مرحلة ما قبل إنشاء قناة السويس
مرّت قناة السويس المصرية (بالإنجليزية: Suez Canal) بعدد من المراحل التي سبقت إنشاءها بالشكل الذي هي عليه في يومنا هذا، ويُعتقد أنّ أول هذه المراحل تعود إلى عهد سنوسرت الثالث (بالإنجليزية: Senusret III) أحد فراعنة الأسرة المصرية الثانية عشر، والذي استمرّ حكمه في الفترة المحصورة بين الأعوام 1878-1839 قبل الميلاد، إذ شُقّت قناة مائية من الجهة الغربية إلى الشرقية تربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط عبر ما يُعرف بوادي طميلات (بالإنجليزية: Wadi Tumilat).
أكّدت الدلائل الأثرية خلال فترة حكم الفرعون رمسيس الثاني (بالإنجليزية: Ramesses II) في القرن الثالث عشر قبل الميلاد على حقيقة وجود القناة، إلّا أنّ هذه القناة أصبحت عقب ذلك غير صالحة للاستخدام، وبحاجة إلى إصلاح، وإعادة ترميم، وقد استمرّت كذلك حتى عام 600 قبل الميلاد، حينما أعاد الفرعون نخاو الثاني (بالإنجليزية: Necho II) حفرها بهدف تجديد استخدامها، ولكنّه لم يتمكّن من إكمال ذلك، في حين استطاع داريوس الاول (بالإنجليزية: Darius I) إكمال هذه الإصلاحات، والتجديدات، إذ وسّع القناة لتمرّ من خلالها السفن بشكل مريح، هذا وبقيت قناة السويس تخضع بشكل مُستمرّ لعمليات الترميم المتكرّرة، كتلك التي قام بها بطليموس الثاني (بالإنجليزية: Ptolemy II) منذ ما يُقارب 250 عاماً قبل الميلاد، واستمرّت هذه العمليات الترميمية للقناة الشرقية الغربية إلى نحو ألف سنة بعد حكم بطليموس، ثمّ انتهت في القرن الثامن الميلادي في فترة حُكم الخليفة العباسي المنصور.
إقرأ أيضا:بحيرة زيلامسيتعود فكرة إنشاء قناة السويس الحالية إلى القرن الثامن عشر الميلادي، وذلك عندما طرح نابليون بونابرت (بالإنجليزية: Napoleon Bonaparte) أثناء تواجده في مصر فكرة إنشاء قناة مائية تربط بين البحرين الأحمر، والأبيض المتوسط، وبالاستفادة من القناة القديمة، إلّا أنّ النجاح لم يُكتب لهذه الفكرة، وذلك بسبب الحسابات الخاطئة للفريق الذي كُلّف بدراسة مشروع القناة، إذ أشار باحثوا الفريق إلى أنّ منسوب مياه البحر الأحمر يرتفع عن منسوب مياه البحر الأبيض المتوسط بمقدار 10م، ممّا يجعل إنشاء القناة أمراً صعباً، حيث يتطلّب ذلك بناء قناة مائية ضخمة، ممّا يحتاج إلى تمويل مالي كبير، عدا عن الوقت الطويل الذي سيُبذل لإتمامها.
منح سعيد باشا نائب حاكم الدولة العثمانية في مصر في وقت لاحق، وتحديداً في الخمسينيات من القرن التاسع عشر الإذن للدبلوماسي الفرنسي السابق لدى مصر فرديناند دي ليسبس (بالإنجليزية: Ferdinand de Lesseps) بتأسيس شركة لإنشاء قناة بحرية تسمح بحركة الملاحة للسفن التابعة للدول المختلفة، وبالفعل بدأ مشروع قناة السويس العمل على التصميم في عام 1858م، وقد كان المهندس النمساوي نجريللي (بالإنجليزية: Alois Negrelli) المسؤول عن تصميم، وإنشاء هذه القناة.
مرحلة إنشاء قناة السويس
شهد عام 1859م بدء التنفيذ الفعلي لتشييد الجزء الأول من قناة السويس، وفي عام 1861م واجهت الشركة الممثّلة بفرديناند دي ليسبس في البداية مشاكل تتعلّق بقلّة الأيدي العاملة في المشروع الضخم الذي سيتطلّب إنجازه عشرة أعوام، ورأس مالي كبير، فقد حفرت الشركة التابعة لفرديناند (بالإنجليزية: Lesseps Company) القناة لتكون بعرض يبلغ نحو 30م، وعمق 9م تقريباً، وعلى امتداد الخطّ الواصل بين البحرين الأحمر، والأبيض المتوسط، كما أقامت الموانئ البحرية عند كلا البحرين.
إقرأ أيضا:أين يصب نهر الفولغاتمّ إنشاء القناة على مراحل بدأت بتنفيذ ثلثها الأول من الجهة الشماليّة، إذ حُفِر ليكون بعرض 3.6م، وعمق 1.2م، أما الثلث الثاني منها فقد اكتمل في عام 1862م، وقد ساهم السّماح بتدفّق مياه البحيرات إلى الشمال من السويس بتسهيل مهمة إنجاز الثلث الأخير من القناة، وبعد أن تولّى اسماعيل باشا الحكم في مصر في عام 1863م، توقّف العمل في القناة لأسباب فنية، إلّا أنّه سرعان ما استُئنِف مجدداً في عام 1864م، وذلك نتيجة لتعيين لجنة دولية بعد عدة مناشدات من قِبل فرديناند لنابليون الثالث، هذا وقد استغرق الانتهاء من العمل في القناة مدّة ثلاث سنوات.
شهدت عملية تشييد القناة استخدام آلالات ميكانيكية فريدة، ومُبتكرة، وجرّافات ذات أنواع، وأحجام مختلفة تتراوح بين الكبيرة، والصغيرة تعمل في حفر التربة، وتسمح للماء بالمرور، ويجدر بالذكر أنّه أثناء عمليات الحفر كان يتمّ حصد الأتربة، والطين، ثمّ التخلّص منها خلف ضفة القناة، ممّا ساهم في زيادة ارتفاع جانبيّ القناة، أمّا في حفر بعض المناطق ذات التضاريس الصعبة، والممتدّة على طول القناة فقد استُخدمت الطرق التقليدية، كالفأس، كما أنّ إخراج الطين، والرمل فيها كان يحدث بطريقة يدوية، ليتمّ في ما بعد نقلها في صناديق للتخلّص منها بعيداً.
حفل افتتاح قناة السويس
أقام الخديوي إسماعيل باشا عقب الانتهاء من إنشاء قناة السويس حفلاً ضخماً للاحتفال بمناسبة افتتاحها، وقد بدأت فعاليات الاحتفال الذي شهده حضور ستة آلاف شخص بينهم العديد من الشخصيات العالمية، ورؤساء الدول، كامبراطور النمسا، وأمراء كلّا من: هولندا، وبروسيا، وويلز، وقد أبدى الخديوي إسماعيل كرماً كبيراً في استقبال ضيوفه، والترحيب بهم، إذ جُهِزّت منصّات خشبية كبيرة مكسوّة بالورود، واللّافتات الترحيبية بالحضور، هذا وقد استمتع الحشد الموجود في الاحتفال بمشاهدة عرض ضخم للألعاب النارية، كما شهد الحفل إطلاق دار الأوبرا الخديوية التي بناها الخديوي إسماعيل في مدينة القاهرة.
إقرأ أيضا:أكبر محيط في العالمبقيت احتفالات افتتاح قناة السويس مستمرّة لأسابيع عدّة استمتع خلالها ضيوف الخديوي إسماعيل، إذ قاموا بالعديد من الرحلات عبر نهر النيل، وتمكّنوا من زيارة المعابد القديمة، وقضاء أوقات مميّزة في الخيام الموجودة في الصحراء، وإلى جانب ذلك شهد الضيوف العديد من الاحتفالات التقليدية الخاصّة بثقافة بدوّ المنطقة.
مرحلة ما بعد إنشاء قناة السويس
كان عام 1870م أول عام من عمر قناة السويس اكتظاظاً بالأعمال، إذ بلغ إجمالي عدد السفن التي عبرت القناة في هذا العام نحو 486 سفينة، كما وصل متوسط حركة الملاحة عبر القناة إلى ما يُقارب أقلّ من سفينتين في اليوم الواحد، هذا وقد بدأت قناة السويس تشهد حركة كبيرة للملاحة عبرها بعد مرور ما يُقارب قرن على افتتاحها، ففي عام 1966م بلغ عدد الرحلات التي عبرت القناة حوالي 21,250 رحلة، وهو ما يُعادل 58 رحلة خلال اليوم الواحد، وقد رافق هذا الارتفاع الكبير في الحركة الملاحية زيادة كبيرة في حجم الحمولة الصافية للشحنات التي تعبر القناة، ويجدر بالذكر أنّه في عام 2018 م شُحِن ما يزيد عن 1,139 مليون طن متريّ من المواد عبر 18,174 رحلة مرّت من خلال قناة السويس.
تطوير قناة السويس
شهدت قناة السويس منذ تشييدها العديد من عمليات التطوير، والتوسّعة التي أُجرِيت على عمق القناة، وعرضها، فعند افتتاحها في عام 1869م كانت القناة على عمق يبلغ 8م فقط، كما كانت مساحة القطاع المائي لها تبلغ ما يُقارب 304م2، أمّا في الفترة الممتدّة بين سبعينيات القرن التاسع عشر، وستينيات القرن العشرين فقد شهدت القناة تحسينات ملحوظة على بنيتها، إذ بلغ عمقها في نهاية تلك الفترة نحو 14.5م، بينما كانت مساحة القطاع المائي فيها تساوي 1,800م2.
ازداد عمق قناة السويس في عام 1964م ليصل إلى نحو 15.5م، بينما أصبحت مساحة المقطع المائي لها تُعادل 2,100م2، إلّا أنّ تطوير القناة توقّف مؤقتاً بعد ذلك، فقد بقيت على هذه الأبعاد حتى عام 1975م، وذلك حين أقامت هيئة قناة السويس (بالإنجليزية: SCA) مشروعاً يتضمن خطّة لتطوير القناة على مرحلتين، وقد نتج عنه زيادة عمقها بمقدار 5م عمّا كانت عليه، وبذلك وصل عمقها إلى ما يُقارب 19.5-20م، وقد أدّت هذه الزيادة في عمقها إلى زيادة مساحة القطاع المائيّ في القناة إلى نحو 3,600م2، كما نتج عن مشروع تطوير قناة السويس أيضاً توسّعة عرض القناة بنحو 70-90م.