المقدمة الطللية
استهلّت معظم القصائد بالمقدمات الطللية التي احتذى بها شعراء البدو في العصر العباسي بالقدماء، حيث كانت تحمل معانٍ عميقة بين ثناياها؛ كمعاني الفناء، والرحيل، والألم على رحيل المحبوبة، وتمّ توظيفها بشكل خاص في مجال مدح الخلفاء والتغزّل بالمحبوبة، ثمّ ثار البعض على المقدمات الطللية وابتكروا مقدمات جديدة تلائم عصرهم؛ كالمقدمات الخمرية، ومقدمات وصف الطبيعة، والمقدمات الحكمية.
الابتعاد عن القصائد المطولّة
ابتعد الشعراء العباسيون عن القصائد الطويلة؛ فأكثروا من نظم شعرهم على شكل مقطوعات صغيرة؛ ويعود ذلك إلى طبيعة التطور الحضاري؛ فلم يعد العرب يجتمعون كمان كانوا يفعلون قديماً بالأسواق ليستمعوا إلى تلك القصائد التي كان ينظمها الجاهليون، فلم يعد الهدف الأسمى للمجتمع تذوق الشعر وسماعه، بل انصرفوا إلى مشاغل الحياة المتعددة؛ كالتجارة، والصناعة، والزراعة، بالإضافة إلى أنّ الشعر أصبح يتحدّث عن موضوع واحد، الأمر الذي لا يتطلب من الشاعر كتابة قصائد طويلة بل يقتصر على عدد قليل من الأبيات؛ على عكس القدماء الذين تنوعت الموضوعات في قصائدهم مما جعلها طويلة، ومن الجدير بالذكر أنّ انتشار الغناء ترك أثر كبيراً لدى الشعراء؛ فقد دفعهم إلى نظم شعرهم في قطعة موسيقية صغيرة قابلة للغناء.
التجديد في المعاني والأفكار
اتجه كثير من الشعراء إلى التجديد في المعاني والأفكار، وكان ذلك واضحاً في أشعارهم؛ فقد ازدحمت الأشعار بالأفكار والمعاني والصور والأخيلة، ولجأوا كذلك إلى المبالغة والتهويل والتجسيد والتضخيم، فهي كانت السمة الأكثر التي ارتكز الشعراء عليها في نظم أشعارهم خاصة في موضوعي المدح والغزل، ومن جانب آخر بالغ كثير من الشعراء في استخدام المحسّنات المعنوية واللفظية التي أبدع كثيرٌ منهم في استخدامها في حين أنّها كانت في بعض القصائد مرذولة لا جمال فيها.
إقرأ أيضا:أهم الروايات العالميةالتجديد في الأسلوب
كان للتطور الثقافي والعمراني والحضاري أثراً كبيرا في لغة وأسلوب الشعر؛ فقد اتسم الأسلوب بالسلاسة والسهولة واللين إلا في بعض المصطلحات البدوية التي تحتاج إلى الشرح، في حين تنوعت الأساليب التي اتبعها الشعراء في هذا العصر؛ فمنهم من اتبع أسلوباً بعيداً عن التكلف والتصنّع وكانت له حرية التصرف في كيفية عرض فكرته، مع الحرص على الوحدة الموضوعية، والتحرر من القوالب العروضية التي تقيّد القدماء بها في بناء قصائدهم، ومن جانب آخر فقد اتسم أسلوب بعضهم بالصنعة والتقليد والاحتذاء بالقدامى في استخدامهم للغة القديمة والصور البدوية مع اللجوء إلى استخدام الصور الغريبة.
الأوزان والقوافي
نظم بعض الشعراء شعرهم على الأوزان التقليدية المعروفة، والبعض الآخر استحدث أوزاناً تلائم روح عصرهم وذوقهم الشعري، وجددوا في القافية كذلك؛ فاستحدثوا المزدوج والمسمّط والمخمّس، فالمزدوج هو عبارة عن اتفاق الشطرين المتقابلين بنفس القافية مع اختلافها من بيت لآخر، أما المسمط فهو عبارة عن قصائد تتألف من أدوار، ويتكون الدور فيها من أربعة أشطر تتفق فيه القافية في ثلاثة أشطر، وتنفرد في الشطر الرابع لتسمّى عمود المسمط، أما بالنسبة للمخمّس فهو كالمسمّط من ناحية أنه يتألف من أدوار، حيث يتكون كل دور من خمسة أشطر، تتفق أول أربعة أشطر في القافية، وتثبت في الشطر الخامس.
إقرأ أيضا:أهمية الشعرالموسيقى الداخلية
تأثر الشعراء في العصر العباسي بشعراء الجاهلية تأثراً كبيراً من ناحية الموسيقى؛ فقد كانت الموسيقى الداخلية لديهم تحمل أشكالاً عدة، منها: تكرار الألفاظ أو ما اشتق منها، والترصيع؛ وهو عبارة عن تماثل ألفاظ الفصل الأول مع الفصل الثاني في الأوزان والأعجاز، والتصريع الذي يكثر في مطلع القصائد؛ وهو عبارة عن اتفاق قافية الشطر الأول من البيت مع قافية الشطر الثاني.
إقرأ أيضا:ما معنى العدالةالطابع الشعبي في القصيدة
كانت القصائد قديماً تقتصر على الطبقة الأرستقراطية، فقد كان الشعر يعالج قضايا الطبقة الحاكمة، ثمّ تغيرت قبلة الشعراء في العصر العباسي وشملت كافة فئات المجتمع؛ فوصفوا الروض، والخمر، والأسد، والنهر، والعجوز، والشباب، والجاريات، والغلمان، والخباز، وصانع الحلوى وغيرهم، ووصفوا إلى جانب ذلك الجانب المعنوي من مجتمعهم الذي لا يُدرك بالحواس.