متفرقات أدبية

كلمات يوميات رجل مهزوم

تتوالى كل الصباحات، التي تشرق على أيامي، وليتها لا تشرق، مالذي أراه في أيامي لا أرى شيئاً جديداً سوى استمرار الضجر، والنكد، والتعب، أنا لست انهزامياً ولكنها هي الحياة تسير عكس التيار دوماً، لولا أن الحياة هكذا، لما كُنت بهذه الشخصية، أذهب إلى عملي يستقبلني مدير الشركة بكومة الملفات، التي يجب عليّ إنجازها، لماذا يجب عليّ أن أعمل كثيراً، ألا يوجد سبيلٌ للراحة بلا مقابل؟!

زوجتي ويا ليتني لم أتزوج، ما الذي تريده من رجلٍ يتعب طوال يومه في عمله، وهو جالسٌ أكثر من ثمانِ ساعاتٍ على كرسي واحد، أمام نفس الجهاز، وحولي نفس الأشخاص، وتريد مني أن أعود بمزاجٍ جيد للبيت، من أين يأتي هذا المزاج؟ ما رأيك أن تجربي عملي، وأجلس أنا بالبيت سيكون ذلك مفيدًا، وعرضاً مغرياً بالنسبة لي.

أبنائي لا أدري ماذا أفعل بهم؟، أكاد أختنق من مطالبهم التي تسجنني،أنا لا أرى فيهم نعمةً أبداً، أفضل أن أعود للعيش وحيداً في غرفة صغيرة لا أرى فيها أحداً، ألجأ إليها من كل هذه المتاعب.

في يوم خرجت فيه للعمل، وقررت أن يكون يوماً جميلاً كما أسمع من رواد التنمية البشرية، وليتهم لم يتكلموا، صحيح أن قراري لم يكن جازماً، ولكني قررت، منذ خروجي من المنزل، فاجأني حادث سيرٍ أمام عيني فقلت (ياصباح الفل)، وبدأت تتسلل لنفسي آفات الأمس، التي تتجدد كل يوم وتتضاعف، كالعادة مدير العمل على نفس الموال وأكوام الملفات، التي لا نهاية لها، وفوق كل ذلك تم إرجاع ملفات الأمس بحجة؛ أنها ليست موثوقة جيدًا، وعند اقتراب انتهاء موعد الدوام تتصل بي زوجتي؛ لتخبرني أنها مريضة وبالكاد تقوم تتحرك، ولم تُعد الغداء فتطلب مني إحضار غداءٍ جاهزٍ من المطعم! ألا تعلم هذه المخلوقة أنني أقطر النقوط قطرةً قطرة، وعندما عدت للمنزل أحد أبنائي يبدو لي أنه مشتاق لي -ولا أدري لم هذا الشوق- طار مسرعاً فانزلقت قدمه عن السلم، وكاد يسقط لولا أنني أمسكته بسرعة، أي يوم حافل هذا بالأحداث، بل بالمصائب.

إقرأ أيضا:لا تحكم على الناس

أنا لا أعلم كيف ينجز زملائي في العمل أعمالهم بكل راحة، رغم أنهم يعملون أضعاف ما أعمل وينجزونه بسرعة أكبر، رغم أني الأكثر تفوقاً عليهم عندما دخلت الشركة بعد المقابلات، ويحدثني زميلٌ لي عن سعادته بقضاء الوقت مع زوجته، وأبناءه، وأنهم مستعدون اليوم ؛ لأن يذهب لرحلةٍ ترفيهيةٍ معهم، لا أدري هل أنا الخطأ الوحيد في هذه الدنيا؟، من أين لي بوقت لرحلة مع العائلة؟، وأنا تعبٌ أغادر العمل للمنزل؛ للنوم فقط، حقًا إني يائس في حياتي!

عندما أخرج مع أصدقائي، في سهرةٍ للشباب، نتبادل أطراف الحديث، وأمور الحياة، أراهم مشغولين  تماماً مثلي ؛ لكنهم مستمتعين رغم كل شيء، بدأت أشعر أن المشكلة تتمثل فيّ أنا،وكدّت أسأل أحدهم عن تفاصيل يومه بالدقيقة بل بالثانية ؛ لأرى من أين يحصل على السعادة، ومصدر الراحة في حياته؟

إقرأ أيضا:تحليل قصيدة المواكب

أنا الرجل المهزوم صاحب المواقف المزعجة، والمصائب المتوالية، هذا ما أعرفه عن نفسي، ولا ادري ما يعرفه عني الآخرون، فهل ستتغير هذه اليوميات يوماً ما؟!

السابق
بهاء الدين زهير
التالي
فنون النثر