الورق
يُعَدّ الورق مُنتَجاً من أهمّ المُنتَجات الصناعيّة في يومنا هذا؛ فهو المادّة الأساسيّة لنَشْر المعلومات، حيث تُطبَع الكُتُب، والمجلّات، والجرائد عليه، كما يحصل الأفراد على المعلومات من الحواسيب مطبوعة عليه، ومهما تطوَّرت الوسائل الإلكترونيّة في المذاكرة، والعمل، فإنّ المُؤسَّسات على اختلافها لا يمكنها مواصلة العمل دون الطباعة والكتابة على الورق، وكلمة الورق مُشتَقّة من اسم نبات البردي (بالإنجليزيّة: Plant Papyrus) الذي كان يُصنَع منه ورق البردي، حيث كان هذا النبات ينمو بشكل كبير على ضفاف نهر النيل في مصر.
وقد توصَّل المصريّون القُدامى إلى استخدام ورق البردي للكتابة عليه في نحو عام 2700ق.م، حيث كان هذا الورق رخيص الثمن، وفي متناول أيدي الجميع، كما أنّ ورق البردي كان عبارة عن مادّة خفيفة ومَرِنة يمكن الكتابة عليها بسهولة، ويُعَدّ ورق البردي من أكثر الموادّ التي اسُتخدِمت على نطاق واسع في العصور القديمة، والجدير بالذكر أنّه لا يزال هناك العديد من سجلّات البردي الموجودة إلى يومنا هذا، ولا تقتصر صناعة الورق على الورق المُستخدَم في الكتابة والطباعة فقط، بل يُصنَع الورق المُقوّى المُستخدَم في التغليف، والتعبئة، والورق الخاصّ بالعَزْل أيضاً، وهناك ورق التجفيف، والمناديل، والمناشف الورقيّة.
ويُصنَع الورق بشكل أساسيّ من ألياف السليلوز، ويتمّ الحصول على الألياف اللازمة من عدّة مصادر نباتيّة، كنبات الخيزران، والحلفا، والقطن، والقنّب، وسيقان القمح، وسيقان الأرز، وعيدان قصب السكّر، وغيرها من الأخشاب الأخرى، والجدير بالذكر أنّه يتمّ إنتاج عدّة أنواع من الورق تختلف في صفاتها؛ وفقاً لنوع الألياف المُستخدَمة في التصنيع، وقد كان القُطن والكتّان من أهمّ الموادّ الخام التي تُستخدَم في صناعة عجينة الورق، وعلى الرغم من استبدالها بالأخشاب، سواء كانت من قِطَع أشجار الغابات، أو من النفايات الناتجة عن الأعمال الخشبيّة، إلّا أنّ ألياف الكتّان والقُطن لا تزال تُستعمَل لإنتاج الورق عالي الجودة، وخاصّة ورق الأعمال التجاريّة، والأعمال الفنّية التي يتمّ الاحتفاظ بها لفترة طويلة جدّاً، أمّا نفايات الورق، فلا يتمّ التخلُّص منها وإتلافها، وإنّما إعادة تدويرها؛ لصناعة ورق جديد، وذلك من خلال تجميع نفايات الأوراق، سواء كانت صُحفاً، أو مجلّات، أو غيرها، وتنظيفها من الحِبر، وصُنْع عجينة جديدة قابلة للاستعمال مرّة أخرى، وصناعة الورق منها من جديد.
إقرأ أيضا:كيف تصنع سماداً طبيعياًكيفية صناعة الورق
يُصنَع الورق من الألياف النباتيّة بشكل عام، ومن الأمثلة عليها ألياف نبات البردي؛ حيث تُؤخَذ من نبات البردي شرائط طوليّة تُوضَع بشكل مُتعاكس في طبقتين أو ثلاث طبقات فوق بعضها البعض، ومن ثمّ يتمّ تبليلها بالماء، ثمّ تُرَصّ وتُضغَط بشكل جيّد حتى تتماسَك، ومن ثمّ تُجفَّف على هيئة وُرَيقات مُنفصِلة عن بعضها، والجدير بالذكر أنّه في حال قَطْع سيقان نبات البردي وهي رَطبة، فإنّها سوف تتماسك بشكل طبيعيّ؛ بسبب العُصارة الموجودة في الألياف، أمّا في حال قَطْع السيقان وهي جافّة، فعندئذٍ تُستخدَم مادّة لاصقة كي تتماسك الأوراق مع بعضها البعض؛ حيث يتمّ وَضْع المادّة اللاصقة المصنوعة من نشا الأرز على طرف الورقة، ثمّ حَفّها بحجر الخفاف، والجدير بالذكر أنّ ورق البردي ضعيف ويتقطَّع بسرعة عند تعرُّضه للإجهاد، علماً بأنّ ورق البردي كان يُستخدَم على شكل لفائف، كما كان يُستخدَم على شكل مخطوطات تتمّ خياطتها في مجموعات صغيرة، إضافة إلى أنّ الوثائق المكتوبة على ورق البردي كانت تُحفَظ في جرار فخّارية، ولم تكن أوراق البردي متساوية في حجمها، وإنّما كانت تُصنَع بأبعاد مختلفة؛ فكان عَرْضها يتراوح من 90-548سم، وقد عُرِفت أطول ورقة بردي باسم برديّة هاريس، حيث وصل طولها إلى 4053سم.
صناعة الورق من الخشب
أمّا صناعة الورق من الأخشاب بشكل عام، فتتمّ فيها ثلاث عمليّات؛ لتحويل الخشب إلى عجينة يُصنَع منها الورق، وهذه العمليّات هي: عمليّات آليّة، وعمليّات كيميائيّة، وعمليّات شبه كيميائيّة (وهي التي تضمّ العمليّات الكيميائيّة والآليّة معاً)، ويمكن توضيح طريقة صُنْع الورق من الخشب من خلال العمليّات شبه الكيميائيّة بالخطوات الآتية:
إقرأ أيضا:كيف تصنع العطور- نَقْل الأخشاب من مخزن الخشب إلى أسطوانة إزالة القلف، ومخزن الخشب: هو المكان الذي يتمّ فيه تجميع الأخشاب التي ستُستعمَل في صناعة الورق أيّاً كان مصدرها.
- تقطيع الخشب إلى رقائق طوليّة دقيقة، طولها 12-25ملم، ويتمّ التقطيع بواسطة آلة التقطيع، أو المجذّ.
- غسل الخشب في غسّالة الرقائق.
- معالجة الخشب في خزّانات كبيرة تُسمّى الهاضمات؛ حيث يتمّ طبخه في محلول حمضيّ، في صهريج ضغط يتمّ تسخينه عن طريق بخار الماء داخل الهاضمة، وتُعرَف هذه العمليّة باسم عمليّة الكبريتيت الكيميائيّة، كما يمكن طبخ الخشب في عمليّة الكبريتات التي يُستخدَم فيها محلول الصودا الكاوية، وكبريتيد الصوديوم، وتعرَف باسم عمليّة كرفت.
- تكسير عجينة الخشب إلى ألياف منفصلة في المُصفِّي خلال عمليّة العجن الآليّة الحراريّة التي يُسخَّن الخشب فيها، ومن ثمّ يتمّ إدخاله بين القُرصَين الدوّارَين في المُصفِّي؛ لإنتاج الألياف المنفصلة، وتُستعمَل موادّ كيميائيّة في العمليّات شبه الكيميائيّة؛ لإذابة مادّة الليغنين الموجودة بين الألياف؛ لتسهيل فصلها.
- تمرير العجينة إلى غسّالات المصفاة، أي إلى الغسّالات الخاصّة؛ للتخلُّص من أَثَر الموادّ الكيميائيّة التي تمّ استخدامها داخل الهاضمة.
- دفع العجين إلى داخل سلسلة من المناخل؛ للتخلُّص من الشوائب الصلبة، والموادّ غير المرغوب فيها، وتُعرَف هذه العمليّة باسم التنقية، ويتمّ فيها انحلال جدران الألياف لتصبح أكثر مرونة، وهنا يمكن أن تُجرى عمليّة تبييض؛ لإنتاج ورق أكثر بياضاً.
- بَدء تشكيل لفّات الورق، من خلال تمرير الألياف إلى الصندوق الرأسيّ، وتُفرَش فيه الألياف الرطبة عبر السلك؛ وهو عبارة عن منخل مُتحرِّك، حيث يتمّ تصريف بعض الماء منه لتبقى حصيرة من الألياف على سطح السلك، وعندما تُصبح العجينة مُكوَّنة من خُمس واحد من الألياف، وأربعة أخماس من الماء، تكون رُقاقة الورق قد أصبحت قويّة إلى درجة يمكن معها نزعها عن السلك بسهولة.
- تمرير الحصيرة الناتجة عبر أسطوانات دوّارة؛ لعصرها، وبالتالي تصبح مُكوَّنة من الألياف، والماء، بنِسَب متساوية.
- تمرير الحصيرة عبر أسطوانات يتمّ تسخينها بواسطة بُخار الماء؛ لتجفيفها تماماً، وهُنا تنشأ الروابط الكيميائيّة التي تحافظ على ترابُط جزئيّات رُقاقة الورق، وتماسُكها.
- تمليس الورقة وتنعيمها من خلال تمريرها عبر أسطوانات تشكيلة الصقل.
- إرسال الورقة إلى بكرة لَفّ الورق؛ لتشكيل لفّة ورق ضخمة.
- شَحن لفّة الورق الضخمة الناتجة إلى وحدة التصنيع؛ لتشكيل المُنتَجات النهائيّة.
صناعة ورق منزليّ
يمكن صُنْع ورق منزليّ بشكل يدويّ، وهنا يجدر الذكر أنّ الطريقة الآتية تتعلَّق بصناعة الورق يدويّاً باستخدام أوراق أخرى غير مرغوب بها، كما أنّ الورق الناتج لن يكون ذا ملمس ناعم مثل الورق المصنوع في مصانع الورق باستعمال الآلات، حيث تتمثّل الطريقة بما يأتي:
إقرأ أيضا:أين ترمى الفضلات المنزلية- الموادّ والأدوات اللازمة:
- 5 صفائح من الأوراق التي لا تحتوي على طبقة لامعة.
- صفيحتان من الورق الأبيض العادي (وهو أمر اختياريّ).
- 3 غالونات من الماء الدافئ.
- وعاء كبير يكفي لكمّية الماء كاملة وحجم الورق المُراد صُنْعه.
- قالب لصناعة الورق.
- 10 رقاقات من قماش اللبّاد.
- قطعة إسفنجيّة.
- خلّاط.
- طريقة الصُّنْع:
- تسخين الماء إلى أن يصبح دافئاً، بحيث يمكن لَمْسه دون أن يتسبَّب في الأذى.
- تمزيق صفائح الأوراق الخمس إلى قِطع صغيرة، ووضع نصف الكمّية الناتجة في الخلّاط، ويمكن إضافة الورق الأبيض أيضاً؛ للحصول على ورق ذي لونٍ أفتح.
- إضافة 5 أكواب من الماء إلى الخلّاط، والانتظار نحو 1-2 دقيقة قَبل تشغيله.
- تشغيل الخلّاط لمدّة دقيقة واحدة، إلى أن يتمّ خَلْط الورق كاملاً، وتفتيته، ومن ثمّ وَضْع الخليط الناتج في الوعاء.
- تكرار الخطوات السابقة مع النصف المُتبقِّي من الورق.
- إضافة الخليط الآخر إلى الخليط الأوّل في الوعاء، ومزجهما معاً.
- إضافة 4 أكواب أخرى من الماء الدافئ إلى المزيج، وهنا يجب التنبيه إلى أنّ المزيج لا بُدّ أن يكون ناعماً جدّاً.
- إحضار القالب الذي سوف يتمّ تشكيل الورق عليه، وهنا يجدر الذكر أنّ القالب يجب أن يكون مصنوعاً من الشاش، وله إطار ثابت، مثل الإطار الخشبيّ.
- غمس القالب في الوعاء؛ لتتكوَّن على الشاش طبقة من الورق الناعم، ورفع القالب إلى الأعلى، مع السماح للماء الزائد بالتسرُّب من خلال الشاش.
- قلب القالب على قطعة من قماش اللبّاد بشكل سريع.
- الضغط على الشاش من الجهة الأخرى بقطعة إسفنجيّة؛ لامتصاص أكبر كمّية من الماء المُتبقِّي.
- رفع القالب، وإزالة الورقة عن قطعة اللبّاد، وسيكون نَزْعها سهلاً إذا كانت جافّة تماماً من الماء.
- ترك الورقة لمدّة يومين كاملين لتجفَّ تماماً في حال لم يتمّ رفعها بسهولة عن قطعة اللبّاد، ومن ثمّ نَزْعها بحذر عن قطعة اللبّاد، وهنا يكون المرء قد حصل على ورقة يمكن استعمالها والكتابة عليها، وللحصول على ورقة ناعمة وملساء، يُنصَح بوضع قطعة من اللبّاد فوقها؛ أي أنّ تكون الورقة بين قطعتين من اللبّاد، ومن ثمّ كَيِّها باستخدام المكواة، وبهذه الطريقة يتمّ تنعيم الورقة وتمليسها، والتخلُّص من أيّة نتوءات فيها.
- تكرار غمس القالب في الوعاء، وتشكيل الورق إلى تنتهي الكمّية.