التلوث البيئي

ما هو التلوث الضوئي

التلوث الضوئي

يُعرَف التلوث الضوئي (بالإنجليزية: Light Pollution) بأنّه التلوث الناتج عن الاستخدام المفرط وغير المرغوب فيه للضوء الاصطناعي، وهو شكل من أشكال الطاقة الضائعة التي يُمكن أن تسبب العديد من التأثيرات الصحية والبيئية الضارة، كما يؤثر بشكل كبير على علماء الفلك، والمراقبين العاديين للسماء في الليل؛ لأنّه يقلل من رؤية النجوم والأجرام السماوية بشكل كبير نتيجة الإضاءة الموجهة نحو السماء، والتي تنبعث من المصابيح سيئة التصميم، أو المصابيح الكاشفة، حيث يتشتت هذا الضوء المنعكس بواسطة الجسيمات الصلبة في الغلاف الجوي ويعود إلى الأرض، مما يخفض قدرتهم على رؤية السماء بشكل جيد.

أنواع التلوث الضوئي

توهّج السماء

يتسبب الاستخدام الخاطئ للإضاءة الخارجية الاصطناعية بحدوث ظاهرة التلوث الضوئي، والذي يعود بالآثار السلبية على البيئة، ومن أشهر ظواهر التلوث الضوئي ما يُطلق عليه اسم توهج السماء (بالإنجليزية: Skyglow)، إذ تبعثر الأهباء الجوية (بالإنجليزية: Aerosols) كالضباب، والغيوم، وبعض الجزيئات الصغيرة المتطايرة كالملوثات الإضاءة الناتجة عن المصادر الاصطناعية والمنبعثة إلى أعلى الغلاف الجوي، وتُكوّن هذه الأجزاء المبعثرة وهجاً منتشراً يُمكن رؤيته من أماكن بعيدة، وعادة ما تكون هذه الظاهرة أكثر وضوحاً في المناطق الريفية عنها في المدن؛ وذلك بسبب الانعكاس الثانوي للضوء في هذه الأماكن، والذي تقارب نسبته حوالي 10% في المدن، وحوالي 50% في المناطق الريفية.

إقرأ أيضا:مراحل معالجة مياه البحر

التعدي الضوئي

يُقصد بالتعدي الضوئي (بالإنجليزية: Light Trespass) الإضاءة غير المرغوب فيها ليلاً، والتي تتسلل إلى داخل المنازل والمباني عبر النوافذ، وتُعدّ هذه الظاهرة من ظواهر التلوث الضوئي الشائعة التي قد تسبب العديد من المشاكل الصحية للإنسان، منها اضطرابات النوم نتيجة التعرض الشديد للضوء.

الوهج

تؤدي الإضاءة المبالغ بها ذات الواهج المرتفع ليلاً إلى إحداث حالة من التباين وعدم وضوح الرؤية، مما يُسبب الإزعاج للأشخاص، وفي بعض الحالات قد تؤدي إلى إصابة الإنسان بالعمى، ومن أكثر الأشخاص عرضة للتأثر بالوهج الضوئي (بالإنجليزية: Glare) كبار السن المصابون بمشاكل في العين، أو الأشخاص المصابون بمرض الساد أو إعتام عدسة العين (بالإنجليزية: Cataract)،[٢] ويُمكن تصنيف الوهج إلى عدة فئات هي:

  • الوهج المُسبب للعمى: (بالإنجليزية: Blinding Glare)، ويصف هذا النوع التاثيرات التي قد تصيب الإنسان نتيجة التحديق المستمر بالشمس والذي قد يصيب الإنسان بالعمى، وقد يترتب عليه عجز مؤقت أو دائم عن الرؤية.
  • الوهج المُعيق: (بالإنجليزية: Disability Glare)، ويصف الآثار المترتبة عند التعرّض للضوء كالإصابة بالعمى نتيجة النظر إلى إضاءة السيارات القادمة، ويصف الآثار الناتجة عن تبعثر الضوء في الضباب، كما يصف الأعراض المترتبة على انخفاض قدرة العين على تمييز التباين في الألوان، كالانعكاسات عن الآلة الطابعة ورؤية المناطق المظلمة منها وكأنّها مناطق مُشرقة، ويرافق ذلك انخفاض القدرة على الرؤية.
  • الوهج المُزعج: (بالإنجليزية: Discomfort Glare) يتسبب هذا النوع بشعور الإنسان بالانزعاج وعدم الراحة، وقد يؤدي إلى إصابته بالإجهاد إذا ما تعرض لمصدر الضوء لفترات طويلة، ولا ينتج عن هذه الفئة أيّ خطر حقيقي يُهدد البشر.

الفوضى الضوئية

يُشير مصطلح الفوضى الضوئية (بالإنجليزية: Clutter) إلى تجمعات مبالغ بها من الأضواء في مكان واحد، وهي ظاهرة قد تتسبب في إرباك الأشخاص وصرف انتباههم عن الأشياء الموجودة في طريقهم كأعمدة الإنارة مثلاً، ويكون تأثيرها أكثر وضوحاً على الشوارع، عندما تكون إضاءات الشوارع مُصممة بشكل سيئ، أو عندما تحتوي الطرق على الإعلانات الدعائية المحاطة بإضاءة ساطعة، وقد تؤدي هذه الظواهر إلى تشتيت انتباه السائقين، وربما وقوع الحوادث، ويُعدّ هذه الظاهرة ظاهرة شائعة في مجال الطيران، فعند إنارة الإضاءة الخاصة بسلامة الطيران (وتكون بإنارة أماكن عالية ليستطيع الطيار تحديد الارتفاعات ويتجنب الاصطدام) يجب التأكد من عدم وجود إضاءة أخرى قد تشتت انتباه الطيار عن رؤية الإضاءة المقصودة، فعلى سبيل المثال، قد يختلط على الطيار إضاءة مدرج المطار مع صف من الأضواء الخاصة بمحلات تجارية في منطقة معينة، كما قد يختلط عليه الإضاءة الخاصة بمنع تصادم الطائرات في المدرج مع أضواء الشوارع.

إقرأ أيضا:حماية الغابة

الإضاءة الزائدة

تُعرّف الإضاءة الزائدة أو الإفراط في الإضاءة (بالإنجليزية: Over-Illumination) على أنّها الاستخدام المفرط للإضاءة، وينطوي على ذلك استهلاك زائد للطاقة، وتأتي الإضاءة الزائدة نتيجة عدة سلوكيات، منها:

  • عدم استخدام المؤقتات، وأجهزة الاستشعار التي توضع على مفاتيح الإنارة وتتحكم في الإضاءة، وغيرها من أدوات التحكم لإطفاء الإضاءة وقت الحاجة.
  • التصميم السيئ لأماكن الإضاءة في أماكن العمل، بحيث يتمّ وضع العديد من مصابيح الإنارة في مساحة صغيرة.
  • الاختيار الخاطئ للمصابيح، والتي قد لا تكون موجهة بشكل صحيح إلى المساحة المُراد إنارتها.
  • الاختيار الخاطئ للعديد من الأدوات المنزلية التي تستهلك قدراً من الإضاءة أكثر من اللازم.
  • عدم شمولية برامج التدريب لوسائل استخدام مصادر الطاقة بكفاءة، والمعدّة لمديري المباني وسكانها.
  • عدم صيانة الإضاءة بشكل صحيح، والذي يؤدي في النهاية إلى استهلاك قدر أكبر من الطاقة، وزيادة تكلفتها.
  • استخدام الإضاءة الزائدة في وضح النهار من قِبَل السكان خوفاً من الجريمة، أو من قِبَل المحلات التجارية لجذب العملاء.
  • استبدال مصابيح الصوديوم أو مصابيح الهاليد (بالإنجليزية: Halide) بمصابيح الزئبق القديمة، وهي مصابيح ذات كفاءة أكبر من حيث الإضاءة، وتستهلك نفس القدر من الطاقة.

آثار التلوث الضوئي

يترتب على التلوث الضوئي عدد من الآثار السلبية، منها أنّها أحد مصادر إهدار الطاقة، وتحدث خللاً في النظم البيئية، وتوضح النقاط الآتية أثر التلوث الضوئي بشيء من التفصيل على كل من الإنسان، والحيوان، والنبات:

إقرأ أيضا:كيف نحافظ على البيئة عند إنشاء مصنع كبير

آثار التلوث الضوئي على الإنسان

يؤدي التلوث الضوئي إلى العديد من الآثار السلبية على الكائنات الحية والبيئة، ومن أهمّها:

  • اختفاء الظلام من السماء، وذلك لأنّ الأضواء الصادرة من المنازل والشركات تُصعد إلى السماء، وبالتالي يصبح من الصعب رؤية النجوم.
  • إهدار الكهرباء ومصادر الطاقة التي نحتاجها لإنشاء الطاقة الكهربائية.
  • الإضرار بصحة الإنسان بسبب التعرض للضوء الزائد في الليل.
  • حدوث اضطرابات في النوم.
  • التشويش على رؤية السائقين ليلاً بسبب الضوء الصادر من اللوحات الإعلانية والمصابيح في الشوارع، وبالتالي التسبب بالحوادث.
  • التأثير بشكل كبير على عمل علماء الفلك، وذلك بسبب التشويش على رؤية النجوم والمجرات ليلاً.

آثار التلوث الضوئي على الحيوان

يمتلك التلوث الضوئي عدداً من الآثار الضارة بالحيوانات، فهو يُعطل قدرة الحيوانات على التوجيه البصري -ويعني إدراك موقع الأشياء بالنسبة لبعضها البعض- ويعيق قدرتها على التنقل، ويُحفز بعض السلوكيات غير المعتادة لديها في وقت معين من اليوم أو خلال السنة، وقد لوحظ حصول الآثار السابقة على كل من: الحشرات، والسلمندر، والضفادع، والسلاحف، والطيور.

كما يُشكّل التلوث الضوئي تهديداً للعديد من الطيور، فهناك مئات الأنواع من الطيور المهاجرة ليلاً كالطيور المغردة، والطيور الساحلية تعتمد على الكوكبات النجمية أثناء هجرتها الموسمية، إذ تقلل ظاهرة التوهج الضوئي من وضوح هذه الكوكبات النجمية بالنسبة لها، كما قد تعيق الإضاءة الساطعة في المناطق الحضرية حاسة التوجيه لديها، وعادة ما تجذب أضواء المباني، والأبراج، والمنارات الطيور لتنحرف عن مساراتها الطبيعية، إذ تجذب الطيور إلى مصدر الإضاءة باعتباره مرجعاً لها لاعتقادها بأنّه هو أحد النجوم أو القمر، ولكن تكمن المشكلة في أنّه عندما تقترب الطيور فجأة من مصدر الإضاءة، يحدث لها إرباك وتفقد قدرتها على الرؤية لتصطدم بالنوافذ والجدران والأرضيات، وتشكل مصادر الضوء الثابت مشكلة أخرى، فعادة ما تتجمع الطيور وتحوم حول هذه الأضواء، وتبدأ في رحلتها نحو الضوء، وعندما تكتشف الطيور خطأها تحاول تعديل مسارها الخاطئ، الأمر الذي قد يؤدي إلى اصطدام الطيور ببعضها، وربما يسقط على الأرض نتيجة لتعرضها للإرهاق.

وهناك عدد من الآثار السلبية للأضواء الصناعية على إناث السلاحف الباحثة عن أماكن لبناء أعشاشها، وعلى صغار السلاحف التي تبحث عن طريقها نحو البحر، حيث تتأثر هذه الصغار بالتوهج الضوئي وبالإضاءة المباشرة، فالطريقة التي تتبعها صغار السلاحف البحرية للعثورعلى الماء قائمة على فكرة أنّ الأفق الليلي فوق البحر يبدو أكثر سطوعاً منه فوق اليابسة، أمّا بالنسبة للأسماك فإنّ انجذابها للإضاءة الصناعية تختلف من نوع إلى آخر، ولكن يظل لمصادر الضوء الصناعية أثرها في السلوك الطبيعي للأسماك، فقد أفادت العديد من الأبحاث القائمة على دراسة أثر الضوء في مزارع الأسماك وفي أعماق المياه بأنّ الأسماك تبتعد عن الضوء الأبيض، ومع ذلك فإنّ العديد منها ينجذب إلى مصادر الضوء، فيستفيد من ذلك صيادو الأسماك للإمساك بها.

آثار التلوث الضوئي على النبات

تُؤثر فترة الليل والظلام على عمليات التمثيل الغذائي، والتطور، وكافة الأنشطة التي تقوم بها النباتات، وعلى وجه الخصوص نباتات النهار القصير (بالإنجليزية: Short-day Plant)*، والتي تحتاج إلى ليل طويل مظلم حتى تنمو، وفي حال تعرّضت هذه النباتات إلى إضاءة اصطناعية لليلة واحدة، فهذا يعني أنّه قد مرّ عليها ليلان قصيران بدلاً من ليلة واحدة طويلة مع تأثرها ببعض الاضطرابات، وهذا الأمر يؤثر في أنماط الإزهار والتطور لدى النبات، فنباتات النهار القصير عادة ما تبدأ بالإزهار في فصل الخريف عندما يكون النهار قصيراً، ومع زيادة فترة الليل تدخل في طور السكون استعداداً لتحمل قسوة الشتاء.

تفيد العديد من الدراسات أنّ التلوث الضوئي حول البحيرات يمنع بعض العوالق الحيوانية مثل برغوث الماء (بالإنجليزية: Daphnia) من تناول الطحالب السطحية، ويؤدي نمو هذه الطحالب إلى قتل النباتات الأخرى التي تنمو في البحيرات وخفض جودة مياهها، وقد لاحظ علماء الحشرات وعلماء حرشفيات الأجنحة تأثر هذه الكائنات بالتلوث الضوئي، بحيث بدأت تقلّ قابليتها للتنقل في الليل، مما أثر في نمو النباتات التي تعتمد على التلقيح الليلي والذي يحدث عن طريق حشرات العث، مما قد يؤدي على المدى البعيد إلى انخفاض أعداد هذه النباتات بسبب عدم قدرتها على التكاثر بشكل الطبيعي، وبالتالي سيتغيّر النظام البيئي ككل في تلك المنطقة، وتتأثر الأشجار أيضاً بالتلوث الضوئي الذي يعيق استجابتها للتغيّرات الموسمية والتكيف معها، إذ يمنع الضوء الاصطناعي الأشجار من التخلص من أوراقها عند الحاجة إلى ذلك، ويعود هذا الأمر بالضرر على الحيوانات التي تتغذى على الأوراق الساقطة، كما يمنع التلوث الضوئي الطيور من بناء أعشاشها على الأشجار.

حلول لظاهرة التلوث الضوئي

يُمكن التقليل من ظاهرة التلوث الضوئي من خلال تعديل بعض السلوكيات أو اتباع سلوكيات أخرى جديدة، منها:

  • التقليل من الإضاءة المُستخدَمة، فالطريقة الأكثر وضوحاً والأرخص والأسهل هي البدء بإغلاق الأضواء غير الضرورية وغير المُستخدَمة، ولا داعي لإبقاء الإضاءة خارج المنازل مُنارة، إذ يعتقد بعض الأشخاص أنّه من الآمن تركها مفتوحة، ولكن هناك الكثير من البيانات المسجلة تُفيد أنّه لا علاقة بين إبقاء الإضاءة مشتعلة وانخفاض معدلات السرقة.
  • تغيير مصابيح الإضاءة الخارجية إلى أخرى ذات تصميم أفضل ووهج أقل، وحالياً تقوم الجمعية الدولية أو الاتحاد الدولي للسماء المظلمة (بالإنجليزية: International Dark-Sky Association) بدراسة العديد من المصابيح المختلفة وتحديد أيّها ذي وهج أقل وفعالية أكبر، لذا يُنصح بشراء المصابيح التي تحتوي على ختم الجمعية، أو أيّ جمعيات مماثلة لها نفس المواصفات.
  • استخدام مستشعرات الحركة للمصابيح الخارجية الأساسية، وهي أفضل من المصابيح دائمة الإضاءة، فهي تضيء فقط عند استشعار حركة بجانبها ولوقت محدود.
  • استبدال مصابيح (LEDs) أو المصابيح الفلورية المدمجة (CFLs) بالمصابيح التقليدية التي تستهلك قدراً كبيراً من الطاقة، وربما لن تكفي فاعلية هذه المصابيح بالتخلص من التوهج بشكل كامل، ولكنها قد تقلل من قيمة فاتورة الكهرباء، ومن انبعاثات الكربون من محطات الطاقة، ومن الممكن اللجوء إلى المصابيح التي تعمل بالطاقة الشمسية فهي رخيصة الثمن ولا حاجة لصرف الطاقة لتشغيلها.
  • استخدام الأغطية الخارجية التي توضع على المصابيح، والتي تعمل كحجاب خارجي لمصدر الضوء، لتقلل من الوهج الصادر عنه، وبالتالي تقلل من تأثير التعدي الضوئي.
  • إغلاق مصابيح الإضاءة غير اللازمة في المكاتب الفارغة ليلاً.
  • التخفيف من مصادر الإضاءة الزرقاء ليلاً؛ لأنّها تزيد من الوهج، وتزيد من فرصة تعرّض الإنسان للمشاكل الصحية، وتغيّر من سلوك الكائنات الحية، كما تزيد الإضاءة الزرقاء من التوهج السمائي؛ الذي يتنشر إلى مسافات جغرافية بعيدة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • نباتات النهار القصير: (بالإنجليزية: Short-day Plant) هي النباتات التي تزهر بعد تعرضها إلى الضوء لفترات زمنية قصيرة، كما في بداية الربيع والخريف.
السابق
إجراءات للحد من أخطار تلوث الهواء والماء
التالي
آثار تلوث التربة