بين الجبال والأشجار وبين ألوان الأزهار كان هناك منزل كبير تعيش فيها أسرة جميلة مكونة من ثلاث أفراد : الأم خديجة والأب محمد وابنتهما الوحيدة عائشة ،كان الأب رجل ذو منصب عال فقد كان رئيس القرية التي تبعدهما ب 40 قدم.
كانت عائشة حين ذاك تبلغ من العمر الثانية والعشرين وكانت تحب الطبيعة الخلابة والنوم على الربيع الأخضر وتستنشق رائحة التراب أثناء سقوط المطر، وكانت أيضاً تعيش رفاهية وتعيش كل الفرح. ذات يوم عزمت على أن تبتعد قليلاً من الحديقة المجاورة للبيت فامتطت حصانها “يَاتَاويسْ “وبدأت تبتعد شيئاً فشيئا إلى أن وصلت لجسر كبير وكانت المياه أسفله قوية وبالرغم من خوفها من التعثر تابعت المسير وعبرته بتأن وفجأة!!! وعند منتصف الجسر قفز الحصان بسرعة فجعلها تقع ويُخرق بذلك الجسر فوقعت في الماء بعد هرب الحصان وعودته للضفة الأولى صرخت عائشة وهي تنادي أمي وتطلب المساعدة، لكنها كانت تختنق شيئاً فشيئاً وجرعت نسبة كبيرة من الماء فغابت في المياه.
عاد الحصان خائفاً للمنزل فرأته أم عائشة وحده وصرخت قائلة: محمد، لقد عاد حصانك وحده…ياإلهي، يبدو مرعوباً ..أين ابنتي ؟
- محمد: عائشة ؟؟ (يصرخ) ابنتي عائشة…. ركض الأب بثياب المنزل كالمجنون مهرولا ناحية الجسر كأنه علم بذهابها إلى هناك ففي السابق كانت عائشة تحدثه عن النهر والضفة الأخرى ودائما يجيب بالرفض، “اللعنة… يآل عنادك يا عائشة … ” ردد الأب هذه الجملة غاضبا وأمر حراسه الذين يتبعونه كظله بأن يبحثوا في الأنحاء، فجاءت إليه خديجة وهي تبكي خائفة فوبخها قائلا :- مالذي أحضرك إلى هنا ؟
- خديجة : أحضرني ما أحضرك يا محمد.فجأة جاء أحد الرجال يدعى عادل وقال: تبين يا سيدي أن الجسر مكسور والمياه قوية كما ترى…،إننا فقدنا الأمل في العثور على ابنتك يا سيدي ،صرخ الأب غاضباً وشد قميص الرجل وقال بعصبية فائقة إلى أن تجعدت ملامح وجهه الغليظ : أقسم بالله العلي العظيم إن لم تعثروا عن ابنتي حالاً فاعتبروا أنفسكم مطرودين من العمل لا محالة
- خديجة : هدئ من روعك يا محمد فما ذنب هؤلاء…؟ صلي على النبي والله قادر ليعيد لك ابنتك
- محمد : (محاولا تهدئة أعصابه) ..”عليه الصلاة وسلام “
- خديجة : ربما كان هذا امتحان من عز وجل،فلنصبر وإذا تطلب الأمر سنستدعي للشرطة …(قاطعها الأب)
- محمد: الشرطة؟ ؟،هل جننت؟ ماذا ستقولين لهم؟ أخلفنا الوعد ولم نرعى الفتاة بشكل جيد أم ستقولين : “عفوا يا سيدي الفتاة التي امرتنا بالاعتناء بها تركناها تذهب لوحدها الى الجسر فغرقت….”،كيف لي أن جيبهم؟وكيف سأقص ألسنة أهل البلدة عن الحديث إذا علموا أنها ابنتي من امرأة أخرى غيرك؟ وهم يعلموا أني لم أتزوج قديماً،كيف سأصبح بينهم؟ أتعلمين حجم المصيبة التي ستقع علينا؟
- خديجة : {في حيرة} فما الحل إذن؟ الذنب ذنبك..
- محمد:ذنبي أنا؟، إلا الشرطة…إلا الشرطة يا خديجة .وفي منزل صنع من القش كان شاب يدعى ياسين يترقب الفتاة التي كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة تحت الماء لولا لطف الله سبحانه وتعالى ،كانت ترتعش من البرد وارتفعت درجة حرارتها وكان هذا الشاب الفقير يضع لها ثوب المبلول بالماء على جبينها وبعد مدة من الوقت غفت عيون الشاب فدخلت لسوء الحظ أفعى صغيرة سامة واقتربت من عائشة فلدغتها وكانت صرختها قوية ففزع الشاب واستيقظ فحمل عصا وضرب بها الأفعى وحمل عائشة راكضاً إلى القرية .
دخل ياسين مهرولاً الى اقرب عيادة فدخلها واستقبلها الأطباء بسرعة أدخلوها الى الغرفة فجلس ياسين ينتظر، خرج الطبيب وقال: الحمد لله لقد أحضرتها في الوقت المناسب واستطعنا أن نخرج السم قبل أن ينتشر في جسدها..
إقرأ أيضا:قصة اصحاب الفيل- ياسين:الحمد لله…
- الطبيب: هل لي بأن أسألك ؟
- ياسين: تفضل…
- الطبيب:ألا تشبه هذه الفتاة عائشة ابنة رئيس القرية؟
- ياسين: لا…كيف لراع غنم مثلي أن يرافق ابنة الرئيس..ههه(يضحك)،ثم …
- الطبيب:يضحك)..إني أمزح…كيف لابنة الرئيس أن تكون بهذه الحال المزرية ؟…نحن من نكون هكذا…أما هم لا يعرفون التعب ولا تلسعهم الأفاعي… (يضحك)
- ياسين: أصمت ليسمعنك أحدهم… (ساخراً)
- استيقظت عائشة من النوم فرأت نفسها على السرير داخل غرفة بيضاء وستائر زرقاء فعلمت أنها المستشفى بوجود مختلف الأجهزة فانتظرت دخول ذلك الشاب الذي لم ترى ملامحه بشكل جيد فقد كانت في ارتباك ،وبعد حين دخل الشاب فرآها مستيقظة وقال : حمدا لله على سلامتك
- عائشة: شكراً…. هل أنت من أنقذني عندما كنت داخل النهر ألفظ أنفاسي الأخيرة؟
- ياسين : نعم..بشحمه ولحمه، أدعى ياسين يا آنسة عائشة
- عائشة:كيف تعلم اسمي؟
- ياسين:ألست ابنة رئيس القرية السيد “محمد ” الشهير ب”الجعفري عبده” ،أرجوك لا تخبري أحدا عن أصلك فأعداء الرئيس كثيرون…
- عائشة:حسناً… أعدني إلى المنزل ،إني في حالة جيدة الآن..،مهلاً… لماذا تخاف على حياتي ؟ هل تعز الرئيس؟
- ياسين: نعم وكثيراً…
- عائشة :ماذا تقصد بكثيراً؟
- ياسين : أي أنني أحبه، ثم إني أتظاهر بكرهه وأظل أنتقده أمام الناس لكي لا يتفادون الحديث معي في أمره ..
- عائشة: إنك أبدا لا تحب أبي؟ بالعكس تكرهه وكثيراً، لا تخف مني لن أخبره فهذا لا يعنيني
- ياسين : ما هذا الذي تقولينه، إنني فعلاً أحبه
- عائشة : أعرف أنك تريد تغطية الأمر وأتفهم مشاعرك..، لا تدع نفسك تكتم ما بدخلك على هذا النحو، انفجر….؟
- ياسين: ماذا؟
- عائشة : قلت انفجر…هيا انفجر يا….يا ياسين..
- ياسين: أكرهه…نعم أكره… ولو كان الآن أمامي لمزقته بأسناني ورميته للكلاب
- عائشة : لهذه الدرجة أبي قاس…
- دخل الطبيب : السلام عليكم….آسف لمقاطعتكم
- عائشة : هيا يا ياسين…
- ياسين:(متجاهلاً كلام عائشة) هل تحتاجين لشيء يا ..يا..نور..؟
- عائشة:أدعى عائشة…
- الطبيب:سبحان الله، اسمك كإسم…(تقاطعه عائشة)
- عائشة:كاسم أي فتاة تدعى عائشة …؟
- ياسين: نعم يا نوراً ملأ المستشفى……..وانتشر وشافى المرضى
- عائشة: بأية مناسبة تقول هذا؟
- ياسين: أمزح فقط…
- عائشة: لم اكن اعرف أنك تكتب الشعر
- الطبيب:سأدعكم تتحدثون…..
- خرج الطبيب وقالت عائشة بغضب:ما هذا الذي قلته؟
- ياسين : ليخرج…يبدوا انه يكره القصائد
- عائشة:حسنا، أريد أن أعود للمنزل
- ياسين:حالاً يا مولاتي…
- وفي المنزل كان الأب والأم في انتظار خبر سار بشأن عائشة فجأة دخل أحد الرجال وقال:سيدي عادت عائشة….لكن ليس لوحدها.
- الأب:قل لها أن تدخل حالاً وأيضاً من معها …
دخلت عائشة وياسين … وضم الأب ابنته بكل فرح.
إقرأ أيضا:قصة الشاطر حسن