تغيير أنماط الحياة للتعامل مع سكري الحمل
يُساهم إجراء مجموعة من التغييرات على أنماط الحياة في السّيطرة على حالة سكّري الحمل (بالإنجليزية: Gestational Diabetes)، والتقليل من احتمالية الإصابة بسكري الحمل مجدّداً والنوع الثاني من داء السكري لاحقاً، وفيما يلي بيان لأبرز أنماط الحياة الواجب اتباعها:
- تناول الطعام الصحي: وهو الخطوة الأولى لعلاج سكري الحمل، نظرًا لتأثير النظام الغذائي الصّحي في المحافظة على مستوى السكر في الدم ضمن الحدود الطبيعية لها، وبشكلٍ عامّ تُركّز الأنظمة الغذائية المُعالجة لداء السكري على مصادر البروتين وتُقلل من مصادر السكر والكربوهيدرات، وتجدر الإشارة إلى أهمية مراقبة كميّة الكربوهيدرات التي يحتوي عليها النظام الغذائي؛ فالجسم يهضم الكربوهيدرات ويحولها إلى الجلوكوز الذي يعتبر ضرورياً كمصدر للطاقة في الجسم ولتغذية الجنين، ومع ذلك يجب أن تبقى ضمن الحدود الطبيعية لها، وعادةً ما تكون التوصية بخفض تناول الكربوهيدرات إلى ما نسبته 33-40% من مجموع السعرات الحرارية التي تتناولها الحامل، وفي هذا السّياق تنصح الجمعية الأمريكية للسكري (بالإنجليزية: American Diabetes Association) الحوامل بتناول وجبات طعام يومية يبلغ عددها ثلاث وجبات رئيسية ذات حجمٍ صغير إلى متوسط ووجبتين إلى أربع وجبات خفيفة، ولتحقيق هذا الهدف يُمكن الاستعانة بأخصائي تغذية لوضع خطة غذائية بناءً على الوزن الحالي، وزيادة الوزن المرجوة أثناء الحمل، بالإضافة إلى مستوى السكر في الدم، والعادات الرياضية، وما تفضله الحامل من أنواع الطعام، والميزانية، ومن الجدير ذكره أنّ النّساء اللاتي يتّبعن نظام غذائي صحي يُحافظن على مستوبات السكر ضمن مداها المُقرر ويحظين بولاداتٍ صحيّة.
- ممارسة التمارين الرياضية: تُساهم ممارسة التمارين الرياضية في السّيطرة على السكر لدى النّساء المُصابات بسكّري الحمل، والتخفيف من مشقّات وأعراض الحمل الشائعة؛ مثل: ألم الظهر، وتشنّج العضلات، وانتفاخات الجسم، والإمساك، ومشاكل النوم، بما يشمل الرقص أو المشي السريع أو السباحة أو التمارين الهوائية منخفضة الشدّة أو اللعب بنشاط مع الأطفال، وتمارين المقاومة، ويُنصح بممارسة التمارين متوسطة المجهود لمدة نصف ساعة معظم أيام الأسبوع، والبدء بممارسة الرياضة تدريجياً إذا كانت الحامل منقطعة عن النشاط الحركي لفترةٍ من الزمن، أمّا التمارين الرياضية التي تشكّل خطورة على صحة الأم والجنين مثل كرة السلة وكرة القدم والتزلّج وركوب الخيل فيجب تجنّبها.
- مراقبة الوزن أثناء الحمل: من الضروري أن تكون زيادة الوزن أثناء الحمل منطقية وصحيّة؛ ذلك أنّ زيادة الكثير من الوزن أو زيادته خلال فترة زمنية قصيرة قد يُصعّب من عملية السّيطرة على مستوى السكر في الدم، وليس فقط من أجل السكري؛ فمراقبة زيادة الوزن أثناء الحمل وبقائها ضمن المدى المقبول ذو تأثيرٍ في التقليل من خطر حدوث عملقة الجنين (بالإنجليزية: Fetal Macrosomia)، وبشكلٍ عامّ لا ينصح الأطباء بخسارة الوزن أثناء الحمل نظرًا للمجهود الكبير الذي يبذله الجسم لدعم نمو الجنين، ولكن يستطيع الطبيب أن يُساعد الأم في وضع هدف مُحدد لزيادة الوزن بناءً على وزنها قبل الحمل، والعمل على أن تكون الزيادة في الوزن ضمن تلك الحدود.
إقرأ أيضا:مطويات عن مرض السكري
علاج سكري الحمل بالأدوية
قد يصِف الطبيب الأدوية الخافضة للسّكر في حال عدم تحقيق السّيطرة على مستوياته خلال أسبوع إلى أسبوعين من تعديل النظام الغذائي والمواضبة على ممارسة التمارين الرياضية، أو إذا كان مستوى االسكر مرتفع جداً؛ لأنّ مستويات السكر في الدم تكون عرضة للمزيد من الارتفاع خلال تقدّم مراحل الحمل، ومن الجدير ذكره احتمالية حاجتها إلى أدوية السّكري في مراحلٍ لاحقةٍ من الحمل حتّى وإن تحققت السيطرة على مستويات السكر في المراحل الأولى من الكشف عن الإصابة بهذه الحالة، وعادةً ما يوقف الطبيب استخدام هذه الأدوية بعد الإنجاب، وحول الأدوية التي يصِفها الأطباء في حال الحاجة لذلك فهي تتضمّن الحبوب الفموية أو حقن الإنسولين، وسيتمّ بيان هذه العلاجات بشيءٍ من التفصيل فيما يأتي.
حقن الإنسولين
تعدّ حقن الإنسولين الدواء الأكثر استخداماً لعلاج سكري الحمل، وقد يُوصف في حالاتٍ مُعينة من سكري الحمل أوممّن يُعانين من مرض السّكري قبل الحمل، ذلك أنّ الإنسولين يُساعد الجسم في السيطرة على الكميات الكبيرة من السّكر، ومن الجدير ذكره أنّ بعض النّساء قد تحتاج إلى أدوية علاج السّكري على هيئة حبوب إلى جانب حقن الإنسولين لعلاج سكري الحمل، ويتّخذ الطبيب قرار إعطاء حقن الإنسولين أثناء الحمل بناءً على نتائج مراقبة السكر في الدم، وقد تحتاج الأم أن تأخذ حقنة الإنسولين قبل تناول الطعام أو قبل النوم أو عند الاستيقاظ صباحاً وهذا يعتمد على نوع الإنسولين الموصوف، ويؤخذ بالاعتبار أيضًا الوقت التي يرتفع فيه السكر خلال اليوم؛ فمثلاً بقاء مستوى السكر عالياً بعد تناول الطعام يستدعي أخذ حقنة من الإنسولين قصير المفعول (بالإنجليزية: Shot-acting Insulin) قبل الأكل، ويُعتبر إنسولين ديتيمير (بالإنجليزية: Detemir) من الأنواع طويلة المفعول آمنة الاستخدام خلال فترة الحمل وقد حصل على موافقة الاستخدام من قِبل إدارة الغذاء والدواء (بالإنجليزية: FDA)، وقد يُوصف وحده بجرعة واحدة أو اثنتين، أو قد يوصف إلى جانب جرعات من الإنسولين قصير المفعول، وبشكلٍ عامّ يُحقن الإنسولين عبر المِحقنة أو قلم الإنسولين أو مضخّة الإنسولين (بالإنجليزية: Insulin Pump) فهذه الطرق كافّة آمنة للأم الحامل، ولا خوف على الجنين كذلك لأنّ الإنسولين لا يعبر المشيمة وبالتالي لا يكون له أيّ تأثير، وسيتولّى الطبيب أو مُقدّم الرعاية الصحيّة المسؤول بتعليم الحامل كيف تأخذ الحقنة بنفسها إذا ما تمّ وصف الإنسولين لها. ومن الجدير ذكره أنّ منطقة البطن تُمثل المكان الأمثل لأخذ حقنة الإنسولين أثناء الحمل، ولكن يُمكن أخذها في الذراعين أو الساقين إذا تعذّر أخذها في البطن، مع الأخذ بالاعتبار ضرورة تجنّب حقن الإنسولين في أماكن التقرّحات أو الكدمات أو الندوب، والعمل على تغيير موقع أخذ الإبرة بشكلٍ منتظم خلال المنطقة الواحدة المُختارة من الجسم لحقن الإنسولين، ولأخذ حقن الإنسولين بطريقٍة سليمة يجب اتّباع الخطوات التالية:
إقرأ أيضا:كيفية العناية بقدم مريض السكري- مسح الجزء من الجسم الذي سيتمّ فيه حقن جرعة الإنسولين وذلك باستخدام الكحول، أو الماء والصابون.
- حقن الإنسولين بشكلٍ عامودي في موضِع الحقن؛ أيّ بزاوية 90 درجة، والتأكد من إدخال الإبرة بالكامل إلى داخل الجسم.
- دفع مكبس المِحقنة للأسفل بمعدلٍ ثابت إلى أن يتمّ تفريغ حقنة الإنسولين بشكلٍ كامل.
- سحب الإبرة من الجسم.
ستُفرز المشيمة المزيد من هرمونات الحمل مع تقدّم مراحل الحمل، وهذا بحدّ ذاته سيتطلب رفع جرعات الإنسولين، وعليه يقوم الطبيب بتعديل الجرعة حسب نتائج متابعة مستوى السكر، وتجدر الإشارة إلى احتمالية مُعاناة المرأة من انخفاض سكّر الدم (بالإنجليزية: Hypoglycemia) كأحد الآثار الجانبية لاستخدام الإنسولين، وتحدث هذه الحالة في حال عدم تناول الأم كمية كافية من الطعام، أو تفويت وجبات الطّعام، أو عدم تناول وجبة الطعام في الموعد المُقرر للذلك، أو في حال ممارسة التمارين الرياضية أكثر من العادة، وبشكلٍ عامّ تتمثل أعراض انخفاض سكّر الدم بالمُعاناة من الدوخة، والارتباك، والصّداع، والرجفة، والشعور المفاجئ بالجوع، والتعرّق، والضعف العام، ومن الجدير ذكره أنّ حالة انخفاض سكّر الدم قد تُشكّل خطرًا على الأم وتستدعي تلقي العلاج المُناسب بشكلٍ سريع، ومن المُطمئن أنّه من الممكن رفع مستوى السكر في هذه الحالة بسهولةٍ بمجرد ظهور الأعراض؛ سواء أكان ذلك بتصرّفٍ من الأم أو أيّ شخص آخر، ويكون العلاج الأمثل هو تناول مصدر يحتوي على السكر، والانتظار لمدّة 10-15 دقيقة، ومن ثمّ قياس مستوى السكر، فإذا ما أظهرت القراءة أنّ مستوى السّكر ما زال منخفضًا فيجدُر إعطاؤها مصدر يحتوي على السكر مرةً أخرى، وبشكلٍ عامّ يُنصح بمراجعة الطوارئ في حال استمرار انخفاض مستويات سكر الدم أو إذا شعرت المرأة بأنّها بحالةٍ غير جيدةٍ، وحول مصدر السّكريات التي يجدُر إعطاؤها في حالات انخفاض السكر لدى المرأة الحامل فينصح الخبراء بأنّ يكون مصدرها سائلاً لأنّ السوائل ترفع مستوى السكر أسرع من الأطعمة، ويُنصح بعمل قائمة خيارات من مصادر السكر والاحتفاظ بها في مكانٍ مناسب بالإضافة إلى إبقاء قطعة سكاكر أو زبيب أو أيّ مصدر آخرٍ للسكر مع الأم طوال اليوم لتناولها في حال التعرّض لهذه الحالة.
إقرأ أيضا:علاج هبوط السكر المفاجئ
الأدوية الفموية
يُعدّ الإنسولين هو الخيار الأمثل لعلاج سكري الحمل كما ذكرنا سابقاً، وقد يلجأ الأطباء لوصف أدوية السّكري الفموية كبديل للإنسولين في بعض الحالات؛ نظرًا لكونها سهلة الاستخدام ويُمكن أخذها بسهولة نظرًا لكونها لا تحتاج إلى الحقن كما هو الحال مع الإنسولين، فبالرغم من أنّ التعامل مع حقن الإنسولين ليس بالأمر الصعب إلّا أنّ العديد من السّيدات الحوامل لا يُفضلن استخدامه، وفي بعض الحالات قد تُستخدم الأدوية الفموية إلى جانب الإنسولين كما تمّت الإشارة سابقًا، ومن الأمثلة على الأدوية الفموية: الميتفورمين (بالإنجليزية: Metformin) الذي يُحسّن حساسية الجسم للإنسولين، أو الجلايبوريد (بالإنجليزية: Glyburide) الذي يُخفّض مستوى السكر في الدم بتحفيز البنكرياس لإفراز الإنسولين ومساعدة الجسم على استخدامه بكفاءة، لكن يجب التنويه أنّ هذه الأدوية غير موافق عليها لسكري الحمل من قبل مؤسسة الغذاء والدواء (بالإنجليزية: Food and Drug Administration)، وهُناك حاجة لإجراء المزيد من البحوث والدراسات لتأكيد مدى فاعلية هذه الأدوية وآمان استخدامها للحامل كما هو الحال في حقن الإنسولين، ومن الجدير ذكره أنّ كلاً من الميتفورمين والجلايبوريد يُعطيان نتائج سريرية مماثلة بشكلٍ عام مع وجود دلائل محدودة تُثبت أفضلية أحدها على الآخر، وعلى عكس الإنسولين فإنّ هذه الأدوية تعبر المشيمة وتصل إلى الجنين بدرجات متفاوتة وهذا ما يجعل الجمعية الأميركية للسكري لا تنصح باستخدام أدوية السكري الفموية أثناء الحمل، ومع ذلك فإنّ استخدامها يتزايد مع الوقت مقارنة بالسابق مع حالات سكري الحمل التي فشل النظام الغذائي والنشاط الحركي بعلاجها.
متابعة حالة سكر الحمل لدى الحامل
القياس الدوري لمستوى السكر في الدم
يتم التحقق من مستوى السكر في الدم عن طريق إخضاع المريضة للفحص بشكلٍ مُستمر، ويُمكن إجراء الفحص منزليًا بالاستعانة بالأجهزة المنزلية المُخصّصة لذلك، ويتمّ الفحص بوخز الأصبع بمشرط خاص يُعرف بالمبضع (بالإنجليزية: Lancet) ووضع عينة من الدم على شريحة فحص ليقوم جهاز قياس سكر الدم بقراءة مستوى السكر بشكلٍ فوري، ومن الجدير ذكره أنّ وخزة الأصبع لا تُسبّب أيّ ألم، ويقوم الطبيب بإخبار الأم بالأوقات التي يتوجب فيها عمل الفحص والتي عادةً ما تشمل وقت الاستيقاظ من النوم قبل الإفطار، وتكراره خلال النهار عدّة مرات بعد تناول الوجبات الرئيسية بنحو ساعة، وفي حال كانت الأم تأخذ حقنتين أو أكثر من الإنسولين فقد تحتاج في الغالب أن تتحقق من مستوى السكر قبل الوجبات الرئيسية وبعدها بساعة، وقبل الخلود للنوم، ومن الجدير ذكره أنّ قياس سكّر الدم بشكلٍ مُنتظم بهذه الطريقة يعكِس مدى السّيطرة على مستوياته، ويُبين تأثير الأنواع المختلفة من الطعام في مستويات سكر الدم، وقد يُساهم تسجيل جميع قراءات السّكر مع كلّ وجبة طعام تتناولها الأم في تحسين خيارات الأطعمة بتفادي الأنواع التي ترفع مستوى السكر، وبالتالي حفاظ الأم على صحتها وصحّة طفلها، ويؤخذ بالاعتبار ضرورة الحفاظ على مستويات السكر ضمن الحدود الطبيعية رغم تقلّبات القراءة خلال الأوقات المُختلفة من اليوم الواحد، وعليه تقترح الجمعية الأميركية للسكري الحدود التالية للنّساء اللاتي يُعانين من سكري الحمل:
- قبل تناول وجبة الطعام: 95 ملغرام/ديسيلتر أو أقل.
- بعد ساعة من تناول الطعام: 140 ملغرام/ديسيلتر أو أقل.
- بعد ساعتين من تناول الطعام: 120 ملغرام/ديسيلتر أو أقل.
الفحوصات الأخرى اللازمة للجنين خلال فترة الحمل
تُعتبر مراقبة الجنين بانتظام لمتابعة نموّه أحد أهمّ الأمور الواجب أخذها بعين الاعتبار عن علاج سكري الحمل، وقد تحتاج الأم لإجراء بعض الفحوصات للتحقق من صحّة الجنين داخل الرحم لأنّ هذه الفحوصات تُساعد الطبيب على الكشف عن أيّة مشاكل مُحتملة والبدء بعلاجها على الفور، ومن الفحوصات التي يتمّ إخضاع المراة لها: فحص مراقبة قلب الجنين (بالإنجليزية: Cardiotocography) لقياس نبض الجنين، والمسح بالأمواج فوق الصوتية (بالإنجليزية: Ultrasound Scan) وقياسات دوبلر (بالإنجليزية: Doppler Measurements) للتأكد من صحّة الجنين ونموّه خلال مراحل محددة من الحمل.
متابعة المرأة أثناء الولادة وبعدها
رغم أنّ العديد من المُصابات بسكري الحمل يلدن طبيعياً ودون أيّة مضاعفات إلّا أنّ بعض الأطباء يفضلون إخضاع المرأة للولادة قبل الموعد المُحدد لذلك، وقد يقترح الطبيب إجراء ولادة قيصرية (بالإنجليزية: Cesarean Section) إذا كان حجم الطفل أعلى من الطبيعي، يقيس الطبيب مستوى السكر للتأكد من عودته للحد الطبيعي بعد الولادة ثم يُعاد فحص السكر مرّة أخرى بعد ستة أسابيع من الإنجاب؛ فإذا ظهرت نتائج الفحص طبيعية وهذا ما يحدث غالباً ستحتاج الأم إلى تقييم مدى حالة السّكر لديها وخطر إصابتها بالسكري كل ثلاث سنوات على الأقل، وإذا أظهرت أيّ فحوصات سكر مستقبلية الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري أو الدخول بمرحلة ما قبل مرض السكري فيجب على الأم أن تستشير الطبيب لتعزيز طرق الوقاية منه والبدء بعمل خطة مُناسبة لعلاجه.