سنة الله في الكون
كانت سنّة الله -تعالى- في كونه أن يرسل للبشر كلّ فترةٍ من الزمن نبياً لهم؛ ليرشدهم إلى طريق توحيد الله سبحانه، ويرغّبهم في نعيم الله -تعالى- وعطائه، ويخوّفهم من عذابه إن حادوا عن الطريق وكفروا به، لكنّ الله -تعالى- سبق في علمه بأنّ قليلاً من الناس سيؤمنون ويلتزمون بنصائح نبيّهم؛ ذلك بأنّ الإنسان في طبعه يغلب عليه الكسل، ويغترّ بنفسه وقوّته، حيث قال الله تعالى: (مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )، وكما كانت سنّة الله -تعالى- في إرسال الأنبياء مُبشّرين ومنذرين، جرت سنّته كذلك على إلحاق العذاب الشديد بمَن كفر بعد أن يمهلهم الوقت للرجوع والإنابة، وكان قوم عاد من الأقوام التي أُرسل إليها نبيّاً فكفروا به وأنكروا قوله، واغترّوا بقوّتهم وعمرانهم والنعيم من حولهم، فأهلكهم الله -تعالى- وأنهى نسلهم.
قصة قوم عاد
سكن قوم عاد في اليمن وتحديداً في الأحقاف؛ وهو جبل الرمل، حيث متّعهم الله -سبحانه- بقوّةٍ في الأبدان، وبسط لهم في المال الشيء الكثير، حتى أصبحوا أصحاب قوّة ماديّة وبدنيّة، حيث كانوا أصحاب أكبر قوّة عسكريّة في زمانهم، وكانت لهم الخِلافة في الأرض من بعد قوم نوح عليه السلام، وحينما دعاهم هود -عليه السلام- أخبرهم بأنّ قوّتهم لن تغنيَ عنهم من الله شيئاً، فقال الله تعالى: (وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ)، وذكر الله -تعالى- في كتابه صور قوّتهم وعمرانهم في عدّة آياتٍ؛ منها قول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ*إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ*الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ)، وقال: (أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ*وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ)، وقال أيضاً: (وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ)، حيث كانت قوّة قوم عاد لا تضاهيها أي قوّة في ذلك الزمان، وامتازوا أيضاً بمتاع الحياة الذي انتشر بسبب الرخاء والقوة والقدرة، وكذلك تربية المواشي، وبناء المصانع والعمران، والشعور بالحضارة العظيمة والسيطرة على جميع مناحي الحياة، حيث كان كلّ ذلك ابتلاءً لهم؛ ليعلم الله -تعالى- من يُرجع الفضل والقوّة إليه، ومن يغترّ بعظمته وقدرته وينسب ذلك إلى نفسه.
إقرأ أيضا:ما هي صفات قوم لوطأُرسل هود -عليه السلام- إلى قومه برسالة التوحيد لله تعالى، وداعياً لهم بشكر النعم وردّ فضلها إلى الله، وقال العلماء إنّ هوداً -عليه السلام- لم يذكر له معجزة في القرآن، إلا أنّ معجزته قد تكون ظهوره بين قومه، متحدّياً لهم، حيث قال الله -تعالى- في هود عليه السلام: (فَكيدوني جَميعًا ثُمَّ لا تُنظِرونِ)، فرغم كلّ القوّة التي كانت عند قوم عاد إلّا أنّه لم يستطع أحد أن يؤذي هود -عليه السلام- بأي بسوء بالرغم من أنّه كان منفرداً يواجه قوماً بأكمله، وقال العالم الألوسي في تفسير ذلك: أيّاً ما كان فذاك من أعظم المعجزات، وبناءً على ذلك فهود -عليه السلام- كان منفرداً بين جمع من العتاة الجبابرة العطاش إلى إراقة دمه، وقد خاطبهم بتوحيد الله -تعالى- وحقّرهم وآلهتهم وهيّجهم على ما هيّجهم، فلم يستطيعوا مباشرة شيء ممّا كلّفوه، وظهر عجزهم عن ذلك ظهوراً بيّناً.
كفر قوم عاد
لم يستجب قوم عاد لأمر نبيّهم هود عليه السلام، بل بادروه بالاتهامات والشتائم والاستهزاء، فقال الله تعالى: (قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)، فكان ذلك من سوء أدبهم مع الله -تعالى- ونبيّه الكريم، ورُوي أنّ قوم عاد كانوا أوّل من عبد الأصنام بعد قوم نوح عليه السلام، فقد مكثت الأرض عشرة قرون بين آدم ونوح -عليهما السلام- على توحيد الله تعالى، ثمّ جاء قوم نوح فعبدوا الأصنام فأهلكهم الله جميعاً، وأبقى المؤمنين الموحّدين، ثمّ جاء قوم عاد بعبادة الأصنام، وتبجّحوا بذلك، وسخروا من نبيّهم الذي دعاهم إلى التوحيد وترك الشرك بالله، حيث قابل هود -عليه السلام- التكذيب والاستهزاء بالإحسان واللين في الدعوة، والعمل على تذكير وإرشاد قومه إلى طريق الهداية؛ لأنّ الصبر والاحتساب من سمات الرسل عليهم السلام، قال الله تعالى: (أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً).
إقرأ أيضا:بماذا عاقب الله قارونهلاك قوم عاد
إنّ عقوبة الله -تعالى- تكون للظالمين بما يناسب ظلمهم وإعراضهم عن دعوة نبيّهم، فقد كان قوم عاد قوماً جبّارين وأقوياء، وأصحاب بسطة في العمران والأبدان، وبعد أن كفروا بنعم الله -تعالى- عليهم عذّبهم الله بسبب ذلك، حيث قال الله تعالى: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً)، وكانت عاقبة أمرهم بأن سلّط الله عليهم الريح، قال الله تعالى: (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ*فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ)، فكان هلاك كلّ قوّتهم وعظمتهم بأبسط الأشياء وأضعفها، وهو الهواء الذي يتنفسونه ولا يكادون يكترثون به ويشعرون به، حيث سُلّط عليهم الريح الذي استمرّ ثمانية أيام، حتى اقتُلعت بيوتهم وحصونهم، فكان الواحد منهم يُرفع إلى السماء ثمّ يسقط أرضاً، فينكسر رأسه، وقد حملت الرّيح بعضهم فألقته في البحر، فلم يبق أي أحد من الكفار والجاحدين بالله تعالى، قال الله تعالى: (فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ)،
إقرأ أيضا:قصة الزبير بن العوام