نظرة عامة
تتمثَّل اضطرابات نقص المناعة (بالإنجليزية: Immunodeficiency disorders) بانخفاض الاستجابة المناعيَّة للجسم، والتي قد تؤثِّر في أيٍّ من أجزاء الجهاز المناعي، ولفهم ذلك بشكل أفضل لا بُدَّ من بيان أنَّ جهاز المناعة في الوضع الطبيعي يحمي الجسم من المواد الضارَّة التي تُعرَف بالمستضدَّات (بالإنجليزية: Antigens)، بما فيها البكتيريا والفيروسات والسموم والخلايا السرطانيَّة بالإضافة إلى الدم أو الأنسجة المنقولَين من شخص آخر، ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه الحالات تحدث في الغالب جرَّاء عدم أداء كريات الدم البيضاء الخاصَّة المعروفة بالخلايا اللمفاويَّة (بالإنجليزية: Lymphocyte) من نوع T والمعروفة باسم الخلايا التائيَّة (بالإنجليزية: T cell)، أو الخلايا اللمفاويَّة من نوع B المعروفة باسم الخلايا البائيَّة (بالإنجليزية: B cell)، أو كلا النوعين لوظائفها بشكل طبيعي أو بسبب عدم إنتاج الجسم لما يكفي من الأجسام المضادَّة (بالإنجليزية: Antibodies).
وبالحديث حول أسباب نقص المناعة فيمكن القول أنَّها تقسم إلى نوعين هما الأوَّلي والثانوي، وتتمثَّل أمراض نقص المناعة الأوَّلية (بالإنجليزية: Primary immunodeficiency diseases) واختصاراً PIDD بمجموعة من الاضطرابات الناجمة عن العيوب الوراثيَّة أو الجينيَّة في خلايا وأنسجة جهاز المناعة، وأما بالنسبة إلى مرض نقص المناعة الثانوي (بالإنجليزية: Secondary immune deficiency disease) فإنَّه يحدث عندما يتعرَّض جهاز المناعة للخطر بسبب عامل بيئي، بما في ذلك فيروس العوز المناعي البشري (بالإنجليزية: Human immunodeficiency virus) والعلاج الكيميائي والحروق الشديدة، أو سوء التغذية (بالإنجليزية: Malnutrition).
إقرأ أيضا:كيفية علاج ضربة الشمسأسباب نقص المناعة
نقص المناعة الثانوي
تجدر الإشارة إلى أنَّ مرض نقص المناعة الثانوي أكثر شيوعاً من أمراض نقص المناعة الأوَّلية، وتوجد العديد من الأسباب المختلفة التي يُعزى حدوث نقص المناعة الثانوي إليها، ويمكن بيانها بشيء من التفصيل فيما يأتي:
سوء التغذية
أشارت سلسلة من الدراسات نشرتها مجلة Journal of Venomous Animals and Toxins including Tropical Diseases عام 2009م، إلى أنَّ الوظيفة البيولوجيَّة لمختلف أنواع الخلايا تنخفض بشكل واضح عند الإصابة بنقص أو سوء التغذية الذي يرجع سبب حدوثه إلى نقص الطاقة أو نقص المغذِّيات الدقيقة (بالإنجليزية: Micronutrient deficiency) في الجسم، والتي تضمُّ كلاًّ من الفيتامينات والمعادن، ولفهم آليَّة تأثير سوء التغذية في المناعة يجدر التطرُّق إلى ما يُعرَف بالنظام المتمِّم (بالإنجليزية: Complement system) الذي يمكن أن يدمِّر البكتيريا أو الفيروسات الموجودة في الجسم، وذلك من خلال كلٍّ من الخلايا البلعميَّة (بالإنجليزية: Phagocyte) والمكوِّنات المتمِّمة (بالإنجليزية: Complement components)، وهي البروتينات التي تساعد الخلايا المناعيَّة على قتل البكتيريا وتساهم في التعرُّف على الخلايا الغريبة تمهيداً لتدميرها، فبذلك يمكن التوصُّل إلى أنَّ سوء التغذية سيؤثِّر في تواجد البالعات والمكوِّنات المتمِّمة ووظائفهما، وسيترتَّب على ذلك التأثير بشكل مباشر على القضاء على مسبِّبات الأمراض.
التقدم في السن
تزداد قابليَّة الإصابة بكلٍّ من العدوى والسرطان واضطرابات المناعة الذاتيَّة مع تقدُّم عُمر الجهاز المناعي وتراجع قدراته، وبالنظر إلى أنَّ مجال الأبحاث القائمة على دراسة تأثير التغيُّرات المرتبطة بالعُمر في الوظيفة المناعيَّة ما زال مجالاً جديداً نسبياً، فإنَّ فهم آليَّات حدوث هذه الاضطرابات والتعقيدات المناعيَّة ما زال قاصراً.
إقرأ أيضا:شروط الحجامة للنساءبعض أنواع الأدوية
توجد العديد من الأدوية التي قد تؤثِّر في الجهاز المناعي، والتي يمكن بيانها فيما يأتي:
- الأدوية التي تستهدف الجهاز المناعي، ومثال عليها الأدوية المثبِّطة للمناعة (بالإنجليزية: immunosuppressant drugs)، والمستحضرات الدوائيَّة الحيويَّة أو البيولوجيَّة (بالإنجليزية: Biologics)، بالإضافة إلى العلاج الكيميائي، وقد تستخدم هذه الأدوية في علاج حالات مرضيَّة عدَّة مثل: سرطان الدم، والعقد اللمفاويَّة على وجه الخصوص، فضلاً عن حالات مرضيَّة أخرى مثل التهاب المفاصل الروماتويدي، والتصلُّب المتعدِّد، وأمراض الأمعاء الالتهابيَّة (بالإنجليزية: Inflammatory bowel disease) والصدفيَّة.
- الأدوية المعروفة بتسبُّبها بمضاعفات محدَّدة في الجهاز المناعي، فمثلاً يمكن أن تُسبِّب بعض مضادَّات الاختلاج (بالإنجليزية: anti-epileptic) نقصاً في الأجسام المضادَّة في الجسم، ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه التأثيرات لا ترتبط بطريقة عمل الأدوية.
العدوى
تُعدُّ الإصابة بالعدوى بما في ذلك الإنفلونزا (بالإنجليزية: Flu)، وكثرة الوحيدات العدائيَّة (بالإنجليزية: Infectious Mononucleosis)، والحصبة (بالإنجليزية: Measles) أحد الأسباب التي قد تُضعِف جهاز المناعة لفترة وجيزة، لكن توجد بعض الأنواع من العدوى المزمنة التي قد تُسبِّب الإصابة باضطرابات نقص المناعة الثانوي، ومن أكثرها شيوعاً متلازمة نقص المناعة المكتسبة (بالإنجليزية: Acquired immune deficiency syndrome) المعروفة بالإيدز (بالإنجليزية: AIDs) الناجمة عن الإصابة بعدوى فيروس نقص المناعة البشريَّة.
وبالحديث عن الصلة ما بين الإيدز والجهاز المناعي يمكن القول إنَّ هذا الفيروس يهاجم نوعاً من أنواع الخلايا التائيَّة (بالإنجليزية: T Cells) يُطلق عليها اسم خلايا كتلة التمايز 4 (بالإنجليزية: Cluster of differentiation 4) واختصاراً CD4، وهي نوع من كريات الدم البيضاء التي تلعب دوراً مهماً في منع الإصابة بالعدوى، ويترتَّب على مهاجمة الفيروس لهذه الخلايا اضمحلال أعدادها تدريجيّاً، وبمجرَّد أن يصبح عدد الخلايا التائيَّة أقلَّ من 200 خلية/ملليلتر من الدم فإنَّ أعراض الإيدز تبدأ في الظهور، وبذلك يكون المريض معرَّضاً لخطر الإصابة بالعدوى المتكرِّرة التي تؤدِّي في النهاية إلى الوفاة.
إقرأ أيضا:ما هي وظيفة غشاء الخليةبعض أنواع السرطان
ينتج نخاع العظام خلايا الدم التي تساعد على مكافحة العدوى والتصدِّي لها، وفي حالات الإصابة بمرض السرطان فإنَّ ذلك قد يؤدِّي إلى إضعاف جهاز المناعة في جسم المصاب عند انتشاره في نخاع العظم، بحيث يمنع ذلك نخاع العظم من تكوين الكثير من خلايا الدم، وعلى الرغم من أنَّ ذلك غالباً ما يحدث في حالات الإصابة باللوكيميا، أو ابيضاض الدم (بالإنجليزية: Leukaemia)، أو سرطان الغدد اللمفاويَّة (بالإنجليزية: Lymphoma)، إلا أنَّه يمكن أن يحدث في حالات الإصابة بأنواع أخرى من السرطان أيضاً.
استئصال الطحال
يقع الطحال (بالإنجليزية: Spleen) في الجانب العلوي الأيسر من البطن، ويُعدُّ جزءاً من جهاز المناعة في الجسم، وتكمن وظيفته في المساعدة على حماية الجسم من الإصابة بالعدوى، إذ يتكوَّن من خلايا خاصَّة تقتل البكتيريا في حال وجودها في الدم أثناء مروره بالطحال، ونظراً لوجود أجزاء أخرى من الجهاز المناعي تحمي الجسم من معظم أنواع البكتيريا والفيروسات والجراثيم الأخرى، فإنَّه يمكن التعامل مع معظم أنواع العدوى دون الحاجة إلى الطحال، إلا أنَّ خطر الإصابة ببعض أنواع العدوى الخطيرة غير الشائعة، مثل عدوى إنتان ما بعد استئصال الطحال (بالإنجليزية: Overwhelming post-splenectomy infection) واختصاراً OPSI يزداد لدى الأفراد الذين لا يملكون الطحال؛ وذلك في بعض الحالات التي يُلجأ فيها إلى استئصاله لأسباب مختلفة، كإصابة الطحال بمرض أو ضرر جرَّاء تعرُّضه لإصابة، ومن جانب آخر قد يكون خطر الإصابة بهذه العدوى مرتفعاً أيضاً لدى الأفراد الذين لا يعمل لديهم الطحال بكفاءة نظراً للإصابة بأمراض معيَّنة قد تؤثِّر في كفاءة عمله، ومن الأمثلة عليها: مرض الخلايا المنجليَّة (بالإنجليزية: Sickle cell disease)، والثلاسيميا، والأورام اللمفاويَّة.
الأمراض المزمنة
قد تحدث اضطرابات نقص المناعة نتيجة الإصابة بمرض مزمن طويل الأمد، فعلى سبيل المثال يمكن أن تؤدِّي الإصابة بمرض السكَّري إلى حدوث اضطراب نقص المناعة، وذلك لتأثُّر كفاءة عمل كريات الدم البيضاء نتيجة ارتفاع مستوى السكَّر في الدم.
الحمل
يُحدَّد دور جهاز المناعة بما في ذلك قوَّته أو ضعفه لدى الأم خلال فترة الحمل بدقَّة لتحقيق أفضل النتائج لكلٍّ من الأم والطفل، ولفهم ذلك يجدر بيان أنَّ الجهاز المناعي خلال الأسابيع الـ 12 الأولى من الحمل يكون متأهِّباً؛ وذلك للسماح بتكوين بنية الجنين الأساسيَّة بالكامل، إذ قد تم التوصُّل إلى أنَّ استجابة نظام المناعة العدوانيَّة ضروريَّة لانغراس الجنين بالرحم، وفي الواقع تتدفَّق الخلايا المناعيَّة في بطانة الرحم وتُسبِّب الالتهاب لترتيب عمليَّة انغراس الجنين بنجاح، ويعتقد العلماء أنَّه يجب قمع جهاز المناعة الخاص بالمرأة الحامل طوال فترة الحمل المتبقِّية لمنعه من رفض الجنين، فعلى مدى الأسابيع الـ 15 التالية يتم قمع جهاز مناعة الأم للسماح لخلايا الجنين بالنموِّ والتطوُّر.
نقص المناعة الأولي
تتمثَّل أمراض نقص المناعة الأوَّلية بمجموعة من الاضطرابات التي قد تصل إلى أكثر من 400 اضطراب مزمن نادر، وقد تختلف هذه الاضطرابات فيما بينها إلا أنَّها تشترك في سمة واحدة تتمثَّل بأنَّ كلاًّ منها ينتج عن خلل في إحدى وظائف الجهاز المناعي الطبيعي للجسم، إذ يكون هناك خلل في كفاءة عمل الجهاز المناعي في الجسم، أو يكون أحد أجزائه مفقوداً، وما يجدر التنبيه إليه أنَّ هذه الاضطرابات غير معدية، إلا أنَّ بعضاً منها قد يكون خَلقيّاً؛ أي موجوداً منذ الولادة أو منذ مرحلة الطفولة المبكِّرة، كما أنَّها يمكن أن تؤثِّر في أيِّ شخص بغضِّ النظر عن عُمره أو جنسه، كما قد يُعزى حدوثها إلى وجود عيوب وراثيَّة تنتقل من أحد الوالدين أو كليهما، أو إلى وجود عيوب جينيَّة تنتج عن مشاكل في الشيفرة الوراثيَّة المعروفة باسم الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين (بالإنجليزية: Deoxyribonucleic acid) واختصاراً DNA، بحيث تُسبِّب العديد من العيوب في الجهاز المناعي، وتجدر الإشارة إلى أنَّ بعضاً من هذه الاضطرابات يؤثِّر في جزء واحد من جهاز المناعة، في حين قد يؤثِّر البعض الآخر في واحد أو أكثر من أجزائه، ويمكن تصنيفها على نطاق واسع إلى ست مجموعات بناءً على الجزء المتأثِّر من الجهاز المناعي كما يأتي:
- عِوَز الخلايا البائيَّة (الأجسام المضادَّة).
- عِوَز الخلايا التائيَّة.
- عِوَز كلٍّ من الخلايا البائيَّة والتائيَّة.
- اختلال البالعات.
- عِوَز المتمِّمة أو نقص المتمِّمة (بالإنجليزية: Complement deficiency).
- الاضطرابات مجهولة السبب.
تجدر الإشارة إلى أنَّه تم التوصُّل إلى وجود عامل خطر وحيد للإصابة باضطراب نقص المناعة الأوَّلي وهو وجود تاريخ عائلي للإصابة بهذا الاضطراب، ممَّا يزيد من خطر الإصابة به، لذا تجدر الإشارة إلى أنَّه يوصى بطلب المشورة الطبيَّة عند التخطيط لتكوين عائلة إذا كان لدى الفرد نوعاً من اضطراب نقص المناعة الأوَّلي.
عوامل تؤثر في المناعة
توجد العديد من العوامل المؤثِّرة في المناعة يطريقة سلبية، ويمكن ذكر أبرزها فيما يأتي:
- إدمان الكحول.
- التدخين.
- العادات الغذائيَّة غير الصحيَّة.
- خمول النشاط البدني.
- الخضوع إلى جراحة سابقة.
- الإصابة بصدمة.
- الظروف البيئيَّة المحيطة، مثل: ضوء الأشعَّة فوق البنفسجيَّة، والإشعاع، ونقص الأكسجين في أنسجة الجسم (بالإنجليزية: hypoxia)، والرحلات الفضائيَّة.
- الإصابة بالمتلازمات الجينيَّة، مثل متلازمة داون (بالإنجليزية: Down syndrome).