تغيّر النظام البيئي
يتكوّن النظام البيئي من جميع العناصر الطبيعية الموجودة في بيئة معيّنة، والتي ترتبط فيما بينها بعلاقات محدّدة، وتواجه جميع النظم البيئية تحوّلات طبيعية في مدى تنوّع ووفرة الكائنات الحية، فالتنوّع البيولوجي ليس ثابتاً في البيئة حتى دون وجود تغيير من صنع الإنسان، إلّا أنّ الأنشطة البشرية التي تتسبّب بتغيّر النظام البيئي والمناخ على كوكب الأرض جعلت من الحفاظ على التنوّع البيولوجي تحدّياً، ولمواجهة هذا التّحدي ووضع خطط لحماية التنوّع البيولوجي في ظلّ هذه التغيّرات السريعة يجب أن يتمّ فهم الطريقة التي تستجيب فيها البيئة للظروف الجديدة.
تتكوّن النظم البيئية من كائنات حية؛ مثل النباتات، والحيوانات، ومكوّنات غير حية؛ مثل الهواء، والماء، والتربة، والصخور، وتتعدّد أنواع النظم البيئية لتشمل الغابات، والأراضي العشبية، والأراضي الرطبة، والبحيرات، ودلتا الأنهار، وغيرها، ويجدر بالذكر أنّ هذه النظم البيئية تتغيّر تحت تأثير أحداث وعمليات طبيعية قد يكون لها تأثيراً مباشراً، كالظروف المناخية القاسية، مثل الأعاصير، والعواصف الثلجية، وتنقّل الحيوانات بحثاً عن مناطق جديدة للسكن، واعتمادهم في غذائهم على الصيد من موارد هذه المناطق، ممّا يساهم في تقليل النباتات والحيوانات الموجودة فيها، إذ يعدّ سلوك الحيوانات المفترسة حدثاً طبيعياً، ولكنّه مع ذلك يمكن أن يغيّر النظام البيئي، وبالإضافة إلى ما سبق قد يؤثّر البشر كذلك بشكل مباشر على النظم البيئية، فإدخال الإنسان لأنواع جديدة من النباتات والحيوانات إلى نظام بيئي معيّن يمكن أن يسبّب تدمير هذا النظام.
إقرأ أيضا:طرق تنقية المياه الملوثة
أسباب تغيّر النظام البيئي
يتغير النظام البيئي نتبجة عوامل طبيعية، وعوامل غير طبيعية من صنع الإنسان، وتنقسم هذه العوامل إلى عوامل مباشرة وأخرى غير مباشرة، إذ تؤثّر العوامل المباشرة بشكل واضح على عمليات النظام البيئي، ومن الأمثلة عليها تغيير مواطن الكائنات الحية، أمّا العوامل غير المباشرة فلها تأثير أوسع من العوامل المباشرة، فقد تسبّب تغيّر واحداً أو أكثر من العوامل المباشرة، ومن الأمثلة عليها التغيّر السكاني.
العوامل المباشرة
تشمل العوامل المباشرة تغيّر المواطن الطبيعية، وتغيّر المناخ، والكائنات الحية الغازية (invasive species)، والاستغلال المفرط لموارد البيئة، بالإضافة إلى التلوّث، وقد تزداد شدة هذه العوامل في معظم النظم البيئية، وفيما يأتي بعض من أهمّ العوامل المباشرة التي أثّرت في النظام البيئي خلال السنوات الخمسين الماضية:
- تغيّر الغطاء الأرضي في النظم البيئية الأرضية: (Terrestrial Ecosystems)، وذلك بسبب تحويل الكثير من الأراضي إلى أراضي زراعية، وتطبيق التقنيات الزراعية الحديثة عليها لزيادة الإمداد من الغذاء والأخشاب، أمّا المناطق غير الملائمة للزراعة مثل الصحاري والغابات الشمالية فلم يؤثّر عليها الإنسان ويحوّلها.
- تغيّر النظم البيئية البحرية بسبب الصيد: (Marine Ecosystems)، تمّ استغلال ما يُقارب نصف المخزون من الأسماك البحرية المخصّصة للصيد التجاري، وقد امتدّ تأثير صيد الأسماك حتى وصل إلى المحيطات، بعد أن كان مقتصراً على المناطق الساحلية فقط.
- تغيّر المياه في النظم البيئية للمياه العذبة: (Freshwater Ecosystems)، قد تحدث تغيّرات في أنظمة المياه بسبب بناء السدود الكبيرة، أو نتيجة الكائنات الحية الغازية التي يمكن أن ينتج عنها انقراض لبعض الأنواع، أو بفعل التلوّث الذي قد يحدث لعدّة أسباب، منها ارتفاع مستوى المغذّيات في المياه.
العوامل غير المباشرة
يوجد خمسة عوامل غير مباشرة تؤثّر على النظم البيئية، وهي:
إقرأ أيضا:بحث عن الأمطار الحمضية- التغيّر السكاني: يشمل النموّ السكاني، وهجرة السكّان، فقد تضاعف عدد سكان العالم في السنوات الأربعين الماضية، وكان معظم النموّ السكاني في البلدان النامية، ومع ذلك فإنّ معدلات النموّ السكاني في بعض البلدان النامية في الوقت الحاضر منخفضة للغاية، بينما تشهد بعض البلدان المتقدّمة ذات الدخل المرتفع معدلات نموّ سكاني عالية بسبب الهجرة.
- التغيّر في النشاط الاقتصادي: زاد النشاط الاقتصادي العالمي قرابة سبعة أضعاف في الخمسين عاماً الماضية، ومع نموّ دخل الفرد يتغيّر نمط الاستهلاك، ويزداد الطلب على العديد من خدمات النظم البيئية، والسلع والخدمات الصناعية.
- العوامل الاجتماعية والسياسية: تشمل عمليات صنع القرار، ومدى مشاركة العامّة فيها، فقد تمّ التوجّه نحو تمكين المجتمعات المحلية، كما ازدادت نسبة الاتّفاقات البيئية الدولية في السنوات الأخيرة.
- العوامل الثقافية والدينية: الثقافة هي القيم، والمعتقدات، والمعايير التي تشترك فيها مجموعة من الأفراد، وتحدّد نظرتهم وتصوّرهم للعالم، كما تقدّم مبادئ يمكن أن يكون لها تأثيراً مهماً على النظام البيئي، مثل سلوك الاستهلاك عند الأفراد.
- العلوم والتكنولوجيا: ساهم التقدّم الهائل في العلوم والتطبيقات التقنيّة في زيادة الإنتاج الزراعي، ولكنّه في المقابل أدّى إلى تدهور في خدمات النظم البيئية، فمثلاً ساهم التقدّم في تقنيات الصيد بشكل كبير في نفاذ مخزون الأسماك البحرية.
استجابة الكائنات الحية للتغيّر البيئي
قد تتسبّب التغييرات التي يُحدثها البشر في النظم البيئية بتأثيرات كبيرة على الحيوانات، والنباتات، والكائنات الدقيقة، مثل إدخال البشر لمسبّبات الأمراض أو الأنواع الغازية الغريبة إلى النظام البيئي، وإضافة مواد سامّة أو مغذّيات زائدة، أو التسبّب في تغيّر المناخ، ممّا يؤدّي إلى تغيّر التنوّع الحيوي، والسلسلة الغذائية، والنظم البيئية كاملة، وتستجيب الكائنات الحية لهذه التغييرات بطرق مختلفة، وفيما يأتي بعض منها:
إقرأ أيضا:حلول لتلوث الماء- الانخفاض أو الإفراط في أعداد الكائنات الحية: قد تستجيب بعض الكائنات الحية للتغيّر البيئي بانخفاض أعدادها، كما قد يؤدّي ذلك إلى انقراض بعض الأنواع، بينما في المقابل قد تزداد أعداد كائنات أخرى بشكل مفرط، ممّا يتسبّب بإحداث مشكلة، فمثلاً يؤدّي فرط المغذّيات أو ارتفاع درجات حرارة الجوّ إلى تحفيز تكاثر الطحالب الضارّة.
- التطوّر السريع لبعض الكائنات الحية: قد تستجيب كائنات المياه العذبة للتغيير البيئي من خلال التطوّر السريع، وكلّما قلّت الفترة بين الأجيال كلّما ظهرت هذه التطوّرات بشكل أسرع، فمثلاً قد تتكيّف العوالق الصغيرة التي تتوفّر بأعداد كبيرة في البحار، مع البيئة المتغيّرة في غضون بضع سنوات، وذلك لأنّ مدّة بقاء كلّ جيل منها على قيد الحياة هو بضعة أيام فقط، إذ تتغذّى عليها الأسماك والحيوانات الأخرى، ويسمّى هذا التطوّر السريع بالإنقاذ التطوّري (بالإنجليزية: Evolutionary Rescue)؛ لأنّه يحفظ هذه الكائنات من الانقراض عندما تتغيّر بيئتها، كما يلعب دوراً مهمّاً في نجاح الكائنات الحية الغازية عند دخولها إلى نظام بيئي معيّن، بالإضافة إلى المحافظة على قدرة الأنواع المحلية على الاستمرار مع تغيّر البيئات، ولذلك من المهم قياس أهمية هذا التطوّر السريع، والتنبّؤ بموعد حدوثه، والعواقب المترتّبة عليه.[
- تغيّر توقيت أحداث دورة حياة بعض الكائنات الحية: يؤثّر المناخ على المراحل الرئيسية من دورة الحياة الموسمية للعديد من الكائنات، مثل: الهجرة، والإزهار، والتكاثر، فمع تغيّر طول وشدّة فصول السنة بتغيّر توقيت هذه المراحل لبعض الكائنات في بعض المناطق، فمثلاً قد تسبّب الحلول المبكّر لفصل الربيع في منطقة ما في التعشيش المبكّر لنحو 28 نوعاً من الطيور المهاجرة، كما غيّر 16 نوع من بين 23 نوعاً من الفراشات في منقطة أخرى من العالم توقيت هجرتها، ونظراً لاختلاف الكائنات في قدرتها على التكيّف فإنّه ينتج اختلاف في توقيت الهجرة والتكاثر بينها.