التعريف بمصطفى صادق الرافعيّ
مُصطفى صادق بن الشّيخ بن عبد الرّزاق الرّافعيّ هو أديب، وشاعر، وفقيه، يكنّى أبا سامي، اعتُبر نابغة في البيان، ومن روّاد الحياة السّياسيّة والاجتماعيّة، وظهر هذا في أشعاره الحاثّة على الدّفاع عن الوطن، والأرض والدّين، وكان له باع في التّاريخ والنّقد، والأدب فخاض فيها معارك فكريّة مُهمّة، كما احتلّ الرّافعيّ مكانة مهمّة في مدارس الفكر والأدب أثناء النّهضة الأدبيّة العربيّة، وذلك من خلال ترويجه لفكرة إعادة استخدام الأساليب العربيّة الكلاسيكيّة، بالإضافة إلى إثبات الوُجود للهويّة الإسلاميّة لمِصر.
مولد مصطفى صادق الرافعيّ
ولد الرّافعيّ في مصر وتحديداً في مدينة بهتيم في بيت جدّه لأمّه، إلا أنّ أصله يعود لمدينة طرابلُس الشّام، فهو سوريّ الأصل عاش مع أهله من أبيه، وجدّه، وعدد من أبناء العمومة والخؤولة، ويُعدّ الشّيخ محمّد الطّاهر أول من قَدِم إلى مِصر منهم، كما يُعدّ الشّيخ عبد القادر الرّافعي الذي يتّصل نسبهُ بعمر بن عبد الله بن عمر بن الخطّاب رأس أسرة الرّافعيّ. واجه الرّافعيّ اتّهامات كثيرة تتعلّق بوطنيّته في مِصر خاصّة مع من يختلفون معه في الأدب، إلّا أنّه كان يرى دائماً أنّ الوطن يكمن في الأرض المُسلمة العربيّة، ويقول في ذلك: “أفتراهم يتّهمونني في وطنيتي لأنّني في زعمهم غير مصريّ وفي مِصر مولدي وفي أرضها رفاث أبي وأمّي وجدّي”.
إقرأ أيضا:أمسية الأمسنشأة مصطفى صادق الرافعيّ
كان للبيئة التي نشأ فيها الرّافعيّ أثر في طريقه الأدبيّ؛ لأنّها كانت بيئة مليئة بالشّعراء والكُتّاب من أصحاب الفكر، وممن يدعون إلى العقيدة والسّياسة، والجوانب الحياتيّة الاجتماعيّة، فما كان من نُقّاد عصرهِ إلّا أن قالوا فيه: “إنّ حياته مُمثّلةٌ في أدبه”، بالإضافة إلى أثر العزيمة التي أخذها عن آبائه وأجداده، فلقد نشأ الرّافعيّ في أُسرة تتميّز في تربية أبنائها تربية مثاليّة، فما كان منه إلّا أن حفظ كتاب الله في العاشرة من عُمُره.
تعليم مصطفى صادق الرافعيّ
بدأ تعليم الرّافعيّ منذ صغره، وكحاله من أبناء أسرته فقد كان النّهج في التّربية يبدأ من تهذيب الطِّباع من خلال التّنشئة على احترام كبار السِّن، والطّاعة، وتعظيم الدّين، فكانت الأسرة تسعى لجعله ممّن يسيرون على طريق السَّلَف الصّالح، وكان القرآن أول هذه الأمور المُهمّة التي بدأت بها لتربية أبنائها، كما كان يستمع إلى دروس الدّين وأخبار السّلف الصّالح من أبيه، وبعد أن تجاوز العاشرة من عُمُره بسنة أو سنتين دخل مدرسة دمنهور الابتدائيّة، ثمّ انتقل بعدها إلى مدرسة المنصورة؛ لانتقال أبيه إلى العمل في محكمة المنصورة، وكان ممّن عُني بتدرسيه هُناك العلّامة الأستاذ مهدي خليل، وكان يُدرّسه الّلغة العربيّة.
حصل الرافعي على الشّهادة الابتدائيّة من مدرسة المنصورة حين بلغ سنّ السابعة عشر تقريباً، وفي هذا العام أُصيب بمرض أثّر لاحقاً في صوته وأذنيه، فجعله هذا ينقطع عن تعليمه بعد التّعليم الابتدائيّ، ولم يستطع علاج ما أصاب أذنيه حتّى وصل سِنّ الثّلاثين وهو فاقد السّمع، فانتقل الرّافعيّ للتّعلم بنفسه، وكان أبوه يمتلك مكتبة مليئة بكتب الفقه، والدّين، واللّغة العربيّة والتي تُعدّ من النّوادر، فجالسها طويلاً مُبتعداً عن النّاس وأصواتهم، وكان لها من الأثر الكبير على الخلفية المعرفيّة له، وكان فقدانه للسّمع دافعاً قويّاً للتعلّم، فكان يقول: “إن كان النّاس يعجزهم أن يسمعوني فليسمعوا منّي”، فتعلّم حتّى أصبح أديباً، وإنساناً يسيرُ على فِكر السّلف الصّالح وآرائهم.
إقرأ أيضا:ما أجمل الغروبوظيفة مصطفى صادق الرافعيّ
بدأ الرّافعيّ أُولى وظائفهِ في محكمة طلخا الشّرعيّة ككاتب فيها وذلك في عام 1899م، وكان دَخْله منها أربعة جنيهات، وكان لمنصب أسرته وأبيه في المحاكم الشّرعيّة ونُفوذهم دور في ذلك، فبرأيه كانت وظيفة للعيش فقط، فلم ينقطع عن قراءته للكُتب والتعلّم على عكس ما كان يفعل في عمله، ثمّ انتقل بعد ذلك ليعمل في محكمة إيتاي البارود الشّرعيّة، وبعدها إلى محكمة طنطا الشّرعيّة، ثمّ انتقل بعد سنتين إلى محكمتها الأهليّة وبقي فيها حتّى آخر حياته، وكان الرّافعيّ مرجعاً لكُتّاب المحاكم التي يعمل فيها، فيأخذون مشورته فيما يحتارون فيه من القضايا والإشكالات المُختلفة، حتّى وصل الأمر إلى قيامه بذلك عبر دول مختلفة، وكانت وزارة العدل كذلك تستفتيه فيما يُشكَلُ عليها من الأمور.
زواج مصطفى صادق الرافعيّ
تزوّج الرّافعي في عمر الرابعة والعشرين، وكان لزواجه أثر في تفرّغه للدّراسة والأدب، وذلك يعود لزوجته التي سعت لأن توفر له سُبل الرّاحة والهدوء التي كانت سبباً من أسباب نجاحه وتوفيقه لتهيئتها نظاماً بيتيّاً مُنظّماً، وكان يعود أصلها إلى مِصر من أسرة البرقوقيّ، وكان لها أخ أستاذ اسمه عبد الرّحمن البرقويّ، وله كتاب اسمه “البيان”، فكان لهذا الطّابع الأدبيّ سبيل لهذا الزّواج بسبب العلاقات الأدبيّة التي كانت بينه وبين الرّافعيّ، فاستمر زواجه ثلاثة وثلاثون عاماً، ويقول الأستاذ جورج إبراهيم في وصف حال زواجه: “فما شكا إليّ مرّة واحدة همّاً ناله”.
إقرأ أيضا:كيف أنشر قصصيمن الجدير بالذِّكر أنّ الرّافعيّ كان يعُدّ مثالاً في الحبّ والوفاء لأهل بيته، فكان يُوازن في تعاملاته بين الشِّدة والرّخاء وبحسب ما يتطلّبه الموقف، لكن كان للرافعيّ قصّة حبّ لم يُخفِها عن زوجته فكان يُعلِمها بكلّ أحداثها من تبادل في الرّسائل الواردة والصّادرة، فقد كانت بينهما تلك العلاقة التي بُنيت على الثّقة، وعلى إثر ذلك ألّف الرّافعيّ كُتباً تُعنى بفلسفة الحبّ والجمال مثل: رسائل الأحزان، والسّحاب الأحمر، وأوراق الورد.
مؤلّفات مصطفى صادق الرافعيّ النثريّة
تاريخ آداب العرب
يُعدّ هذا الكتاب المكوّن من ثلاثة أجزاء أكثر ما يُعرف به الرّافعيّ من مُصنّفاته بحسب رأي أكثر الكُتّاب، وفي عام 1911م صدرت الطّبعة الأولى لأول جزئين، وفي عام 1940م صدر الجزء الثّالث بعد وفاته، وكانت بتحقيق من الكاتب محمّد سعيد العريان، يتّحدث الرّافعيّ في مُقدّمة كتابه حول الأسباب التي دعته لكتابته مُصّنفه هذا، ومنها التّراخي في تأليف مؤلّفات التّاريخ، والضّعف الكتابيّ الذي يتجاهل أحداثاً ويُبرز أُخرى، فتمثّل الكتاب بكونه دراسةً علميّةً ومُمَنهَجةً لتاريخ الأدب العربيّ، وليست دراسةً تُعنى بالطّرق التّقليديّة القديمة في الكتابة التي غفلت عن الكثير من حوادث التّاريخ الأدبيّ؛ كإيراد تاريخ الرِّجال العرب بشكل ضعيف، فشبّه الأمر بإيراد أسمائهم فوق القبور، ويقول في مقدمة كتاب تاريخ آداب العرب: “لا أقول إنّي أتيت منه على آخر الإرادة، ولا أعزم أنّي أوفيتُ على الغاية من الإفادة”.
يُعدّ كتاب “إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة” الجزء الثّاني من كتاب الرّافعيّ “تاريخ آداب العرب”، وفي عام 1928م تم نشر الطّبعة الأولى منه.
حديث القمر
يُعدّ كتاب حديث القمر أولّ طريق الرّافعيّ في الأدب الإنشائيّ، فقد كان أدب الإنشاء نهجاً دلاليّاً في الحبّ، وقام بتأليفه عام 1912م بعد عودته من رحلة لبنان، في الوقت الذي التقى فيه بالأديبة مي زيادة.
رسائل الأحزان
برع مصطفى صادق الرّافعي في التحدّث عن فلسفة الجمال، وهو ما نجده في كتاب رسائل الأحزان الذي يحتوي على رسائل جاءت مغايرة تمامًا للمعاني التقليديّة التي عهدناها عن الحُبّ وفلسفته، وذلك لأنّه صاغ رسائله وهو يحاكي صورة المتأمل للجمال، والعاشق، والفيلسوف في آن واحد.
بعد كتاب رسائل الأحزان ألّف الرافعي كتاب السّحاب الأحمر، وعُدّ الجزء الثّاني لقصّة حبّ خاصّة به، ومرحلتها بعد الابتعاد والقطيعة.
أوراق الورد
يُعدّ كتاب أوراق الورد الجزء الأخير من قصّة حبّ الرّافعيّ الذي ألّفه ليكون رسائل لفلسفة الحبّ والجمال مُصوِّراً فيها نفسه وما كان بينه وبين من أحبّ، ومنهنّ “صاحبة حديث القمر”، وهي صديقته الأولى، وعرّف الرّافعيّ الحُب في هذا الكتاب، فقال: “الحُبّ لفظ وهميّ موضوع على أضداد مُختلفة”، كما يُعرّفه كذلك: “امتزاج نفسين بكلّ ما فيهما من الحقائق”، فكان الرّافعيّ يرى أنّ للحبّ مفاهيم مُتعاكسة، مثل: الضّحك والبُكاء، والأفراح والهُموم، والعيوب والمحاسن، وغيرها، وكان يرى كذلك أنّ الحبّ يجعل الإنسان في شخصيتين مختلفتين، كما حقّق الرّافعيّ ربطاً بين مفهوميّ الحبّ والجمال، فهما يتوطّنان في نفس العاشق، وأنّ الحياة والحبّ على درجةٍ متساويةٍ، فكأنّهما شيء واحد، بالإضافة إلى رؤيته في الطّبيعة مقياساً لمستوى الحُبّ، وممّا ميّزه عن غيره في تعريفه للحبّ هو رسمه للمُحبّ بأنه فنّن، فعندما يعشق لا يتوانى في الإبداع والإتقان، لينتشر الكون جمالاً، فكأنّه بالحبّ يلتفت إلى الجمال.
وحي القلم
يُعدّ كتاب وحي القلم من كُتب الرّافعيّ الثّمينة من الناحية الفكريّة، والفنيّة، ويتكوّن من ثلاثة أجزاء، وهو عبارة عن مجموعة من المقالات والقصص، كُتِب مُعظمها لمجلة الرّسالة القاهريّة عام 1937م، وطُبع منه في حياته جزآن، وبعد موته طُبعا مع الجزء الثّالث أكثر من مرّة، ومن الجدير بالذّكر أنّه يحتوي على تداخلات لمُختلف أنواع الأجناس الأدبيّة، التي تُشير إلى ثقافة الرّافعيّ الواسعة، وعلمه، وأخلاقه، فنرى الكتاب مملوءًا بأساليب علم البلاغة وعلم البيان بشكلٍ راقٍ، ويُشير تلميذ الرّافعيّ محمّد سعيد العريان أنّ من يقرأ هذا الكتاب يعلم أنّه أكثر كتب الرّافعي التي تحوي الأسلوب الفنيّ الرّاقي، وأنّه كتاب واضح بشكل كبير، وصُنّفت التّداخلات الأدبيّة السّرديّة في الكتاب على نحوين: الإنشائيّة، والسّرديّة، وهي كالآتي:
- الأجناس الأدبیّة الإنشائیّة في وحي القلم للرّافعيّ:
- المقالة، ويظهر أثرها في كتاب وحي القلم بعناصرها وأنواعها.
- الخَطَابَة، ويظهر أثرها بعلاقة الرّافعيّ بها، وبأنواعها.
- الرّسالة، ويظهر استخدام الرّافعيّ لها بأنواعها، واستخدامه طريقته لكتابتها.
- الأجناس الأدبیّة السّردیّة في وحي القلم للرّافعيّ:
- القصة، إذ استخدم الرّافعيّ القصّة بأنواعها في كتابة وحيّ القلم.
- الحكایة على لسان الحیوان، وعَمَد إلى استخدامه هذا الأسلوب؛ لكتابة ما يُريده الكاتب، أو ما يرمي إليه، تحت مظلّة ذكر الحيوان، وهنا تظهر العلاقة بين ابن المُقفّع والرّافعيّ.
تحت راية القرآن
هو عبارة عن مجموعةٍ من المقالات في الأدب العربيّ بالجامعة، والتي تحتوي كذلك ردّاً على كتاب طه حسين في الشِّعر الجاهليّ.
على السّفود
عُدّ هذا المُصنّف ردّاً على الأديب عبّاس محمود العقّاد، وكانت قد نشرته مجلّة العصور، لصاحبها الأستاذ إسماعيل مظهر ولم تُشِر إلى من قام بتأليفه، فأوردت اسم المؤلف تحت اسم “إمام من أئمّة الأدب العربيّ”.
المساكين
صدر كتاب المساكين بطبعته الأولى عام 1917م، وكان عبارة عن كلمات تُعنى في المفردات والمعاني الإنسانيّة، ويعرض الرافعي في هذا الكتاب فلسفة الفقر بصياغة تفاصيلها بواسطة أدوات من البلاغة الأدبية.
كلمة وكُليمة
كتاب كلمة وكُليمة هو عبارة عن مجموعة من المقالات غير المنشورة في كتاب خاص، والتي نُشِرت في مجلّة “الرّسالة”، وتتناول موضوعات مختلفة في كلّ من: الأدب، والاجتماع، والدين، والأخلاق، وقد نُشرت الطبعة الأولى لهذا الكتاب الذي جمع تلك المقالات في عام 2002م.
مؤلّفات مصطفى صادق الرافعيّ الشعريّة
ديوان النظرات
ديوان النّظرات هو أحد دواوين الرّافعيّ الذي يحتوي على مجموعةٍ من نماذج أدبيّةٍ من تأليفه، وقد صدرت أولى طبعاته عام 1908م. كان للرّافعيّ كتاب مدرسيّ يحتوي على هذه النّماذج جميعها، وذلك تحت اسم: “ملكة الإنشاء”، وعَمَد إلى نشره عام 1907م، فحصل ونُشِر بعضها في ديوان النّظرات، وشاءت صُروف الدّهر بعد ذلك أن تشغله عن إنهاء ذلك الكتاب، فضاع ما فيه، ولم يبقَ إلّا ما نُشر منه ضمن ديوان النّظرات.
ديوان الرافعيّ
يتضمّنُ هذا الدّيوان ثلاثة أجزاء، وقد وضع الرافعيّ مُقدّمة لكُلِّ جزء تُعنَى في معاني الشِّعر، مع شرح لأسلوبه وطريقته، وقد صدرت أولى طبعاته بين عاميّ 1903-1906م، وهُناك طبعة تعود لأخيه محمّد كامل الرّافعيّ فيها شرحٌ للدّيوان مُورَد معها، ونذكر في الآتي بيتين من شعره:
ولا تكُن للوشاة عبداً
-
-
-
-
- فليس بين الوُشاة حرُّ
-
-
-
واصبر على الَّلغو صَبر قومٍ
-
-
-
-
- مرُّوا كِراماً غَداة مرُّوا
-
-
-
كتاب رسائل الرافعيّ
هو كتاب يضمّ رسائل كتبها الرّافعيّ لصاحبه محمود أبو ريّه مؤلّف هذا الكتاب، والذي كان له أواصر مع الرّافعيّ تعودُ إلى أوائل عام 1912م، وذلك بعد خِطاب أرسلهُ له يُريد أن يتعلّم عنه؛ لكثرة ما سمع عنه، فتوطّنت علاقتهما لاحقاً واستمرّت رُبع قرن، ويشار إلى أنّ العديد من الخطابات الموجودة في الرسائل ضمّت أيضًا خطابات أدبيّة فيها من الفوائد الكبيرة؛ لاحتوائها على العديد من الآراء المُتعلّقة بالأدب، والبلاغة والشِّعر، والّلغة، ولتضمّنها أساليب تعلّم الأدب العربيّ قديماً وحديثاً، والمصادر الّلازمة لدراسة النّصوص الأدبيّة والنّقديّة، ومُضيفاً فيها سبب تدهور الأدب في وقته آنذاك.
تحتوي الرّسائل كذلك الأساليب التي تطرّق إليها من قوّة الألفاظ، والإنشاء، والاجتهاد، وتحتوي كذلك على ما أراد الرّافعيّ نشره من كُتبه، والسّبب وراء كلّ منها، كإيراده أنّ كتابه “حديث القمر” كان في فتاة أحبّها في الشّام، وهي مي زيادة، وأنّ كلمة القمر ما هي إلّا أسلوب تورية عنها.
أسلوب مصطفى الرافعيّ في أعماله
الأسلوب الأدبي في أعمال الرافعيّ
يظهر الأسلوب الأدبي في كتابات الرافعي، التي لا تخلو من عنايته بالتّراكيب بشكل أكبر من الألفاظ، مع العمل على الاتّزان في تناسبها، وقال طه حسين عن كتاب الرّافعيّ (رسائل الأحزان): “إنّ كلّ جملة من جُمل الكتاب تبعث في نفسك شعوراً قوياً أنّ الكاتب يلدها ولادة، وهو في هذه الولادة يقاسي ما تقاسيه الأمّ من آلام الوضع”، وممّا حرص عليه الرّافعيّ كذلك في كتابته ألا تقتصر على التّقليد لمن قبله، بل حرص بشكل دائم على أن يكون ما يؤلّفه جديداً من ألفاظ أو أساليب مُراعٍ بذلك الّلغة، وقواعدها، وأوزانها، كما عمل الرّافعي في جميع مؤلّفاته على أن يكون التّعبير بسيطاً وذا معنى واضح. ومن الجدير بالذِّكر أنّ جُمل الرّافعيّ أصبحت تُميّز أسلوبه فصنع بذلك طابعاً خاصّاً له، وقد تطرّق كذلك للتّعابير المجازيّة، والتّنقيحات، فكان لا يقبل الطّرائق السّهلة في الكتابة إنّما يكّد ويجتهد، فكما يقول في رسائله: “لا قيمة لكاتب لا يضع في الّلغة أوضاعاً جديدة”.
الأسلوب القصصيّ في أعمال الرافعيّ
يعد السّرد على لسان الحيوان أحد الأمثلة على الأسلوب القصصيّ للرافعيّ، قريباً من أسلوب كتاب كليلة ودمنة، فكان الرّافعيّ يَعمَدُ على الرّد على أعدائه أو من يشكو منه خصومةً بالرّموز، والدّلالات، والحوارات، كما استخدم المُفردات العاميّة أحياناً لغاية الاستهزاء، وكانت بداية مقالات الرّافعيّ هذه مع طه حسين حينما ردّ على كتابه الشّعر الجاهليّ، وكان يبدأ قصّته في المقال قائلاً: “عندي نسخة من كتاب كليلة ودمنة، ليس مثلها عند أحد”، كما كان يعتمد على المفاجأة فيما يرويه من القصص، فلم يُشبه كليلة ودمنة بإيراد المثل أولاً ثمّ شرح القصّة، فكان الأسلوب أقرب إلى كونه أسلوباً نثريّاً ساخراً لم يشهده العرب سابقاً، وتطرّق الرّافعيّ إلى استخدام القصص القرآنيّ بإسقاط الأسماء على قصّته التي يُوردُها.
أسلوب التناص القرآني في أعمال الرافعيّ
يُقصَد بالتّناص القُرآنيّ أن تتمّ كتابة النّص الأدبيّ بتضمينٍ، أو اقتباسٍ، أو تلميحٍ من القرآن الكريم، ويظهرُ هذا جليّاً في رسائل الرّافعيّ، والتّناص في الأدب يكون في وجهين: الأول المُباشر، أي يتمّ إيراد “الآيات القرآنيّة” بالّلفظ والمعنى، أمّا الثّاني فهو التّناص غير المُباشر، وهو استنباط ما تحويه النّصوص واستنتاج ما فيها، ويُفهم هذا النّوع من خلال التّلميحات والرّموز الواردة في النّص، وقد يكون هذا النّوع من التّناص جملة أو عبارة ما تدلّ على النّص الذي أُخذ منه، ومن الأمثلة على التّناص القرآنيّ في رسائل الرّافعيّ:
- التّناص القرآنيّ في الشّكل المباشر: (مَّا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لهَا ۖ وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ). ويقول الرّافعيّ بما يُشابهها تماماً في رسائله: “إنّنا في وقت لا ينفذ فيه النّور، فلا أدري كيف أُشير عليك أن تنفذ أنت، ولكنّي أسأل الله أن يهبك حظاً من التّوفيق، فما يفتح الله للنّاس من رحمة فلا ممسك لها”.
- التّناص القرآنيّ في الشّكل غير المباشر: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)، ويقول الرّافعيّ في رسائله ما يتضمّن معنى تلك الآية: “أمّا ما ذكرت من معارضة البَكريّة، والعمريّة، فقد ألقي علي هذا الاقتراح مراراً ولكنّ الوقت لم يحن للعمل، ومتى حان فعندي أعمال أخرى، على أنّ الأمور مرهونة بأوقاتها”.
رأي الرافعيّ في دراسة الأدب العربي
كان يرى الرّافعيّ أنّ من يُرِد السّبيل الأقرب لأن يكون أديباً عليه أن يحرص على أن يكون صاحب نقدٍ وفِكرٍ، كذلك عليه القراءة في الكُتب التي تُعنى بالمعاني قبل التي تُعنى بالألفاظ، كما نصح بقراءة كُتب الفلسفة الأدبيّة ممّا تُرجم منها، أو ممّا كانت بلغة أوروبيّة، وكُتب الاجتماع، وكُتب الأدب العربيّ، ونصح في البدء بهذه الكُتب: كتاب كليلة ودمنة، ورسائل الجاحظ، وكتابه الحيوان والبيان، وأشار إلى أهميّة العِلم في أمور البلاغة، ونصح فيها بكتاب المثل السّائر، وقال في ذلك: “هذا الكتاب وحدة يكفلُ لك ملكة حسنة في الانتقاد الأدبيّ”.
حرص الرّافعيّ على ضرورة حفظ المُفردات والتّراكيب، وأشار إلى حفظ المُفردات في كتابيّ: نجعة الرّائد لليازجي، وكتاب الألفاظ الكتابيّة للهمذانيّ، والقراءة في كتاب يتيمة الدّهر للثّعالبيّ، والعقد الفريد لابن عبد ربّه، وكتاب زهر الآداب، ولم يقتصر نُصح الرّافعيّ على الكُتب، فقد نصح بالمُطالعة من المجلّات، والصّحف اليوميّة والأسبوعيّة، كما تطرّق لأهميّة الحفظ الكثير من كتابيّ: شرح ديوان الحماسة، وكتاب نهج البلاغة، وأشار إلى أنّ هذا الطّريق طويل ويحتاج جُهداً وصبراً، وأنّ المداومة على البحث والمُطالعة مع ترك الزّمان يطولُ ويقصر، سيُوصل في النّهاية إلى حصيلة الجهد.
وفاة مصطفى صادق الرافعيّ
توفّي الرّافعيّ يوم الإثنين في العاشر من أيّار عام 1937م عن عُمرٍ يُناهز السّابعة والخمسين بعد أدائه لصلاة الفجر، ودُفن بجانب أبويه في مقبرة الرافعي في طنطا، وقبل أن يتوفى كان جالسًا يتلو القرآن، فأصابته حرقة المعدة، وبعد حلول ساعةٍ قام لينهض فإذا به يقع أرضاً، ويفارق الحياة.