الاستمتاع بالحياة
يعتقد الكثيرون بأنّ الحياة هي العمل فقط لا غير، يقضون أوقاتهم وهم منشغلون دائماً في العمل من أجل كسب المال، أو تقضي ربّة المنزل حياتها في رعاية منزلها وأطفالها بجدّ دون أن يسألوا أنفسهم هل هي حياة سعيدة أم لا، وهذه النظرة نظرة ضيّقة للحياة لأنّهم بذلك يضعون أنفسهم داخل قوقعة أو دوامة لا نهاية لها، فتمضي الحياة دون أن يستمتعوا بها أو يعيشوها كما ينبغي.
يجب أن ندرك بأنّ الحياة مثل القطار، ماضٍ في طريقه نحو النهاية يعبر محطات السعادة، محطات اللحظات الجميله، من مشاركة الأصدقاء والعائلة مناسباتهم السعيدة، ومحطات الحزن، ومحطات الألم ولن تنتطر يوماً لتسأل عن حزننا وسعادتنا لذا فأوّل خطوات الاستمتاع بالحياة هي أن نهتم بأنفسنا؛ لأنّ لنفوسنا علينا حقاً، ومن الظلم أن نجهدها ولا نعطيها حقّها من الراحة والسعادة.
طرق واقتراحات للاستمتاع بالحياة
الاستمتاع بالحياة فكرة ومهارة قد لا تحتاج إلى الكثير من الجهد بقدر ما تحتاج الاقتناع والإيمان والإحساس بقيمة الحياة، وقد نقول أنّ الاستمتاع بالحياة يعتمد على جانبين كما أيّ خطوة في حياة الإنسان: الجانب المعنويّ أي أن يوجّه الإنسان أفكاره للنواحي الإيجابيّة، والجانب السلوكي، أي التغيير من بعض العادات والأفعال التي يقوم بها في حياته اليوميّة، وهنا سنقدّم من الاقتراحات ما يخصّ الجانبين:
إقرأ أيضا:كيف تكون نشيطاً وحيوياًالجانب المعنويّ للاستمتاع بالحياة
الأفكار هي الصانع الأول للمعجزات لذا ترسيخ القناعات الإيجابيّة والتخلّص من السلبيّة هو الأساس لتكون الحياة كما تحبّ:
- اجعل الحياة في يدك وليس في قلبك: البشر من أتباع كل الديانات يؤمنون بأن الحياة زائلة وأن بقاءنا فيها مؤقت لذا فإنّ لمحبتها حدود، فمن كانت الدنيا بحدّ ذاتها غايتة، أي ماديّاتها وما فيها من مال ومتع لا يمكن أن يكون سعيداً لأنّه مهما ملك منها سينتهي استمتاعه بموته، وكذلك فإنّ دين الله لا يحرم الاستمتاع بالحياة (1) ودليل ذلك من القرآن الكريم قوله تعالى: “قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ والطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ القِيَامَةِ” سورة الأعراف،32 .
- الحبّ: إذا أردت أن تستمتع بالحياة عليك أن تركّز نظرك على الجميل في من تتعامل معهم وتحبّهم، وتبذل جهدك لكسب حبهم أو ودّهم في حدود المعقول، فالعلاقات الطيّبة متعة الحياة، وكذلك تحبّ نفسك وتعذرها إذا أخطأت وتتقبّلها، وأن تحبّ عملك فهو مصدر رزقك الذي رضيه الله لك.(2)
- التفاؤل: لا تسمح لنفسك بالاسترسال في تخيّل حدوث أشياء سيّئة، فالبعض مثلاً يفكر كثيراً في احتمال أن يمرض مرضاً خطيراً أو يموت عزيز عليه، فدع أمور المستقبل التي لا يد لك فيها لله وتوكّل عليه، وكذلك خذ العبرة من الماضي ودع عنك الندم.(2)
- القناعة والطموح: كن ذا شخصية بسيطة واستمتع بكلّ شيء، واقنع بكل ما بين يديك، ولكن لا تجعل ذلك مبالغاً فيه لدرجة تكبت طموحك في التحسين والتطوير في حالك، وحال ما حولك، واسأل نفسك دائماً كيف يمكن أن يكون الوضع أفضل، حتى لو لم تكن قادراً على تحسينه في الحال، واصنع خططاً بقدر قدرتك فيما لك عليه قدرة، بحيث يكون لك في كلّ شهر مثلاً أو أسبوع ما تغيّره للأفضل بدرجة ما. (2)
سلوكيات للاستمتاع بالحياة
الاستمتاع بالحياة بند أو موضوع له نصيب في اهتمام علماء النفس، وكوادر التنمية البشريّة، لذلك هناك مجموعة من الاقتراحات المأخوذة عنهم لإضفاء المتعة على الحياة، فقد يظنّ البعض أنّ الاستمتاع بالحياة يحتاج منه أن يعيش في بلد آخر أو أن يملك الكثير من المال إلّا أنّ بعض الإجراءات البسيطة قد تكون كفيلة بإدخال السعادة إلى قلب صاحبها، وهنا نقدّم بعضاً من هذه الطرق: (4)
إقرأ أيضا:كيفية تغيير حياتك- قُم بتربية الحيوانات الأليفة والعصافير: عندها ستشعر بطاقة إيجابيّة نحو الحياة، فالعناية بها تعلمك الحبّ، وأيضاً ترفّه عنك، حيث إنّ جميع الديانات أمرتنا بالرفق بالحيوان والاهتمام به، والطيور مثلاً مميزة بأصواتها التي تستكين لها الروح، وسلوكها يُعلّمك دروساً في التعاطف.
- الاستماع لما تستكين له النفس: كالموسيقى الهادئة، المريحة للأعصاب، أو الغناء ذي المعاني العميقة والألحان الجميلة.
- جرّب أشياءَ لم تجربها من قبل: الخوض في تجارب جديده في الحياة، يُعطيك جرعة كبيرة من السعادة والمتعة، فإذا كنت تحبّ السباحة مثلاً لا تتردد ولو للحظة في الإقبال على تعلّمها، أو جرب في يوم عطلتك قيادة الدرجات النارية، وغامر دائماً فمتعة الحياة تكمن في المغامرة.
- ابدأ يومك بابتسامة: الابتسامة لها دور فعال في التأثير على المزاج، فلوحظ أنّ مقدار إنتاج الشخص يزيد إذا بدأ يومه بابتسامة وسرور؛ لأنّها تمدّ الإنسان بطاقة إيجابيّة، واحترام للذات، وثقة في النفس، وتسعد كذلك من حوله.
- امنح نفسك إجازة من الحياه الروتينيّة: إذا كنت موظفاً منهمكاً في عملك، توقّف قليلاً واذهب في إجازة لأفضل مكان تودّ الذهاب إليه، فذلك يبعدك عن ضغوط العمل، ويزيد من راحتك النفسيّة، ويعيد تنشيط دماغك، الحياه تنتهي والعمل لا ينتهي هذه قاعدة يجب علينا أن ندركها جيداً ونستوعب معانيها لأبعد الحدود.
- استمتع باللعب مع الأطفال: اللعب مع الأطفال ومشاركتهم أوقاتهم الجميله، يمنحك شعوراً رائعاً تجاه الحياة، لما في ضحكاتهم من طاقة إيجابيّة وصدق وصفاء يسعد من حولهم.
- تواصل مع أصدقائك الحقيقيين: ويقصد بالحقيقيّين هنا، هم الذين فعلا يحبّونك، فلو كان لديك أصدقاء لم تتواصل معهم لفترة بسبب مشاغل الحياة، فاترك جزءاً من مشاغل الحياه جانباً، وابدأ بالتواصل معهم، إمّا عن طريق الهاتف، أو البريد الإلكترونيّ، واذهب معهم في رحلات تُجدّد بها عمرك، وتجعل حياتك أكثر سعادة.
- عليك بالسفر إلى الأماكن السياحيّة، فالسفر له عدة فوائد ومن ضمنها الترويح عن النفس، من خلال رؤية أماكن جديدة، وحضارات لم ترها من قبل.
- اكتشف هوايتك ونمّها: كل منا يبدع في عمل ما يدويّ أو فكريّ، قد يكون متعلّقاً بعملك وقد لا يكون، فإذا كنت تعرف هوايتك خصص وقتاً لممارستها وللالتقاء بمن لهم نفس الهواية على مواقع التواصل، أو على أرض الواقع أو نظم لهم لقاءً، وتعلم ممّن هم أفضل منك في ذات المجال وأعط من خبرتك لمن هم أقل منك، فالعطاء هو أساس الأخذ والاكتساب.(2)
بشكل عام، إذا أردت الاستمتاع بالحياه، فأعطِ لكلّ شيء حقه ووقته، ووازن حياتك بشكل طبيعيّ، وازنها بين حياتك المهنيّة وحياتك الاجتماعيه، لا تدع أحد الجوانب يطغى على الآخر ودائماً عش فرحة لحظاتك، كأنّها آخر لحظاتك.
إقرأ أيضا:كيف تصبح واثقاً بنفسكآثار الاستمتاع بالحياة
أثبتت الدراسات أنّ الاستمتاع بالحياة سبب في إطالة الحياة، حيث نشر الموقع الطبيّ الأمريكيّ يوريك أليرت معلومات حول دراسة أجراها باحثون في جامعة لندن على القدرات الجسديّة للكبار، حيث أجريت الدراسة على مدى ثمانية أعوام واستهدفت فئة البالغين من العمر ستين عاماً فضمّت العيّنة ثلاثة آلاف ومئة وتسعة وتسعين رجلاً وامرأة مقيمين في لندن، فوجد أنّ الذين يستمتعون بحياتهم ينعمون بوظائف جسديّة أفضل، ويقومون بأعمالهم اليوميّة بنشاط أكبر، وهذا لا يعني أنّهم لا يشيخون ولكن علامات الشيخوخة تتأخر في الظهور لديهم. (3)
لا شكّ أن الاستمتاع بالحياة أيضاً يحسن الأداء في مجالات العمل والعلاقات، فالراحة والمرح شعور معدِِ ينتقل من الرجل إلى زوجته ومن المدير إلى موظفيه، وغير ذلك فيعطي الإنسان طاقة لأداء أفضل.