أسباب تغيّر المناخ
تشكّل ظاهرة تغيّر المناخ تهديداً على مستوى العالم؛ لما لها من آثار كبيرة وواسعة النطاق، فعلى الرغم من أنّ كوكب الأرض تعرّض لتغيّرات طبيعية في درجات الحرارة على مدى عشرات الآلاف من السنين، إلّا أنّ معدّل الارتفاع الحالي في متوسّط درجة حرارة سطحه غير مسبوق، إذ تساهم هذه الطاقة الحرارية الزائدة في الكثير من التغييرات على الكوكب، منها: التغيّر في الأنماط المناخية ونسبة هطول الأمطار، ممّا يهدّد إنتاج الغذاء، إلى جانب تغيّرات في دورة حياة ومواطن العديد من النباتات والحيوانات، وارتفاع مستوى مياه البحار، الأمر الذي يزيد من خطر حدوث الفيضانات، كما يمكن أن يتسبّب الاحترار الحالي أو المستمرّ في تغييرات غير متوقّعة، بحيث يجد العديد من الكائنات الحية بما فيهم البشر صعوبة في التكيّف معها.
أسباب بشرية
تعدّ الأنشطة البشرية السبب الرئيسي لتغيّر المناخ وزيادة درجة حرارة الأرض على مدى الخمسين سنة الماضية، إذ أدّت الأنشطة الصناعية التي تعتمد عليها طبيعة الحياة الجديدة إلى رفع مستويات غازات الدفيئة -مثل: غاز ثاني أكسيد الكربون، والميثان، وأكسيد النيتروجين – في الغلاف الجوي بشكل كبير جداً، فقد بدأ الإنسان منذ بداية الثورة الصناعية بحرق كميات متزايدة من الوقود الأحفوري، ممّا أدّى إلى تراكم غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) في الجوّ، والذي ينتج من عملية الحرق التي تحدث بين الكربون والأكسجين في الهواء، بالإضافة إلى قطع الإنسان للأشجار، وتحويله لمساحات شاسعة من أراضي الغابات إلى أراضٍ زراعية، والعديد من الأنشطة الأخرى التي أدّت إلى الاحتباس الحراري، وفيما يأتي بعض أهمّ الأنشطة البشرية المسبّبة لتغيّر المناخ:
إقرأ أيضا:أجمل ما في الطبيعةإزالة الغابات
تعدّ إزالة الغابات (بالإنجليزية: Deforestation) أحد الأسباب البشرية الرئيسية لتغيّر المناخ، إذ يزيل الإنسان الأشجار في معظم الغابات لخلق مساحة للزراعة، وإنشاء المباني، وغير ذلك من الأنشطة، ممّا يساهم في حدوث الاحتباس الحراري، فالأشجار تستهلك غاز ثاني أكسيد الكربون في عملية البناء الضوئي، كما تخزّن الفائض منه لدعم نموّها وتطوّرها، وعند قطعها ينبعث ثاني أكسيد الكربون المخزّن فيها ليتراكم في الغلاف الجوي، بالإضافة إلى أنّ إزالة الغابات يؤثّر على أنماط هطول الأمطار على مستوى العالم، فللأشجار دور في منع حدوث الفيضانات والجفاف من خلال تنظيم هطول الأمطار، كما تساهم إزالة الغابات أيضاً في تغيّر طبيعة سطح الأرض، فتصبح مكشوفة أكثر لأشعة الشمس، ممّا يؤدّي إلى زيادة في امتصاص سطح الأرض للطاقة الحرارية، وهذا بدوره يسبّب الاحترار العالمي.
الزراعة
تعدّ الزراعة (بالإنجليزية: Agriculture) أحد أهمّ الأسباب البشرية لتغيّر المناخ، وذلك بسبب ما يتمّ فيها من إزالة الغابات لغاية استغلال أراضيها وتحويلها إلى أراضٍ زراعية، إلى جانب الممارسات الزراعية الحديثة – مثل اللجوء إلى الأسمدة الصناعية، واستخدام الآلات لتكثيف الإنتاج الزراعي – التي تعدّ من العوامل المساهمة بشكل كبير في زيادة انبعاث غازات الدفيئة، وحدوث الاحتباس الحراري، وتغيّر المناخ، عدا عن الكميات الكبيرة من الغازات التي تُطلق خلال المراحل المتعدّدة المتعلّقة بإنتاج الغذاء، والتي تشمل التحضير، والتخزين، والمعالجة، والتغليف، والنقل، أمّا في مجال تربية الماشية فينتج غاز الميثان من أجساد بعض الحيوانات بسبب عملية التخمّر المعوي التي تحدث أثناء هضم الطعام، بالإضافة إلى الانبعاثات الكبيرة لهذا الغاز من حقول زراعة الأرز، ويجدر بالذكر أنّ النفايات الكيميائية التي تنتج عن بعض الممارسات الزراعية تساهم في تغيّر المناخ من خلال ما تتسبّب به من فقدان التنوّع الحيوي، وتسريع تآكل التربة، وزيادة حموضة مياه المحيطات.
إقرأ أيضا:من أين يستخرج اللؤلؤالتصنيع
ترتبط الثورة الصناعية وأنشطة التصنيع المختلفة (بالإنجليزية: Industrialization) بالآثار البيئية الضارّة التي تسبّب التغيّرات المناخية، إذ أدّت الابتكارات التكنولوجية الحديثة إلى استبدال العمالة البشرية بآلات تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، ومع زيادة التصنيع ازداد استخدام الوقود، ممّا نتج عنه الكثير من الانبعاثات المباشرة وغير المباشرة لغازات الدفيئة، وقد رافق نموّ الأنشطة الصناعية انتقال الناس إلى المناطق الحضرية بحثاً عن عمل، ممّا ساهم في اكتظاظ السكان، وزيادة التلوّث، بالإضافة إلى ما تسبّب به التوسّع العمراني الهائل من إزالة الغابات، وبالتالي زيادة تراكم غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وحدوث الاحتباس الحراري، وتغيّر المناخ.
أسباب طبيعية
مرّ كوكب الأرض قبل وقت طويل من وجود البشر بتغيّرات مناخية طبيعية، ولكن تشير الدراسات إلى أنّ الاحترار المناخي الحالي لا يمكن أن يُعزى للأسباب الطبيعية وحدها، فتأثيرها ضئيل جداً ولا يفسّر الاحترار السريع الذي تشهده الأرض في العقود الأخيرة، أي أنّ السبب الرئيسي لتغيّر المناخ هو الأنشطة البشرية، وما ينتج عنها من انبعاثات غازات الدفيئة، ومع ذلك فهناك العديد من الأسباب الطبيعية التي تؤدّي أيضاً إلى تغيّر المناخ، مثل التأثيرات والدورات الطبيعية التي تمرّ بها الأرض، وفيما يأتي بعض منها:
- الإشعاع الشمسي: (Solar Irradiance)، أثّرت الطاقة المتغيّرة من الشمس في الماضي على درجة حرارة الأرض، ولكنّها لم تكن كافية لتغيير المناخ، فأي زيادة في الطاقة الشمسية ترفع من حرارة الغلاف الجوي للأرض، ولكنّها تتسبّب باحترار الطبقة السفلية منه فقط.
- الانفجارات البركانية: (Volcanic Eruptions)، تطلق البراكين بعض الغازات الدفيئة مثل غاز ثاني أكسيد الكربون، ولكن كميته تكون أقلّ بخمسين مرّة من الكمية التي تنتجها الأنشطة البشرية، ولذلك لا تعدّ البراكين السبب الرئيسي للاحتباس الحراري، وفي المقابل قد يكون لها تأثيراً مختلفاً على مناخ الأرض، فالجزيئات الصغيرة المسمّاة بجزيئات الهباء الجوي (Aerosol Particles) التي تُطلقها البراكين تساهم في تبريد الأرض، ولذلك يعدّ التأثير السائد للانفجارات البركانية هو التبريد وليس الاحترار.
- دورات ميلانكوفيتش: (Milankovitch cycles)، هي التغيّرات القليلة التي تحصل لميلان محور كوكب الأرض ومساره أثناء دورانه حول الشمس، إذ تؤثّر هذه التغييرات على كمية ضوء الشمس الساقط على الأرض، ممّا يتسبّب في تغيير درجة حرارة الأرض، إلّا أنّ هذه الدورات تحدث على مدى عشرات أو مئات الآلاف من السنين، ومن غير المحتمل أن تكون المسبّب للتغيّرات الكبيرة التي نشهدها اليوم في مناخ الأرض.
- ظاهرة التذبذب الجنوبي: (ENSO)، هي دورة مناخية تحدث بسبب النمط المتغيّر لدرجة حرارة المياه في المحيط الهادئ، وتُعرف مرحلة الزيادة في درجة حرارة البحر بالنينو (El Niño)، بينما تُعرف مرحلة التبريد بالنينا (La Niña)، ويكون تأثير هذه الأنماط على درجة الحرارة العالمية لفترة قصيرة من الوقت، أي لأشهر أو سنوات، ولا تفسّر الاحترار المستمرّ الذي يحدث اليوم.
أبرز الغازات المسبّبة لتغيّر المناخ
يبيّن ما يأتي بعض من أهمّ الغازات التي تساهم في ظاهرة الاحتباس الحراري وتغيّر المناخ:
إقرأ أيضا:أين توجد الشعاب في الطبيعة- بخار الماء: (Water vapor)، يعدّ بخار الماء من أكثر الغازات الدفيئة وفرة، ويتميّز أنّه يزداد مع ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي للأرض، وبالتالي تزداد احتمالية حدوث السحب وهطول الأمطار، ممّا يجعلها إحدى النتائج المباشرة لتأثير الاحتباس الحراري.
- ثاني أكسيد الكربون: (Carbon dioxide)، يُطلق غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي من خلال العمليات الطبيعية؛ مثل التنفّس، وثوران البراكين، أو بفعل الأنشطة البشرية؛ مثل إزالة الغابات، وحرق الوقود الأحفوري، فقد تسبّب الإنسان بزيادة تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بنسبة 47%، ممّا تسبّب بتغيير طويل الأمد على المناخ.
- الميثان: (Methane)، هو غاز هيدروكربوني ينتج من المصادر الطبيعية، والأنشطة البشرية، مثل تحلّل النفايات، كما ينتج من الزراعة، أو من عملية هضم الطعام الذي تقوم به الحيوانات المجترّة، أو تحلّل المخلفات العضوية للحيوانات، ويعدّ الميثان أكثر تأثيراً كغاز دفيئة من ثاني أكسيد الكربون، ولكنّه يتوفّر بتركيز أقلّ في الغلاف الجوي.
- أكسيد النيتروجين: (Nitrous oxide)، ينتج أكسيد النيتروجين من بعض الممارسات، مثل استخدام الأسمدة الصناعية والعضوية في الزراعة، واحتراق الوقود الأحفوري، وعملية إنتاج حمض النيتريك، وغيرها من المصادر، ويُعرف أكسيد النيتروجين بتأثيره القوي كأحد الغازات الدفيئة.
- مركّبات الكلوروفلوروكربون: (Chlorofluorocarbons)، هي مركّبات اصطناعية تستخدم في العديد من التطبيقات، وقد مُنع وتحدّد إنتاجها وإطلاقها للغلاف الجوي بموجب اتّفاقية دولية؛ لما لها من تأثير مدمّر على طبقة الأوزون، ولأنّها أيضاً من الغازات الدفيئة.