مظاهر اختلال التوازن البيئي
جدول المحتويات
ابتُكر مصطلح النظام البيئي (بالإنجليزية: Ecosystem) عام 1935م على يد عالم البيئة البريطاني آرثر تانسلي (Arthur Tansley)، والذي عرّفه على أنّه البيئة التي تعيش فيها الكائنات الحيّة، مثل: الحيوانات، والنباتات، والبكتيريا، وتتفاعل فيها بشكل مستمرّ مع الكائنات غير الحية المحيطة بها، مثل: الهواء، والماء، والتربة، والغابات، والشعاب المرجانية، والمراعي، وغيرها، وقد وُجدت الأنظمة البيئية بشكلٍ طبيعي في حالة من التوازن، إذ تستطيع جميع أنواع وفصائل الكائنات الحية أن تتعايش مع بعضها البعض، ويمكن لهذا التوازن أن يستمرّ طالما لم يحدث تغيّر ما يجعل النظام البيئي يدخل في حالة من عدم التوازن تعرف باختلال التوازن البيئي (بالإنجليزية: Ecological Imbalance)، وهي أي تغيير أو اضطراب يمكن أن يسبّب خللاً في توازن النظام البيئي نتيجةً لأسباب طبيعية أو بشرية.
لقد أدّت العديد من العوامل منذ بداية الثورة الصناعية إلى تغيير طبيعة سطح كوكب الأرض، إذ نتج عنها تقدّم ملحوظ في التقنيات التكنولوجية، وزيادة كبيرة في الأعداد السكّانية، وعليه ازداد الطلب على الموارد الطبيعية لسدّ حاجات السكّان، إلى أن تمّ استغلال الموارد بطريقةٍ مفرطة أدّت إلى اختلال التوازن في النظام البيئي، إضافةً إلى أنّ الإلقاء العشوائي للنفايات السامّة، والنووية، والطبية أثّر على نطاق واسعٍ من البيئة وتوازنها الدقيق، وخلاصة الأمر إنّ استخدام الإنسان للموارد المادية والحيوية بطريقة خاطئة في سبيل تلبية احتياجاته يؤدّي إلى تدهور البيئة، وتوضّح الفقرات الآتية أبرز مظاهر اختلال التوازن البيئي.
إقرأ أيضا:مصادر تلوث الهواءإلحاق الضرر بالصحة
يرتبط التلوّث البيئي الذي يشمل كلّاً من تلوّث الهواء، والماء، والتربة بصحّة الإنسان بشكلٍ كبير، وذلك بسبب العوامل الكيميائية والحيوية الضارّة التي تظهر نتيجةً للتلوّث، وتؤثّر سلبًا على صحة الإنسان، إذ تؤدّي عناصر البيئة الملوّثة بفعل مخلّفات الإنسان والحيوان إلى انتشار العديد من الأمراض المعدية، ومن أبرز الأمثلة على ذلك مرض الطاعون الذي انتشر في العصور الوسطى عبر فئران تغذّت على مخلّفات بشرية ملوّثة، لذلك حاولت الدول المتقدّمة القضاء على الأمراض المنتقلة بيئياً عبر حملات التطعيم والتعقيم، إلّا أنّه في عام 2003م انتشر مرض السارس أو ما يُعرف بمتلازمة الالتهاب التنفسي الحادّ (SARS) في العديد من البلدان، ممّا يؤكّد على أنّه لا يوجد بلد محصّن بشكلٍ كامل من تفشّي الأمراض المنقولة بيئيًا.
انجراف التربة
تؤثّر مشكلة انجراف التربة (بالإنجليزية: Soil Degradation) بشكلٍ رئيسي على خصوبتها وقدرتها الإنتاجية، ولذلك فإنّه من المهم معرفة الأسباب الكامنة وراء هذه المشكلة، وتمثّل النقاط الآتية أهمّ هذه الأسباب:
- تعرية التربة (بالإنجليزية: Soil Erosion)، وهي مشكلة عالمية تتمثّل في إزالة الطبقة السطحية للتربة، وقد تحدث نتيجةً لعوامل طبيعية، أو بفعل الأنشطة البشرية التي تزيد من حدّتها خاصّةً عندما تتسبّب في إزالة الغطاء النباتي.
- الاستخدام غير السليم للأراضي.
- زيادة درجة حموضة أو ملوحة التربة، ممّا يؤثّر بشكلٍ مباشر على خصوبتها، ويحدث ذلك نتيجة للأمطار الحمضية، أو تراكم الأملاح القابلة للذوبان في الماء في التربة.
- تشبّع التربة بالمياه.
- تدهور الحالة الكيميائية للتربة (بالإنجلزية: Chemical Degradation)، ويحدث نتيجة ترشّح المغذّيات خارج التربة، أو تسرّب المواد المشعّة والكيميائية الضارّة إليها.
التصحّر
يحدث التصحّر (بالإنجليزية: Desertification) نتيجةً عاملين رئيسيين، هما: العامل الطبيعي المتمثّل بجفاف التربة الحادّ والمتكرّر، والعامل البشري المتمثّل باستغلال الإنسان للأراضي الجافّة بطريقةٍ مفرطة، ويمكن معالجة هذه المشكلة عن طريق الإصلاح الحيوي للظروف البيئية في هذه الأراضي الصحراوية، ويجدر بالذكر أنّ مصطلح الصحراء (بالإنجليزية: Desert) يشمل نطاق واسع من المجمّعات البيئية، هي:
إقرأ أيضا:أضرار غاز الفريون- الصحاري التي تعاني من مشكلة شُحّ الأمطار، إذ إنّ الأمطار لا تهطل فيها سنويًا.
- الصحاري التي يكون معدّل الأمطار السنوي فيها متغيّر ومنخفض، أي أقلّ من 100ملم سنوياً.
- الصحاري التي يكون معدّل الأمطار فيها حوالي 100-200ملم سنوياً، أي أنّه غير كافٍ لإنتاج المحاصيل الزراعية.
- الصحاري التي تكوّنت نتيجةً لاستغلال الإنسان المفرط لأراضي المناطق شبه القاحلة، ويكون معدّل الأمطار فيها 200-350ملم سنوياً.
استنزاف التنوع الجيني
تُستخدم المادة الجينية الموجودة في الأنواع المدجّنة من النباتات، وأشجار المحاصيل، والمواشي، والحيوانات المائية، والكائنات الدقيقة، وغيرها في برامج التدجين والتكاثر من أجل تحسين صفاتها، كالإنتاجية، والجودة الغذائية، والنكهة، والتحمّل، ومقاومتها للآفات والأمراض، إلّا أنّ انتقاء خيارات محدّدة من أجل الحصول على المنتج المراد بأفضل مواصفات أدّى لاستنزاف التنوّع الجيني لأنواعٍ عديدة.
تلوّث الغذاء
يمكن أن يتلوّث غذاء الإنسان بطريقة مباشرة أو عن طريق تلوّث علف المواشي، ويتسبّب في ذلك العديد من العوامل، منها المبيدات االزراعية التي قد تسبّب تلوّث المحاصيل، والأدوية البيطرية والمواد الكيميائية التي تستخدم لتحفيز نموّ الحيوانات، والتي قد تبقى آثارها في اللحوم ومنتجات الألبان، بالإضافة إلى المواد الحافظة للأطعمة، مثل: نترات الصوديوم، والمواد التي تستخدم للتغليف، والتي يمكن أن تلوّث الطعام المغلّف فيها، كما يمكن أن تتلوّث المحاصيل كيميائيًا نتيجةً لترسّب النفايات الصناعية السائلة، أو الانبعاثات الصناعية المنقولة عبر الهواء، والجدير بالذكر أن التوجّه الحالي نحو معالجة الأغذية وتخزينها سيؤدّي إلى زيادة نسبة تلوّث الغذاء.
إقرأ أيضا:التدابير الوقائية للمحافظة على سلامة الغلاف الجوياستنزاف طبقة الأوزون
تنبّأ العلماء منذ عام 1974م باستنزاف طبقة الأوزون بفعل وجود مركبات الكلوروفلوروكربون، وبعض الغازات كالميثان، والأمونيا، وأكسيد النيتروز في طبقة الستراتوسفير، ولذلك أعدّ المختصّين خطّة عالمية لحماية طبقة الأوزون، إذ استطاعوا من خلالها تقييم وضع طبقة الأوزون وآثارها.
الاحتباس الحراري
يشير مصطلح الاحتباس الحراري أو الاحترار العالمي (بالإنجليزية: Global Warming) إلى ارتفاع متوسّط درجات الحرارة بالقرب من سطح الأرض على مدى القرنين الماضيين، وذلك نتيجةً لامتصاص بعض الغازات للأشعة تحت الحمراء المنبعثة من سطح كوكب الأرض، كغاز الأوزون، وبخار الماء، وغاز ثاني أكسيد الكربون الذي يسمح بمرور الضوء المرئي إلّا أنّه يمتصّ الأشعة تحت الحمراء ويعيد إشعاعها، ويمكن تشبيه آلية عمله بالزجاج الموجود في بيوت الدفيئة، ولذلك عُرفت هذه الظاهرة باسم تأثير البيت الزجاج (بالإنجليزية: Green House Effect)، إذ يساهم غاز ثاني أكسيد الكربون في تسخين الهواء الموجود في أدنى مستويات الغلاف الجوي، ممّا يبقي درجة حرارة الأرض دافئة، ويعدّ انحسار الأنهار الجليدية في نصفيّ الكرة الأرضية مثالًا على آثار الاحتباس الحراري.
أبرز نتائج اختلال التوازن البيئي
لوحظ تغيّر سريع في هيكلة ووظائف الأنظمة البيئية حول العالم منذ بداية النصف الثاني من القرن العشرين الميلادي نتيجةً للتغيير الهائل الذي أحدثه البشر في الحياة على الأرض، والذي تمثّل في استنزاف التنوّع الحيوي، وذلك بهدف تلبية الطلب الزائد على الغذاء، والماء، والوقود، والأخشاب، وفيما يأتي أبرز نتائج اختلال التوازن البيئي:
- تحويل استخدام العديد من الأراضي إلى أراضي زراعية، إذ تشكّل الأنظمة الزراعية المختلفة حوالي ربع اليابسة الموجودة على سطح الأرض في الوقت الحالي.
- ارتفاع تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بنسبة 32% في الفترة الممتدّة بين عاميّ 1750-2003م.
- ارتفاع تدفّق النيتروجين التفاعلي بمقدار الضعف، والفوسفور بمقدار ثلاث أضعاف في النظم البيئية الأرضية منذ عام 1960م.
- فُقدان نحو 20% من الشعاب المرجانية حول العالم، وتدهور ما يُقارب 20% منها خلال العقود الأخيرة من القرن العشرين.
- أصبحت المياه الموجودة في الخزّانات أكثر بثلاثة إلى ستّة أضعاف من المياه الموجودة في الأنهار الطبيعية، كما تضاعفت المياه المحتجزة في السدود نحو أربع مرّات منذ عام 1960م، والجدير بالذكر أنّ 70% من استخدام الماء حول العالم مخصّص للزراعة.