند رغبته ووفّرت له ما يلزم للعودة إلى وطنه، وبعد وُصوله إلى لبنان التحق بمدرسة الحِكمة التي درس فيها الّلغة العربيّة وآدابها، لكنّ جبران الذي لم يرُق له وضعه في الصّف الابتدائيّ على الرّغم ممّا قام بتحصيله من المعرفة بالّلغة الإنجليزيّة، والرّسم، فشكى لأستاذه في مادّة البيان ذلك، فردّ عليه أستاذه بأنّ السّلم يرقى درجة درجة، ولمّا سمع ذلك جبران قال له: “ولكنْ هل يجهل الأستاذ أنّ الطّائر لا ينتظر السّلم في طيرانه؟”، وحينها شَعَر الخوريّ بأنّه يقف أمام فتى يحمل عقلاً فذّاً تجتمعُ فيه حِكمة الشّيوخ ونجابة طلّاب العلم.
إقرأ أيضا:أبو محمد الهمدانيلم يقتصر اهتمام جبران على الّلغة العربيّة آدابها في مدرسة الحِكمة، إنّما عمد على الارتشاف من التّراث العربيّ، ومِثال ذلك ما قرأه من كُتب مِثل (كليلة ودمنة)، و(نهج البلاغة)، و(ديوان المُتنبّي)، بالإضافة إلى أنّه قرأ التّوراة والإنجيل، أمّا وقته في إجازاته فكان يُمضيه في بلدته بشرى، والجدير بالذكر أنّعدم قدرة جبران على التّواصل مع والده الذي لم يُقدِّر موهبة ابنه، جعله يميل إلى الطّبيعة، ويجد عزاءه في صداقته مع أستاذه سليم ظاهر في مرحلة الطّفولة، وفي رعاية أحد الوُجهاء له، والذي كان يدعى طنوس ظاهر الذي نشأت بين ابنته حلا وبين جبران علاقة عاطفية أعاد استحضارها الكاتب بعد عشرة أعوام في كتابه الأجنحة المتكسّرة.
عودة جبران خليل إلى أمريكا
انتقل جبران خليل جبران إلى الولايات المُتّحدة الأمريكيّة بعد دراسته اللّغة العربيّة، والفرنسيّة، والشِّعر في الكُليّة بفترة قصيرة، وذلك عام 1902م، إثر عِلمه بمرض أخته، وعندما وصل إلى هُناك عمِد إلى إدارة شركة العائلة؛ لِما أصاب والدته وأخيه من مرض، وبعد مدّة فارق جميع أفراد أسرته الحياة فأنهى أعماله وقرّرالتّركيز على الشِّعر، بالإضافة إلى عمله على تطوير لغتيه العربيّة والإنجليزيّة، والجدير بالذِّكر أنّ جبران قام بافتتاح معرضه الفنيّ الأوّل الذي تضمّن لوحاته الرّمزيّة في الثّالث من شهر أيّار من عام 1904م، وقد لاقى المعرض نجاحاً كبيراً لسببيْن؛ أولهما تقديمه لأعمالٍ جيّدة فريدة، وثانيهما يعود إلى الّلقاء الذي جمع جبران وماري هاسكل، إذ قامت على إثره بتمويل المعرض الفنيّ وتطويره بشكل مُستمرّ تقريباً طِيلة حياتها، بالإضافة إلى تشجيعه على الكتابة بالّلغة الإنجليزيّة، -وهذا ما حصل حقيقة-، وعلى هذا الحال استمرّ جبران في مسيرته الكِتابيّة، ليبدأ في العام ذاته 1904م بالكِتابة بالّلغة العربيّة لدى صحيفة عربية كان أوّل ما كتبه فيها مقال رومانسيّ الاتّجاه تحت عنوان (الرّؤية)، أمّا في عام 1905م فقد أصدر جبران أوّل كِتاب عربيّ له تحت عنوان (الموسيقى)، والذي استلهمه من الأوبرا.
إقرأ أيضا:نبذة عن الشاعر قيس بن الملوحتأسيس الرّابطة القلميّة
لقيت فِكرة تجديد الأدب العربيّ، وإخراجه من إطاره التّقليديّ التي يُنادي بها جبران خليل جبران قبولاً عند العديد من الأدباء والشُّعراء اللبنانيين والسوريين، ممّا جعلهم يُنشؤون في عام 1920م رابطة تُعنى بهذا الخصوص تحت مسمّى “الرّابطة القلميّة”، ونصّبوه عميداً عليهم، ومن الأدباء والشُّعراء الذين نادوا بهذه الفِكرة ميخائيل نعيمة، وعبد المسيح حدّاد، ونسيب عريضة، وغيرهم.ومن أجل هذا يُعدّ جبران من أبرز روّاد حركة الحداثة والتّطور الدّاعية إلى الثّورة ضدّ كلّ ما هو قديم، ولم يكن هذا ما حاربه فقط، إنّما حارب كذلك جميع أنواع الاضطّهادات والاستبدادات التي تُمارس على الشُّعوب والأُمم، ليكون بذلك مِثالاً نبيلاً للقُرّاء العرب والغرب، كما يشهد له بذلك العديد من آثاره الأدبيّة الشِّعريّة، والنّثريّة، والتي تناولت الجوانب الحياتيّة المُختلفة الدّينيّة، والرّوحيّة، والفلسفيّة، والاجتماعيّة.