منوعات عن الطبيعة

العلاقة بين الإنسان والبيئة

العلاقة بين الإنسان والبيئة

وُصِفت المرحلة الحالية من تاريخ الأرض أنّها حقبة الأنثروبوسين (بالإنجليزية: Anthropocene)، وتمّ ملاحظة التأثير البشري الكبير عليها، حيث أصبح تأثير الإنسان هو القوة المهيمنة على الأرض بيئياً وجغرافياً، فتسبب الإنسان في حدوث تغيّرات عالمية سريعة وغير مسبوقة في أنظمة الكوكب، مثل: حدوث ظاهرة الاحتباس العالمي، وفقدان التنوع البيولوجي، وقد كان الإنسان وما يزال يعتمد على الطبيعة اعتماداً كاملاً في جميع احتياجاته، ولكن في العصر الحديث نشرت الصناعات أثرها على حياة الإنسان، وأصبح يبتعد عن الطبيعة تدريجياً، على الرغم من أنّ العلاقة بين الإنسان والبيئة الطبيعية هي علاقة الجنس البشري بموطنه الطبيعي، وهي علاقة تتداخل بكل شيء يحيط بالإنسان، فنجد تأثيرات هذه العلاقة في الأساطير، والثقافات المختلفة، والفلسلفة، والسياسة، والاقتصاد، ويبحث علم البيئة في المجالات الواسعة لهذه العلاقة، ولا سيما بأبعادها الفلسفية، والثقافية، والأيدولوجية.

التفاعل بين الإنسان والبيئة

بدأ التحول الصناعي (بالإنجليزية: Industrialisation) في القرن الثامن عشر في المملكة المتحدة، تبعتها أوروبا، وأمريكا الشمالية، ثمّ انتشر في جميع أنحاء العالم، ومنذ ذلك الوقت تغيّرت علاقة الإنسان بالبيئة، فقبل توجه الإنسان إلى التصنيع لم يكن للأنشطة البشرية أثر كبير على البيئة بسبب بساطة التقنيات المُستخدَمة، حيث استخدم الإنسان في المجتمعات الزراعية القديمة الأدوات اليدوية والتكنولوجيا البسيطة، أمّا في التصنيع فقد أصبح استغلال الإنسان للموارد أكبر، فمثلاً، ظهرت آلات قوية لقطع الأشجار، مما سمح للإنسان باستهلاك الأحراج بشكل أكبر، وأدّى تصنيع واستخدام الأسمدة والمبيدات الكيميائية إلى حدوث تغيّرات سلبية على البيئة، وهناك نوعان رئيسيان من الأنشطة البشرية التي أثرت على البيئة، وهي:

إقرأ أيضا:أهمية الماء في الحياة
  • استخدام المصادر الطبيعية، مثل: المياه، والغذاء، والتربة، والنباتات، والحيوانات.
  • إنتاج النفايات، مثل: النفايات الناتجة عن الأنشطة الزراعية، والصناعية، والتعدين، وكذلك الفضلات البشرية.

استخدام المصادر الطبيعية

يستخدم الإنسان في حياته اليومية أنواعاً متعددة من الموارد الطبيعية، حيث يعتمد على الماء، والغذاء من أجل البقاء، ويحتاج إلى الطاقة لأغراض عديدة مثل: الطبخ المنزلي، أو الصناعات الرئيسية، وغيرها، ويتطلب إنتاج جميع المواد والأدوات التي يستخدمها الإنسان بعض الموارد الطبيعية، فمثلاً تصنيع الورق المكون لدفتر الملاحظات يحتاج إلى مواد خام من الخشب والماء، بالإضافة إلى الطاقة اللازمة لعملية التصنيع، فالخشب يأتي من الأشجار التي تحتاج إلى التربة، والمياه لتنمو، فحاجة الإنسان إلى الموارد الطبيعية كبيرة، وهي بازدياد مستمر مع زيادة عدد السكان، كما أنّ استهلاك الفرد يزداد مع زيادة التقدم الاجتماعي والاقتصادي، وهذا الاستهلاك يؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية، خاصة المصادر غير المتجددة.

تختلف المصادر الطبيعية غير المتجددة عن المصادر الطبيعية المتجددة في معدل إعادة تولدها مرة أخرى إلى شكل قابل للاستخدام، وبالنسبة لمعدل الاستهلاك البشري السريع يصعب تجديد الموارد غير المتجددة بالوسائل الطبيعية، فالوقود الأحفوري مثلاً، تشكّل على مدى ملايين السنين من عمليات التحلل الطبيعية للنباتات والحيوانات، أمّا الموارد المتجددة فهي متاحة باستمرار، أو يُمكن تجديدها خلال فترات زمنية قصيرة من خلال العمليات الطبيعية، وهناك بعض المصادر المتجددة لا يُمكن للإنسان تعديلها أو استنزافها، مثل: الطاقة الشمسية، والبعض الآخر يُمكن أن يتلف بحيث يصبح غير صالح للاستخدام، مثل: الماء.

إقرأ أيضا:مظاهر فصل الشتاء

إنتاج النفايات

تنتج العديد من القطاعات مثل قطاع الصناعة، والزراعة، وقطاع إنتاج الطاقة نفايات تلوِّث الماء والهواء والتربة، تتسبب بأضرار للإنسان والكائنات الحية الأخرى في البيئة، فمثلاً: تنتج صناعة الجلود ودباغتها كميات كبيرة من النفايات السائلة التي تحتوي على مواد عضوية مثل الدهون، بالإضافة إلى المواد الكيميائية السامة والمسرطنة، كما تُطلق بعض الصناعات غازات دفيئة، مثل: ثاني أكسيد الكربون والميثان، وأكسيد النيتروس، والتي تساهم في تغيّر المناخ.

وهناك نفايات لا بدّ من تكوُّنها، مثل الفضلات البشرية التي يتمّ تصريف معظمها إلى مياه الصرف الصحي، وتُشكّل الفضلات التي لا يتمّ تصريفها بالشكل الصحيح مصدر ضرر للإنسان، حيث يُمكن أن تلوِّث الأغذية والمياه اللتان يستهلكهما الإنسان، خاصة إذا احتوت هذه الفضلات على مسببات الأمراض، لذلك يتمّ توفير خدمات الصرف الصحي والنظافة العامة لمنع وصول المياه الملوَّثة بهذه النفايات إلى الإنسان.

تطور العلاقة بين الإنسان والبيئة

لطالما اتسمت علاقة الإنسان بالطبيعة بالإفراط وعدم التوازن، فهناك تدهور بيئي مطرد مع التقدم البشري عبر التاريخ، فالأرض وكل ما يحيط بالإنسان من كائنات حية هي موطنه الطبيعي الذي يحصل منه على حاجته من الطاقة والموارد، وقد اعتمد الإنسان في العصر الحجري القديم اعتماداً كاملاً على موارد الطبيعة، وكان يعتقد أنه جزء من البيئة الطبيعية، لكن مع تطوير الإنسان للتكنولوجيا، بدأ في استخدام الطاقة، واستخراج المزيد من الموارد من البيئة الطبيعية، فقد وجد المزارعون أنّهم قادرون على إنتاج المزيد من الطعام من خلال تكثيف زراعة النباتات في مساحة معينة من الأرض، وتدجين الحيوانات، ومع استمرار النمو السكاني زادت حاجة الإنسان للغذاء، وأصبح الإنسان أكثر قدرة على استخراج المزيد من الموارد من البيئة الطبيعية.

إقرأ أيضا:كيفية استخراج الغاز الصخري

ومع تطور المجتمعات وظهور المدن تحولت حياة الإنسان إلى الصناعة وابتعد عن الطبيعة، وعلى الرغم من أنّ ابتعاد الإنسان عن الطبيعة بدأ منذ عدة آلاف من السنين مع التقدم الزراعي وتغيّر النظام الاجتماعي، إلّا أنّ هوس الإنسان بالراحة وزيادة الكفاءة قاده للتقدم التكنولوجي وزيادة الصناعة، فلم تعد الطبيعة شيئاً منفصلاً عن الإنسان، بل أصبحت شيئاً يُمكن السيطرة عليه والاستفاده منه، فهيمن الإنسان على كل ما يتعلق بالبيئة حتى على المناظر الطبيعية، وعطّل الأنظمة الطبيعية التي كانت موجودة منذ مليارات السنين.

أثر البيئة على الإنسان

تزدهر حياة الإنسان في بيئة مناسبة تتمتع بالمناخ المعتدل، وتوفُّر المياه النظيفة والتربة الخصبة، ويصعب على الإنسان البقاء في البيئات القاسية، مثل البيئة ذات المناخ الحار، وشحيحة المياه، وذات الأراضي القاحلة، كما يتأثر الإنسان بالأحداث الطبيعية التي تحدث في البيئات المختلفة وتضر بالمنازل، والممتلكات، والزراعة، مثل: الزلازل، والفيضانات، والجفاف، والتي يُمكن أن تؤدي إلى تشريد الناس، وتخليف خسائر في الأرواح، وتلحق الضرر بمصادر المياه وشبكة الأنابيب مما يتسبب في تلوث المياه ونشر الأمراض.

كما كشفت الأبحاث أنّ البيئات التي يعيش فيها الإنسان يُمكن أن تتسبب في زيادة أو نقصان إجهاد جسمه، فما يختبره الإنسان من بيئته يؤثر في مزاجه، وفي عمل نظام الجسم العصبي، والغدد الصماء، وجهاز المناعة، فالبيئة المزعجة تتسبب في الشعور بالقلق، أو الحزن، أو الإحباط، على عكس البيئة المريحة والسارة، والإنسان بشكل عام يجد المتعة في الطبيعة بغض النظر عن عمره أو ثقافته، فقد وجد الباحثون في إحدى الدراسات التي وردت في كتاب (Healing Gardens) أنّ أكثر من ثلثي الأشخاص يختارون التواجد في بيئة طبيعية للتخلص من الضغط النفسي، وفيما يأتي بعض تأثيرات الطبيعة على صحة الإنسان النفسية والبدنية:

الشفاء من الأمراض النفسية والبدنية

يقلل التواجد في الطبيعة أو مشاهدة مناظر طبيعية من الشعور بالخوف، والغضب، والتوتر، ويزيد من المشاعر السارة، ويمتد أثر الطبيعة إلى تحسين صحة الإنسان البدنية، فيقلل من ضغط الدم، ومعدل ضربات القلب، ويخفض من توتر العضلات، وإنتاج هرمون التوتر، وقد وجدت الأبحاث التي أجريت في المستشفيات، والمكاتب، والمدارس أنّ وجود النباتات في الغرفة يُمكن أن يكون له أثر كبير على خفض نسبة التوتر والقلق لدى الأفراد.

تخفيف الألم

يُمكن أن تساعد الطبيعة الإنسان على التعامل مع الألم، فالإنسان مبرمج بالوراثة على البحث عن الأشجار، والنباتات، والمياه، وعناصر الطبيعة الأخرى؛ لأنّ المناظر الطبيعية تصرف الإنسان عن التفكير في ألمه وانزعاجه، ووفق دراسة أجراها الطبيب روبرت أولريش (بالإنجليزية: Robert Ulrich) على مرضى خضعوا لجراحة المرارة، كان لدى المرضى الذين شاهدوا مناظر طبيعية قدرة أكبر على تحمّل الألم، وانخفضت لديهم مضاعفات الجراحة، وقلّ وقت بقائهم في المستشفى، وأظهرت دراسات أخرى نتائج مماثلة عند وضع مناظر طبيعية ونباتات في غرف المستشفى.

تحسين المزاج

أظهرت عدة دراسات أنّ قضاء بعض الوقت في الطبيعة أو مشاهدة مناظر طبيعية يحسن المزاج، ويبدل الاكتئاب والتوتر إلى الهدوء والتوازن، ولطالما ارتبطت الطبيعة بتحسين مزاج الإنسان، ومنحه الشعور بالعافية والحيوية، ولأنّ المشاهد الطبيعة مليئة بما يثير اهتمام الإنسان فهي تزيد من تركيزه، وتحسِّن من قدرته على الانتباه، وهذا يوفر راحة للأذهان وتجديداً للأفكار، كما أظهر بحث حول الأطفال الذين يعانون من اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (بالإنجليزية: Attention Deficit Hyperactivity Disorder) أنّ قضاء بعض الوقت في الطبيعة له أثر في زيادة انتباههم.

توثيق العلاقة

يزيد قضاء الوقت في الطبيعة من ارتباط البشر ببعضهم البعض، ومن ارتباطهم بالعالم، فقد أظهرت دراسة في جامعة إلينوي (بالإنجليزية: Illinois) أنّ المقيمين في مساكن تحيط بها الأشجار والمساحات الخضراء كان لديهم مشاعر أقوى تجاه بعضهم وتجاه الجيران، وكانوا أكثر اهتماماً بمساعدة ودعم بعضهم البعض، وانخفضت لديهم مستويات العنف والجرائم، وكان لديهم قدرة أفضل على التعامل مع متطلبات الحياة وضغوطاتها، ويُمكن تفسير ذلك من خلال الدراسات التي استخدمت تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (بالإنجليزية: fMRI) لقياس نشاط الدماغ، فعندما شاهد المشاركون في الدراسات مشاهد طبيعية أضاءت أجزاء الدماغ المرتبطة بالحب والتعاطف، بينما نشطت الأجزاء المرتبطة بالخوف والقلق عندما شاهدوا مناظر حضرية، وكأنّ الطبيعة تثير مشاعر البشر التي تربطهم ببعضهم البعض وبالبيئة.

السابق
مم يتكون المطر الحمضي
التالي
بحث عن أهمية الماء والهواء والنبات