قصر القامة
قصر القامة (بالإنجليزية: Short stature)، أو القزامة، أو التقزُّم جميعها مصطلحات تُستخدَم لوصف الطفل الذي يقلُّ طوله عن طول معظم الأطفال في نفس عمره وجنسه، وبشكل أكثر تحديداً فإنَّه يُطلَق على الطفل الذي يساوي طوله المئين الثالث (بالإنجليزية: Third percentile) أو يقلُّ عنه في مخطَّط النموِّ (بالإنجليزية: Growth chart)، ومن الجدير ذكره أنَّ مخطَّط النموِّ هو عبارة عن الأداة التي يستخدمها الطبيب لمراقبة نموِّ الطفل مقارنة مع معدَّل نموِّ الأطفال، ومن المهم التنبيه إلى أنَّ النموَّ يعتمد على مجموعة من العوامل تشمل الجينات والتغذية وتأثير الهرمونات، إذ تُعدُّ حالة قصر القامة بذاتها ليست مرضاً وإنَّما نتيجة لحالة صحِّية معيَّنة.
أسباب قصر القامة
قد يكون قصر القامة في بعض الحالات نوعاً من النموِّ الطبيعي، وقد يشير في بعض الحالات الأخرى إلى وجود مشكلة أو اضطراب معيَّن، ويمكن بيان الأسباب بشيء من التفصيل فيما يأتي:
قصر القامة الطبيعي
تُعدُّ معظم حالات قصر القامة غير الناتجة عن حالة مرضيَّة معيَّنة أمراً طبيعيّاً، إذ يتمتَّع فيها الطفل بصحَّة جيِّدة وينمو بالنهاية بالمعدَّل الطبيعي، ويكون السبب الكامن وراء قصر القامة الطبيعي في أغلب الحالات غير معروف، أو قد ينتج بسبب طول قامة أقل من المتوسِّط، أو تأخُّر في البلوغ في تاريخ العائلة، إذ إنَّ هناك نوعين من الاختلافات تشمل هذه الحالات الشائعة كما سيتم تفصيلها، والتي تظهر في أنماط نموِّ بديلة طبيعيَّة للأطفال ولا تشير إلى وجود اضطرابات في النموِّ أو مشاكل صحِّية ما.
إقرأ أيضا:أعراض الفتاقتأخر النمو البنيوي
يصف تأخُّر النموِّ البنيوي (بالإنجليزية: Constitutional growth delay) الأطفال قصار القامة بالنسبة لأعمارهم ولكن ينمون بمعدَّل طبيعي، إذ لا تظهر لديهم أيَّة أعراض أو علامات تدلُّ على وجود أمراض معيَّنة تؤثِّر بدورها في معدَّل النموِّ، ولكن يظهر لديهم تأخُّر في عمر العظم (بالإنجليزية: Bone age) وهذا يعني أنَّ نضوج الهيكل العظمي لديهم أصغر من عمرهم بالسنوات، وفي سياق الحديث فإنَّه يتم حساب عمر العظم عن طريق أخذ صورة أشعَّة سينيَّة (بالإنجليزية: X-ray) لليد والرسغ ومقارنتها بالصور القياسيَّة التي يتم أخذها للأطفال بنفس العمر، كما يتأخَّر البلوغ لدى هؤلاء الأطفال مقارنة بأقرانهم فيما يخصُّ النموَّ الجنسي وطفرة النموِّ (بالإنجليزية: Growth spurt) عند البلوغ، إلا أنَّ النموَّ لديهم يستمرُّ حتى سنٍّ أكبر وبالتالي يصلون إلى الطول الطبيعي لأقرانهم في سنِّ الرشد، ومن المرجَّح أن يكون أحد الوالدين أو كليهما أو أحد الأقارب قد مرَّ بنمط نموٍّ مماثل، فعلى سبيل المثال قد تكون إحدى الأقارب الإناث قد مرَّت بأول دورة شهريَّة لها بعد بلوغها 15 عاماً أو قد يكون أحد الأقارب الذكور قد وصل إلى طوله النهائي بعد بلوغه 18 عاماً.
قصر القامة الوراثي
ينمو الأطفال المصابون بقصر القامة الوراثي (بالإنجليزية: Familial short stature) بمعدَّل طبيعي، ويكون أحد الوالدين أو كليهما قصير القامة، كما ينمو العظم لديهم بشكل طبيعي وذلك بالنظر إلى عمر العظم المطابق للعمر، ويصل هؤلاء الأطفال إلى البلوغ في زمنه الطبيعي ويكملون نموَّهم بشكل تام بطول يتلاءم مع أطوال قامة الوالدين، وقد يطلب الأخصَّائي بعض الفحوصات المخبريَّة وبعضهم لا يلجأ إليها أبداً، وفي أغلب الأحيان تكون النتيجة طبيعيَّة في الفحوصات المطلوبة.
إقرأ أيضا:علاج الإنفلونزاالمشاكل الصحية والأمراض
تتعدَّد مشاكل النموِّ الموجودة باختلاف نوع اضطراب النموِّ المتواجد، فبعضها مرتبط بالجينات فيما ترتبط أخرى بمشاكل في الهرمونات أو سوء امتصاص الأغذية، وفيما يأتي تفصيل كلِّ هذه الاضطرابات.
سوء التغذية
ينتج سوء التغذية (بالإنجليزية: Malnutrition) بسبب عدم الحصول على كمِّية الغذاء الكافية أو بسبب بعض الأمراض الجهازيَّة التي تؤثِّر في حصول الجسم على احتياجاته من الغذاء، أو تزيد من احتياجه للطاقة، أو تتعارض مع القدرة على امتصاص الطعام، هذا إلى جانب أنَّ البعض قد يفرض قيوداً ذاتية على الطعام خوفاً من السمنة، وفي نهاية المطاف يُسبِّب سوء التغذية المتواصل قصر القامة ويمنع الأطفال من إكمال نموِّهم بشكل تام، ومن الجدير بالذكر أنَّ سوء التغذية هو السبب الأكثر شيوعاً لمشاكل النموِّ على مستوى العالم، ولذلك يُنصَح بالحصول على الغذاء الصحِّي المتوازن للوقاية منه وعلاجه، كما تُعدُّ السمة المميِّزة لنقص التغذية هي الوزن المنخفض نسبة للطول.
أمراض الغدد الصماء
تُعدُّ اضطرابات الغدد الصمَّاء الأوَّلية (بالإنجليزية: Primary endocrine disorders) التي لها آثار على النموِّ غير شائعة، ولكن من المهم تحديدها لأنَّها قابلة للعلاج، وبشكل عام تتميَّز هذه الاضطرابات التي سيتم تفصيلها بالوزن الزائد نسبة للطول، وفيما يأتي بيان لهذه الأمراض بشيء من التفصيل:
- نقص هرمون النموِّ: إنَّ هرمون النموِّ (بالإنجليزية: Growth hormone) هو بروتين تنتجه الغدَّة النخاميَّة (بالإنجليزية: Pituitary gland) المتواجدة بالقرب من قاعدة الدماغ وترتبط بمنطقة تحت المهاد (بالإنجليزية: Hypothalamus)، والتي بدورها تُنظِّم عمل الغدَّة النخاميَّة، وبالتالي فإنَّ أيَّ تلف قد يصيب منطقة تحت المهاد أو الغدَّة النخاميَّة يؤثِّر بدوره في إنتاج هرمون النموِّ، وينتج عن نقص هرمون النموِّ في العادة بطء في النموِّ بشكل غير طبيعي مع قصر في القامة بنسب طبيعيَّة.
- قصور الغدَّة الدرقيَّة: تلعب هرمونات الغدَّة الدرقيَّة (بالإنجليزية: Thyroid hormones) دوراً مهماً في النموِّ الطبيعي للعظام وتنظيم كُلٍّ من الوزن ومستويات الطاقة، ودرجة الحرارة الداخلية، ونموِّ الجلد والشعر والأظافر وغيرها، وبالتالي يُسبِّب نقص إفراز هرمونات الغدَّة الدرقيَّة الناتج عن قصور الغدَّة الدرقيَّة (بالإنجليزية: Hypothyroidism) قصر القامة.
- متلازمة كوشينغ: ترتبط متلازمة كوشينغ (بالإنجليزية: Cushing’s syndrome) أو كما يُطلَق عليها أحياناً فرط كورتيزول الدَّم (بالإنجليزية: Hypercortisolism) بتعرُّض الجسم لمستويات عالية من هرمون الكورتيزول (بالإنجليزية: Cortisol) لفترة طويلة، والتي قد تحدث نتيجة تناول أدوية الكورتيكوستيرويد عن طريق الفم (بالإنجليزية: Oral corticosteroid) أو بسبب إنتاج الجسم كمِّية أكبر من الكورتيزول من تلقاء نفسه، ومن أعراض متلازمة كوشينغ الأوَّلية لدى الأطفال قصر القامة مع الاستمرار في اكتساب الوزن.
الأمراض المزمنة
قد تؤثِّر الأمراض المزمنة المرتبطة بالغدَّة النخاميَّة في النموِّ، فعلى سبيل المثال قد يؤثِّر علاج السرطان بالأشعَّة للدماغ في الغدَّة النخاميَّة لدى الأطفال مسبِّباً قصر القامة، كما قد تُسبِّب بعض أمراض القناة الهضميَّة، مثل داء الأمعاء الالتهابي (بالإنجليزية: Inflammatory bowel disease)، ومرض السيلياك (بالإنجليزية: Celiac disease) أو كما هو معروف باسم مرض حساسيَّة القمح قصر القامة وذلك لتأثيرها على التغذية، وقد ترتبط أمراض مزمنة أخرى ببطء في النموِّ مثل أمراض القلب، وأمراض الكلى، وأمراض المناعة، وأمراض الغدد الصمَّاء الأخرى.
إقرأ أيضا:تطعيم الشهر الرابعالمشاكل الخَلقية
قد تؤدِّي الإصابة ببعض المشاكل الخلقيَّة إلى قصر القامة لدى الأطفال، وذلك لأنَّها تؤثِّر بشكل أساسي في الأنسجة التي يحدث فيها النموُّ، وفيما يأتي بيان هذه المشاكل بشيء من التفصيل:
- تحدُّد النمو داخل الرحم: (بالإنجليزية: Intrauterine growth restriction)، تحدث هذه المشكلة نتيجة لعدد من العوامل الجينيَّة والبيئيَّة التي تؤدِّي إلى عدم اكتمال النموِّ داخل الرحم، وعادة ما تكون أطوال وأوزان هؤلاء الأطفال عند ولادتهم أقلَّ من الطبيعي وبما يتناسب مع قصر القامة.
- تشوُّهات الكروموسومات: (بالإنجليزية: Chromosome abnormalities)، إنَّ تواجد كروموسوكات أكثر أو أقلَّ يُعدُّ سبباً لظهور العديد من المشاكل الصحِّية والتي تشمل مشاكل مرتبطة بالنموِّ، وفيما يأتي تفصيلها:
- متلازمة تيرنر: (بالإنجليزية: Turner syndrome)، وهو اضطراب جيني ينتج بسبب فقدان كروموسوم X في كلِّ خلايا الجسم، وعادة ما يصيب الإناث ويُسبِّب قصر القامة لديهنَّ إلى جانب عدم النضوج جنسيّاً عند البلوغ، وتختلف حدَّة المشاكل المرافقة له بين الأفراد، وقد ترافقه مشاكل أخرى تشمل مشاكل القلب والكلى التي من الممكن السيطرة عليها في العديد من الحالات.
- متلازمة داون: (بالإنجليزية: Down syndrome)، تنتج متلازمة داون بسبب وجود مادة وراثيَّة زائدة في الكروموسوم رقم 21، ومن الجدير ذكره أنَّ حجم الطفل عادة ما يكون بالمعدَّل الطبيعي ولكنَّه ينمو بشكل أبطأ ليبقى أقصر من أقرانه، وإلى جانب هذا تُسبِّب متلازمة داون العديد من التشوُّهات والمشاكل الصحِّية وضعف الإدراك، ومن الجدير بالذكر أنَّ النمط الظاهري متغيِّر وتختلف كذلك حدَّة ضعف الإدراك لتتدرَّج بين الخفيفة والمعتدلة إلى الشديدة.
- متلازمة نونان: (بالإنجليزية: Noonan syndrome)، تنتج متلازمة نونان عن تغيُّرات في أحد الجينات الوراثيَّة السائدة، فقد يكون الطفل المصاب بمتلازمة نونان قد ورث جيناً متغيِّراً من أحد والديه، أو قد يكون التغيير الجيني تغييراً جديداً بسبب خطأ تحمله البويضة أو الحيوانات المنويَّة أو قد يحدث عند الحمل، وفي سياق الحديث فإنَّه يُشار إلى أنَّ متلازمة نونان تؤثِّر في أجزاء عديدة من الجسم لتُسبِّب ملامح غير اعتياديَّة للوجه، وقصر القامة، ومشاكل في القلب، ومشاكل النزيف، وتشوُّهات في الهيكل العظمي وغيرها.
- متلازمة روسل-سيلفير: (بالإنجليزية:Russell-Silver syndrome)، هي حالة نادرة ترتبط بوجود مشاكل محدَّدة في جينات مسؤولة عن التحكُّم بالنموِّ، فيما قد يصعب تحديد الجينات المسؤولة في بعض الأحيان عن تسبُّب مشاكل في النمو قبل وبعد ولادة الطفل، وتتنوَّع أعراض هذه المتلازمة لتشمل انخفاض الوزن عند الولادة، وقصر القامة، وملامح وجه مميَّزة، وكبر حجم الرأس نسبة لحجم الجسم، وعدم تناسق الجسم، وصعوبات التغذية، ومن الجدير بالذكر أنَّها في أغلب الحالات ليست موروثة فيما قد تتم وراثتها في حالات نادرة بنمط سائد أو متنحٍّ.
- البلوغ المبكِّر: يحصل البلوغ المبكِّر (بالإنجليزية: Precocious puberty) عند ظهور علامات البلوغ لدى الإناث الأصغر من 8 أعوام ولدى الذكور الأصغر من 9 أعوام، وبما أنَّ مرحلة البلوغ تتم على عمر أصغر من المعتاد فعادة ما يتوقَّف نموُّ هؤلاء الأطفال على عمر أصغر، مما يُسبِّب في بعض الأحيان طول قامة أقصر.
- تشوُّهات الهيكل العظمي: يوجد ما يزيد عن 50 نوع من الأمراض التي تصيب العظام، والتي تؤثِّر بدورها في النموِّ والطول ويرتبط العديد منها بأسباب جينيَّة، وأكثرها شيوعاً هو مرض الودانة (بالإنجليزية: Achondroplasia) الذي يُعدُّ أحد أنواع التقزُّم أو القزامة (بالإنجليزية: Dwarfism)، وفيه تكون ذراعا الطفل وساقاه قصيرة نسبة لطول الجسم مع كبر حجم الرأس غالباً، إلى جانب الحجم الطبيعي لمنطقة الجذع.
الضغط النفسي
قد يؤدِّي فقدان الأطفال للرعاية أو تعرُّضهم للعنف الناتج عن الحروب أو المجاعات أو التواجد في بيئة منزليَّة لا تتغذَّى بالشكل الصحيح إلى التسبُّب بضغوط نفسيَّة تمنعهم من النموِّ بشكل طبيعي، ومن الأخبار السارَّة فإنَّه يُشار إلى القدرة على تغيير هذه الحالة في حال تخلُّص الأطفال من البيئة المسبِّبة للضغط النفسي.
الأدوية
قد يتأثَّر النموُّ لدى الأطفال ببعض العلاجات، مثل العلاج بالأشعَّة الذي له تأثير دائم، وأدوية الجلوكوكورتيكويد (بالإنجليزية: Glucocorticoids)، والأدوية المنشِّطة المستخدمة في علاج اضطراب نقص الانتباه (بالإنجليزية: Attention deficit disorder) واختصاراً ADD، والعلاج الكيميائي والذي عادة ما يكون تأثيره مؤقَّتاً وقد يكون دائماً في بعض الحالات التي تتطلَّب علاجاً طويل الأمد.
قصر القامة مجهول السبب
يُعرَّف قصر القامة مجهول السبب (بالإنجليزية: Idiopathic Short Stature) على أنَّه قصر القامة الواضح مقارنة بالأقران من نفس العمر والجنس مع توقُّع قصر القامة بعد البلوغ دون القدرة على تحديد أيِّ سبب وراء ذلك، وقد تبيَّن أنَّ مشكلة قصر القامة مجهول السبب تصيب كُلاًّ من الإناث والذكور بنفس المستوى، وبالرغم من الجهل بالأسباب إلا أنَّ العلاج بهرمون النموِّ قد يكون مفيداً لدى بعض الأطفال.