برّ الوالدين
ممّا لا شكّ فيه أنّ بر الوالدين من أهم الفرائض ومن أعظم الواجبات، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى ذلك في مواضع كثيرة من، فقد قال في كتابه الكريم: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)، وفي هذا إشارة واضحة إلى حث المسلمين على طاعة الوالدين، والإحسان إليهما، وبرّهما.
ومما جاء في فضل برّ الوالدين وتقديمه على أعظم الطاعات، ألا وهي الجهاد في سبيل الله تعالى، قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم عندما سُئِل عن أحبّ الأعمال إلى الله تعالى، إذ سأله عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فقال: (أيُّ الأعمالِ أحَبُّ إلى اللهِ تعالى؟ قال: الصَّلاةُ لِوَقتِها، فقُلتُ: ثم أيُّ؟ قال: ثم بِرُّ الوالدينِ، ثم قُلتُ: ثم أيُّ؟ قال: الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ، ولوِ استَزَدتُه لزادَني).
فضل الوالدين
يعلم الجميع ما تعانيه الأم من تعب ونصب؛ فهي تحمل ابنها في أحشائها تسعة أشهر؛ وقد تبدأ فترة حملها بالغثيان، والفتور في الهمّة، والشعور بالدوار، وكلما مضت على طفلها الأيام والشهور في بطنها، زاد ذاك الوزن الزائد الذي يُثقل كاهلها، مما يجعلها من التّعب الشّديدِ والألم والإرهاق بمكان، فيبطئ جنينها عليها حركتها، مسبّباً لها آلاماً في ظهرها، وقدميها، وكتفيها، وسائر جسدها، وقد يتسبب بإصابتها ببعض الأمراض، ومنها دوالي القدمين، وسكري الحمل، وغيرها الكثير من الأمراض والأوجاع.
إقرأ أيضا:كيفية كتابه cvأمّا بعد ولادة الأم لجنينها، فإنها تستقبله استقبال الأم الحانية المحبة، تنسى برؤية ملامحه كل ما عانته من مشاق أثناء حملها؛ فتوليه رعايتها واهتمامها، ولو كان ذلك على حساب صحتها، فتراها مقلةً للنّومِ، تحرم نفسها من وقت راحتها وخلوتها، لتستيقظ ليلها وتعتني به، وتقدّم له طعامه وشرابه، وتهتمّ بنظافته، وملابسه، كلّ ذلك برحابة صدر، وبكلّ تفانٍ وإخلاصٍ، إلى أن يشبّ، فتحرص من صغره على أن تعلمه الأخلاق الحميدةِ، وتوجّهه إلى الصّوابِ دوماً، وتمنع الضّرر عنه قدر المستطاع، ومهما تحدّثنا هاهنا، فلن نفي الأم حقها، فواجبها تجاه الأبناء عظيم، لا أعظم ولا أجلّ من دور الأم في تربية الأبناء وتنشئتهم! ومخطئ من يظنّ أن عملها هيّن، فلا يدرك أحد قيمة الأم وعظمتها، ولمستها في شيءٍ في حياته إلا من فقد أمه، فيشعرُ حينها بألمِ البعدِ والهجران، وعدم الاهتمام، مهما اجتمع حوله الأهل والمحبون والأصدقاء، فلا شيء يعادل محبتها وعطاءها، ودفئها، والطمأنينة التي تُشعر بها أبناءها.
وقد ورد في عِظَم فضل الأم، وعظيم برّها الإحسان إليها ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، حيث قال: (جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقالَ: مَن أَحَقُّ النَّاسِ بحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قالَ: أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قالَ: ثُمَّ أَبُوكَ. وفي حَديثِ قُتَيْبَةَ: مَن أَحَقُّ بحُسْنِ صَحَابَتي، وَلَمْ يَذْكُرِ النَّاسَ).
إقرأ أيضا:تعبير كتابي عن الوطنوفي فضل الأب، فلا يمكن لأحد نكران ما له من دور بالغ الأثر في تربية الأبناء، فعمله لوقت طويل وغيابه عن بيته -مستقرّه وراحته- ما هو إلا لتوفير المال للأبناء؛ وذلك لتوفير احتياجاتهم وكل ما يلزمهم، وتأمين سبل العيش الكريم لهم، حتى لو كان أثر ذلك بادياً على ما يعتري قسمات وجهه من تجاعيد، وما ينطبع على عروق يديه من ندوب العمل الشاق وآثار حروق الشمس على بشرته؛ ولا نغفل دوره العظيم أيضاً في تربية الأبناء، وتقويمهم، بمساندةٍ من الأم، وبكل ألفة ومحبّةٍ؛ فالأب والأم هما الوحيدان اللذان يسعيان جاهدين لرؤية أبنائهما يحيَون حياة أفضل من حياتهما، راجيَيْن بذلك احتساب أجرهما على الله تعالى.
واجب الأبناء تجاه الآباء
دعا الإسلام إلى رعاية الوالدين؛ خاصّة في مرحلة الشيخوخة التي تُعدّ من أضعف المراحل التي يمرّ بها الإنسان وأكثرها حساسيةً، كما نهى الله تعالى عن الإساءة لهما، وعدّ هذا إثماً عظيماً يُحاسَب عليه المرء في الدنيا والآخرة، وإن كانت الإساءة لفظية؛ بقول (أوفٍ)، أو غيرها من الكلام البغيض، أو حتى الإساءة في المعاملة، ولا يكون برّ الوالدين أثناء حياتهما فقط، بل يمتد برّهما في الإسلام حتّى بعد موتهما، وذلك بالصدقة الجارية عن روحهما، والدعاء لهما بالرحمة، وأداء مناسك الحجّ والعمرة عنهما.
إنّ برّ الوالدين جوهرة يسطع نورها على من يحافظ عليها، فالبارّ يحظى برضا الله، ومحبته، والفوز بجنته، كما يرزقه الله السعادة التامّة في الدنيا، ويكثر رزقه، ويُحلّ البركة في أمواله، وهو سر الطمأنينة والراحة النفسية، كما أنّ بر الوالدين خُلق عظيم على درجة عالية من الأهمية؛ لتلاحم أفراد المجتمع الواحد وتكافلهم، حيث إنّ كفالة الوالدين في الكبر تخفّف الأعباء الاقتصاديّة الملقاة على عاتق الدولة؛ من تكاليف الإعالة، والضمان الاجتماعيّ، ودور المسنين، كما تحفظ للمسنّ كرامته التي تبقى عُرضة للتهديد بما يُعرَف بدار العجزة أو المسنين، كما يسهم برّهما في تخفيف الخوف الذي يؤرّق الكثيرين حول مستقبلهم، ومراحل التقدّم في السنّ.
إقرأ أيضا:تعبير عن الصديق