قصص دينية

محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله

محمد بن عبد الله بن عبد المُطّلِب بن هاشم، (عام الفيل – 11 هـ) نبي الإسلام، وخاتم النبيين، وأحد الأنبياء أولي العزم، ويُعدّ القرآن الكريم معجزته التي تحدّى بها الأمم والشعوب، مُركّزاً دعوته على التوحيد ومكارم الأخلاق وتنظيم حياة الإنسان، ويذكر التاريخ بأنه (ص) ظهر كحاكم مقنّن ومُصلح اجتماعي وقائد عسكريّ في الوقت نفسه.

كانت ولادته في مجتمعٍ اتّسم بـالشرك وعبادة الأصنام، ولكنه لم يعبد صنماً قط، ولم يشرك بـالله شيئا، وقد بعثه الله وهو في الأربعين من عمره. واجه مع أصحابه أقسى أنواع التعذيب والتنكيل والتهجير والنهب. وحينما بلغ عمر الدعوة الإسلامية ثلاثة عشر عاماً هاجر من مكة إلى يثرب -والتي سمّيت بـمدينة النبي لاحقاً- فكانت هجرته هذه منطلقاً لتاريخ جديد وانعطافة كبرى في حياة الرسالة الإسلامية، حيث انتقل الصراع بعدها ما بين المشركين والمؤمنين إلى المواجهة العسكرية والصدامات المسلحة التي انتهت بانتصار معسكر الإسلام.

الجهود الحثيثة التي بذلها رسول الله (ص) بمؤازرة أصحابه من المهاجرين والأنصار كان لها الأثر الكبير في تحويل المجتمع الجاهلي إلى مجتمع توحيدي. ولم يكن النبي الأكرم (ص) ذا أثر في المجتمع الذي عاصره وحسب، بل ترك حيّزاً كبيراً في المجتمعات الأخرى وعلى مرّ العصور أيضاً.

وبناء على حديث الثقلين فقد أكد النبي (ص) على المسلمين بالتمسك بالقرآن وعترته، حيث إنهما لن يفترقا، كما وقد أكّد مراراً على كون الإمام علي (ع) خليفته بعد رحيله مباشرة؛ لكي لا تتوقف المسيرة التي ابتدأت بـبَعثه.

تزوج النبي (ص) من خديجة وهو في الخامس والعشرين من عمره، وبعد وفاتها تزوج من نساء أخرى، وکان أولاده من خدیجة ومارية فقط، وتوفي جمیعهم في حيات النبي غير فاطمة (ع).

إقرأ أيضا:قصة النبي سليمان مختصرة

موجز عنه

هو مُـحمّـد بن عبد الله بن عبدالمطّلب بن هاشم بن عبد مَناف بن قُصَيّ بن كلاب بن مُرّة بن كَعب بن لُؤيّ بن غالب بن فِهر (قريش) بن مالك بن نَضر بن كنانة بن خُزَيمة بن مُدركة بن الياس بن مضر بن نِزار بن مَعَدّ بن عدنان.

أمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب. ولمّا بلغ السادسة وثلاثة أشهر من عمره وقيل الرابعة من عمره، رافق أمّه آمنة في رحلته إلى يثرب (المدينة) لزيارة أخواله من بني عدي بن النجار، وفي مسير عودتهم إلی مكة توفيت آمنة في منزل الأبواء، ودفنت هناك.

وقد أجمعت الشيعة -كما ذكر ذلك العلامة المجلسي- على إيمان أمّه آمنة وأبيه عبد الله وأجداده إلى آدم (ع)، وكذلك على إيمان عمه أبي طالب. يكنّى بـأبي القاسم وأبي إبراهيم. ومن ألقابه: الحليم، والمختار، والأمين، والميمون، وأحمد، وحبيب الله، وصفي الله، ونعمة الله، وعبد الله، وخيرة الله، وخلق الله، وسيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين.

رسالته

بُعث محمد (ص) في الأربعين من عمره للرسالة، وكان النبي يمتلك فطرة طاهرة، وكانت الفئات الحاكمة في مكة حينها ملتهية بعبادة الأصنام، مما جعله يميل إلى العزلة والاعتكاف والعبادة في جبال مكة المكرمة، وكانت عبادته تمتد على مدى شهر، ومن ثم يرجع (ص) إلى مكة. وكما ورد أن إسرافيل وكّل به ثلاث سنين وجبرائيل عشرين سنة، وذلك قبل البعثة هيّأت له الأرضية المناسبة لتلقي الوحي.

كان (ص) متواصل الأحزان، دائم الفكر ليس له راحة، طويل الصمت لا يتكلم في غير حاجة، يفتتح الكلام ويختتمه بأشداقه، يتكلم بجوامع الكلم فصلاً لا فضول فيه ولا تقصير، دمثاً ليس بالجافي ولا بالمهين، يعظم عنده النعمة وإن دقت، لا يذم منها شيئاً غير أنه كان لا يذم ذواقاً ولا يمدحه، ولا تغضيه الدنيا وما كان لها، فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد، ولم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له، إذا أشار أشار بكفه كلّها، وإذا تعجب قلبها، وإذا تحدث اتصل بها فضرب راحته اليمنى باطن إبهامه اليسرى، وإذا غضب أعرض وانشاح، وإذا غضب غض طرفه جل ضحكه التبسم، يفتر عن مثل حب الغمام.

إقرأ أيضا:ما هي قصة ذي القرنين

مرحلة الطفولة والشباب

لم تذكر لنا المصادر التاريخية السنة التي ولد فيها النبي الأكرم (ص) بالتحديد، غير أنّ ابن هشام وغيره من المؤرخين ذكروا أنّ ولادته كانت في العام الذي هجم فيه أبرهة الحبشي على الكعبة والمعروف بـعام الفيل. ولكن هذا التحديد العام لا ينفع إلاّ من عاصروا الحادثة وعاشوها وعرفوا زمانها بالتحديد، وعليه لا يمكن تحديد تاريخ دقيق لولادته (ص) ، وإن كان المستفاد من ضم تاريخ وفاته 632 م ـ حسب المصادر التاريخية ـ إلى الثلاث والستين سنة التي عاشها، فيكون حاصل طرح الرقم الثاني من الأول 570 أو 569 ميلادية.

والمشهور بين الشيعة أنّ ولادته كانت في السابع عشر من ربيع الأول فيما ذهب مشهور أهل السنة إلى القول بأنّ ولادته كانت في الثاني عشر من ربيع الأول.

طفولته

هناك الكثير من المصادر التاريخية التي تطرقت إلى فترة طفولة النبي، لكن لم يتحدث القرآن الكريم عن طفولته إلاّ بالنزر اليسير التي من ضمنها إشارته إلى حالة اليتم التي عاشها (ص).

لمّا شبَّ عبد الله، زوّجه والدُه عبد المطلب بـآمنة بنت وهب من بني زهرة، ولم تمض إلاّ مدة يسيرة حتى حملت آمنة بسيّد البريّة النبي محمد (ص). وبعد فترة سافر عبد الله في رحلة تجارية إلى الشام. فلما بلغ مدينة يثرب توفاه الله تعالى، فولد النبي (ص) يتيماً. ومنهم من ذهب إلى القول بأنه (ص) ولد إبّان حياة أبية.

إقرأ أيضا:قصة الزبير بن العوام

وحيث كان من عادة المكيين أن يطلبوا لأبنائهم مراضع من أهل البادية فقد اتخذ جدّه عبد المطلب – الذي تكفل بالنبي بعد وفاة أبيه – امرأة عربية لتكون مرضعةً ومربيةً له. تلك هي حليمة السعدية. ودرج الطفل في أحضان بني سعد فترة. ولما بلغ السادسة من عمره، رافق أمه آمنة في سفرها إلى المدينة، وحينما قفلوا راجعين توفيت آمنة في منزل الأبواء تاركة ابنها الوحيد يتيم الأبوين.

ولما بلغ الثامنة توفّي عبد المطلب جدّ النبي (ص) وكفيله، وترك كفالة محمد (ص) إلى عمّه أبي طالب (ع). فكان أبو طالب (ع) بمثابة والدٍ حنون يرى في رعاية ابن أخيه إطاعةً لأمر أبيه عبد المطلب، وعملاً بوظيفته الإنسانية، تساعده في ذلك تلك المرأة الجليلة فاطمة بنت أسد التي قال (ص) يوم وفاتها: «اليوم ماتت أمِّي، تجيع أولادها وتطعمني وتشعثهم وتدهنني، وما أحسست باليتم منذ أن التجأت إليها. وشهد جنازتها فصلَّى عليها وكفَّنها قميصه ليدرأ عنها هوامَّ القبر، ونزل في قبرها لتأمن ضغطته».

رحلته الأولى إلى الشام

ذكر المؤرخون أنّه (ص) سافر مع عمّه أبي طالب (ع) حينما كان صغيراً وبالقرب من مدينة بصرى القديمة، وكانت تقوم صومعة يسكن فيها عابدٌ مسيحيّ اسمه بُحيرا وحينما وصلت قريش إلى رحاب الصومعة، قال بحيرا لعمّه أبي طالب (ع): «إنه كائن لابن أخيك هذا شأنٌ عظيمٌ، نجده في كتبنا وما روينا عن آبائنا، هذا سيّدُ العالمين، هذا رسولُ رب العالمين، يبعثه رحمة للعالمين. إحذر عليه اليهود لئن رأوه وعرفوا منه ما أعرف ليقصدنّ قتله».

روي أنّ بحيرا الراهب قال للنبي (ص): «يا غلام أسألك بحق اللات والعزى إلاّ أخبرتني عما اسألك، فقال رسول الله (ص): لا تسألنِي باللات والعُزّى فوالله ما أبغضتُ شيئاً بغضهُما».

شبابه

حلف الفضول

من الحوادث التاريخية المهمة التي عاصرها النبي الأكرم (ص) قبل زواجه وعاش أحداثها هي مشاركته (ص) في حلف يسمى بـ حلف الفضول حيث كان عمره الشريف آنذاك عشرين سنة، فقد اجتمع بنو هاشم، وزهرة، وتيم، وعاهدوا الله المنتقم الجبار أن يكونوا مع المظلوم، حتى يأخذوا حقّه ممن ظلمه. وكان (ص) يعتز كثيراً بهذا الحدث التاريخي المهم حتى قال فيه: «ما أحب أن يكون لي بحلف حضرته في دار ابن جَدْعان حُمُر النعم».

نصب الحجر الأسود

من الحوادث المشهورة التي عاشها النبي الأكرم (ص) قبل البعثة قضية بناء الكعبة واختلاف سادة قريش في وضع الحجر الأسود، وذلك: إن قريشاً في الجاهلية هدموا البيت، وإنّما هدموها؛ لأن السيل كان يأتيهم من أعالي الجبال المحيطة بمكة، فيدخلها فانصدعت، وكان ذلك قبل مبعث النبي (ص) بخمس سنین… فلمّا بلغ البناء إلى موضع الحجر الأسود، اختلفت قريش وتشاجرت في وضعه، أيّهم يضع الحجر الأسود في موضعه، فكل قبيلة تقول: نحن أولى به، ونحن نضعه، حتى كاد الشر أن يقع بينهم، وأخيراّ اتفقوا وتراضوا بتحكيم وقضاء أوّل داخل عليهم من باب بني شيبة، فأطلّ النبي (ص) ودخل عليهم. فقالوا جميعاً:هذا الأمين قد جاء فحكّموه، فأخبروه بخبرهم وطلبوا منه أن يحكم بينهم، فتقدم (ص) وبسط رداءه على الأرض، ووضع الحجر فيه ثم قال: «يأتي من كلّ ربع من قريش رجل». فرفعوا جميعا الرداء الذي فيه الحجر إلى مستوى موضعه، ثم تناول (ص) الحجر بيده ووضعه في موضعه.

زواجه وأولاده

تزوج النبي محمد من خديجة وهو في الخامسة والعشرين من عمره، وعاش معها 25 عاماً، حيث توفيت خديجة في السنة العاشرة للبعثة. وبعدها تزوج النبي من عدة زوجات هنّ: سودة، وعائشة، وحفصة، وزينب بنت خزيمة، وأم حبيبة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وجويرية، وصفية، وميمونة، ومارية القبطية.

أولاده

أولاد النبي محمد (ص)   
القاسم (وفاة: قبل البعثة)
عبدالله (وفاة: قبل الهجرة)
رقية (وفاة: 2 هـ)
زینب (وفاة: 8 هـ)
أم کلثوم (وفاة: 9 هـ)
إبراهیم (8 هـ – 10هـ)
فاطمة (5 للبعثة – 11 هـ)

ولد له من خديجة: القاسم وعبد الله وهما الطّاهر والطيّب، وأربع بنات، زينب ورقيّة وأُمّ كلثوم وهي آمنة وفاطمة (ع) وهي اُمّ أبيها، ولم يكن له ولد من غيرها إلاّ إبراهيم من مارية القبطية ولد بعالية. ويقال: ولد بالمدينة سنة 8 هـ ومات بها، وله سنة وعشرة أشهر وقبره بـالبقيع.

ولم يبق من أولاده سوى فاطمة (ع) التي كانت ذرية رسول الله (ص) منها. أمّا زينب فقد توفيت في السنة 8هـ في المدينة، وتوفيت رقية في سنة 2 هـ في المدينة أيضاً، فيما توفيت أمّ كلثوم في سنة 9 هـ في المدينة، وتوفي عبد الله بعد البعثة مباشرة في مكة المكرمة.

مبعثه

ذهب مشهور الشيعة الإمامية إلى القول بأنّ بعثته (ص) كانت في 27 رجب.

وكان رسول الله (ص) قبل البعثة يخلو بـغار حراء يتحنث فيمكث فيه شهراً من كلّ سنة يطعم من جاءه من المساكين، فإذا قضى رسول الله جواره من شهره ذلك كان أول ما يبدأ به إذا انصرف من جواره الكعبة، قبل أن يدخل بيته، فيطوفُ به سبعاً أو ما شاء الله من ذلك، ثم يرجع إلى بيته.

حتى إذا كان الشهر الذي أراد الله تعالى به فيه ما أراد من كرامته من السنة التي بعثه الله تعالى فيها، خرج رسول الله (ص) إلى حراء كما كان يخرج لجواره حتى إذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته جاءه جبرئيل بأمر الله تعالى، فقال له: «إقرأ». فقال له: «ما أنا بقارئ»، فقال جبرائيل:﴿إقْرَ‌أْ بِاسْمِ رَ‌بِّكَ الَّذِي خَلَقَ

وكان ذلك حسب مشهور المؤرخين في الأربعين من عمره الشريف. فعاد (ص) إلى البيت من ليلته وكان في البيت هو وخديجة وعلي بن أبي طالب (ع) وزيد بن حارثة. فدعاهم إلى التوحيد والإيمان به فكان أوّل المؤمنين به زوجته خديجة ومن الرجال ابن عمّه علي بن أبي طالب (ع). وذكرت بعض المصادر أن أوّل من آمن من الرجال أبو بكر وزيد بن حارثة. ورغم محدودية الدعوة في السنين الأولى إلاّ أن المؤمنين برسالته كانوا في اطراد حتى اضطروا للخروج خارج شعاب مكة لأداء الصلاة هناك.

الدعوة العلنية

ذهب بعض الباحثين والمؤرخين إلى القول بأنّ الدعوة السرية استمرت ثلاث سنين أعلن بعدها عن بدء الإجهار بالدعوة والإعلان عنها، فيما رفض فريق آخر من الباحثين ذلك مدعياً أن الإجهار بالدعوة والإعلان عنها تمّ بعد بدء البعثة مباشرة وبفترة قصيرة. وكان أوّل شيءٍ شرع به الرسول (ص) الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك بشتّى أنواعه، ثمّ شرّع لهم الصلاة ركعتين للمسافر والحاضرين معاً وبعد فترة اختص الحكم بالمسافرين فيما أصبح واجب الحاضرين الصلاة أربعة ركعات، وكان المسلمون يتخفّون عن أعين المشركين أثناء أدائهم للصلاة، ورويداً رويداً بدأ عدد المسلمين يزداد ويتوسع وجودهم في مكة.

وقد ذكر مشهور المؤرخين والمفسرين أنّه ومع انتهاء السنة الثالثة من البعثة صدر الأمر الإلهي له بالإعلان عن الدعوة في قوله تعالى:﴿وَأَنذِرْ‌ عَشِيرَ‌تَكَ الْأَقْرَ‌بِينَ* وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِ‌يءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ. وجاء في سيرة ابن إسحاق: لما نزلت الآيات المذكورة دعا رسول الله (ص) علي بن أبي طالب (ع) وقال له: « فَاصْنَعْ لَنَا يَا عَلِيُّ شَاةً عَلَى صَاعٍ مِنْ طَعَامٍ، وَأَعِدَّ لَنَا عُسَّ لَبَنٍ، ثُمَّ اجْمَعْ لِي بنى عبد المطلب»، فاجتمعوا له وهم يومئذٍ أربعون رجلاً أم ينقصون، فيهم أعمامه: أبو طالب، وحمزة، والعباس، وأبو لهب الذي كان ممن كفر بدينه، فقدّم لهم علي تلك الجفنة فأخذ منها رسول الله (ص) حذية فشقها بأسنانه، ثم رمى بها في نواحيها، ثم قال: «كلوا باسم الله»، ثم قال رسول الله : «اسقهم يا علي»، فسقاهم بذلك القعب فشربوا حتى نهلوا جميعاً، وأيم الله– كما قال علي (ع)- إن كان الرجل منهم ليشرب مثله، فلما أراد رسول الله أن يكلمهم بدره أبو لهب إلى الكلام فقال لهم: «ما أشد ما سحركم صاحبكم!». فتفرقوا ولم يكلمهم رسول الله (ص).

فلّما كان الغد قال رسول الله::«يا علي عد لنا بمثل الذي كنت صنعت لنا بالأمس من الطعام والشراب، فإنّ هذا الرجل قد بدرني إلى ما قد سمعت قبل أن أكلم القوم»، ففعل علي (ع) ذلك، ثم جمعهم له، فصنع رسول الله (ص) كما صنع بالأمس، فأكلوا حتى نهوا عنه، ثم شربوا من ذلك القعب حتى نهلوا عنه، وأيّم الله إن الرجل منهم ليأكل مثلها، ويشرب مثله، ثم قال رسول الله: «يا بني عبد المطلب، والله ما أعلم شاباً من العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة» وأضاف الطبري: ثم تكلم رسول الله (ص) فقال: «يا بني عبد المطلب إنّي والله ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرنى الله تعالى أن أدعوكم إليه فأيكم يؤازرني على هذا الأمر على أن يكون أخى ووصيي وخليفتي فيكم؟»  فأحجم القوم عنها جميعاً فقال علي (ع) : «أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه فأخذ برقبتي» ثمّ قال: «إنّ هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا». وسجل القصة غيره من المؤرخين وأصحاب السير.

وهكذا بدأ عدد المسلمين يزداد مما أثار حفيظة قريش وقلقهم فمشوا إلى عمّه وحاميه أبي طالب (ع) عارضين عليه عمارة بن الوليد ابن المغيرة، فقالوا له: «يا أبا طالب هذا عمارة بن الوليد أنهد فتى في قريش– حسب زعمهم- وأشعره وأجمله، فخذه فلك عقله ونصرته واتخذه ولداً، فهو لك، وأسلم لنا ابن أخيك هذا الذي قد خالف دينك ودين آبائك وفرّق جماعة قومك وسفّه أحلامهم فنقتله فإنما رجل كرجل!» فقال: «والله لبئس ما تسومونني أتعطونني ابنكم أغذوه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه هذا والله ما لا يكون أبداً».

وما كانت قريش لتؤذي الرسول (ص) أكثر من ذلك وفقاً لقوانين قريش ومقرراتها وخشية من ردّة فعل بني هاشم، إلاّ أنّها صبّت جام غضبها على من اتبعه من المسلمين كـبلال وآل ياسر و…

ولمّا اشتدت المواجهة بين الرسول (ص) والمؤمنين من جهة وبين المشركين من جهة أخرى جاء رؤساء قريش مرة ثانية إلى أبي طالب (ع) عارضين عليه الوساطة بينهم وبين ابن أخيه. فقال (ص) : «والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه ما تركته ولكن يعطوني كلمةً يملكون بها العرب، وتدين لهم بها العجم، ويكونون ملوكاً في الجنّة». فقال له أبو طالب (ع) : «يا بن أخي، قل ما شئت، فو الله لا أسلمك لشيء أبداً».

وبهذا بدأ فصل جديد من أشدّ فصول حياته، وأكثرها متاعب ومصاعب؛ لأنّ قريشاً كانت لا تزال إلى ذلك الوقت تراعي حرمته وتوقره، وتتريث في مواجهته، ولكنها ما إن فشلت في مخططاتها لجرّه إلى مساومتها حتى غيرت نهجها واُسلوبها معه لتقف دون إنتشار دينه مهما كلّفها ذلك من ثمن مستفيدة في هذا السبيل من كلّ الوسائل الممكنة.

هجرة المسلمين إلى الحبشة

ولما فشلت مساعي قريش في التصدي للنبي الأكرم (ص) وإيقاف حركته التبليغية لنشر الرسالة أخذت بتضييق الخناق عليه وعلى الثلّة المؤمنة معه، فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع وتركهم ورمضاء مكة وكيهم بالنار؛ ليفتنوهم عن دينهم، فلما رأى رسول الله (ص) ما يصيب أصحابه من البلاء قال: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة فانّ بِها ملِكاً لا يُظلَمُ عِندهُ أحد وهي أرضُ صِدق حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه». فخرج المسلمون وتركوا أرضهم وأموالهم، مخافة الفتنة، وفراراّ إلى الله بدينهم.

كان رسول اللَّه (ص) يجلس بين ظهرانيّ أصحابه، فيجييء الغريب فلا يدري أيّهم هو.


النسائي، سنن النسائي، ج 8، ص 101؛ الطبرسي، مكارم الأخلاق ص 16

فبعثت قريش وفداً مزوداً بالهدايا والتحف للنجاشي والبطارقة وحاشيته، وكان الوفد مؤلفاً من: عمرو بن العاص، وعبد الله بن أبي ربيعة، وعندما وصلوا الحبشة قدموا إلى النجاشي هديته فقبلها منهم، ثم تحدثوا معه بالمهمة التي جاؤوا من أجلها، فأرسل النجاشي إلى أصحاب رسول الله (ص)، واستدعاهم إليه، فلما حضروا مجلسه اتجه إليهم وقال: «ما هذا الدين الذي قد فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من هذه الملل؟»، فتولّى الجواب عن المسلمين جعفر بن أبي طالب قائلاً:

«أيّها الملك كنا قوماً أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش… حتى بعث الله إلينا رسولاً منّا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفّته، فدعانا إلى الله لنوحّده ونعبده،… فلمّا ضيّقوا علينا وعذبونا وقهرونا خرجنا إلى بلادك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أنّ لا نظلم عندك أيها الملك».

فالتفت النجاشي إلى وفد قريش وقال لهم: «انطلقوا فلا والله لا أسلمهم إليكم».

حصار بني هاشم

ولمّا فشلت مساعي قريش في الحد من توسّع الدعوة الإسلامية وفشل الوفد الذي أرسل إلى النجاشي أجمعت أمرها على مقاطعة النبيِّ (ص) وكلّ من يؤازره من بني هاشم، وكتبوا صحيفة بشأن هذا القرار جاء فيها:

  • أن لا يبتاعوا من أنصار النبيّ (ص) ولا يبيعوهم شيئاً.
  • أن لا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم.
  • أن لا يؤاكلوهم ولا يكلّموهم.
  • أن يكونوا يداً واحدة على «محمّد» وأنصاره.

وقد وقّعت الصحيفة الظالمة وعلقت في جوف الكعبة.

فجمع أبو طالب (ع) بني هاشم، وجعلهم في شِعْبٍ كان له في أطراف مكة، وبقوا هناك في أشدّ ما يكون من سوء العيش.

استمر حصار بني هاشم ما بين سنتين وثلاث سنين حتى نفد الطعام والأموال التي كانت بحوزتهم من أبي طالب (ع) وخديجة (ع)، ولقد اضطروا بعدها إلى أن يقتاتوا بورق الشجر، وكان صبيتهم يتضورون جوعا، وبقي المسلمون في شعب أبي طالب (ع) يقاسون الجوع والحرمان لا يخرجون منه إلاّ في أيام الموسم، أو بما يمدّهم به بعض المعارضين للحصار، فقد روي أن حكيم بن حزام- ابن أخ خديجة- خرج يوماً ومعه شخص يحمل طعاماً إلى عمته خديجة بنت خويلد إذ لقيه أبو جهل فقال له: «تذهب بالطعام إلى بني هاشم؟ والله لا تبرح أنت ولا طعامك حتى أفضحَك عند قريش بمكة». فقال له أبو البختريّ- وقد كان من المشركين: «تمنعه أن يرسل إلى عمته بطعام كان لها عنده؟».

فأبى أبو جهل أن يدعه إلاّ أن يأخذه إلى قريش، فقام إليه أبو البختري بساق بعير فضربه. عند ذلك تلاوم رجال من بني عبد مناف ومن قصي وسواهم من قريش على هذا العمل المنكر (حصار بني هاشم) وسعوا إلى فك الحصار عن الهاشميين، واتفقوا أن يفدوا إلى أنديتهم، ويعلنوا رفض المقاطعة، وإنهاء الحصار.

وجاء في سيرة ابن هشام: «إن رسول الله (ص) قال لعمّه أبي طالب (ع) : يا عم إنّ ربّي الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش، فلم يدع اسماً إلاّ (هو الله)». فخرج أبو طالب (ع) إلى أندية قريش وقال: «يا معشر قريش إنّ ابن أخي أخبرني بكذا وكذا، فهلم إلى صحيفتكم، فإن كان كما قال ابن أخي، فانتهوا عن قطيعتنا، وانزلوا عمّا فيها، وإن يكن كاذبا دفعت إليكم ابن أخي»، فقال القوم بأجمعهم: «قد أنصفت ورضينا، وتعاقدوا على ذلك». وقام المطعم إلى الصحيفة وجاء بها وفتحت على مرأى من الجميع فإذا بها كما أخبرهم النبي (ص) على لسان عمّه أبي طالب (ع)، قد أكلت الأرضة جميع حروفها إلاّ (بسمك اللهم)، فمزقت الصحيفة ورفع الحصار عن بني هاشم.

الهجرة إلى المدينة

السفر إلى الطائف

وما إن رفع الحصار عن بني هاشم وخرجوا من الشعب حتى فقد النبي الأكرم (ص) اثنين من أشدّ مناصريه وداعميه المتمثلين بعمّه أبي طالب (ع) وزوجته خديجة (ع) في العام الذي أطلق عليه عام الحزن.

ولما لم يجد (ص) من ينصره ويدافع عنه، ويمنعه خرج إلى الطائف، فعمد إلى ثقيف بـالطائف وتوجه إلى ساداتهم فما أجابوه إلاّ بالتهكم والسخرية اللاذعة، ولم يلق منهم أي سند ولا عون، فقفل (ص) راجعاً من الطائف إلى مكة.

المدنية المنورة إبّان البعثة

ما إن فقد النبي (ص) الأمل عن توفير الأرضية المناسبة للدعوة في الطائف حتى أخذ يفكر في مكان آخر يهاجر إليه، فكانت المدينة المنورة خياره الثاني بعد الطائف؛ وذلك أنّ المدينة وكما سجل ذلك بعض المؤرخين كانت تشهد بين الحين والآخر صراعاً بين اليهود وبين سكانها من المشركين العرب وكان أهل يثرب يسمعون من اليهود الذين كانوا بينهم أنّ هذا أوان نبيّ يخرج بمكّة يكون مهاجره بالمدينة لنقتلنّكم به يا معشر العرب، فكانوا مهيئين نفسياً لقبول الدين الذي جاء به الرسول محمد بن عبد الله (ص).

يضاف إلى ذلك الصراع الدامي بين القبائل القاطنة في المدينة وخاصة بين قبيلتي الأوس والخزرج حيث كانوا لا يضعون السلاح لا بالليل ولا بالنهار، وكان آخر حرب بينهم يوم بُعاث الذي قتل فيه الكثير من الطرفين، وملّ الطرفان الحرب، فخرج أسعد بن زرارة وذكوان إلى مكّة يسألون الحلف على الأوس، وكان أسعد بن زرارة صديقاً لعتبة بن ربيعة فنزل عليه، فقال له: «إنّه كان بيننا وبين قومنا حرب وقد جئناك نطلب الحلف عليهم»، فقال له عتبة: «بعدت دارنا من داركم، ولنا شغل لا نتفرّغ لشيء»، قال: «وما شغلكم وأنتم في حرمكم وأمنكم؟» قال له عتبة: «خرج فينا رجل يدّعي أنّه رسول الله (ص) ، سفّه أحلامنا، وسبّ آلهتنا، وأفسد شبّاننا»، فلمّا سمع ذلك أسعد وقع في قلبه ما كان سمع من اليهود.

وكانت الأوس والخزرج قد اتفقتا على أن تجعلا عبد الله بن أبي بن سلول زعيما للقبيلتين وذلك لعدم مشاركته في هذه الوقعة حيث كان موضع احترام من القبيلتين وأعدوا له تاجاً يتوّجونه به، حتى يصبح أميراً في وقتِ معيّن.

لقاء النبي مع وفود الحاج

في تلك الأيام اعتمد الرسول الأكرم (ص) استراتيجية جديدة في التبليغ تتمثل بعرض رسالته على وفود الحجاج القادمة إلى مكة أيام الموسم، فخرج (ص) في الموسم الذي لقيه فيه النفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كلّ موسم، فبينما هو عند العقبة لقي رهطاً من الأنصار وكانوا ستة أنفار من الخزرج، فدعاهم إلى الله عزّ وجلّ، وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فأحدثت كلمات النبيّ (ص) في نفوسهم أثراً عجيباً، فأجابوه فيما دعاهم إليه، بأنّ صدّقوه، وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا: «إِنا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشر مثل ما بينهم، فعسى أن يجمعهم اللهُ بك، فسنقدم عليهم فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الذي أجبناك إليه من هذا الدين، فإن يجمعهم الله عليه فلا رجل أعزّ منك». فلما رجعوا، وأخبروهم بالحادثة أثّرت دعوتهم الجادة في يثرب تأثيراً حسناً حيث سبّبت في إسلام فريقٍ من أهل يثرب واعتناقهم عقيدة التوحيد، وكان لتنبؤ اليهود السالف دور كبير في تحقيق تلك الإستجابة السريعة.

بيعة العقبة الاُولى

فلمّا كان العام المقبل (أي السنة الثانية عشرة من البعثة) قدم مكة اثنا عشر رجلاً من أهل يثرب، فلقوا رسول الله (ص) بالعقبة، وانعقدت هناك أوّل بيعة إسلاميّة.

وكان نصّ هذه البيعة- بعد الاعتراف- بالإسلام والإيمان بالله ورسوله هو:

بايعنا رسول الله (ص) على أن لا نشرك بالله شيئاً، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه في معروف.

وعاد هؤلاء النفر إلى يثرب، وبعث النبيّ (ص) لهم مصعب بن عمير وأمره أن يقرئهم القرآن، ويعلمهم الإسلام، ويفقّههم في الدين وليحدد له الحالة التي عليها المدينة.

بيعة العقبة الثانية

لما حلّ موسم الحجّ لسنة 13 من البعثة خرجت قافلة كبيرة من أهل يثرب للحجّ فيهم ثلاث وسبعون من المسلمين من بينهم امرأتان حتى قدموا مكّة، والتقوا رسول الله (ص) فوعدهم رسول الله (ص) بالعقبة للبيعة.

فلما كانت الليلة الثالثة عشرة من شهر ذي الحجة وهي التي واعدهم رسول الله (ص) ، حضر رسول الله (ص) مع عمّه العباس بن عبد المطلب ولمّا استقرّ المجلس بالجميع، كان أوّل متكلم هو: العباس بن عبد المطلب فقال واصفاً منزلة رسول الله (ص): «يا معشر الخزرج إِنّ محمّداً (ص) مِنّا حيث قد علمتم، وقد منعناهُ من قومنا، فهو في عزّ من قومه، ومنعة في بلده، وإِنّه قد أبى إلاّ الانحياز إليكم، واللُحوق بكم، فإن كنتم ترون أنّكم وافون له بما دعوتموه إِليه، ومانعوه ممّن خالفه فأنتم وما تحملتم من ذلك، وإِن كنتم ترون أنّكم مُسلِمُوهُ وخاذِلُوهُ بعد الخروج به إِليكم، فمن الآن فدعوهُ فإنّه في عِزّ ومنعةٍ من قومه وبلده».

فقال الحضور: «قد سمعنا ما قلت، فتكلّم يا رسول الله (ص) ، فخذ لنفسك ولربك ما أحببت».

فتكلمَ رسول الله (ص) ، فتلا القرآن، ودعا إلى الله، ورغّب في الإسلام، ثم قال: «اُبايعُكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم».

فقام البراء بن معرور، وأخذ بيد النبيّ (ص) وقال: «نعم، والذي بعثك بالحق نبياً لنمنعنَّك مما نمنع منه اُزُرنا، فبايعنا يا رسول الله (ص) ، فنحن والله أبناء الحروب وأهل الحلقة (أي السلاح) ورثناها كابراً عن كابر، ثم بايعه سائر الحاضرين، وكانت تلك البيعة تسمى بيعة الحرب».

ثم عاد الوفد إلى يثرب، ومهدوا الطريق لانتقال المهاجرين إليها فكانوا يسمّون الأنصار في مقابل المهاجرين الوافدين عليهم من المسلمين.

مؤامرة دار الندوة

كانت بيعة العقبة الثانية بمثابة ناقوس خطر رنّ في الوسط المكّي لما يترتب على حصول المسلمين على موضع قدم آمن من أخطار تهدد الكيان المكي على كلّ من المستوى الديني والسياسي والإقتصادي والعسكري، ومن هنا قرروا الإنتقال بالمعركة مع الرسول (ص) إلى خطوة متقدمة تتمثل بتصفيته جسدياً والتخلص منه؛ ولهذا اجتمع كلّ رؤساء القبائل المكية في «دار الندوة» أكثر من مرة للتشاور في كيفية القضاء على الإسلام، وقرروا أخيراً أن تختار قريش من كلّ قبيلة فتى من فتيانها الأشداء، ويعطى كلّ واحد منهم سيفاً ماضياً، ويعمدوا إليه بأجمعهم فيضربونه ضربة رجل واحد، فإذا فعلوا ذلك تفرق دمه في القبائل كلّها، ولم يعد باستطاعة أحد من بني هاشم أن يطلب بدمه، فيختارون ديته على القتل.

وفي تلك الليلة أوحى الله تعالى إلى رسوله:﴿وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. فعرض (ص) على ابن عمّه علي بن أبي طالب (ع) أمر المبيت على فراشه– في الليلة المعروفة بـليلة المبيت- ليتمكّن هو من الفرار والتخلص من مؤامرة قريش، فخرج (ص) بمعيّة أبي بكر بن أبي قحافة، وبقوا في غار ثور ثلاثة أيام، فلمّا أمنوا الطلب خرجا باتجاه المدينة المنوّرة.

خروجه من مكة

اختلفت كلمة الباحثين والمؤرخين في اليوم الذي خرج فيه الرسول (ص) من مكة وكذا في اليوم الذي دخل فيه المدينة، فذهب ابن هشام إلى القول: بأنّه (ص) وصل إلى قبا منتصف نهار يوم الاثنين الثاني عشر من ربيع الأوّل، وحدد ابن الكلبي خروجه (ص) بيوم الاثنين غرة ربيع الأول وكان وصوله إلى قبا يوم الجمعة الثاني عشر من نفس الشهر، وذهب قوم إلى القول بأنّ وصوله كان يوم الثامن من ربيع الأوّل. فيما ذهب المؤرخون المتأخرون من المسلمين والأوربيين إلى القول بأنّ رحلته استمرت تسعة أيام، وكان وصوله إلى قبا في الثاني عشر من ربيع الأول سنة 14 للبعثة والموافق للرابع والعشرين من سبتمبر سنة 622م. واتخذت هجرته (ص) مبدءاً للتاريخ الإسلامي.

ومن المعالم الأثرية التي شيّدها النبي (ص) إبّان هجرته هو بناؤه لمسجد قبا المعروف.

وأقام عليّ (ع) بمكة ثلاث ليال بأيّامها، حتى أدّى عن رسول الله (ص) الودائع التي كانت عنده للناس، فلما فرغ (ع) من أداء الأمانات والودائع خرج بـفاطمة (ع) بنت رسول الله (ص) وأمه فاطمة بنت اسد، وفاطمة بنت الزبير وآخرين ممن لم يكن قد هاجروا مكة حتى تلك الساعة، فسار بهم حتى التحق برسول الله (ص) في بيت كلثوم بن هدم. وخرج (ص) ومن معه من بني النجار يوم الجمعة، فأدركته الصلاة في بني سالم بن عوف، فصلاها عندهم.

وبعد صلاة الجمعة، دعا براحلته فركبها، ولما دخل الركب المبارك المدينة المنورة، استقبله أهلها بالترحاب والأهازيج والأشعار، وكلما مرّ الركب بحي من أحياء الأنصار، يستقبله زعماء الحي آخذين بزمام الناقة التي يبركها، ويطلبون منه النزول بينهم ويتوسلون ويلحون، ويقولون: إنزل على الرحب والسعة يا نبي الله، إلى القوة والمنعة والثروة، فيدعو لهم بالخير، ويقول: دعوا الراحلة تسير فإنها مأمورة، فانطلقت وما زالت تسير به إلى أن انتهت إلى موضع المسجد الحالي، مسجد رسول الله (ص) ، فوقفت هناك وبركت، ووضعت جرانها على الأرض، وذلك بالقرب من باب دار خالد بن زيد بن كليب، المعروف بـأبي أيوب الأنصاري، فبركت عنده، فاستقبله أبو أيوب فرحاً مستبشراً، وأدخل الرجل إلى منزله، ونزل (ص) ، وقال: المرء مع رحله، فأخبره (ص) معاذ بن عفراء بأنّ الأرض لغلامين يتيمين من بني النجار فاشتراها وجعلها مسجداً، وجعل إلى جنبه موضعاً عرف بالصفة يسكن فيها جماعة عرفوا بـأصحاب الصفة.

وتمثّل هجرة النبي (ص) من مكة إلى المدينة منعطفاً مهماً في تاريخ الدعوة الإسلامية؛ لأنّ المدينة قد تحوّلت إلى مركز ينطلق منه (ص) لتبليغ رسالته إلى سائر الشعوب والبلدان والعاصمة التي يؤسس فيها حكومته التي ستكون منطلقاً للدولة الإسلامية الكبرى التي تحكمها شريعة السماء. ومن هنا قام (ص) بإرسال المبلغين والمرشدين إلى القبائل العربية يدعونهم إلى التوحيد ومكارم الأخلاق.

ولمّا تكاثرت وفود المهاجرين على المدينة قام النبي (ص) بالمؤاخاة بينهم وبين الأنصار، وآخى بينه وبين علي بن أبي طالب (ع). وبعد ذلك قام (ص) بعقد معاهدة بين المسلمين وبين يهود المدينة يؤمن خلالها الحقوق الاجتماعية والدينية للطرفين.

المنافقون واليهود

مع أنّ الغالبية الساحقة من أبناء المدينة المنورة كانوا بين من دخل في الدين الإسلامي وبين مؤيد له إلاّ أنّ ذلك لا يعني أن المدينة وما يحيط بها قد خضعت لسلطة الدين الجديد، فقد شعر عبد الله بن أبي الذي كان على وشك التصدي للرئاسة وتاج الحكم الذي أعدّ له ليصبح الرجل الأول في المدينة بأنّ الفرصة قد ضاعت منه، وأنّ قدوم النبي الأكرم (ص) إلى المدينة حرمته من نيل الفرصة الذهبية التي توفرت أمامه بعد المعارك الطاحنة التي حدثت بين الأوس والخزرج، فلم يجد أمامه إلاّ التظاهر بالإسلام والتخطيط في السر للقضاء على الدين الجديد من خلال التآمر مع يهود المدينة.

وقد حذّر القرآن الكريم من خطر هذه المجموعة التي أطلقت عليها أولى الآيات المدنية عنوان المنافقين، وبيّنت أن خطرهم على الرسالة أشدّ من خطر اليهود لتظاهرهم بالدين واختلاطهم في صفوف المسلمين، مما يوفر لهم الأرضية المناسبة للتخفي والإستفادة من معطيات الدين الجديد من جهة وضربه من جهة أخرى.

إلاّ أن آيات الذكر واصلت رصدها لحركة هؤلاء بالتهديد والتحذير مبيّنة أن ما يقوم به هؤلاء المنافقون لا يخفى على الله تعالى، كما في قوله تعالى:﴿ إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَ‌سُولُ اللَّـهِ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَ‌سُولُهُ وَاللَّـهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ . وقد سجل لنا التاريخ الإسلامي أن مشاكسات ابن سلول قد استمرت حتى السنة التاسعة للهجرة التي توفي فيها.

أمّا اليهود فمع أنّهم كانوا يعيشون تحت رعاية الحكم الجديد وأنّ المعاهدة التي أبرمت معهم أمّنت لهم جميع حقوقهم الدينية والإجتماعية، لكنهم وبالرغم من التظاهر بقبول التعايش السلمي مع الدين الجديد بل واعتناق البعض منهم له، إلاّ أنّهم تنصلوا عن المعاهدة، وخانوا العهود؛ لأنّهم يرون في الدين الجديد عاملاً أساسياً في سلب الزعامة الدينية عنهم وتحجيم حركتهم الإقتصادية وهيمنتهم على الجانب الإقتصادي والتجاري في المنطقة. يضاف إلى ذلك أنّ اليهود تؤمن وبشكل جازم أن النبوة لم ولن تخرج من بني اسرائيل وعليه فإنّ ظهور نبي عربي ليس منهم يعني– حسب ما يؤمنون به- خروجاً عن قاعدة غير قابلة للخرم.

ومن خلال هذه الرؤية وبتأثير من عبد الله بن أبي عمد اليهود إلى وضع العراقيل أمام الكيان الإسلامي الجديد متنصلين عن كلّ العهود والإتفاقيات والتنكر لما كانوا يهددون به المشركين من اقتراب موعد ظهور نبي جديد متذرعين بأنّه ليس هو النبي المقصود في التوراة والإنجيل. أمام هذه الحركة جاءت آيات القرآن الكريم لتضع حداً مائزاّ بين الفرقاء، وتبين للمسلمين أنّهم أمّة مستقلة تعود جذورها إلى النبي إبراهيم (ع) :

﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إلاّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ* هَاأَنتُمْ هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين.

تحويل القبلة

صلّى النبي الأكرم (ص) طوال الفترة المكية وسبعة عشر شهراً بعد الهجرة إلى المدينة باتجاه بيت المقدس لحكمة اقتضتها الإرادة الإلهية. وكان اليهود قد اتخذوا موقفاً معادياً للرسول الله (ص) والمسلمين بمختلف توجهاتهم ومحاربتهم بشتى الطرق والوسائل والسبل والمعاذير والحجج ومن جملتها التذرع بقضيّة صلاة النبيّ (ص) والمسلمين إلى بيت المقدس.

فكانوا يقولون معيّرين إِياه: أنتَ تابع لنا تصلي إلى قبلتنا!!.

أو كانوا يقولون: تخالفنا يا محمد (ص) في ديننا وتتبع قبلتنا.

فشقّ هذا الكلام على رسول الله (ص)، واغتم لذلك غماً شديداً، فكان يخرج من بيته في منتصف الليل ويتطلع في آفاق السماء ينتظر من الله أمراً ووحياً في هذا المجال، وبينما كان يصلي الظهر في مسجد بني سلمة– الذي عرف فيما بعد بذي القبلتين- نزل الأمر الإلهي عليه أثناء الصلاة بالتوجه نحو الكعبة، كما تفيد الآية المباركة:

﴿ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ .

فكان تغيير القبلة كالصاعقة التي نزلت على اليهود والمنافقين، وسلبت ما بأيديهم من ذريعة للإنقاص من الدين الجديد وتعيير أتباعه. هذا والعجيب أنّ اليهود الذين كانوا إلى ما قبل نزول الأمر بالتحوّل من بيت المقدس إلى الكعبة المعظمة يشمخون ويفتخرون على المسلمين بأنهم يصلّون باتجاه قبلة اليهود، ولما حُوّل المسلمون إلى الكعبة المعظمة، وأُمروا بالصلاة إليها دون بيت المقدس أخذوا يعيبون على المسلمين التوجه إلى نقطة ما في الأرض فردّ الله عليهم بقوله:

﴿ سَيَقُولُ السُفَهاءُ مِنَ النّاس ما وَلاّهُمْ عَنْ قِبْلَتهم التي كانُوا عليها قُلْ للّهِ المشرق والمغربُ يهدي من يشاءُ إلى صراطٍ مُستقيم.

غزواته

وأهم غزوات الرسول  هي غزوة بدر، وأحد والخندق. وهناك اختلاف في عدد الغزوات بين المؤرخين، فبعضهم يعدونها 26 غزوة وآخرون 27 غزوة.

معركة بدر

الإمام علي (ع): كنا إذا احمرَّ البأس اتّقينا برسول الله (ص)، فلم يكن منّا أقرب إلى العدو منه.


نهج البلاغة: ج4، ص61.

كانت المواجهة بين النبي الأكرم (ص) وبين قريش متوقعة منذ بيعة العقبة الثانية. وكانت أوّل غزوة غزاها المسلمون هي غزوة الأبواء أو ودّان التي وقعت في شهر صفر من السنة الثانية ولم يقع فيها قتال، بعدها جاءت غزوة بُواط في ربيع الأول من نفس السنة ولم يقع فيها قتال أيضا.

وفي منتصف شهر جمادى الأولى من السنة الثانية للهجرة جاءَ الخبر أنّ قافلة قريش التجارية تخرج من مكة بقيادة أبي سفيان تريد الشام للتجارة، وقد جمعت قريش كلّ أموالها في تلك القافلة، فخرج رسول الله (ص) في جمع من أصحابه لاعتراضها حتى بلغ ذات العشيرة وبقي (ص) في ذات العشيرة ينتظر قافلة قريش، ولكنه لم يظفر بها؛ إمّا لأنّ القافلة بدّلت طريقها او لأنّها استطاعت تجاوز الطوق الذي أوجده المسلمون لها بعد أن أبلغتها العيون بذلك حتى تجاوزت منطقة الخطر.

وبينما كان النبي (ص) وصحبه يراقبون القافلة أتاه الخبر عن مسير قريش باتجاه المدينة لحماية قافلتها التجارية، وأنّ جيشها قد وَصلَ إلى مشارف المنطقة التي يتواجد فيها المسلمون، وأنّ طوائف متعددة قد ساهمت وشاركت في تكوين هذا الجيش. فرأى النبيّ (ص) أن لا ينسحب، بل يقاتل العدوّ بما تتوفر له من العدة والعدد وإن كانت قليلة، ويقاوم المشركين حتى اللحظة الأخيرة والنفس الأخير، فكانت المعركة في قرب آبار بدر وفيها انتصر المسلمون انتصاراً باهراً، وخسر المشركون الكثير من القتلى والأسرى. وكان من أشهر من قتل في المعركة أبو جهل مع سبعين من المشركين، فيما استشهد 14 من المسلمين، وكان لـعلي بن أبي طالب (ع) الدور البارز في تلك المعركة حيث استطاع أن يقضي على الكثير من صناديد قريش وشجعانها.

المواجهة مع اليهود

ذكرت المصادر التاريخية أنّ أوّل مواجهة حصلت بين المسلمين وبين اليهود كانت بعد عدة أسابيع من معركة بدر، حيث كان يهود بني قينقاع يهيمنون على الأسواق وعمل الحدادة، فجاءت ذات يوم امرأة من العرب إلى سوق بني قينقاع فجلست عند صائغ تبيع حليّاً لها أو تشتري، فعمد رجلُ من يهود بني قينقاع إِليها وجلس من ورائها، وهي لا تشعر فعقد أسفل ثوبها إلى ظهرها، فلمّا قامت المرأة بدت عورتها، فضحكوا منها فصاحت، فوثب رجل من المسلمين إلى ذلك الرجل اليهودي فقتله، فاجتمعت بنو قينقاع، وشدّوا على المسلم فقتلوه، فاستصرخ أهلُ المسلم القتيل المسلمين على اليهود، فغضب المسلمون غضباً شديداً.

وكان النبي الأكرم (ص) قد أتمّ الحجة عليهم قبل ذلك حينما وقف (ص) في سوقهم بعد أن جمعهم فيه ثم قال لهم:

«يا معشر اليهود احذروا من الله مِثل ما نزلَ بقريش من النقمة، وأسلموا، فإنّكم قد عرفتُم أنّي رسول الله (ص) تجدون ذلكَ في كتابكم وعهد الله اليكم».

ولكن اليهود لم يشكروا نصيحة النبي (ص) هذه أو يسكتوا وحسب، بل ردّوا عليه بعناد ولجاج وصلافة قائلين: «يا محمّد (ص) لا يغرّنّك من لقيت، فإنّما قهرت قوما أغماراً ـ أي: لا عِلمَ لهم بالحرب ـ ونحن بنو الحرب، ولئن قاتلتنا لتعلمن أنك لم تقاتل مثلنا».

وهنا نزل قول الله تعالى:

﴿ قُل للّذينَ كفروا ستُغلبونَ وتُحشرون إلى جهنّم وبئس المِهاد * قد كانَ لكُم آية في فئتينِ التَقَتا فِئة تقاتلُ في سبيلِ الله واُخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العينِ والله يؤيّدُ بنصرهِ من يشاءُ إِن في ذلك لعبرة لاُولي الأبصار القرآن الكريم، سورة آل عمران: الأية 12-13.

فأمر رسول الله (ص) بمحاصرتهم، فحاصرهم في حصونهم خمس عشرة ليلة أشدّ الحصار، حتى قذف الله في قلوبهم الرعب، وفقدوا القدرة على المقاومة، ورضوا بأن ينزلوا على حكم النبيّ (ص) فيهم!!. وأراد رَسول الله (ص) أن يؤدب تلك الجماعة التي كانت أول من نقض العهد. ولكن عبد الله بن اُبي بن سلول الذي كان من منافقي المدينة ويتظاهر بالإسلام، أصرّ على رسول الله (ص) بأن يحسن معاملتهم، فأمر (ص) بأن يجُلوا من المدينة، فخرجوا من المدينة ولحقوا بمنطقة تدعى أذرعات وهي بلد من أطراف الشام.

معركة أُحُد

وقعت أحداث هذه المعركة في السَّنة الثالثة للهجرة؛ وذلك لأنّ قريشاً عندما شعرت بمرارة الهزيمة في معركة بدر التي قتل فيها عدّة من المشركين ومن كبارهم، فأخذت تعدّ العدّة للانتقام فأعدّت بقيادة أبي سفيان جيشاً من الرجال المقاتلين ترافقهم النساء الممرضات والمشجعات على القتال. وكان رأي النبي الاكرم (ص) البقاء بـالمدينة ومقاتلة المشركين إلاّ أنّ الرأي استقر لاحقاً على الخروج إلى منطقة جبل أحد، فالتقى الجيشان هناك.

وقد أدّت المعركة إلى انهزام المسلمين بعد انتصارهم في بداية المعركة نتيجة عدم التزام فئة من المسلمين بأوامرالرسول (ص) واتباع خطته، حيث أخلى بعض المقاتلين الموقع الإستراتيجي المهم الذي أمرهم رسول الله (ص) بعدم تركه مهما حصل، فاستغل خالد بن الوليد هذه الثغرة وتسلّق الجبل مما غيّر موازين المعركة لصالح المشركين، وسقط الكثير من الشهداء على رأسهم حمزة بن عبد المطلب عمّ النبي (ص) ، وقد أصيب النبي (ص) بجراحات كثيرة، وأشيع بين المسلمين أنّه قتل مما ساهم في تضعيف الروح القتالية عند المسلمين، فعادوا إلى المدينة منكسرين يشعرون بالمرارة والألم، فنزلت آيات من القرآن الكريم تهوّن ذلك، وتحثّ المسلمين على الصمود في المواجهة وأن الانكسار في معركة لا يعني الانهزام المطلق وخسارة الموقف بالكامل.

غزوة بني النضير، دومة الجندل

في السنة الرابعة من الهجرة حدثت في أطراف المدينة بعض التحركات التي تكشف عن نوايا سيئة ومواقف خطرة تنذر بحدوث تحالف ضد الدولة الإسلامية، كالذي حدث في سرية الرجيع وسرية بئر معونة من سقوط الكثير من الدعاة والمبلغين شهداء على أيدي المشركين في منطقة الرجيع. في تلك السنة وقعت مواجهة قوية بين المسلمين مع بني النضير، بعد حادثة تآمروا فيها على الفتك برسول الله (ص) ، وانتهت المعركة بإجلائهم من المنطقة.

وفي السنة التي تلتها أراد رسول الله (ص) أن يدنو إلى أدنى الشام فندب رسول الله (ص) الناس، فخرج ومعه المسلمون، ولمّا دنا رسول الله (ص) من دومة الجندل جاء الخبر أهل دومة الجندل فتفرقوا، ونزل رسول الله (ص) بساحتهم فلم يجد بها أحداً.

غزوة الأحزاب، بني قريظة، وبني المصطلق

تحرك أبو سفيان في السنة الرابعة مع مجموعة من المقاتلين نحو منطقة بدر لمواجهة المسلمين هناك، إلاّ أنه عدل عن موقفه، وعاد إلى مكة؛ مما أضعف موقفه، وزعزع قيادته لقيادة المشركين، فأعدّ العدة مرة أخرى وبتحريض من اليهود لمواجهة المسلمين بجيش كبير ومنظم في معركة عرفت فيما بعد بمعركة الأحزاب أو الخندق.

فقد جاء في كتب السيرة والتاريخ: أنّه في شهر شوال من السنة الخامسة للهجرة اتفقت قريش وجماعة من الأعراب من بني سليم وبني أسد وفزاره وقبيلة غطفان ويهود بني النضير على غزو النبي (ص) في المدينة يساندهم في ذلك يهود بني قريظة القاطنين في أطراف المدينة، فتحرّك أبو سفيان بجيش قوامه أكثر من عشرة آلاف نفر ما بين فارس وراجل، وبلغ خبرهم رسول الله (ص) عن طريق جماعة من خزاعة وفدوا عليه، وأخبروه بالتجمع الذي أعدّته قريش وأحلافها من العرب واليهود لغزوه. فجمع النبي (ص) جماعة من أصحابه، وأخبرهم بما اجتمعت عليه قريش وأحلافها واستشارهم فيما يجب أن يتخذه لمنعهم من دخول المدينة، فأشار عليه سلمان الفارسي بأن يحفر خندقاً من الجهة التي يمكن للمشركين أن يدخلوا منها، فاستحسن النبي وأصحابه هذا الرأي وأمر بحفره، ومضى المسلمون يشتدون في حفر الخندق حتى أتموه في ستة أيام كما ورد في رواية الطبري وغيره. وأقبل المشركون بعدتهم وعددهم حتى نزلوا الجانب الآخر من الخندق. وأقام المشركون أياما والمسلمون في مقابلهم يترامون أحياناً بالنبال.

ولما وجد النبي (ص) أن البلاء اشتد بالمسلمين بعث إلى سعد بن معاذ وسعد بن عبادة، فاستشارهما في أن يصالح بني غطفان على ثلث ثمار المدينة كي ينصرفوا عن قتال المسلمين. فقالا له: يا رسول الله (ص) أهو أمر تحبه فنصنعه، أم شيء أمرك به الله، أم شيء تصنعه لنا؟ فقال النبي (ص) بل شيء أصنعه لكم كي أكسر عنكم شوكتهم حينئذ قال له سعد بن معاذ: والله ما لنا بهذا من حاجة، والله لا نعطيهم إلاّ بالسيف حتى يحكم الله بيننا وبينهم، فتهلل وجه رسول الله (ص) ، وقال: فأنت وذلك. وفيما هم كذلك وإذا بـعمرو بن عبد ود العامري وعكرمة بن أبي جهل وهبيرة بن أبي وهب ونوفل بن عبد الله وضرار بن الخطاب بن مرداس قد اقبلوا نحو الخندق ووجدوا مكاناً ضيقاً في الخندق فضربوا خيولهم واقتحموه إلى الجانب الثاني، وجعلوا يجولون بين الخندق وعسكر المسلمين، وفي تلك الآثناء تقدّم أمير المؤمنين (ع) للمنازلة مع عمرو بن عبد ودّ العامري، فلما صرعه فرّ الباقون.

وفيما هو (ص) يفكر في عمل يخفف من حدّة الموقف، ويؤدي إلى تشتيت القوم وبعث الخلاف بينهم، وإذا بنعيم بن مسعود ينسلّ من بين الثغرة، ويأتي النبي (ص)، ليقول له: إنّي قد أسلمت وآمنت برسالتك يا رسول الله (ص)، وإنّ قومي لم يعلموا بإسلامي، فمرني بما شئت، فوجد رسول الله (ص) الفرصة بأن يوجهه لبث الفرقة بين القوم، ما داموا يحترمون رأيه ويعتقدون بأنه منهم، فقال له: إنما أنت رجل واحد فخذل عنّا ما استطعت فإن الحرب خدعة. فخرج نعيم بن مسعود، وأنجز المهمة على أكمل وجه حيث تمزق شمل الأحزاب وانسحبوا خاسئين، بعد أن عصفت ريح شديدة هوجاء مصحوبة بأمطار وصواعق لا عهد لهم بها وظلت العواصف والأمطار تشتد حتى اقتلعت خيامهم، وكفأت قدورهم.

ولمّا رجع الرسول (ص) وأصحابه من غزوة الخندق ودخل المدينة واللواء لا يزال معقوداً، أراد أن يغتسل من الغبار، فناداه جبرائيل (ع): إن الله يأمرك أن لا تصلي العصر إلاّ بـبني قريظة. فخرج (ص)، وطلب من علي (ع) أن ينادي في الناس أن لا يصلين أحد العصر إلاّ في بني قريظة. وخرج رسول الله (ص) ، وخلفه الناس، فبادروا إلى بني قريظة، فحاصروهم ولمّا حاصروهم 25 ليلة واشتد عليهم الحصار نزلوا على حكم رسول الله (ص) ، فحكّم فيهم سعد بن معاذ– بعد أن اختاره اليهود للتحكم فيهم- حيث حكم بقتل الرجال وسبي النساء و…في قصة ذكرها المؤرخون.

وقد شكك بعض الباحثين والمحققين في قضية التحكيم تلك، منهم الدكتور الشهيدي الذي ذهب إلى أن القصة من ابتكارات الذهنية العربية بعد المعركة بكثير حيث سطّرتها أقلام بعض الخزرجيين ليوحون بأنهم الأعلى كعبا عند رسول الله (ص) حيث احترم حلفائهم ولم يقتلهم في الوقت الذي لم يحترم الأوس ولم يشفعهم في حلفائهم، بالاضافة إلى الأحياء بأن كبير الأوسيين لم يحترم حلفاءه ولم يرع المواثيق معهم.

وفي السنة السادسة من الهجرة أيضا تمكن المسلمون من هزيمة بني المُصطَلِق بعد أن بلغ الرسول (ص) أن زعيمها يعدّ العدّة، ويجمع الرجال المقاتلين لمحاصرة المدينة وغزوها، فقرّر رسولُ الله (ص) بأن يغزوهم في عقر دارهم، فخرج رسول الله (ص) في جمع من أصحابه حتى لقيهم عند ماء يدعى «المُريسيع»، ونشبت الحرب بينهم وبين المسلمين، ولكن صمود المسلمين وبسالتهم تسبب في أن لا يطول القتال بين المسلمين وبين بني المصطلق، فتفرّق جيش العدو بأن قتل منهم عشرة رجال.

صلح الحديبية

ففي شهر ذي القعدة من السنة السادسة الهجرية غادر النبي (ص) المدينة قاصداً مكة للعمرة والحج وأمر باصطحاب إبل الأضاحي. ولكن ما إن وصل إلى الحديبية حتى وجد قريشاً وقد شكّلت حاجزاً قوياً من دخول المسلمين مكة، وأرسلت قريش خالد بن الوليد وعكرمة بن أبي جهل لمنع المسلمين من دخول مكة المكرمة، كتب (ص) إلى قريش بأنّه لم يقدم لقتال وإنّما جاء معتمراً، لا غازياً ولا محارباً.

ولمّا أصرت قريش على منع النبيِّ (ص) عن البيت قال النبي لأصحابه: «لا نبرح حتى نُناجز القوم». وطلب من المسلمين البيعة، فبايعوه على الفتح أو الشهادة.. وحينما بلغ قريشاً نبأ البيعة الجديدة للنبيِّ (ص) هابوه، فراسلوه على الصلح، فاصطلح معهم وعُقِدَت إتفاقية صُلح وهُدنة تضمنت المواد والشروط التالية:

  • تعهّد المسلمون، وقريش بترك الحرب عشر سنين يأمنُ فيهن الناسُ، ويكف بعضهم عن بعض.
  • من أتى محمَّداً (ص) من قريش بغير إذن وليّه رَدّه عليهم، ومن جاء قريشاً ممّن مع محمَّد (ص) لم يردّوه عليه.
  • من أحَبّ أن يدخل في عقد محمَّد (ص) وعهده (أي يتحالف معه) دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه.
  • أنّ محمَّداً (ص) يرجع بأصحابه إلى المدينة عامَهُ هذا ولا يدخل مكة، وإنّما يدخل مكة في العام المقبل في أصحابه فيقيم فيها ثلاثة أيام، لا يدخل فيها بسلاح إلاّ سلاح المسافر، السيوف في القُرب.
  • أن لا يستكرَه أحدُ على ترك دينه ويعبُد المسلمون الله بمكة علانية وبحرية، وأن يكون الإسلام ظاهراً بمكة وأن لا يؤذى أحد ولا يعيِّر.
  • لا إسلال (سِرقَة) ولا إغلال (خيانة) بل يحترم الطرفان أموالَ الطرف الآخر، فلا يخونه ولا يسرق منه.
  • أن لا تعين قريش على محمَّد (ص) وأصحابه أحداً بنفس ولا سلاح.

وقد اعترض بعض الأصحاب على الصلح جهلاً منهم بعمق المعاهدة والحنكة التي أبداها الرسول الأكرم (ص) في معالجة الموقف، تلك المعاهدة التي فتحت للمسلمين الأبواب نحو نصر كبير بعد أن اعترف المشركون بوجود المسلمين واذعنوا لقوتهم وأنّهم كيان لا يستهان به، بعد أن كانوا ينظرون إليهم نظرة ازدراء وتحقير، ويعملون على اجتثاث وجودهم من الأرض.

يضاف إلى ذلك أن المعاهدة سحبت من يد قريش ورقة الضغط على القبائل وجلعتها حرة في اختيار الديانة التي تريد اتباعها؛ وبهذا تمكن الرسول (ص) من فك عُرى التحالف القرشي من جهة ومن جهة أخرى وفّرت المعاهدة للمتحالفين مع الرسول (ص) فرصة الحياة الأمنة وفقاً لإحدى فقرات المعاهدة، وإلّا فالمعاهدة ملغاة، وهذا ما حصل فعلاً، كما سجّل ذلك المؤرخون أنّه: لمّا رجع رسول الله (ص) وقدم المدينة، جاءه أبو بصير عتبة بن أسيد بن جارية الثقفي وهو مسلم، وكان ممن حبس بمكة، فكتب فيه الأزهر بن عوف، والأخنس ابن شريق، وبعثا فيه رجلاً من بني عامر بن لؤي ومعه مولى لهم، فقال رسول الله (ص): لأبي بصير قد علمت إنا قد أعطينا هؤلاء القوم عهداً ولا يصلح الغدر في ديننا، فانطلق معهما: فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فرّ حتى نزل على ساحل البحر على طريق قريش إلى الشام، وبلغ المسلمين الذين حبسوا بمكة ذلك فخرجوا إلى أبي بصير والتحقوا به، منهم أبو جندل بن سهيل، فاجتمع إليه منهم قرابة سبعين رجلاً، فضيقوا على قريش يعترضون العير التي تكون لهم. فأرسلت قريش إلى رسول الله (ص) تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم ويخلصهم منهم، فمن أتاه منهم فهو آمن، فأرسل (ص) إليهم فآتوه آمنين مطمئنين. وبهذا تمهدت الطريق لفتح مكة.

ولما اطمأن النبي (ص) بعد صلح الحديبية إلى حدٍّ ما من ناحية قريش والعرب الذين كانوا لا يزالون على الشرك، اتجه بعد ذلك إلى إرسال دعاته إلى حكام الفرس، والروم، وعمان، واليمامة وغيرها من البلاد المتاخمة لحدود الحجاز.

معركة خيبر

لم يدع النبي (ص) اليهود الذين لا يزالون خارج المدينة على حالهم فقد كان يخشى غدرهم، واليهود أشدّ من العرب وغيرهم عداوة للإسلام، وقد يجدون من الدول المتاخمة لحدود الحجاز من يحركهم، ويغريهم بالمساعدة. ولم يلبث بالمدينة بعد رجوعه من الحديبية أكثر من شهر- كما هو الشائع بين المؤرخين- حتى أعلن عن رأيه لأصحابه، وأمرهم أن يتجهزوا لغزو خيبر، ولمّا أحسّ اليهود بأنّه أسقط في أيديهم، وأنّهم قد خسروا المعركة فعلاً وأن المسلمين سيأسرونهم ويقتلونهم إن هم بقوا على موقفهم، فطلبوا الصلح من النبي (ص)، فأجابهم إلى ذلك وأبقاهم يعملون في الأرض على أن يكون لهم نصف ثمرها مقابل عملهم.

وذكر المؤرخون في معرض بيانهم لأحداث المعركة أنّ رسول الله (ص) بعث أبا بكر برايته، وكانت بيضاء إلى بعض حصون خيبر، فرجع ولم يصنع شيئا، ثم بعث في اليوم الثاني عمر بن الخطاب وكان نصيبه نصيب صاحبه. وفي رواية الطبري عن أبي بريدة الأسلمي: أنّه لما خرج عمر بن الخطاب بالراية ونهض معه الناس والتقى مع أهل خيبر انكشف عمر وأصحابه، ورجعوا إلى رسول الله (ص) يجبنه أصحابه ويجبنهم، واستمرّ القتال وكلما أعطى الراية أحداً رجع خائباً أو فارّاً. ولما بلغ الجهد بالمسلمين ونفد أكثر زادهم قال النبي (ص): «والله لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله».

وروى ابن هشام عن ابن اسحاق أنّه قال: «حدثني عبدالله بن الحسن عن بعض أهله عن أبي رافع مولى رسول الله (ص)» قال: «خرجنا مع علي بن أبي طالب (ع) حين بعثه رسول الله (ص) برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه رجل من يهود، فطاح ترسه من يده، فتناول علي (ع) باباً كان عند الحصن، فترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه، ثم ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة معي أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه».

عمرة القضاء وزيارة بيت الله الحرام

لمّا انتهت السنة السادسة، وجاء ذو القعدة من السنة السابعة عزم (ص) على أن يخرج هو وأصحابه إلى مكة لأداء مناسك الحج حسبما تم الاتفاق عليه بينه وبين قريش في الحديبية، فنادى مناديه في الناس أن يتجهزوا للسفر إلى مكة، فأسرع الناس بلهفة إلى تلبية هذا الطلب، وخرج النبي (ص) من المدينة في ألفين من المهاجرين والأنصار. ولما أصبح قريباً من مكة خرج منها زعماؤها إلى رؤوس الجبال والتلال المجاورة لها، وانحدر المسلمون من شمال مكة، فلما دخل رسول الله (ص) المسجد، وقريش تنظر إليه من فوق رؤوس الجبال، فيأخذها العجب لهذا المنظر. وفي تلك اللحظات أدرك الكثير من رجال قريش أن المعركة الطويلة والمواجهة الشديدة انتهت لصالح النبي الأكرم (ص)، وأنّ علامات الإنهيار في الصف القرشي قد بانت، فالتحق البعض منهم برسول الله (ص) في المدينة مشهرين إسلامهم منهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص.

دعوة حكام البلدان الأخرى إلى اعتناق الإسلام

أرسل النبي محمد (ص) مكاتيب ا إلى ملوك وحكام العالم في عصره . فقد استدلّ بما كتبه (ص) إلى ملوك عصره آنذاك: إلى قيصر ملك الرّوم، وإلى كسرى عظيم الفرس، وإلى النجاشي الثاني ملك الحبشة، وإلى المقوقس عظيم القبطـ، وما كتبه إلى ابن أبي شمر، وبكر بن وائل، وإلى الهرمزان عامل كسرى. وعمدة ذلك هو ورود عبارة: (إسلم تسلم) في بعض رسائله.

فتح مكة وما حدث بعده

نصّت المادةُ الثالثة من وثيقة صلح الحديبية على أنَّ لِكل من قريش والمسلمين أن يتحالفوا مع من شاؤوا من القبائل، فتحالفت «خُزاعة» مع المسلمين، وتعهّد رسول الله (ص) لخزاعة في هذا التحالف بأن يدافع عن أرضهم وأموالهم وأنفسهم كلما تعرّضوا لخطر، وطلبوا ذلك. وتحالفت قبيلة «بني كنانة»- وكانوا من أعداء خزاعة التقليديين- مع قريش.

وبعد أن انقَضت سنتان من تاريخ التوقيع على هذه المعاهدة، كان الناس يعيشون خلالها في سلام ورفاه، وأمن واستقرار، نقضت قريش هذه الفقرة من المعاهدة حيث بادرت إلى توزيع الأسلحة على قبيلة بني بكر من كنانة، وإلى تحريضهم على أن يبيّتوا خزاعة المتحالفين مع المسلمين، فيغيروا عليهم ليلاً، ويقتلوا فريقاً، ويأسروا آخرين، بل اشترك البعض منهم في الغارة على خزاعة.!!

ولم يلبث أن قدم المدينة على رسول الله (ص) جماعة من خزاعة، وأخبروه بما فعلته قريش وبنو بكر من قتل فتيان خزاعة، فانزعج رسولُ الله (ص) من قريش لغدرها ونقضها للعهد، ووعد خزاعة بالنصرة. وحينها شعرت قريش بالندم وتوجست خيفة من ردّ النبيّ، وأدركت بأنَّ هذا الذي صنعته هو نقض للمُدّة والعهد الذي بينهم وبين الرسول الله (ص)، وأنَّه (ص) لن يدعَ هذه الجريمة تمرّ دون ردّ قاطع وحاسم؛ ولهذا بادرت إلى إيفاد زعيمها أبي سفيان بن حرب بن اُمية إلى المدينة المنورة لمعالجة الموقف والتأكيد على احترام قريش لمعاهدة الصلح، إلاّ أنّ الرسول (ص) لم يرد عليه كناية عن عدم اعتنائه به.

ولأجل الوصول إلى هذه الغاية فتح مكة وإنهاء الغطرسة القرشية والقيام بالمهمة المقدسة من دون إراقة الدماء استخدم (ص) اُسلوب مباغتة العدوّ. وتمت الترتيبات اللازمة في سرية كاملة، بحيث لم يعرف بها العدوُّ، وأعلن (ص) عن التعبئة العامة لفتح مكة مبتهلاً إلى الله بالدعاء: اللَّهم خُذ العيون والأخبار من قريش حتى نباغتها في بلادها.

فاجتمع في مطلع شهر رمضان من السنة الثامنة للهجرة ناس كثيرون بلغ عددهم عشرة آلاف مقاتل، فسار حتى نزل مرّ الظهران، وقد طوى الله أخباره عن قريش إلاّ أنهم يتوجسون الخيفة. وخشي العبّاس تلافي قريش إن فاجأهم الجيش قبل أن يستأمنوا، فركب بغلة النبيّ (ص)، وذهب يتجسس، وقد خرج أبو سفيان وبديل بن ورقاء وحكيم ابن حزام يتحسسون الخبر، وبينما العبّاس قد أتى الأراك ليلقى من السابلة من ينذر أهل مكة إذ سمع صوت أبي سفيان وبديل وقد أبصرا نيران العساكر، فيقول بديل: نيران بني خزاعة، فيقول أبو سفيان: خزاعة أذلّ من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها.

فقال العبّاس:

هذا رسول الله (ص) بالناس والله إن ظفر بك ليقتلنك وا صباح قريش فارتدف خلفي. ونهض به إلى المعسكر. فأمر رسول الله (ص) العبّاس أن يحمله إلى رحله ويأتيه به صباحاً، فلما أتى به قال له (ص): ألم يأن لك أن تعلم أنّ لا إله إلاّ الله؟ فقال بأبي أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك والله لقد علمت لو كان معه إله غيره أغنى عنا، فقال: ويحك أ لم يأن لك أن تعلم أني رسول الله (ص)، قال بأبي أنت وأمي ما أحملك وأكرمك وأوصلك امّا هذه ففي النفس منها شي‏ء. فقال له العبّاس: ويحك أسلم قبل أن يضرب عنقك، فأسلم. فقال العبّاس: يا رسول الله (ص) إنّ أبا سفيان رجل يحب الفخر فاجعل له شيئاً.

قال:

نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، ثم أمر العبّاس أن يوقف أبا سفيان بخطم الوادي ليرى جنود الله ففعل ذلك، ومرّت به القبائل قبيلة قبيلة، إلى أن جاء مركب رسول الله (ص) في المهاجرين والأنصار، عليهم الدروع البيض، فقال من هؤلاء؟ فقال العبّاس: هذا رسول الله (ص) في المهاجرين والأنصار. فقال: لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً: فقال: يا أبا سفيان إنها النبوّة، فقال: هي إذن! فقال له العبّاس: النجاء إلى قومك. فأتى مكة وأخبرهم بما أحاط بهم وبقول النبيّ (ص) من أتى المسجد أو دار أبي سفيان أو أغلق بابه.

وفي رواية ابن هشام عن ابن اسحاق: رتب الجيش وأعطى سعد بن عبادة الراية فذهب يقول: اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة. وبلغ ذلك النبيّ (ص)، فأمر عليّا (ع) أن يأخذ الراية منه، وينادي: اليوم يوم المرحمة‏. ثم دخل رسول الله (ص) المسجد، وطاف بـالكعبة ملبياّ بـ: لا اله إلاّ الله وحده لا شريك له. صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده.

وبعد أن أتمّ مراسم الطواف والزيارة وتطهير البيت من الأوثان المنصوبة فيه، التفت إلى قريش التي كانت تعيش حالة من القلق والخشية من ردة فعل النبي (ص) لمّا قامت به من حرب شعواء ومواجهة شرسة مع المؤمنين، قائلاً: «يا معشر قريش ويا أهل مكة ما ترون إني فاعل فيكم؟» قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم، ثم قال: «اذهبوا، فأنتم الطلقاء».

وبعد أن أمضى (ص) أسبوعين قفل راجعاً إلى المدينة المنورة.

غزوة حنين

ولمّا انحدر (ص) في وادي حنين، وصاروا في مضيق بين جبلين خرجت عليهم كتائب هوازن من كلّ ناحية بغتة، فانهزم بنو سليم وكانوا على المقدمة – مقدمة جيش المسلمين- وانهزم ما وراءهم، وثبت علي (ع) ومعه اللواء يقاتلهم في نفر من بني عبد المطلب وجماعة من المسلمين محيطين برسول الله (ص). فلمّا رأى رسول الله (ص) هزيمة القوم عنه نادى فيهم: يا معشر الأنصار إلى أين أنا رسول الله (ص)، فلم يلو أحد منهم. ثم قال (ص) لأبي سفيان بن الحارث: ناولني كفّاً من الحصى، فناوله فرماه في وجوه القوم وقال: شاهت الوجوه، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد، وإن شئت لا تعبد لا تعبد. فردّ الله كيدهم، فلمّا سمع الأنصار وبقية المسلمين نداء العباس لهم، تراجعوا وقالوا: لبيك لبيك، ثم عطفوا وكسروا جفون سيوفهم، وهم يقولون: لبيك، ومرّوا برسول الله (ص) واستحيوا أن يرجعوا إليه ولحقوا بالراية، فنزل النصر من الله تبارك وتعالى.

غزوة تبوك

ولقد أزعج بقاءُ عليّ (ع) في المدينة؛ المنافقين ولهذا أرجفوا به، وبثّوا إشاعات خبيثة مفادها أن رسول الله (ص): ما خلّف عَليّاً (ع) إلاّ استثقالاً له. ولإبطال هذه الإشاعة الخبيثة، وتكذيب هذا الكلام، أخذ علي (ع) سلاحه، وخرج حتى أتى رسولَ الله (ص) وهو نازل بالجرف، فقال: «يا نبيَ الله (ص)، زَعَمَ المنافقون أنَّكَ إنّما خَلَّفتَنِي أنَّكَ استثقَلتَنِي وَتخفَّفتَ منّي». فقالَ رسولُ الله (ص) بلا فصل: «كَذِبُوا، وَلكنّني خلَّفتُك لما تَركتُ ورائي فاخلُفنِي في أهلِي وَأهلِكَ أفَلا تَرضى يا عَليّ (ع) أن تكُونَ مِنّي بِمنزلةِ هارونَ مِن مُوسى إلاّ أنَّه لا نبيَّ بعدي».

وبعد رحلة طويلة حلّ جيش المسلمين في مطلع شهر شعبان سنة تسع من الهجرة في أرض تبوك، ولكن دون أن يرى أثراً لجيش الروم.

في هذه اللحظة جمع رسول الإسلام (ص) رؤس جيشه، وتبعاً للمبدأ الإسلامي «وشاورهُم في الأمر» شاورهم في التقدُّم في أرض العدوّ أو الرجوع إلى المدينة.

فكانت نتيجة التشاور عودة الجيش الإسلامي إلى المدينة لما تحمّله من مشاق كثيرة في هذه الغزوة، ليستعيد نشاطَه وقواه، هذا مُضافاً إلى أن المسلمين حققوا هدفهم السامي من هذه الغزوة والذي تمثل في تفريق جيش الروم وتبديد اجتماعهم بعد إلقاء الرعب الشديد في قلوبهم. وبهذا تحقق للرسول (ص) ما أراده، وتوافدت القبائل للدخول في الإسلام في تلك السنة التي عرفت بـسنة الوفود.

سنة الوفود

حجّة الوداع وغدير خم

ولما قضى الرسول الأكرم (ص) مناسكه ومن معه انصرف راجعاً إلى المدينة، ومعه من كان من الجموع، ووصل غدير خم القريب من الجحفة التي تتشعب فيها طرق المدنيين، والمصريين، والعراقيين، نزل إليه الأمين جبرئيل (ع) عن الله سبحانه يأمره بأن يقيم علياً (ع) علماً للناس ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كلّ أحد فأمر رسول الله (ص)، بأن يردّ من تقدم منهم، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان حتى إذا أخذ القوم منازلهم حمد لله واثنى عليه ثم قال:

«أيها الناس يوشك أن أدعى فأجيب»…. وأخذ بيد علي (ع)، فرفعها حتى رؤي بياض إبطيهما وعرفه القوم أجمعون ثم قال: من كُنتُ مَولاهُ فَعَليٌّ مَولاه. اللهُمَ وَالِ مَنْ وَالاهُ وعَادِ مَن عَادَاهُ وأَحب من أَحَبَّهُ وأبغِض من أَبغَضَهُ وانْصُر من نَصَرَهُ واخذُل مَن خَذَلَهُ وأدِر الحقَّ مَعهُ حَيثُ دَار.

وما أن عاد (ص) إلى المدينة المنورة حتى بدأ يهم بالتحرك نحو الإمبراطورية التي تجاوره من الحدود الشمالية لـشبه الجزيرة ويحسب لها حسابها خشية أن تغزو البلاد الإسلامية، ولكنه كان يؤثر أن يغزوهم قبل أن يغزوه، وأن يفرض عليهم وجوده وهيبته قبل أن يهاجموه. فأرسل سريته الأولى إلى مؤتة التي استشهد فيها قادته الثلاثة، وهم جعفر ابن أبي طالب (ع) وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة ومجموعة من جنوده. وبعد عودة ما بقي من رجال السرية أمر النبي (ص) أسامة بن زيد أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والروم على مقربة من مؤتة حيث قتل والده، وأن ينزل على أعداء الله في عماية الصبح ويمعن فيهم قتلاً وتشريداً، وأن يتمّ ذلك بأقصى ما يمكن من السرعة قبل أن تصل أخباره إليهم.

إلاّ أنّ زيداً لم يتمكن من الخروج إلى مؤته- لأسباب ذكرها المؤرخون- حتى توفي النبي الأكرم (ص).

رحيله

صورة عن السيدة فاطمة (ع) وجبرئيل إلى جانب فراش رسول الله (ص) وردت فی كتاب سيرة النبي، الذي يرجع إلى القرن الحادى عشر الهجری، وألّفه السيد سليمان كسيم باشا بأمر من الحاكم العثماني السلطان مراد الثالث

وبحلول السنة الحادية عشرة أخذ المرض يشتد على النبي (ص)، فدخل المسجد وارتقى المنبر حاثاً المسملين على الوحدة وعدم العودة إلى الجاهلية والكفر مؤكداً أنّه (ص) ما أحل إلاّ ما أحل الله وما حرم إلاّ ما حرم الله.

وقد كانت وفاته في الثامن والعشرين من شهر صفر سنة 11 هـ، وفي رواية أخرى أنّه توفي في الثاني عشر من ربيع الأول من نفس السنة عن عمر ناهز الثالثة والستين، وقد فاضت نفسه (ص) بينَ نَحْرِ الإمام علي (ع) وصَدْره. فقام الإمام علي (ع) يعينه بعض بني هاشم بتجهيز النبي (ص) ومواراته الثرى في مسجده (ص).

موضوع خلافة رسول الله

ما إن فاضت نفس رسول الله (ص) واشتغل علي (ع) وأهل بيت الرسول (ص) بتجهيزه من أجل مواراة جسده الطاهر في مثواه الأخير، حتى عقدت الأنصار اجتماعاً لها في سقيفة بني ساعدة حضره كبار الأوس والخزرج معا، وقد استثمر هذا الاجتماع من قبل بعض القرشيين الذين التحقوا بالاجتماع بعدما تناهى إلى أسماعهم اجتماع الأنصار.

وبعد انعقاد الاجتماع سادته مناقشات حادة وطويلة سادها جو من التوتر والقلق والخلاف حول المرشح لخلافة الرسول (ص). حيث قدم كلّ فريق منهم المبررات والإمتيازات التي تؤهله للخلافة، فقال الفريق القرشي على لسان أبي بكر: «أوَّل من عبد الله في الأرض، وآمن بالله وبالرسول، وهم أولياؤه وعشيرته، وأحقُّ الناس بهذا الأمر بعده، ولاينازعهم ذلك إلاّ ظالم.. وأنتم يا معشر الأنصار لا يُنكر فضلكم في الدين ولا سابقتكم العظيمة في الإسلام، رضيكم الله أنصاراً لدينه ورسوله.. فنحن الأمراء وأنتم الوزراء».

فقام أحد الأنصار معترضاً على كلام القرشيين ومذكراً بفضائلهم ونصرتهم للنبيِّ (ص) وأنّهم أحقّ بالأمر من المهاجرين قائلاّ: «يا معشر الأنصار املكو عليكم أمركم، فإنّما الناس في فيئكم وظلالكم، ولن يجير مجير على خلافكم، ولن يصدر الناس إلاّ عن رأيكم… أنتم أهل العزّ والثروة وأولو المنعة والنجدة، وإنّما ينظر الناس ما تصنعون، فلا تختلفوا فيفسد عليكم رأيكم، وينتقض أمركم. أنتم أهل الإيواء، وإليكم كانت الهجرة… وأنتم أصحاب الدار والإيمان… وأنتم أعظم الناس نصيباً في هذا الأمر».

إلاّ أن الفريق القرشي لم يذعن لحجّة الأنصار، وبقي مصراً على موقفه وأن المهاجرين أوّل الناس إسلاماً، وأكرمهم أحساباً، وأوسطهم داراً، وأحسنهم وجوهاً، وأكثرهم ولادة في العرب، وأمسهم رحماً برسول الله (ص)… ولن تعرف العرب هذا الأمر إلاّ لهذا الحي من قريش.

وحينها دبّ الضعف في الأنصار فقال البعض منهم: «منّا أمير ومنكم أمير»، فردَّ عليه عمر بقوله: «هيهات لا يجتمع سيفان في غمد، والله لا ترضى العرب أن تؤمِّركم والنبيُّ من غيركم، ولا تمتنع العرب أن تولِّي أمرها من كانت النبوَّة فيهم، ولنا بذلك الحجَّة الظاهرة، من نازعنا سلطان محمَّد (ص) ونحن أولياؤه وعشيرته إلاّ مدلٍ بباطلٍ، أو متجانفٍ لإثمٍ، أو متورِّطٍ في هلكة»!! وأنّ الأئمة من قريش– حديث فيه مناقشة في صياغته هذه- مما رجّح كفّة الفريق القرشي على الأنصاري.

يضاف إلى ما سطره كلّ من الخليفة الأول والثاني في الحوار إلاّ أنّه لا يمكن بحال من الأحوال الغاء الصراع التاريخي بين قبيلتي الأوس والخزرج ودوره في ترجيح كفة الفريق الآخر.

والشاهد على ذلك ما قام به بشير بن سعد عندما دعم الموقف القرشي بعد أن لاحت له بوادر تنصيب سعد بن عبادة للخلافة، حيث حذر الأنصار من خطورة الموقف وأنه لا ينبغي للأنصار أن تنافس القرشيين على هذا المنصب.

فلما ذهب بشير ليبايع أبا بكر، ناداه الحباب ابن المنذر: «يا بشير بن سعد: عقتك عقاق، ما أحوجك إلى ما صنعت، أنفست– أي أحسدت- على ابن عمك– يعني سعد بن عباده- الإمارة».

و لما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد، وما تدعو إليه قريش، وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عباده، قال بعضهم لبعض، وفيهم أسيد ابن حضير- وكان أحد النقباء: والله لئن وليتها الخزرج عليكم مرّة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبداً، فقوموا فبايعوا!!.

في تلك الأجواء التفت أبو بكر إلى المجتمعين قائلا: «هذا عمر، وهذا أبو عبيدة، فأيهما شئتم فبايعوا» فقالا: «لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك‏، وبايعا له».

فلما كان الغد اجتمع الناس في المسجد فخطبهم عمر بن الخطاب وأبو بكر صامت لا يتكلم. قال: «فان يك محمد (ص) قد مات فانّ الله قد جعل بين أظهركم نوراً تهتدون به وأنّ أبا بكر صاحب رسول الله (ص) وثاني اثنين وأنّه أولى المسلمين بأموركم، فقوموا فبايعوه».

ثم تكلم أبو بكر قائلا: «أما بعد أيها الناس فاني قد وليت عليكم ولست بخيركم فان أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني»…ثم وعدهم بالعمل بكتاب الله وسنة نبيه والتمسك بهما.

وهنا قد يتسائل البعض عن هذه الحماسة للقيم والمثل والدفاع عن الدين الحنيف لماذا غابت عن هؤلاء النفر عندما تركوا جسد الرسول (ص) ثلاثة أيام مسارعين إلى سقيفة بني ساعدة؟  وهل كانوا يجهلون مدى الخطورة في اتخاذ هكذا موقف جرّ على الأمة الإسلامية الإنقسام من يوم السقيفة وحتى يومنا هذا؟.

هذه أسئلة يجاب عليها عند الوقوف أمام محكمة العدل الإلهي وعلى كلّ فريق أن يأتي بحجته.

وكان من بين المعترضين على البيعة رئيس الخزرجيين سعد بن عبادة، وأنّه لما طولب بالبيعة ردّ قال: امتنع سعد عن البيعة في فريق من قومه، وطولب بها فقال:

«لا ولله حتى أرميكم بكل سهم في كنانتي، وأخضب منكم سنان رمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بمن معي من أهلي وعشيرتي».

وخرج في زمن خلافة عمر إلى حوران في بلاد الشام ولم يبايع، وقتل هناك– المشهور انه توفي في زمن خلافة أبي بكر- حيث نسبوا قتله إلى الجن ورووا على لسانها أنّها أنشدت شعراً بقتله. وفي ذلك يقول صاحب أنساب الاشراف: ويقال إنّه امتنع من البيعة لأبى بكر فوجّه إليه رجلا ليأخذ عليه البيعة وهو بحوران من أرض الشأم. فأباها، فرماه فقتله. وفيه يروى هذا الشعر الذى ينتحله الجنّ:

قتلنا سيد الخزرج سعد بن عباده‏
رميناه بسهمين فلم نخط فؤاده

وممن امتنع عن البيعة علي بن أبي طالب (ع) وبنو هاشم وعدد من الصحابة، وذكر بعض المؤرخين أن علياً (ع) لم يبايع طيلة الستة أشهر التي عاشتها السيدة فاطمة (ع) بعد الرسول (ص).

وقد ناقش بعض الباحثين في ذلك مستنداً إلى أن فاطمة (ع) قد توفيت قبل ذلك يضاف إلى ذلك حبّ علي (ع) للخير وصلاح الأمّة يمنعانه من التأخر هذه المدة وثالثاً أنّه من البعيد أن يكون القوم قد صبروا على معارضة أمير المؤمنين (ع) طوال هذه المدة التي بذلوا فيها جهوداً كبيرة لترسيخ حكم الخليفة الأول وإضفاء الشرعية عليه.

معالم شخصية الرسول الأكرم

مواصفاته الظاهرية

كان رسول اللَّه (ص) فخماً مفخّماً، يتلألأ وجهه تلألؤ القمر ليلة البدر أطول من المربوع، وأقصر من المشنّب، عظيم الهامة، رجل الشعر، إن تفرقت عقيقته فرّق، وإلَّا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفّره، أزهر اللَّون، واسع الجبين، أزجّ الحواجب، سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدرّه الغضب له نور يعلوه يحسبه من لم يتأمله أشمّ. كثّ اللَّحية، سهل الخدّين، ضليع الفم، أشنب، مفلَّج الأسنان، دقيق المسرية، كأنّ عنقه جيد دمية في صفاء الفضة، معتدل الخلق، بادناً متماسكاً سواء البطن والصدر، بعيد ما بين المنكبين، ضخم الكمراديس، عريض الصدر، أنور المتجرد، موصول ما بين اللَّبة والسرة بشعر يجرى كالخطَّ، عاري الثّديين والبطن ممّا سوى ذلك.

أشعر الذراعين، والمنكبين، وأعلى الصّدر، طويل الزندين، رحب الرّاحة شثن الكفّين، والقدمين. سائل الأطراف، سبط القصب، خمصان الأخمصين، فسيح القدمين، ينبو عنهما الماء، إذا زال زال قلعاً، يخطو تكفؤا، ويمشى هوناً ذريع المشية، إذا مشى كأنّما ينحطَّ في صبب، وإذا التفت، التفت جميعاً. خافض الطرف، نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السّماء، جلّ نظره الملاحظة، يبدر من لقيه بالسّلام.

  • المربوع: بين القصير والطويل.
  • المشذب: الطويل المهزول.
  • الهامة: الرأس – الجثة.
  • الرجل ( بفتح الراء وكسر الجيم ) من الشعر: ما بين الجعودة والاسترسال.
  • العقيقة: الشعر المجتمع في الرأس، وفي بعض النسخ: العقيصة وهي ضفيرة الشعر.
  • أزهر اللون: نير اللون.
  • أزج الحواجب: الطويل الدقيق.
  • كان مقرون الحاجبين متصل الشعر.
  • عرق يدره الغضب: يملاه الدم.
  • العرنين ( بكسر العين وسكون الراء ) الأنف كله، أو ما صلب منه.
  • الأشم: من ارتفع أعلى أنفه.
  • ضليع الفم: عظيم الفم، وهو ممدوح.
  • الأشنب: أبيض الأسنان.
  • مفلج الأسنان: الذي تباعد أسنانه وتكون فرجة بينها.
  • دقيق المسربة: الذي استدق شعره الممتد من لبته إلى سرته.
  • الدمية (بضم الدال وسكون الميم ): الصور المزينة فيها حمرة كالدم – الصنم.
  • البادن: عظيم الجسم، قال المجلسي قدس سره في ” البحار “: بادن متماسك، معناه تام خلق الأعضاء ليس بمسترخي اللحم ولا بكثيره.
  • سواء البطن والصدر: معناه أن بطنه ضامر، وصدره عريض فمن هذه الجهة تساوى بطنه صدره.

السمعة الحسنة ونقاء السيرة

عاش النبي الأكرم (ص) في الوسط المكّي أربعين عاماً قبل أن يهبط عليه الوحي. عرف خلالها بنقاء السيرة وطهارتها متحلياً بالخصال الحميدة حتى عرف في الوسط المكي بالصادق الأمين، حتى أنّه عندما بعث بإبلاغ الرسالة لم تجد قريش ما يدعوها للتشكيك بصدقه وأمانته، وإنّما جحدوا الآيات التي جاء بها كما يوحي لنا بذلك قوله تعالى:﴿ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلكِنَّ الظَّالِمينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ. وروى سلام بن مسكين عن أبي يزيد المدني أن رسول الله (ص) لقي أبا جهل، فصافحه أبو جهل، فقيل له في ذلك، فقال: «والله إنّي لأعلم إنّه صادق، ولكنا متى كناً تبعاً لعبد مناف!».

وقال السدّي التقى أخنس ابن شريق وأبو جهل بن هشام فقال له: «يا أبا الحكم أخبرني عن محمد (ص) أ صادق هو أم كاذب؟ فإنّه ليس هاهنا أحد غيري وغيرك يسمع كلامنا.» فقال أبو جهل: «ويحك، والله إنّ محمداً لصادق، وما كذب قطّ، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والحجابة والسقاية والندوة والنبوة، فما ذا يكون لسائر قريش؟!».

وإلى هذا المعنى أشار (ص) حينما أخذ الإقرار من قريش بصدقه قبل أن يبلغهم الرسالة حينما خاطبهم بقوله: «أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج من سفح الجبل تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟».

فقالوا: «بلى والله، ما جربنا عليك كذباً». فقال: «إنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد».

يضاف إلى سجاياه الحميدة وخلاله النقية كرم منبته وطهارة آبائه وشرف أجداده كـقصي بن كلاب وهاشم وعبد المطلب. ومن هنا كان لهذا العامل الدور الفاعل في اعتناق العرب وخاصة القرشيين منهم الدين الإسلامي؛ لما انطوت عليه أخلاقياتهم من الانطواء القومي كما توحي بذلك الآيات الكريمة:

  • ﴿ وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى‏ بَعْضِ الْأَعْجَمينَ* فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنينَ. وقوله تعالى:﴿ لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنينَ رَؤُفٌ رَحيم.

مكارم الأخلاق

أشار القرآن الكريم إلى الدرجة الرفيعة والخلق السامي الذي كان يتحلى به الرسول الأكرم (ص) وذلك في قوله تعالى:﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى‏ خُلُقٍ عَظيمٍ.

الإمام علي(ع):


وما سئل شيئاً قط فقال لا، وما رد سائل حاجة قط إلاّ بها أو بميسور من القول، وكان أخف الناس صلاة في تمام، وكان أقصر الناس خطبة وأقلهم هذر، وكان يعرف بالريح الطيب إذا أقبل.


الطبرسي، مكارم الأخلاق، ص 23.

وجاء في وصف أخلاقه أنّه (ص) كان أشجع وأحلم وأعدل وأعف وأسخى الناس جميعاً، وكان أزهد الناس وأبسطهم في العيش، وكان أشد الناس حياءً، وكان أسمح الناس وأسهلهم، وكان يجيب دعوة الحرّ والعبد، ويقبل الهدية ولو أنّها جرعة لبن، ويكافئ عليها أحسن مكافأة، وكان يغضب لله ولا يغضب لنفسه، وكان متواضعاً في أكله، ويؤاكل المساكين ويجالس الفقراء، ويكرم أهل الفضل، ولا يجفو أحداً، وكان يعود المريض كائناً من كان وكيف كان، ويشيّع الجنائز، ويمشي وحده ولا يتخذ حاشية أبداً، وكان يحبّ الطِّيب حبّاً جمّاً.. وكان لا يمضي عليه وقت ليس في طاعة الله، وكان يبدأ مَن لقيه بالسلام، ومن قام معه في حاجة سايَرَه حتى يكون هو المنصرف، وكان إذا لقي أحداً من أصحابه بدأه بالمصافحة، ثم أخذ يده وشابكه ثم قبض عليها.

ولقد كان يدعو أصحابه بكناهم إكراماً لهم وتعظيماً، فإذا لم يكن لأحد كنية كنّاه من جديد حتى يكنَّى بها.

والمرأة إن كان لها ولد كناها به، وإن لم يكن لها ابتدأ بكنية لها جديدة. حتى الصبيان فإنّه كان يكنيهم. وكان أبعد الناس غضباً على أحد، وأسرعهم رضىً، وأرقهم لهم قلباً، وخيرهم لهم نفعاً، وغير ذلك من مكارم الأخلاق.

وقال أمير المؤمنين (ع) في وصفه: من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبّه.

وعن أَبي عبد اللَّه الصادق (ع) قال: «كان رسولُ اللَّه (ص) يَقْسِمُ لحظَاتِهِ بينَ أَصحابهِ فينظُرُ إلى ذَا وينظُرُ إلى ذا بالسَّوِيَّة». «وكانَ لَيُصَافِحُهُ الرَّجُلُ فما يتركُ رسُولُ اللَّه (ص) يدهُ من يدهِ حتَّى يكون هو التَّارك».

وكان يحدث الناس على قدر عقولهم. وكان لايغضب لنفسه ولا يُكَلِّمُ أَحداً بشيْ‏ءٍ يكرهُهُ وكان عفوا. حتى أنّه عفا عن قاتل حمزة وعن عدوه اللدود ورأس الشرك أبي سفيان.

زهده

وأمَّا زهده فكان من العظمة بحيث أن مظاهر الدنيا الخلابة لم تفتنه ولم تشدّده إليها، فكان (ص) يعيش في بيت متواضع من الطين بناه إلى جانب المسجد، وكانت دور نسائه مسقفة بجذوع النخل، أمّا وسادته التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف، وفراشه من أدم بفتحتين جمع أدمة أو أديم وهو الجلد المدبوغ، ولم يكن ذلك من فقر أو فاقة، وفي حنين التي غنم المسلمون فيها الآلاف من النوق والأغنام بالإضافة إلى الذهب والفضة التي وزّعها على المسلمين لم يدخر منها شيئاً لنفسه.

وكان (ص) زاهداً في مطعمه ومشربه، فربما مرّت عليه الشهور ولم تشتعل النار في بيته (ص)، وما شبع من طعام قط. وكان مع أصحابه في حفر الخندق إذ جاءت ابنته فاطمة (ع) ومعها كسيرة من خبز- شعير- فدفعتها إليه، فقال: «ما هذه الكسيرة». قالت: «خبزتُه قرصاً للحسن والحسين وجئت منه بهذه الكسيرة». فقال: «يا فاطمة (ع)، أما إنّه أوّل طعامٍ دخل جوف أبيك منذ ثلاث».

وكان (ص) يشد على بطنه أحياناً حجر المجاعة، وتوفي (ص) ودرعه مرهونة عند يهودي في نفقة عياله.

النظام والأناقة

عرف عن رسول الله (ص) حياة النظام والأناقة، حتى إنّه وضع لكل اسطوانة من إسطوانات المسجد اسماً يوافق المهمة التي تدار عندها كأسطوان المهاجرين، وأسطوان أبي لبابة، وأسطوان الحرس وأسطوان الوفود، وأسطوان التهجد و… وكان يهتمّ بصفوف المصلين فعن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري قال: «كان رسول الله (ص) يمسح مناكبنا في الصلاة» ويقول: «استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليليني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم». وروى الطبراني عن بلال قال: «كان رسول الله (ص) يسوي مناكبنا في الصلاة».

وكان مهتمّا بتنظيم وقته بين العبادة والعمل والأسرة. وكان مهتماً بمظهره الخارجي حتى إذا خرج نظر في المرآة وصفف شعر رأسه ولحيته. وكان (ص) لا يدع في سفره وحضره خمسة أشياء: المرآة والمكحلة والمشط والدهن والسّواك.

الرسول الأمّي

كان النبي الأكرم (ص) أميّاً لا يعرف القراءة والكتابة، وهذا ما أشارت إليه الآية المباركة:﴿ وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمينِكَ إذا لاَرْتابَ الْمُبْطِلُون.

روايات في فضله

مقتطفات من كلامه

مكانته (ص) في الفكر الشيعي

أجمعت الشيعة على رسالته وخاتميته، وأنّه لا نبي بعده، وأنّه من أولي العزم من الأنبياء جاء بشريعة خاصة من الله تعالى، وأنّه (ص) يقع في قمة هرم المعصومين الأربعة عشر الذين تؤمن الشيعة بعصمتهم في الوسط الإسلامي، وأنّه (ص) معصوم بالإضافة إلى تلقّي الوحي وتبليغه في سائر شؤون حياته قبل البعثة وبعدها، وقد جاء ـ لإثبات صدق مدّعاه – بكثير من المعاجز حيث يقع القرآن في الصدارة منها.

مصادر الحديث النبوي

بما أنّ الشيعة يؤمنون بأنّ الأئمة الاثني عشر (ع) إضافة إلى السيدة الزهراء (ع) هم الطريق الأمين والمعصوم من الخطأ في فهم سنة النبي (ص) ونقلها، من هنا ذهبوا إلى القول بأن ما ورد عنهم (ع) يتطابق مع سنة النبي الأكرم (ص) وعليه اعتبروا الكتب الحديثية الأربعة: الكافي، والتهذيب، ومن لا يحضره الفقيه والاستبصار بمثابة المرآة التي تطل على شريعة الرسول و سنته (ص).

ومع ذلك فقد أفرد بعض الأعلام مؤلفات خاصة أدرج فيها ما روي على لسان النبي الأكرم (ص) مباشرة، منها:
  • تحف العقول عن آل الرسول لـابن شبعة الحراني من أعلام الإمامية في القرن الرابع الهجري أفرد به باباً خاصا لكلمات النبي الأكرم (ص).
  • المجازات النبوية، للشريف الرضي حرص فيه مؤلفه على رصد الجانب الأدبي والبلاغي كالإشارات والتنبيهات والكنايات والتشبيهات في كلمات النبي الأكرم (ص).
  • مكاتيب الرسول (ص) من تأليف الشيخ علي الأحمدي الميانجي، جمع فيه رسائل النبي (ص) وكتبه التي بعث بها إلى الملوك والعمال و… إضافة إلى بعض المواضيع المتفرقة.
  • سنن النبي (ص)، للعلامة السيد الطباطبائي، ركّز فيه المؤلف على رصد سنن النبي (ص) وسيرته الأخلاقية بصورة عامة ومنهجة في السير والسلوك مما يمثل سنته (ص).
  • نهج الفصاحة، لـأبي القاسم باينده، جمع فيه أحاديث النبي (ص) وخطبه وكلماته أيضاً.

لمزيد من المعلومات

  • سنن النبي (ص) (كتاب)، للسيد محمد حسين الطباطبائي، تحقيق محمد هادي فقهي، طهران، إسلامية، 1354 ش.
  • نهج الفصاحة (كتاب)، مركز انتشارات برهيزكار.
  • سيرة المصطفى نظرة جديدة. المؤلف : هاشم معروف الحسني
  • دروس في السيرة النبوية (كتاب)، للدكتور عدنان فرحان، بيروت، دار السلام.

 

المصادر والمراجع

[1]

المراجع

    1. القرآن الكريم.
    2. دائرة ‌المعارف الإسلامية الكبرى [فارسي]، قسم ترجمة حياته (ص)، من مقال الـ اسلام، د.ت.
    3. شهيدي، جعفر، تاريخ تحليلي إسلام، مركز نشر دانشكاهي، طهران – ایران، 1390 هـ. ش.
    4. آيتي، محمد إبراهيم، تاريخ بيامبر إسلام، أعاد ترتيبه وأضاف عليه: أبو القاسم كرجي، انتشارات دانشكاه طهران، طهران – ایران، 1378 هـ. ش.
    5. ابن سعد البصري، محمد بن سعد، الطبقات الكبرى، دار صادر، بيروت – لبنان، د.ت.
    6. ابن سعد البصري، محمد بن سعد، الطبقات الكبرى، دار الكتب العلمية، بيروت – لبنان، ط 1، 1410 هـ – 1990 م.
    7. ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، تحقيق: لجنة من أساتذة النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية، النجف – العراق، 1956 م.
    8. ابن كثير الدمشقي، البداية والنهاية، دار الفكر، بيروت – لبنان، د.ت.
    9. ابن كثير الدمشقي، البداية والنهاية، تحقيق: علي شيري، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، 1408 هـ.
    10. أبو زهرة، محمد بن أحمد، خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، دار الفكر العربي، القاهرة – مصر، 1425 هـ.
    11. الإبياري، إبراهيم بن إسماعيل، الموسوعة القرآنية، مؤسسة سجل العرب،القاهرة – مصر، 1405 هـ.
    12. الأمين، محسن بن عبدالکریم، أعيان الشيعة، دار التعارف، بیروت -لبنان، 1403هـ/ 1983 م.
    13. الحمیري، عبدالملک بن هشام، السيرة النبوية، تحقیق: محمد محيي الدين عبد الحميد، مكتبة محمد علي صبيح وأولاده، القاهرة – مصر، 1375 هـ .
    14. البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، تحقيق: محمد باقر المحمودي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت – لبنان، 1394 هـ/ 1974 م.
    15. البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب ‏الأشراف، تحقيق: سهيل زكار ورياض زركلي، دار الفكر، بيروت – لبنان، ط 1، 1417 هـ/ 1996 م.
    16. السبحانی، جعفر بن محمدحسین، سيّد المرسلين صلّى الله عليه وآله ، تحقيق: مؤسّسة النشر الإسلامي، النشر الإسلامي، قم – ایران، ط 2، 1412 هـ.
    17. السبحانی، جعفر بن محمدحسین، السيرة المحمّدية، موَسّسة الاِمام الصادق، قم – ایران، 1420هـ/ 1999 م.
    18. الکلینی، محمّد بن یعقوب، الكافي، تحقيق: علی اکبر غفاري، محمد آخوندي، دار الكتب الإسلامية، طهران – ایران، ط 4، 1407هـ.
    19. الصوياني، محمد بن حمد، السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة، مكتبة العبيكان، الریاض – السعودیة، ط 1، 1424 هـ/ 2004 م.
    20. الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الرسل والملوك، دار التراث، بيروت – لبنان، 1387 هـ.
    21. النيسابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان، 1374 هـ/ 19754 م.
    22. الندوي، علي بن عبدالحي، السيرة النبوية، دار ابن كثير، دمشق – سوریة، ط 12، 1425 هـ.
    23. الدِّيار بَكْري، محمد بن الحسن، تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس ، دار صادر، بيروت – لبنان، 966هـ.
    24. أبو الفرج الحلبي، علي بن إبراهيم، السيرة الحلبية، بيروت – لبنان، دار الكتب العلمية، ط 2، 1427 هـ.
    25. أبو الفداء، إسماعيل بن علي، المختصر في أخبار البشر، مصر، المطبعة الحسينية المصرية، ط 1، 732هـ.
    26. المجلسي، محمدباقر بن محمدتقی، بحار الأنوار، بيروت – لبنان، مؤسسةالوفاء، 1403 هـ.
    27. باينده، أبو القاسم، نهج الفصاحة، مجموعة الكلمات القصار للرسول الأكرم (ص)، دنياي دانش، د.م، 1380 هـ.
    28. البيهقي، أحمد بن الحسين، السنن الكبرى، دار الفكر، بيروت – لبنان، د.ت.
    29. پیام پیامبر (رسالة النبي): مجموعة من رسائل وخطب، ووصايا، وأدعية، وأمثال النبي محمد (ص)، تدوين وترجمة: بهاء الدين خرمشاهي ومسعود أنصاري، شركة انتشارات علمي وفرهنكي، طهران – ایران، 1387 هـ. ش.
    30. الثعالبي النيسابوري، عبد الملك بن محمد، جواهر الحسان في تفسير القرآن، تحقيق: د. عبد الفتاح أبو سنة وآخرون، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1418 هـ.
    31. دلشاد تهراني، مصطفى، الـسيرة الـنبوية (الـمنطق الـعملي)، دريا، طهران – ایران، 1385 هـ .ش.
    32. الشاكري، حسين محمد عبد الرحيم، من سيرة النبي الأكرم محمد (ص)، ستاره، قم المقدسة – ایران، ط 1، 1420 ه‍.
    33. الطباطبائي، محمد حسين، سنن النبي، ترجمة وتحقيق: محمد هادي فقهي، إسلامية، طهران – ایران، 1354 هـ. ش.
    34. الطبری، محمد بن جریر، تاريخ الطبري تصحیح: نخبة من العلماء، بريل ، لیدن – هولندا، 1879 م.
    35. الطبرسي، الفضل بن الحسن، إعلام الورى بأعلام الهدى، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم، 1417 هـ.
    36. الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، انتشارات ناصر خسرو، طهران، ط 1، 1372 هـ. ش .
    37. الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، تحقيق: أحمد حبيب قصير العاملي، د.م، مكتب الإعلام الاسلامي، 1409 هـ.
    38. النيسابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، دار الفكر، بيروت، د.ت.
    39. المقدسي، يد الله، بازپژوهي تاريخ ولادت و شهادت معصومان (إعادة النظر في تاريخ ولادة واستشهاد المعصومين) ، الناشر: پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسلامي، قم، 1391 هـ.
    40. الواقدي، محمد بن عمر، المغازي، تحقيق: مارسدن جونس، نشر دانش إسلامي، د. م، 1405 هـ.
    41. اليعقوبي، أحمد بن إسحاق، تاريخ اليعقوبي، ترجمة: محمد ابراهيم آيتي، شركة انتشارات علمي وفرهنكي، طهران، 1378 هـ. ش.

السابق
الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
التالي
بنو هاشم