المقال الأدبي
الكتابة الأدبية من أرقى الكتابات على الإطلاق، كيف لا، وهي تطير في سماء المجد والأدب بجناحيّ الشعر والنثر، لذلك لا عجب ولا غرابة أن يكون النثر مضماراً يتنافس فيه المتنافسون، ولا جرم أن نعقد له المحافل والسباقات والجوائز والاحتفالات، ولا غرو أن تصير الكتابة الأدبية ديدن الكثيرين، وحلم الأكثر أن ينشر له مقالاً أدبياً، فللنثر مكانته في ساحة الأدب، فله من الكعب أعلاه، ومن المجد ذؤابته، ومن العز أصله وفخره، لذلك لا يزال يطرق مسامع النُقّاد والأدباء والكتّاب سؤال عنوانه كيف لي أن أكتب مقالاً أدبياً؟
تعريف المقال الأدبي
عرّف الكاتب الإنجليزي المعروف أدمون جونسون المقالة في كتابه (فن المقال عناصرها وأنواعها) بأنّها: فن من فنون الأدب، وهي قطعة إنشائية ذات طول معتدل، تُكتب نثراً، وتُلِمُّ بالمظاهر الخارجية للموضوع بطريقة سهلةٍ وسريعةٍ، ولا تُعنَى إلا بالناحية التي تمسُّ الكاتب عن قرب. وعليه، فهي تُعبّر عن رأيه الشخصي، وتعكسه آراءه وأفكاره الخاصة، وتتّسم بطابع الأصالة، كما أنّه يبتعد عن الخيال، فالهدف منه واقعيّ بحت.
كيف أكتب مقالاً أدبيّاً
هناك خطوات خاصة بالكاتب لابد من الانتباه لها عند كتابة المقال الأدبي، وهي كما يأتي:
- اكتب مخطّطاً أوّليّاً للمقال: قبل البدء بكتابة المقال لابد من تحديد المخطّط العام له، ويكون ذلك بكتابة النقاط الرئيسة، والعناوين الفرعيّة، وعدد الفقرات التي سيتكوّن منها المقال. وغالباً يُنصح البدء بكتابة مقال مكوّن من خمس فِقرات: مقدّمة، وثلاث أفكار رئيسة بحيث تحتلّ كل فكرة فِقرة منفصلة، وخاتمة. بعد التمرّن والتمرّس في كتابة المقال، يمكن توسيعه ليضمّ عدداً أكبر من الفقرات الرئيسة.
- ابتكر مادّة مميّزة للمقال: تجنّب اختيار المواضيع العامة التي كَثُر التحدّث عنها، بل اختر موضوعاً جديداً، وتنقّل بين عناوينه بطريقة إبداعية وفريدة، ومن المهم أن تذكر آراء المُختصّين في هذا الموضوع، لكن لابد من تحديد رأيك الخاص أيضاً.
- اقتبس لدعم رأيك: تعمل الاقتباسات على تدعيم وجهة نظرك وتأكيد صحّتها للقارئ، فقد تكون هذه الاقتباسات حكمة، أو بيتاً شعريّاً، أو رأياً. تأكد من توثيق الإقتباس لمصدره بشكل صحيح لحفظ الحقوق الفكرية. كما يجب لفت الانتباه إلى أهميّة الإنتقائية في اختيار الإقتباسات التي تخدم النص، ولا تبالغ فيها حتى لا يعتقد القارئ أنك تستغل الإقتباس لحشو المقالة وزيادة حجم المقال.
- اختر أسلوبك بعناية: انتقِ كلماتك بعناية، وحافظ على الطابع الشخصيّ في المقال، واختر كلماتك وألفاظك الخاصة التي تخدم الفكرة الرئيسة في المقال. ولا تنسى أهميّة تسلسل الأفكار، وطريقة الطرح السَّلِسَة المرتبطة بالترتيب الزمني.
- نمّق خاتمة المقال: كما أنّ للمقدّمة أهميّة كبيرة لتشجيع القارئ إنهاء المقال، فإنّ للخاتمة أيضاً أهميّة تتمثّل في تلخيص الأفكار الرئيسة أو خلاصة المقال فيها. ومن خلالها تشفي الرغبة المعرفيّة التي يسعى القارئ للحصول عليها من خلال قراءة مقالك.
- احرص على اللغة السليمة: لأنّ الأخطاء اللغوية على بساطتها تُشتّت القارئ، وتلفت انتباهه للأمور اللغوية أكثر من الفكرة، إضافة إلى استخفافه بدقّة المقال إن كان مليئاً بالأخطاء اللغوية والنحوية. أعد قراءة ما كتبته، وابحث عن الأخطاء وصحّحها.
عناصر المقالة
يتكوّن المقال باختلاف موضوعه من العناصر الأساسية الآتية:
إقرأ أيضا:ما هو شعر الزهد- المقدمة: تتكوّن المقدمة من الملخّص العام للأفكار والنظريّات التي يريد الكاتب عرضها وشرحها وإثباتها أو تفنيدها. وهي البوابة الأساسية للمقال، وتهدف إلى تمهيد القارئ ولفت انتباهه إلى موضوع المقال، وتشوّقه إلى المتابعة للوصول إلى الحقائق المطروحة. تتميّز المقدمة بحجمها المتواضع الذي لا يزيد على عشرة أسطر، وتتكوّن من فِقْرة واحدة، تُعطي للقارئ الانطباع العام عن أهميّة المقال، وعلاقته عمّا يبحث عنه من معلومات وأفكار.
- يُفضّل صياغة المقدمة بلغة أدبية موجزة وواضحة وبسيطة، وأن تحتوي على عبارات تُسهّل عملية الانتقال من الأفكار الرئيسة إلى تفاصيل الموضوع، لهذا، لابد أن يربط الكاتب بين المقدمة والفقرة الأولى، ثم الأولى بالثانية، وهكذا.
- العرض: وهو موضوع المقال الرئيس، يتكوّن من مجموعة من الفقرات، كل فقرة تتحدّث عن فكرة منفصلة، إلا أنّ الفقرات جميعها تتّصل بنفس الموضوع ومتّصلة معاً ضمن تسلسل منطقي للأفكار دون انقطاع أو تشتّت. يحتوي العرض على الادلّة والبراهين التي يوردها الكاتب لإقناع القارئ بوجهة نظره.
- يتميّز العرض باحتوائه على الأساليب اللغوية المُنمّقة القادرة على جعل القارئ يُنهي قراءة المقال إلى آخره، فيشعر من خلاله أنّه ينتقل في رحلة فكرية ثقافية شيّقة يتعلّم منها الكثير، وتكون مختصرة وواضحة، فلا تكون طويلة فيملّ من المتابعة، ولا قصيرة يشعر فيها بالتنقّل غير المنطقي دون إشباع بحثه الأدبي عن المعلومة.
- الخاتمة: وهي الملخّص الرئيس للمقال بأكمله، فيه يخرج القارئ بجميع المعلومات التي يسعى للحصول عليها من قراءته للمقال، كما تضمّ حلّاً للمشكلة التي يتحدّث عنها المقال، ومن المهم أيضاً أن تكون الخلاصة جيّدة الصياغة، وقوية الألفاظ، وسلسة، وخالية من التعقيد، بحيث يسهل على القارئ حفظها واقتباسها عند الحاجة.