البلد الحرام
يُقصَد بالبلد الحرام مكّة المُكرَّمة، أو الحَرَم المكّي، وقد يُقصَد به في بعض الأحيان المسجد الحرام، ونستدلُّ على ذلك من قول ابن القيِّم -رحمه الله-: “المسجد الحرام يُراد به في كتاب الله ثلاثة أشياء: نفس البيت، والمسجد الذي حوله، والحرم كُلّه”. وهي البُقعة التي وُلِد فيها أشرف الخَلق، وخاتم النبيّين، محمّد -صلّى الله عليه وسلّم-، وفي أحد جبالها نَزَل عليه الوحي، كما أنّها تضمُّ أعظم مسجد في الإسلام، وهو المسجد الحرام، والذي يضمُّ في وسطه الكعبة المُشرَّفة، قِبلة المسلمين في صلاتهم، ومن الجدير بالذكر أنّ البلد الحرام يحتلُّ مساحة جغرافيّة تُقدَّر بنحو 850كم²، منها مساحة مأهولة بالسكّان تُقدَّر بحوالي 88كم²، ويُقدَّر عدد سُكّان المدينة وِفق إحصائيّات عام 2018م بحوالي 1,967,094 نسمة،
الموقع الجغرافيّ للبلد الحرام وأهمّيته
تقع مكّة المُكرَّمة، أو البلد الحرام في المنطقة الغربيّة من المملكة العربيّة السعوديّة، على منطقة يصل مُتوسّط ارتفاعها نحو 277م عن مستوى سطح البحر، وهي مُحاطة بعدد من القِمَم الجبليّة المُشكِّلة لسلسلة جبال السراة التي تُطِلُّ مباشرة على ساحل البحر الأحمر، وهذه القِمَم هي: جبل أبي قُبيس، ويبلغ ارتفاع أعلى قِمّة فيه نحو 1220 قَدَماً، وجبل أجياد، ويرتفع نحو 1332 قَدَماً، وجبل قعيقعان بارتفاع نحو 1401 قَدَماً، وجبل حِراء الذي يضمُّ غار حِراء الذي كان يَقصِدُه الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- قبل أن يُصبح نبيّاً، ويبلغ ارتفاع هذا الجبل نحو 2080 قَدَماً، وفي الجنوب يقع جبل ثور الذي يصل ارتفاعه إلى نحو 2490 قَدَماً. وقد حَظِيَ البلد الحرام بأهمّية، ومكانة عظيمة عَبر تاريخه العريق؛ وذلك بحُكم موقعه الجغرافيّ المُتميِّز؛ فقد كانت مكّة المُكرَّمة مَحطّة رئيسيّة على طريق القوافل القديم الذي يصل بين جنوب الجزيرة العربيّة، والشرق الأوسط، وشرق أفريقيا، ومناطق جنوب آسيا، كما مَثّلت مكّة المُكرَّمة أيضاً مَحطّة في منتصف الطريق بين مَأرِب في الجَنوب، وعاصِمة الأنْباط (البتراء) في الشمال.
إقرأ أيضا:موضوع تعبير عن الأخلاقأسماء البلد الحرام
عُرِف البلد الحرام بالعديد من الأسماء عَبر تاريخه العريق، منها ما هو مذكور في القرآن الكريم، ومنها ما هو مذكور في السنّة النبويّة المُطهَّرة، أو في أقوال العرب، ويدلُّ ذلك على مدى أهمّية، ومكانة، وعُلوّ قَدْر المُسمَّى. وفيما يلي ذِكرٌ لأهمّ هذه الأسماء:
- مكّة: وهو الاسم الأكثر شهرة للبلد الحرام، إذ ورد ذِكره في القرآن الكريم، وقد اختلفت الآراء حول سبب تسميتها بذلك؛ فالبعض يقول إنّها تَمُكُّ من ظَلَم فيها؛ أي تُهلِكه، ومنهم من يقول لقلّة مائها، حيث يُقال: مكَّ الصبيُّ ثدي أمّه مكّاً؛ أي استَقصى مَصّه، وهناك رأي ثالث يقول بأنّها سُمِّيت بمكّة؛ لاجتذاب الناس إليها من الأباعد؛ فيُقال: تمكّكت العَظم؛ أي أخذتُ ما فيه من المُخّ.
- بكّة: ذُكِر هذا الاسم في القرآن الكريم أيضاً، وقد سُمِّيت بذلك؛ لازدحام الناس فيها، أو لأنّها تبكُّ أعناق الجبابرة، وقد اختلفت الآراء في هذا الاسم من حيث مشابهته في المعنى لمكّة؛ فمنهم من يقول إنّ هناك فرقاً بين مكّة، وبكّة، وهو أنّ بكّة تُمثِّل موضع البيت، أمّا مكّة فهي الحرم كُلّه، ومنهم من يرى أنّهما مُتشابهتان في المعنى، والمضمون، وهو الرأي الغالب، وقول عامّة أهل اللغة.
- أمّ القُرى: ورد ذِكر هذا الاسم مرَّتين في القرآن الكريم، وهناك ثلاث أقوال حول سبب تسمية البلد الحرام بأمّ القُرى؛ فمنهم من يُبرِّر ذلك بأنّ الأرض دُحِيت من تحتها، أو لأنّ أهل القُرى يتوجَّهون إليها، أو لأنّها أعظم القُرى، وفيها بيت الله -تعالى-.
- المسجد الحرام: ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في 15 موضعاً، حيث يُراد به في بعض الأحيان البلد الحرام، وفي أحيان أخرى الكعبة المُشرَّفة؛ لأنّ أسماء مكّة تتداخل مجازاً مع أسماء الكعبة.
- البلد: ورد ذِكره 3 مرّات في القرآن الكريم، وقد سُمِّي البلد الحرام بالبلد؛ لأنّه صدر القُرى.
- البلد الأمين: ورد ذِكره مرّة واحدة في القرآن الكريم، بمعنى أنّه بلد ذو أَمْن.
- البلدة: ورد ذِكره مرّة واحدة في القرآن الكريم، وكان يُقصَد بها مكّة التي جعلها الله -تعالى- حَرَماً آمناً.
فضائل البلد الحرام
حَظِي البلد الحرام بأهمّية كبيرة، ومكانة عظيمة؛ فقد خصَّه الله -تعالى- بفضائل عديدة، وفي ما يأتي ذِكرٌ لأهمّها:
إقرأ أيضا:موضوع تعبير عن النجاح- حُرمة مكّة بلد الله الحرام: اصطفى الله -تعالى- البلد الحرام، وحرَّمه منذ بَدء الخليقة، حيث قال -تعالى- في كتابه الكريم: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَٰذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، كما أعلن خليل الله إبراهيم -عليه السلام- حُرمة مكّة المُكرَّمة؛ فقد أمره الله -تعالى- ببناء، وتطهير الكعبة المُشرَّفة، والسماح للناس بالحَجّ إليها، وقد أكَّد خاتم الأنبياء محمد -صلّى الله عليه وسلّم- على حُرمة البلد الحرام، وأنّ هذه اللُّحمة دائمة، وباقية إلى يوم القيامة.
- دعوة إبراهيم عليه السلام لمكّة وأهلها: دعا خليل الله إبراهيم -عليه السلام- دعوات مُباركة لأهل، وسُكّان البلد الحرام، وذلك بعد أن أسكن ابنه اسماعيل، وزوجته هاجر -عليهما السلام-، حيث دعا الله بأن يجعل قلوب المسلمين تتَّجه إليهم، وأن يرزقهم من الثمرات، وأن يبعث فيهم نبيّاً منهم.
- أحبّ البلاد إلى الله: البلد الحرام هي أحبّ البِقاع إلى الله -تعالى- سيِّد الخلق، ويدلُّ على ذلك ما ورد في النصوص الشرعيّة.
- عدم دخول الدجّال إليها: حفظ الله -تعالى- البلد الحرام بالملائكة التي تحميه من دخول المسيح الدجّال الذي يسعى إلى نَشْر الفِتنة بين الناس.
- مضاعفة أجر الصلاة في المسجد الحرام: أكرم الله -تعالى- من يُصلِّي في المسجد الحرام بمضاعفة أجر الصلوات إلى أضعاف كثيرة؛ فهو أوّل بيت وُضِع للناس، والله رؤوف رحيم بعباده.
- تحريم الإلحاد في الحَرَم: حذَّر الله -تعالى- من أن يُلحِدَ المرء في حُرمة البلد الحرام، وحرَّم ذلك، وتوعَّد لمن يفعل ذلك بالخِزي العظيم، والعذاب الأليم يوم القيامة، ويُقصَد بالإلحاد هنا: الشِّرك، أو استحلال الحرام، أو فِعله، أو احتكار الطعام في حضرة مكّة.
- تحريم القتال وسَفْك الدماء في البلد الحرام: حيث نُهِي عن حَمل السلاح فيه إلّا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، وأن لا يُمَسَّ أحد بأذى، أو قتل، بالإضافة إلى عدم نَشر الذُّعر بين الناس.
- تحريم دخول الكفّار إلى البلد الحرام: البلد الحَرام بُقعة مُطهَّرة، ومُقدَّسة؛ ولذا لا يجوز مُطلقاً دخول المشركين من يهود، ونصارى، أو أيٍّ من أتباع الديانات الأخرى غير الإسلام إلى البلد الحرام.
- تحريم إيذاء مرافق البلد الحرام: حرَّم الله -تعالى- الصيد، وترويع الحيوانات في البلد الحرام، أو قَطع الأشجار، أو أخذ اللُّقطة في الحَرَم، ومعنى اللَّقْطُ: أَخْذُ الشيء من الأَرض.