الشاعر توفيق زيّاد
الشاعر توفيق زيّاد هو شاعرٌ فلسطيني، وشخصية مثقفة جداً، ولد في عام 1929 في مدينة الناصرة، عاش حياة الكفاح والنضال في ظل الاحتلال الصهيوني. ولكن ، حيث توفي عام 1994 عن عمرٍ يناهز الخامسة والستين.
حياته عبارة عن دراما تتحدث عن قصة شعب عاش الظلم والتشرد، شعب أدماه حب الوطن، وقد عاش شاعرنا الكبير قصة النضال والتجارب المريرة، والتي دفعته لأن ينقل رسالته الهادفة، من خلال قصائده الرائعة وكلماته العميقة. من أهم أعماله /أشد على أياديكم – ادفنوا أمواتكم وانهضوا – سجناء الحرية – وسمر في السجن.
توفي والده – الذي كان مكافحاً – منذ أن كان صغيراً، فاضطر توفيق إلى الاعتماد على ذاته في كل شيء، حيث تلقى تعليمه الثانوي في المدرسة الثانوية البلدية في الناصرة، وهناك بدأت تبلورت شخصيته السياسية وبرزت لديه موهبة الشعر.
أكمل تعليمه دون توقف وعمل خلال دراسته في عدة أعمال، منها التجارة فكان ينقل البضائع من وإلى بلاد الشام، ثم درس في الشام التمريض لمدة ثلاث سنوات.
أما عن رحلته المهنية فقد عمل زيّاد رئيساً لبلدية الناصرة في الفترة ما بين (1975 – 1994). كان توفيق عضواً في الكنيست ممثلاً عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي، والقائمة الجديدة للحزب الشيوعي، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة.
إقرأ أيضا:حوار بين طفلينكان زيّاد سريع البديهة، وحكيماً وعميقاً، فكان يعطي رأيه بكل شيء يسمعه، وكان ذكيّاً جداً ومتواضعاً، وناصراً للمظلومين والضعفاء. كان قارئاً متميزاً، حيث كانت القراءة عادة ملازمة له، فكان يقرأ في كل المجالات مثل الأدب، والسياسة، والعلوم وخاصة كتب الفيزياء.
تناولت معظم قصائده قضايا شعبه المناضل، وعبرت عن همومه ومشاكله في ظل الاحتلال الغاشم، الذي نفث براثنه الفاسدة في أراضي هذا الوطن الطاهر، فكان شاعراً يمتلك حساً مرهفاً، ويحمل في داخله معاناة بلده، ويضم في صدره أوجاع هذا الشعب المنكوب الذي لا يزال يناضل من أجل حريته واستقلاله.
عاش توفيق زيّاد حياة ثرية بالنضال، حيث أحيى من خلال مشواره المليء بمشاعر الغضب والثورة ضد كل ممارسات العدوان الصهيوني الغاشم كل عواطف الوطنية وحب التضحية لأجل تراب فلسطين.
ذاق توفيق تجارب مريرة في سجون المحتل، حيث جسد لنا معاناته في أكثر من قصيدة؛ مثل قصيدة من وراء القضبان، التي تحكي عن تجربته في سجن الرملة، وقصيدة سمر في السجن وهي موضوع المقال.
اختطفه القدر في حادث طريقٍ مروع، وقع في عام 1994، وهو في طريقه لاستقبال ياسر عرفات، بعد اتفاقية أسلو، وكان آنذاك يبلغ من العمر الخامسة والستين، فخسرنا بذلك شاعراً وطنياً، كان له الأثر الكبير في وضع الأسس الثابتة في النضال والمقاومة ضد الظلم والطغيان.
إقرأ أيضا:مدينة أفلاطون الفاضلةيعتبر الشاعر توفيق زيّاد من أبرز الشعراء الفلسطينيين الذين برز دورهم في الشعر وسُجلوا في التاريخ، حيث بقي اسمه محفوراً في قلب الذاكرة الفلسطينية، فقد كان له الدور الكبير في إبراز معاناة شعبنا وصراعه المستمر من أجل نيل حقوقه.
شرح قصيدة سمر في السجن
إليكم شرح لإحدى قصائده، قصيدة سمر في السجن، وهي من خمسة مقاطع، حيث إن القصيدة تروي حكاية اعتقاله هو وممجموعة السياسيين في سجن الدامون، والشرح كالآتي:
تحدث الشاعر توفيق زيّاد في قصيدة (سمر في السجن) عن تجربته المؤلمة في سجن الدامون، حيث تتناسب كلماتها المتماوجة مع دلالالتها، وأبعادها العاطفية، فالقصيدة تروي معاناة شاعرنا ورفاقه وأحلامهم المشتركة البعيدة كل البعد عن الواقع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني المقاوم والمناضل ضد كل ممارسات الذل والهوان والظلم.
ينتقل شاعرنا ليخاطب شعبه الذي سلب منه وطنه وجرحت كرامته في مقطع من القصيدة، بعنوان “السِّجن” بإيقاع مختلف، تتنوع فيه القوافي، بين قافية فيها المد لتشعرنا بحرارة النداء الذي يوجهه إلى شعبه، وسكون الهاء التي تشعرك بالألم والمعاناة في ظل عذابات السجن.
يتذكر الشاعر رؤيته للقمر من خلف القضبان، حيث الأسلاك الشائكة تحاصرهم من كل اتجاه، واشتياقه ورفاقه لقصص الحب والأيام الجميلة، كما يتحدث عن بطولات أجداده العريقة ضد ظلم المحتل.
إقرأ أيضا:تحليل ومناقشة نص فلسفيكما تحدث شاعرنا في زوايا قصيدته عن تحدي السجناء للسجن والسجّان، وعن شعب فلسطين الذي لا يطأطئ رأسه للظالمين، ويحكي لنا عن معاناة أبناء شعبه وأملهم الذي كان يزداد ويقوى على ظلم الأيام، والحديث عن الحرية والعيش بسلام.
يتذكر زيّاد في هذه القصيدة ليالي السمر التي كانت تجمعهم على ألحان جميلة تعزفها أنامل إبراهيم على ربابته، حتى يناموا من تعبهم وإرهاقهم على أسرّة خشبية تخيّل إليهم أنها أسرّة مصنوعة من ريش نعام، متحدين بذلك جبروت السجان.
يتحدث عن إصرارهم على التضحية من أجل الوطن السليب، ويتجلى ذلك عندما يخاطب شعبه الذي يعتبره أغلى من روحه، يعاهده على المضي قدماً في رفض الظلم ولو كلفهم ذلك الجوع والسجن، فلن يتوانى عن التضحية بكلّ غالٍ ونفيس؛ من أجل استعادة الوطن السليب من أيدي الغزاة المحتلين، وحتى لا تبقى فلسطين وطناً بلا شعب.
في المقطع الأخير يجدد الشاعر وعده وإصراره على العهد، بمواصلة النضال والكفاح والتضحية بكل ما هو غالٍ. استخدم شاعرنا في القصيدة وحدة التفعيلة ولم يلتزم بقافية واحدة، كما اعتمد على الرموز والحكايات الأُسطورية في كتابة هذه القصيدة.
نص قصيدة سمر في السجن
أتذكّر….إنّي أتذكّر…
الدامون…لياليه المرّة … والأسلاك
والعدل المشنوق على السور هناك
والقمر المصلوب على….
فولاذ الشبّاك
ومزارع من نمش …أحمر
في وجه السّجان الأنقر
أتذكّر…إنّي أتذكّر
لمّا كنّا في أحشاء الظلمة نسمر
في الزّنزانة…في الدامون الأغبر
نتنهّد لمّا نسمع قصّة حبّ
نتوعّد عند حكاية سلبٍ
ونهلّل عند تمرّد شعبٍ
يتحرّر
ونحدّث عن صلف الأقزام
عن شعب لم يحنِ الهامة للظلاّم
عن بطنٍ جائعة …قدم حافية …وعظام
عن عزم يتوثّبّ
في وجه الشعب الأسمر
عن أملٍ في عينه يتنمّر
عن بسمته الأقوى من جور الأيام
عن يوم يشبُّ ويكبر
ونحدّث … عن غدنا
عن دنيا من حب وسلام
وحدائق من ورد … ومن عنبر
وجداول من سكّر
أتذكّر … إنّي أتذكّر…
لمّا كنّا في أحشاء الظّلمة نسمر
وربابة إبراهيم تُعمّر
تحكي …عن عبس…عن عنتر…
عن عبلة….عن سالفها الأسمر
عن جسّاس…
وأبو زيدٍ…
ودياب…
وعن التّغريبة…والأحباب الغيّاب…
وعن البطليْن…كأنّهما جبلان…
وعن السّيف المصقول…
أبي الحدّين
وعن العشاق…عن الحب الأخضر
ويشيب الليل على الكرمل
وتنام ربابة إبراهيم…تنام
وينام على برشٍ من ريش نعام
ونظلّ نحدّق في ليل الأقزام
في صمتٍ…
نتحدّى القضبان…
ومفتاح السّجان…
وعيون السّجان الزرقاء…
وشاربه الأشقر…
يا شعبي…
يا عود النّدّ…
يا أغلى من روحي عندي
إنّا باقون على العهدِ
لم نرضَ عذاب الزنزانة
وقيود الظلم وقضبانه
ونقاسِ الجوع وحرمانه
إلاّ لنفُكَّ وثاق القمر المصلوب
ونعيد إليك الحقّ المسلوب
ونطول الغد من ليل الأطماع
حتى لا تُشرى وتُباع ! ! ..
حتّى لا يبقَ الزورق …دون شراع ! ! ..
يا شعبي يا عود النّدّ
يا أغلى من روحي عندي
إنّا…باقونَ…على العهدِ……