مُثلّث برمودا
جدول المحتويات
تنتشرُ الحكايات أحياناً عن بعض الظواهر الغريبة على كوكب الأرض، فتثير الفضول لدى الناس لاسكتشاف ماهيّة الظاهرة، ولماذا يتمّ تسليط الكثير من الأضواء عليها، ومن الأماكن المشهورةِ التي تجذبُ مثل هذا الاهتمام “مثلث برمودا”، أو ما يُطلق عليه أيضاً اسمُ “مثلث الشّيطان” أو “مثلث الموت” أو “مقبرة الأشباح”، وهي منطقة شهيرة لها شكل مثلث متساوي الأضلاع مساحته نصفُ مليون كيلومتر مربع تقريباً.
يَقعُ هذا المثّلث في غرب المحيط الأطلسي ويجاور السواحل الجنوبيّة الشرقيّة لولاية فلوريدا في أمريكا، وبورتوريكو، وجزر البرمودا البريطانيّة. أمّا تسميته بهذا الأسماء المختلفة والتي ترتبط بالموت والخوف فيعودُ لمزاعم عن وقوع الكثير من الحوادث الغامضة والاختفاءات الغريبة لأشخاصٍ مرّوا عبرَ هذا المكان. تتمثَّلُ أبرز هذه الحوادث باختفاء مجموعة طائرات في عام 1945 أثناء تحليقها فوق المُثلّث، وبعدها انتشرت الحكايات حولَ هذا الموقع وخُطورته الشديدة المزعومة، وتُوجد حوالي خمسين سفينة وعشرين طائرة ادُّعي اختفاؤها أثناء مرورها من المثلث خلال القرن العشرين والقرن التاسع عشر.
موقع مثلث برمودا
مُثلَّث برمودا هو رُقعة افتراضيّة من مياه المُحيط تقع قبالة سواحل قارة أمريكا الشمالية، في أقصى شمال المُحيط الأطلسيّ. وفي الحقيقة فإنَّه لا يُوجد اتّفاقٌ فعليّ على مساحة مثلث برمودا أو مكانه أو شكله، فهو مُجرّد إقليم وهميّ، ليسَ مُحدَّداً بتضاريس جغرافيّة أو جيولوجيّة، لكن بصُورة عامّة الحُدود الأكثر قبولاً له هي عبارةٌ عن مثلث غير واضح، تقعُ رُؤوسه عند ثلاث نقاط، هي: ولاية فلوريدا الأمريكيّة، وجُزر الأنتيل الكبرى (وهي أرخبيل استوائي أهمّ جُزره هي كوبا)، وجُزر برمودا (وهي أرخبيل صغيرٌ يتبعُ إداريّاً لدولة بريطانيا).
إقرأ أيضا:ما هي أعلى درجات مقياس ريختر للزلازلوتمرُّ في الوقت الراهن آلاف السفن والطائرات عبر المثلث للتنقّل بين الولايات المتحدة وجُزر البحر الكاريبي، أو الانتقال عبر المُحيط الأطلسي، فالمثلث يقعُ في منطقة حيويّة للملاحة بشمال المُحيط الأطلسي، ولا تُوجد أيّ حوادث مُسجَّلة حديثاً للرحلات عبره.
ورُغم إجراء العديد من الدراسات العلميَّة، لم يتمَّ التوصّل إلى وُجود أسباب خاصَّة في منطقة مثلث برمودا تجعُلها خطرة أو مُختلفة عن باقي بقاع الأرض، إلا أنَّ العديد من النظريات غير العلمية ما زالت تُحاول تفسير حوادث الاختفاء المُسجَّلة تاريخياً في هذا المكان.
تاريخ حوادث مثلث برمودا
الحوادثُ الأولى
يُقال إن سفينة روزالي الفرنسيّة اختفت في عام 1840م عندما كانت تعبر المنطقة، وعندما تمّ إرسال فرق الإنقاذ لم يجدوا أثراً لأي من أفراد الطاقم الذين كانوا على متنها، أما السفينة فكانت سليمة وفارغة، ما عدا قفصٍ لطائر كناري وحيدٍ في داخلها.
ومن حوادث الاختفاء التاريخية المُبكّرة في المنطقة كانت سفينة إيلين أوستن الأمريكية (بالإنكليزية: Ellen Austin)، والتي أبحرت واختفت في 20 يوليو عام 1860، وادُّعِيَ أنها عاودت الظهور عدَّة مرات وهي خالية من الركّاب، أو كان على متنها طاقمٌ جديد غير طاقمها الأصليّ، إلا أنَّ السجلات الرسمية للسفينة لا تُثبت وقوع أيّ حادثة اختفاءٍ عليها.
حادثة السرب 19
وقعت واحدةٌ من أشهر حوادث الاختفاء في مُثلث برمودا عام 1945م، حيث اختفت خمس طائرات حربيّة أمريكيّة، وقد كان الطيّار القائدُ للسّرب – قبل اختفائه بفترة قليلة – قد بعثَ رسائل تحذيريّة تشير إلى تعطّل في البوصلة وحدوث اختلالات في أجهزة الطيران، وأعلنَ أنَّه ضلَّ طريقه. لقد كان سربُ الطيران الذي اختفى في الحادثة، والمشهورُ باسم “السرب رقم 19” في مهمَّة تدريب ميداني تابعةٍ للقوات الجوية الأمريكيّة، حلَّقت الطائراتُ الخمس في صباح الخامس من ديسمبر (أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بأشهُر)، وكانت تحملُ على متنها 14 طيَّاراً مهمّتهم أن يتدرَّبُوا على كيفية قذف القنابل المُتفجّرة، وخُطّط أن تُقلع الطائرات الخمسُ من مطارٍ عسكري في جزر البهاما وتُحلِّق عبر المُحيط لولاية فلوريدا الأمريكية، ومن ثمَّ كان عليها العودة مُجدَّداً.
إقرأ أيضا:كيف يتكون الإعصاروصلت الطائراتُ بسلام إلى فلوريدا، ومن ثمَّ عبأت الوقود وعاودت الإقلاع لترجع إلى البهاما. وكانت قد مضت تسعُون دقيقة تقريباً على أوَّل إقلاعٍ لها، عندما بعث قائدُ السّرب بإرسالٍ يقولُ فيه إنَه لم يعُد قادراً على تحديد مكانه واتجاهه، وخلال فترةٍ قصيرةٍ من الإرسال وقعت عاصفة غير مُتوقّعة جعلت الظّروف الجويّة والملاحية سيّئة جداً، وأرشدَ قائد السرب واسمه تشارلز تايلور الطيَّارين المُرافقين له نحوَ مكانٍ في وسط المحيط، وما حدث بعد ذلك غير معلومٍ بدقّة لعدم العثور على الحُطام أو الجثث، لكنَّ الاحتمال الافتراضي أنَّ وقود الطائرات قد نفد، وأنَّها سقطت وتحطَّمت في مياه البحر.
الأدهى من ذلك أنَّه بعد اختفاء السرب مُباشرة، أُرسلت طائرتان استطلاعيَّتان من طراز مارينر (بالإنكليزية: PBM Mariner) للبحث عن الطائرات الضالَّة، ولكن أثناء عمليَّة البحث اختفت إحدى الطائرتين، وعُثر لاحقاً على بقايا وقودٍ في البحر وسجَّلَ شهودٌ ما بدا وكأنَّه حادثة سُقوط طائرة في البحر، ولم يُعثر على الطائرة الاستطلاعية أبداً، وفُقد على متنها 13 رجلاً آخرين، وقد كُرّست للبحث عن تلك الطائرات واحدةٌ من أكبر عمليات الإنقاذ في التاريخ، إذ شاركتْ فيها 248 طائرة في الجوّ و18 سفينة في البحر، لكن لم يُعثر على شيءٍ قطّ.
النظريّات
على مرّ القرنين العشرين والتاسع عشر أي خلال المئتي سنة الماضية تقريباً تمَّ تسجيلُ حوالي سبعين حادثة اختفاءٍ في منطقة مثلث برمودا، تعودُ خمسون منها لطائرات كانت تُحلّق جواً، وعشرون لسُفن كانت تُبحر عبر المحيط، وقد حاولَ بعضُ العلماء وضع نظريّات بسيطةٍ لتفسير تلك الحوادث، إلا أنَّ النظريات العلمية لا تخرجُ عن نطاق العوامل الطبيعية، مثلَ عوامل الطقس والأخطاء البشرية وما إلى ذلك، وأما ما عداها فهو أقربُ إلى المزاعم وراء الطبيعية التي لا سبيلَ لإثباتها.
إقرأ أيضا:أكبر زلزال في العالمتُشير تقارير بعض الطيارين الذين حلَّقُوا عبر المثلث في عام 1970 إلى أنَّ بوصلاتهم وأجهزة التتبّع المغناطيسي كانت تتعرَّضُ لنوعٍ من التشويش أثناء مُرورهم من مثلث برمودا. وتُشير العديد من القصص الأخرى عن المُثلث إلى الظاهرة نفسها، وهي انحرافُ البوصلة عن مسارها الأصلي، وتذهبُ بعض القصص إلى أنَّ البُوصلات كانت تتحوَّل لتُشير إلى الشمال الحقيقي (القطب الشمالي للأرض) عوضاً عن الشمال المغناطيسي (وهو القطب الشمالي لغلاف الأرض المغناطيسي، وهو ينحرفُ بزاوية بسيطة عن القطب الشمالي). ولو كان هذا الأمرُ حقيقياً فقد يُفسّر انحرافَ الطائرات والسفن عن مساراتها الصَّحيحة. إلا أنَّ الدراسات العلميَّة تُثبت عدم صحَّة هذه النظرية، فالمجال المغناطيسي في منطقة برمودا عاديّ جداً، ولو كانت السفن والطائرات تضلّ طريقها فيه فإنَّ السبب هو أخطاء ملاحية بشرية.
تميلُ نظريات أخرى إلى أنَّ منطقة برمودا تخضعُ للكثير من التقلّبات الجوية مُقارنة بغيرها، فمن المُعتاد أن تضربها عواصفُ قصيرة عنيفة جداً تتكوَّنُ بشكل مُفاجئ، بحيث لا تعطي دوائر الأرصاد الفُرصة لتحذير الطائرات والسفن من الإقلاع، كما أنَّ فيها الكثير من الدوَّامات المائية القادرة على تدمير السّفن بسهُولة نسبياً، كما أنَّ الزلازل شائعةٌ نسبياً في قاع المُحيط بمثلث برمودا، ممَّا قد يُسبّب اضطرابات في مياه البحر. وأما تضاريسُ المنطقة فهي تتمثَّلُ بالكثير من الأخاديد العميقة جداً، والتي تصلُ إلى عدّة كيلومترات تحت مستوى سطح البحر، ممَّا يجعلُ استرجاع حطام السفن والطائرات شبهَ مُستحيل. وأخيراً تُشير بعض النظريات إلى أنَّ قراصنة البحر الكاريبي والأطلطني قد يكونون عاملاً في بعض حوادث الاختفاء قديماً.