كوكب الأرض
لقد شَغَل علم الفلك العُلماء منذ الأزمة القديمة، وأدركَ الإنسان أنّ للشَّمس والكواكب حركةً ظاهريّةً عبر السّماء مُنذ القدم، وأدرك أنَّ الشّمس تحتاج اثني عشر شهراً تقريباً لتُتمَّ كلَّ دورة من حركتها هذه، إلا أنَّ مُعظم النّجوم الأُخرى في السَّماء كانت تبدُو ثابتةً تقريباً، ما عدا شيء واحد؛ فهي تظهرُ كل يومٍ من جهة من الأفق، والتي أصبحت تُسمَّى الشّرق، ومن ثمَّ تختفي في الجهة المُقابلة لها، والتي تُسمَّى الغرب، وتأخذُ كل النّجوم والكواكب والشّمس والقمر يوماً واحداً بالضَّبط لتُعاود الظّهور في نفس المكان.
كان التّفسير البديهي لهذه الظَّاهرة أنَّ الأرض هي مركز الكون، وأنَّ كل ما في العالم من كواكبَ ونجومٍ وأجرامٍ سماويَّةٍ تدورُ حولها بصُورة لا نهائيّة، ومع أنّ بعضَ الفلاسفة شكَّكُوا في هذه الفكرة مُنذ زمن الإغريق القدماء، إلا أنَّ تبنِّي الفيلسوف الشهير بطليموس لفكرة أنَّ الأرضَ ثابتةٌ وأنّها مركزُ الكون (في القرن الثّاني الميلادي) كان سبباً بأنَّ هذه الفكرة سادت العُلوم الإنسانيّة لأكثر من أربعة عشر قرناً. ولم يتمَّ الطَّعنُ بمركزيَّة الأرض حتّى عام 1444م عندما اقترح الفلكيّ الألماني نيكولوس كوبرنيكوس أنَّ الأرض تدورُ في الحقيقة حول نفسها، وأنّ هذا هو سببُ تعاقب اللّيل والنّهار، ونجح العالم الإيطالي غاليليو غاليلي في إثبات تلك النّظرية سنة 1543م، فأصبحت حقيقةً علميَّةً مُؤكَّدةً.
كيفيّة دوران الأرض حول نفسها وحول الشّمس
تمرُّ الأرض بحركتين أساسيَّتين من النّاحية الفلكيّة:
إقرأ أيضا:كيف سميت الكواكب بأسمائها الحالية- دورانُ الأرض حول نفسها: تدور الأرض حول نفسها بمحورٍ مائل بمقدار 23.5 درجة، وهذا الميلانُ يُعبِّر عن الاختلاف بين زاوية مِحور دوران الأرض وزاوية مَدارِها حول الشّمس، وهذا الدّوران يُسبِّبُ تعاقب اللّيل والنّهار؛ فهو يُظهر الشّمس وكأنّها تُشرقُ – ظاهريّاً – من الشّرق وتغربُ في الغرب، ولأنَّ هذه الحركة مُجرَّد ناتج ظاهريّ فهي تكونُ مُعاكسة لاتّجاه دوران الأرض الحقيقيّ، وذلك يعني أنَّ الأرض تدورُ من الغرب إلى الشّرق وليس العَكْس.
- تحتاج الأرض لتدور حول نفسها مدّةً تبلغُ 23 ساعة و56 دقيقة حسب السّاعة العاديّة، وهذا يعني أنَّ أدوات حساب الوقت لدى الإنسان تتأخَّرُ أربع دقائق في كلّ يوم، ولمُعالَجة ذلك يتمُّ إضافة يومٍ جديد إلى التّقويم مرَّة كلّ أربع سنواتٍ لتعويض النّقص، وتُسمَّى السّنة التي أُضِيف إليها اليوم بالسّنة الكبيسة.
- دورانُ الأرض حول الشّمس: تدور الأرض حول الشّمس من الغرب إلى الشّرق في مدار إهليليجيّ (أي بيضاويّ) بحيث تقع الشّمس في إحدى بؤرتيه، وتتم دورةً كاملة مرَّةً كلّ 365.24 يوماً تقريباً، وبهذا الدّوران تُحسب السّنة الميلاديّة. وعلى عكسِ الاعتقاد السَّائد، فإنَّ دوران الأرض حول الشّمس ليسَ سبباً لتعاقُب الفصول الأربعة، بل هو ميلانُ مِحور دورانها حولَ نفسها. ولأنَّ شكل هذا المدار بيضاويّ فإنَّ الأرض لا تبقى على نفسِ المسافة من الشّمس، بل في الحقيقة تتغيَّرُ المسافة بين الأرض والشّمس بأكثر من خمسة ملايين كيلومترٍ بين أقرب نقطة لهما وأبعد نُقطة، وأثناء هذا تتغيَّر أيضاً سُرعة دوران الأرض؛ فكُلَّما اقتربت الأرض من الشّمس تزداد سُرعتها، وكُلَّما ابتدعت تتباطأ، وذلك بسبب ازدياد أو انخفاض قوّة الجاذبيّة المُؤثّرة بها، لكن وسطيّاً تبلغُ هذه السُّرعة 108,000 كم/ساعة، بحيثُ تَقطع الأرض 940 مليون كيلومترٍ كلَّ عام.
تفسيرُ دوران الأرض حول نفسها
السَّببُ في أنَّ الأرض تدورُ حول نفسها يعود إلى كيفيّة نشأة كوكب الأرض نفسه. وُلدت الأرض قبل مدّة 4.6 مليار سنة من سديم كبير، والسَّديم – في علم الفلك – هو سحابةٌ عملاقة من الغاز والأتربة تَسبحُ في الفضاء، وبمُرور الوقت تتقاربُ الجُزيئات الصَّغيرة الموجودة في هذه السّحابة بسببِ قُوى الجاذبيّة المُتبادلة التي تُؤثّر عليها، فتتحوَّل إلى تكتُّلات صغيرة يُصبح كلُّ واحدٍ منها سحابةً كثيفةً تحملُ ما معها من الأتربة والجزيئات الأُخرى. وفي الواقع، 99% تقريباً من تلك السَّحابة اجتمعَت في كتلة واحدة هي الشّمس، وأما الأرضُ (وسائر الكواكب) فهي وُلدت من بقايا الأتربة والصّخور التي ظلَّت موجودةً حول الشّمس بعد ولادتها. بعد بعضِ الوقت تكوَّنت سحبٌ ترابيَّةٌ صغيرة خاصَّة بما أصبح لاحقاً كلَّ واحدٍ من الكواكب، ووسط هذه السُّحب، تصادَمت جُزيئات الأتربة مع بعضِها فبدأت بالاندماج لتُكوِّن كُتلاً أكبر حجماً وأكثر كُتلةً، وفي النّهاية، لم يبقَى سوى بضعُ كتلٍ صخريَّة عملاقة وُلِدَت الأرضُ عند تصادمها مع بعضها واتِّحادها في جسمٍ واحد.
إقرأ أيضا:شكل الكرة الأرضيةبعد ولادة الأرض، ظلَّت كُلُّها مَشحونةً بطاقةٍ حركيّة كبيرة ناتجة كيفيّة تكوُّنها، فتتصادمُ جزيئات التّراب والصّخور التي شَكّلت الأرض مع بعضِها كان يُولِّد زخماً، وهذا الزّخم ما زالَ يدفعُ بالأرض للدّوران حول مِحورها إلى الآن، إذ لا تُوجد طريقة لتبديده في الفضاء. وتُوجد عوامل إضافيَّة تُساهم في دوران الأرض، أهمُّها قوى المدّ والجزر الخاصَّة بالقمر التي تُساعد على إعطاء كوكب الأرض زخماً إضافيّاً للدّوران حول مِحوره. ولدوران الأرضِ دورٌ أساسيّ في إعطائها شكلها الكرويّ، وهو أيضاً يجعُلها مُنبعجة قليلاً عند خطّ الاستواء.
تفسيرُ دوران الأرض حول الشّمس
تُوجد عوامل كثيرةٌ مُعقَّدة لها دورٌ في دوران الأرض (وسائر الكواكب الأخرى) حول الشّمس، وهذه الأسبابُ مُشتركة في جميع حركات الدّوران الفلكيّة؛ فهيَ أيضاً تُفسّر دوران القمر حول الأرض، ودوران الشّمس حول مركز مَجرّة درب التبّانة، والسَّببُ الأكثر بساطة وأهميّة في هذه الحركات هو قوَّة الجاذبيّة التي تربطُ بين هذه الأجسام؛ فمثلما تجعلُ جاذبية الأرض الأشياء تسقطُ نحو سطحها، تُؤثّر الشّمس أيضاً بقوة جاذبيّة شديدة على الأرض، وكي لا تسقطَ الأرض نحو الشّمس بخطّ مُستقيم وتصطدم بها فإنَّ عليها أن تستمرَّ بالحركة، والمسارُ الدائريّ – وبالأدقّ البيضاويّ – يسمحُ لها بتجنُّب السّقوط نحو الشّمس، حتى ولو كانت عاجزةً عن الإفلات من مجال جاذبيَّتها.
إقرأ أيضا:لماذا سمي كوكب المريخ بهذا الاسم