التربية
يُعتبَرُ الأبناء والأفراد أساس المُجتمَع، وهم صُنّاع الغد والمستقبل؛ لذلك وجَّه المُجتمَع والإسلام اهتمامهما نحوهم؛ ولأنّ الأبناء من أثمن الأشياء التي ينالُها الإنسان من الله تعالى؛ فقد توَجَّب عليه المحافظة على هذا الكنز الثمين، وإعطائهم جُلَّ وقته، واهتمامه؛ لأنّهم بُناة المستقبل، ولكي يُربَّى الأبناء تربية كاملة؛ فلا بُدّ من تنميتهم على الدين، والأخلاق، وسُنّة النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد دلّ على ذلك قوله -سبحانه وتعالى-: (المالُ وَالبَنونَ زينَةُ الحَياةِ الدُّنيا وَالباقِياتُ الصّالِحاتُ خَيرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوابًا وَخَيرٌ أَمَلًا). وسنتطرَّق في هذا المقال إلى الحديث عن أهمِّية التربية، وعلاقتها بالمُجتمَع وتطويره، وكيفيّتها في الإسلام.
مفهوم التربية و أهدافها
مفهوم التربية
التربية لغةً: مصدر الفعل ربَّى: بمعنى التهذيب، والتنشئة، والتعليم، والرعاية. أمّا اصطلاحاً، فإنّ لها العديد من المفاهيم، من وجهة نَظَر الكثير من المُفكِّرين، مثل وليام فرانكينا، حيث كتبَ عدّة مفاهيم حول التربية، منها:
- الأفعال، والتصرفات، والنشاطات التي تصدرُ عن الآباء، والمُدرِّسين، والمدرسة؛ لتعليم الصغار.
- الأحداث التي تدورُ داخل الفصل، مثل: التغيُّرات العِلميّة، والعمليّة.
- النتيجة النهائيّة، أو ما يكتسبه الطفل، وهذه المُحصِّلة تُسمّى (التربية).
كما عُرِّفت التربية بأنّها: تكيُّف الأفراد مع بيئتهم، وثقافاتهم المحيطة بهم، وممّا يجدر ذِكره أنّه من الطبيعيّ أن يكون هناك تعدُّد في هذه المفاهيم، وذلك بناء على العوامل، والظروف المُتغيِّرة؛ وذلك لكونها موضوعاً عامّاً تثير اهتمام الأفراد جميعهم.
إقرأ أيضا:علامات قبول المرأة للرجلأهداف التربية
تُعتبَر التربية من أهمّ العمليّات، وأكثرها حساسيّة، وقد اعتنى بها المُصلِحون والعُظماء الذين استطاعوا قيادة شعوبهم وأُمَمهم نحو النهضة والارتقاء؛ فالتربية من العمليّات التي لا يُمكِن التعامل معها دون تحديد أهدافها، ومن هنا فقد كان من الواجب تحديد الأهداف التربويّة، ويُقصَد بالأهداف التربويّة: التغيّرات المُراد إحداثها في السلوكيّات الفرديّة، والجماعيّة، وتتلخَّص في ما يأتي:
- مراعاة حاجات الإنسان الأساسيّة، وطبيعته، والمقدرة على تعريفه بمكامن إبداعه، ونقاط قُوّته.
- مساعدة الإنسان في تحديد شَكْل العلاقة بينه وبين المُجتمَع، وما يرتبط به من عادات، وتقاليد، وتراث، و الاهتمام بسلوك الفرد، وأخلاقه، وتعزيزها، وتطويرها، دون عزلها عن المُجتمَع؛ لأنّ النفس لا تنشأ إلّا في وسط المُجتمَع.
- تقوية القُوى العقليّة، و قُوى الإدراك التي تتمثَّل بمقدرة العقل، وإمكانيّاته في مجال التفكير، و تعلُّم مفاهيم و معارف جديدة .
- تقوية القُوى الوجدانيّة، و التركيز عليها؛ وهي نوع من القُوى التي تتحكَّم بالسلوك الإنسانيّ الداخليّ.
- إعطاء أهمّية كبيرة للقُوى الاجتماعيّة؛ وهي من أنواع القُوى التي تُنمّي الطفل حتى تجعل منه إنساناً اجتماعيّاً يتفاعل مع مَن حوله من البشر.
- تقوية و تنمية القُوى الجسديّة أو الجسمانيّة؛ وهي تتمثَّل بالقُوى و الإمكانيّات العُضويّة المُرتبِطة بالفِطرة، و التي وهبنا الله عز وجلّ إيّاها، ووَضَعَها في جسم الإنسان، كأجهزة الجسد من جهاز هضميّ، و عصبيّ، وصولاً الى الحواسّ الخمسة، كالبصر، و السَّمع، و الشمّ .
- التركيز على الجوانب الروحيّة، وتقويتها؛ وهي قُوىً تُوجَد داخل الفرد، بحيث تُوجِّهُه نحو الاهتمام بالعديد من الأمور الروحانيّة، والدينيّة، كعلاقة العبد بربّه.
- المقدرة على تحديد المهارات، والجوانب المعرفيّة، والعادات، والأهداف المُستقبَليّة، وغير ذلك ممّا يُراد تنميته في الإنسان، وتحسينه.
أهمِّية التربية
تتلخَّص أهمِّية التربية في مجموعة من النقاط، هي:
إقرأ أيضا:ما واجبنا نحو الأم- إزالة الفوارق بين طبقات المُجتمَع؛ من خلال التفاهُم والتعاوُن فيما بينها.
- تسهيل اكتساب اللغة؛ عن طريق الاختلاط والتفاعُل مع المُجتمَع.
- تحقيق النموّ العقليّ، والاجتماعيّ، ممّا يُؤدِّي إلى اكتساب الخبرة.
- تجديد ثقافة المجتمع، وتطويرها، ونَقْلها عَبْر الأجيال المختلفة.
- تسهيل عمليّات التواصُل الأساسيّة، بين الكبير والصغير، وبين المُعلِّم والمُتعلِّم، وبين المُربّي والطفل.
التربية في الإسلام
لقد شَمِل الإسلام جوانب الفرد جميعها من حيث التربية، ومن حيث حياته؛ لينموَ نُموّاً روحيّاً، وعقليّاً، وخُلُقيّاً مُتكاملًا، و بهذا يغدو الفرد صالحاً، وعالماً بحقوقه، وواجباته، وفَرداً ذا خُلُق عالٍ، وعقيدة صحيحة، و قد حثّ الإسلام على اللُّطف، واللين في تربية الأبناء وتوجيههم؛ حتى ترسَخ في أذهانهم قِيَم العطف، والمودّة الأبويّة، ففي الحديث أنّه جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال : تُقَبِّلونَ الصِّبيانَ؟ فما نُقَبِّلُهم، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (أوَ أملِكُ لك أن نزَعَ اللهُ من قلبِك الرحمةَ). وقد دعا الإسلام أيضاً إلى تعليم الأبناء، ومن ضمن التعاليم المُهمّة، التعليم الدينيّ؛ لأنّ فيه سعادتهم في الدنيا، والآخرة، وقد جعلها إحدى حقوق الولد على والده، حيث ورد الآتي فيما يتعلَّق بهذا الأمر: عن عليٍّ رضي اللَّهُ عنه في قولِهِ تعالى: “قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا” قال: عَلِّموا أَهليكُم الخَيرَ.
إقرأ أيضا:ما هي حقوق الزوج على الزوجةالتربية الحديثة
كانت التربية القديمة، أو ما يُدعَى بالتربية التقليديّة، تَحثّ على تلقينٍ جافٍّ دون روح، كما كانت قائمة على التعنيف والقسوة؛ حيث إنّهم كانوا يعتقدون بأنّ التربية القاسية تُولِّد أفراداً أقوياء قادرين على مواجهة الحياة و مَشاقِّها، وقد كان الأطفال أيضًا مُلزمين بالحفظ والمعرفة، سواء توافقَت أفكارهم مع المحفوظ، أم لا، أمّا التربية الحديثة، فهي تتطلَّع إلى بناء أفراد مسؤولين، يمتلكون حُبّ العمل، والتطوُّع، والمعرفة، والسَّير قُدُماً نحو أهدافهم، وبناء اتّصالات وثيقة بينهم، وبين بيئتهم، ومُجتمَعهم.
التربية الذاتيّة
بما أنّ الفرد هو البُنية الأساسيّة للمُجتمَع، ونواته، فقد كان له الأثر الأكبر في صلاح المُجتمَع الذي ينتمي إليه، وهذا يقتضي أن تكون هناك مسؤوليّة مُلقاة على الإنسان كفرد من أفراد هذا المُجتمَع؛ وذلك لأنّ الإنسان مسؤول عن نفسه أوّلًا، وعن البحث عن المسلك القويم، والسَّير عليه، واكتشاف منابع الخير في داخله، وتنميتها، وهو مسؤول أيضاً عن مُجتمَعه، ووطنه، وأمّته، وعالَمه.
من هنا، فإنّ التربية في جزء منها ذاتيّة؛ إذ يجب على كلّ فرد الاقتناع أوّلًا بأنّه قابل للتحسُّن، والتطوُّر، والتقدُّم نحو الأفضل، والابتعاد قَدْر الإمكان عن جوّ الإحباط، تحديداً إذا كان المُجتمَع يعاني من اليأس والإحباط الناتج عن الأوضاع السياسيّة، والاقتصاديّة، والاجتماعيّة المُتردِّيةِ، والتي تَعصِفُ به، وهذا اليأس قد يُؤدِّي به الى حالة من فقدان الثقة، سواء بالنفس، أو بالآخرين، كما أنّ على الإنسان أن يكتشف مهاراته، ومُميِّزاته، ويُنمِّيها، فمتى ما انشغلَ الإنسان بما هو مفيد، ابتعدَ في أغلب الأحوال عن الرذائل، والصغائر، وأصبح قريباً من الإنتاجيّة، والبَذْل، والعطاء، ممّا يُؤدِّي الى تفجير ينابيع الخير في داخله إن أحسن النيّة، وأخلص في العمل.