مميزات تفسير ابن كثير
تميّز تفسير ابن كثير للقرآن الكريم بعددٍ من الخصائص؛ منها إعطاء اللغة العربية مكانةً متقدمةً في منهجه، وجعلها إحدى مصادر التفسير، واتّباعه لعقيدة السّلف فيما يخص الآيات المتعلّقة بالعقيدة، وقد اهتمّ بذكر أسانيد الأحاديث التي يُوردها، بالإضافة إلى تصحيح أو تضعيف أو ترجيح بعضها، وهذه إحدى أهمّ مميّزات تفسيره، ويعتبر تفسيره من أصحّ كتب التفسير، وقد أورَد فيه أسباب النزول، واعتنى بذكر القراءات، وابتعد عن الحشو والإطناب والإطالة في الشرح، ولم يُكثر من الدخول في المباحث اللّغوية؛ كالنحو، والصرف، والبلاغة.
وكان ابن كثير يعرض أقوال المفسّرين ويناقشها ويرجّح بينها، كما كان يعرض خلال تفسيره الأحكام الأصوليّة والفقهيّة، ويُبيّن أقوال الفقهاء واختلافهم في المسألة الواحدة، ويذكر أدلّتهم، ويمتاز تفسيره أيضاً بسهولة العبارة والعرض البسيط القريب من أفهام الناس، حيث لا يُعقّد تفسير المسألة، بل يذكر معناها الإجمالي، ويُكثر من النقولات عن العلماء من السّلف مع ذكر اسم القائل، وهذا من ميّزات تفسيره كونه يوثّق كلّ قولٍ يُورده وينسبه إلى صاحبه، وقد جمع بين تمام المعنى وإيجاز العبارة، وبين القوة والجودة،[١] كما كان ينبّه في كتابه من كَوْن التفسير بالمأثور قد يحتوي على رواياتٍ إسرائيليّة منكرة.
نبذة عن تفسير ابن كثير
ابن كثير هو أبو الفداء إسماعيل بن عمرو بن كثير القرشيّ الدمشقيّ، وُلد في عام سبعمئة وخمس للهجرة، وتُوفّي في عام سبعمئة وأربع وسبعين للهجرة، وقد ألّف أشهر كتب التفسير بالمأثور، وهو كتاب تفسير القرآن العظيم، ولم يُظهر ابن كثير -رحمه الله- تاريخ البدء بكتابه والانتهاء منه بالتحديد، ولكن بعض الدلائل تُشير إلى أنه كتبه قبل وفاة الشيخ المزّي -رحمه الله- المتوفّى في عام سبعمئة واثنين وأربعين للهجرة، وقد اعتنى العلماء في تفسير القرآن ومنهم الإمام ابن كثير؛ لِما للقرآن الكريم من الأهميّة المحوريّة في الدين، فاعتنوا بأحكامه، والناسخ والمنسوخ منه، ومعانيه، وعبره، ومواعظه، ووجوه إعجازه، وقصصه، وغير ذلك، ويعدّ تفسير ابن كثير من أكثر التفاسير شهرةً وانتشاراً وقبولاً.
إقرأ أيضا:كليلة ودمنة لابن المقفعطريقة ابن كثير في تفسيره
اعتمد ابن كثير في تفسيره للقرآن على القرآن نفسه أولاً، حيث يفسّر القرآن بالقرآن، ثم يفسّر الآية من السنّة النبوية، فهي بمقام الشارح للقرآن، قال الله -تعالى-: (وَأَنزَلنا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيهِم وَلَعَلَّهُم يَتَفَكَّرونَ)، ثم يبيّن التفسير من خلال أقوال الصحابة في الآية؛ لأنهم عاشوا مرحلة التنزّل كلها، وعندهم علمٌ بأسباب النزول واللّغة العربية، ومن أهم من فسّر القرآن من الصحابة؛ عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما-، ثم يأخذ بأقوال أئمة التفسير من التّابعين؛ كمجاهد بن جبر، وسعيد بن جبير، وعطاء بن أبي رباح، والحسن البصري، وغيرهم، وهو مع إيراده لبعض الروايات من الإسرائيليات؛ إلّا أنه ينبّه على ما فيها من الخطأ، فيفصّل رأيه في ذلك أحياناً، ويُجمله أحياناً أخرى، وقد اعتنى ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره بذكر الآراء الفقهية المتعلّقة بآيات الأحكام وغيرها، وكان يُورد اختلاف الفقهاء في المسألة، ويذكر أدلّتهم ويناقشها، إلّا أنه لم يسرف في ذلك، بل أورد ما يفيده منها في تفسيره.
إقرأ أيضا:من مؤلف كتاب الجبر والمقابلة