نظرة عامة عن كوكب الزُّهرة
يُعتبر كوكب الزُهرة (بالإنجليزية: Venus) سادس أكبر كواكب المجموعة الشمسية من حيث الحجم والكتلة وقُربه إلى الأرض، فقد بلغت كتلة كوكب الزُهرة 4.867×1024 كغ، بينما يبلغ حجمه ما يُقارب 928,415 مليون كيلومتر، وتبلغ مساحة سطح كوكب الزُهرة 460,234,317كم2، أما بالنسبة لكثافته فتساوي 5.243 غرام/سم3 تقريباً، ويكون تسارع الجاذبية على سطح كوكب الزُّهرة 8.87 م/ث2، ويُعد الزُهرة الكوكب الثاني من حيث بُعده عن الشمس حيث يبعد عنها حوالي 108 مليون كيلومتر، ويدور الكوكب في مدار أقرب إلى الشمس منه إلى الأرض وباتجاه مُماثل لاتجاه عقارب الساعة لذا فإن رؤيته تكون مُمكنة في فترة شروق الشمس أو أثناء فترة غروبها فقط، وفي حال أُتيحت الفرصة لرؤية هذا الكوكب فإن جمالاً خاصاً سيظهر لكوكب يُعد الأروع بين الأجرام الموجودة في السماء.
ونظراً لتوقيت ظهوره فقد عرفه القدامى من علماء الفلك بنجم الصباح ونجم المساء، وقد كان لهذا الكوكب المُميز أهمية بالغة في الأساطير والخيال وفن التنجيم عبر العصور والثقافات المُختلفة، وقد جعلت تلك الأهمية الثقافية لكوكب الزُهرة منه مصدر إلهام للعديد من الشعراء الكلاسيكيين أمثال هومر، و سافو، وأوفيد، والكثير من الشعراء الرومانسيين كويليام بليك، وروبرت فروست، وألفريد لورد تينيسونلا وغيرهم، ومع اختراع التلسكوب بدأت هذه الأهمية الأسطورية تقل شيئاً فشيئاً حيث أصبح يُنظر إلى كوكب الزُهرة كعالم حقيقي مادي موجود،وتجدر الإشارة إلى أن كوكب الزُهرة سُمي بفينوس نسبة إلى آلهة الحب والجمال عند الرومانيين القدامى حيث أن هذا الكوكب كان يُعتبر أجمل الكواكب في السماء.
إقرأ أيضا:كيف يحدث كسوف الشمسخصائص كوكب الزُهرة
المناخ والغلاف الجوي لكوكب الزُهرة
يُشكل غاز ثاني أكسيد الكربون معظم الغلاف الجوي لكوكب الزُهرة، ويحتوي جو الكوكب على غيوم ذات كثافة كبيرة تجعل رؤية سطحها أمراً صعباً بدون استخدام أنظمة رادار متطورة، وقد تم استخدام مثل هذه الأنظمة من خلال مركبتي الفضاء مجلان (Magellan) وبايونير (Pioneer) لاكتشاف حدوث البرق ضمن السُحب الكثيفة التي تبعد عن سطح الكوكب ما يُقارب 56كم، وقد استطاعت تلك المركبات الفضائيّة بالاعتماد على نظام تصوير خاص بالرادارات الموجود فيها رسم خريطة لسطح الكوكب، يحتوي على مقدار عالٍ من الضغط يزيد بمقدار 92 ضعفاً من الضغط الموجود على سطح الكرة الأرضية، كما استطاعت مركبة بايونيير اكتشاف أن الرياح في كوكب الزهرة ذات سُرعات عالية جداً؛ إذ تزيد سرعة تلك الرياح عن 320كم/ساعة، وتعمل هذه الرياح التي تنتقل بشكل سريع عبر أنحاء الكوكب على جعل درجات حرارة الزُهرة في الليل مساوية لتلك السائدة خلال فترة النهار والتي تصل إلى مستويات عاليّة وقياسيّة، فكوكب الزُهرة يُعد أكثر كواكب المجموعة الشمسية سخونة على الإطلاق، حيث تتراوح درجة حرارة سطحه ما بين 438 إلى 480 درجة مئوية، و تُعتبرهذه الدرجة مرتفعة بما يكفي لإذابة معدن الرصاص.
يتبخر بخار الماء الموجود عبر الكوكب على الفور نتيجة تلك المستويات القياسيّة من الارتفاع في درجة الحرارة، وتُشير الأبحاث العلمية المُختصة إلى أن كوكب الزُهرة كان يحتوي على مياه سائلة تواجدت في المحيطات والأنهار وُجدت على سطح الكوكب قبل ملايين السنين، ولكن يُرجح أن تلك المُسطحات المائية التي وُجدت في ذلك الوقت قد خَلت من أية مظاهر للحياة وذلك نتيجة ارتفاع درجات الحرارة فيها، فيُتوقع أن تكون حرارة المياه قد تراوحت ما بين 93 إلى 150 درجة مئوية، ومع استمرار الارتفاع في تلك الحرارة وصلت المياه لدرجة الغيلان مما أسفر عن تبخرها بشكل تام مع مرور الزمن، ويُعتبر الطيّف المرئي والأشعة تحت الحمراء الموجودة في الغلاف الجوي لكوكب الزُهرة نتيجة لاحتوائه على كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من العوامل التي عملت على ازدياد درجة حرارته وارتفاعها بهذا الشكل الكبير.
إقرأ أيضا:ما هو قطر الأرضالمجال المغناطيسي لكوكب الزُهرة
يدور كوكب الزُهرة حول نفسه بشكل بطيء ونتيجة لتلك الحركة يتكون مجال مغناطيسي ضعيف جداً مقارنة بالمجال المغناطيسي الخاص بكوكب الأرض، فعلى الرغم من تشابه حجم كوكب الأرض بحجم كوكب الزُهرة، وعلى الرغم من تشابه حجم اللب المكون من الحديد لكل منها إلا أن تلك الحركة البطيئة للزُهرة جعلت مجاله المغناطيسي أقل بكثير من المجال المغناطيسي لكوكب الأرض.
الشكل والبُنية لكوكب الزُهرة
يظهر كوكب الزُهرة من الفضاء الخارجي باللون الأبيض الناصع وذلك نتيجة لانعكاس أشعة الشمس عن أسطح سُحبه الكثيفة، ومع نفاذ بعض من أشعة الشمس عبر الغلاف الجوي السميك للكوكب فإن هذا الغلاف يُرشح الضوء النافذ عبره بحيث يظهر الكوكب باللون البرتقالي وذلك عند النظر إليه من على مقربه من سطحه الذي يحتوي على صخور مُشابهة لتلك الموجودة على سطح الأرض، ولا يقتصر التشابُه بين كوكب الزهرة وبين كوكب الأرض على الصخور الموجودة في كلاهما، فهذان الكوكبان مُتشابهان من حيث الكُتلة، والحجم، وأنصاف الأقطار، وحتى الكثافة لذا فإنَّه يُطلق على كوكب الزُهرة توأم الأرض.
يدل تشابُه الحجم والكتلة في كلا الكوكبين على تشابُه البُنية الداخلية لكل منهما من حيث اللب، والستار، والقشرة الأرضية، إلا أن لبّ كوكب الزُهرة ذو طبيعة سائلة جُزئية مقارنة بلبّ الأرض، و ذلك بسبب تعرض لب الزُهرة لضغط أقل بنسبة 24% من ذلك الذي يتعرض له لبّ كوكب الأرض، وعلى الرغم من التشابُه الكبير بين الكوكبين إلا أن لكل منهما خصائص مُميزة، فعلى عكس الأرض لا يحتوي كوكب الزُهرة على أية علامات تُشير إلى أن لديه ما يُعرف بتكتونية الصفائح أو الصفائح التكتونيّة، ويُرجح سبب ذلك إلى صلابة القشرة الخارجيّة للكوكب والتي تمنع ترشيح كميّات من الماء إلى الخارج، فتكون لزوجة قشرة كوكب الزُهرة مُنخفضة مما يؤدّي لمنع تبريده وانخفاض حرارته وهذا الأمر الأخير قد يكون هو السبب في عدم وجود مجال مغناطيسي داخلي للكوكب، ولكل من كوكبي الأرض والزُهرة بيئة وجواً مُختلفاً عن الآخر، فيمتاز جو كوكب الزُهرة بدرجات الحرارة المرتفعة وتكوُنه من غاز ثاني أكسيد الكربون، وحمض الكبريتيك، ويسمح هذا الجو لأشعة الشمس بالنفاذ خلاله لكنه لا يسمح للطاقة الحرارية بالخروج من الغلاف الجوي للكوكب، وهذا الأمر يجعلها مُحاصرة ضمن جوّ الكوكب لتزيد من حرارته ودرجة سخونته.
إقرأ أيضا:ما هو عدد الكواكبالمدار كوكب الزُهرة
يدور كوكب الزُهرة باتجاه مُخالف للحركة الاعتياديّة لدوران الكواكب الأخرى، فهو يدور حول محوره من الشرق إلى الغرب مثل كوكب أورانوس الذي يدور أيضاً بنفس الاتجاه حول محوره، وينشأ اليوم الواحد على كوكب الزهرة نتيجة لدورة واحدة حول نفسه، وهو ما يستغرق 243 يوماً أرضياً لإتمامها، بينما يتشكل العام الواحد نتيجة دورة واحدة للكوكب حول الشمس، وهو ما يُعادل 225 يوم من أيام الأرض تقريباً، لذا فإن اليوم على سطح الزهرة أطول من العام الزُهري الذي يُعادل فترتين نهاريتين ليليتين على الكوكب، فلا تُشرق الشمس وتغرب بشكل يومي على كوكب الزُهرة، حيث تستغرق فترة الليل 117 يوماًَ من أيام الزهرة لإتمامها ويعود سبب ذلك إلى الحركة المُعاكسة لدوران الأرض حول الشمس، ويمتاز مدار الزُهرة حول الشمس بشكلة الدائري شبه المُنتظم، فعلى عكس الكواكب الأخرى التي تدور حول الشمس بمدار إهليلجي لا ينحرف مدار الزُهرة عن الشمس أكثر من ثلاثة درجات فقط، وهذا الأمر يجعله يفتقر لتنوُع المواسم المختلفة على سطحه، ويُعتبر معرفة معدل دوران الكوكب أمراً ذو أهمية بالنسبة إلى العلماء، وذلك لمعرفة وتحديد أفضل الأوقات لهبوط المركبات الفضائية التي ستهبط على سطح الكوكب في المُستقبل، وأولها تلك التي ستتم خلال نهاية العام 2020م، وقد استطاع عالم الفلك جون تشاندلر ومجموعة من مُعاونيه العلماء إجراء تحيليلات خاصة بهذا الشأن استمرت من الأعوام 1988م إلى 2017م.
تضاريس كوكب الزُهرة
يعود تشكُل سطح كوكب الزُهرة إلى تاريخ حديث نسبياً، فهو يعود إلى ما يُقارب 300 إلى 500 مليون عام، وتُشكل الصخور البازلتية نسبة 90 بالمئة من مساحة هذا السطح، وتتوزع أغلب هذه الصخور على سهول ذات تدرجات طفيفة على سطح الكوكب، وعلى الرغم من أن أغلب مساحة هذا السطح تتكون من تلك السهول إلا أنه يحتوي على هضبتين رئيسيتين وهما هضبة عشتار (بالإنجليزية: Ishtar Terra)، وهضبة أفروديت (بالإنجليزية: Aphrodite Terra)؛ فتمتد هضبة عشتار في النصف الشمالي من سطح الكوكب على مسافة تضاهي مساحة أستراليا، كما أنها تحتوي بين ثناياها على أعلى قمة على سطح الكوكب بأكمله وهي قمة جبل ماكسويل (بالإنجليزيّة: Maxwell Mons) التي تمتد على ارتفاع 11 كم عن نقطة قياس سطح كوكب الزُهرة والتي تُقارن بمستوى سطح الأرض البحر على كوكب الأرض، وتقع ما نسبته 50% من مساحة سطح الكوكب على ارتفاعات تزيد عن 500 متر عن نقطة القياس الخاصة بالكوكب، وتوجد هضبة أفروديت على طول خط استواء الكوكب وتمتد على مساحة تُقدر بمساحة أمريكا الجنوبية، ويمتاز سطح الكوكب باحتوائه على الكثير من البراكين والتي يزيد عددها عن ألف بركان يصل قُطر فوهة بعضها إلى مسافة تزيد عن 19 كيلومتر، ولا يحتوي سطح الزُهرة على فوهات وحُفر ناتجة عن إصابته بالنيازك حيث أن النيازك التي قد تصطدم بالكوكب لا تصل إلى سطحه لتبخرها أثناء انتقالها بالغلاف الجوي السميك المُحيط بسطح الكوكب،
تتعدد التضاريس المُختلفة والمُميزة على سطح الزُهرة كمنطقة ألفا ريغيو(بالإنجليزيّة:Alpha Regio) التي تُعتبر منطقة ذات تضاريس مُتشابهة من التلال والوديان ناتجة عن قوى جيولوجية حدثت نتيجة لالتفاف قشرة سطح الكوكب، ومن المناطق الأخرى المُميزة على سطح الكوكب تلك التي تُعرف بمناطق الصدع (بالإنجليزية: RIFT ZONES) والتي نشأت بفعل قوى جيولوجية، إذ تحتوي أيضاً على الوديان والتلال، وتُعتبر الكُثبان الرملية الموجودة على سطح الزُهرة واحدة من التضاريس الطبيعية التي تُميزه، وتُعد الرياح إحدى العوامل التي تتسبب بإنشاء تلك الكثبان، ومن الجدير بالذكر أنه لا يتوفر لدى العلماء أية أدلة لامتلاك الزُهرة لحركة تكتونية في الصفائح، لذا فإن يُفرغ الكوكب جزء من طاقته الداخلية من خلال أنماط من الكسور التي تتشكل عند ارتفاع المواد الساخنة من القشرة إلى الأعلى، وتُعرف المناطق التي تتشكل بفعل هذه العملية باسم تفريغ هالي (بالإنجليزيّة: CORONAE) وهي عملية غالباً ما يرافقها خروج وتدفُق حمم بركانية.
تاريخ اكتشاف كوكب الزُهرة
يُعتبر كوكب الزُهرة أحد الكواكب التي تم اكتشافها منذ القِدم وحتى قبل اختراع أدوات مُتقدمة للرصد الفلكي، ففي حوالي العام 3000 قبل الميلاد تم رصد الكوكب من قِبل البابليين الذين صوروه على أنه تجسيد للآلهة عشتار حسب معتقداتهم، وكان كوكب الزُهرة محطّ اهتمام للعديد من الحضارات المُختلفة كالحضارة اليونانية والمصرية والصينية والأمريكية الوسطى، وفي العصر الحديث بقي الزُهرة محل اهتمام الرُصاد والفلكيين، وقد عززت بعض العوامل على جعله كذلك، ومنها قربه الدوري لكوكب الأرض وسطوعه القوي والظاهر، فتمت الاستفادة من قُرب الكوكب للأرض في معرفة القياسات الأولية التي تم وضعها لسرعة الضوء وذلك من خلال ملاحظة عبور الكوكب عبر قرص الشمس، وقد ساهم اكتشاف غاليليو لمجموعة الكواكب المجموعة الشمسية على دراسة الزُهرة بشكل صحيح، ويُعتبر كوكب الزُهرة اول جرم سماوي تعرض لترددات صناعية وذلك في أواخر الستينيات من القرن المُنصرم، ثم وفي نهاية الثمانينات من نفس القرن قام الاتحاد السوفييتي بإطلاق المركبة الفضائية فينيرا 15 (Venera 15) التي تُعتبر أول مركبة هبطت على سطح كوكب الزُهرة، وفي العام 1990م أطلقت وكالة ناسا بعثة ماجلان (Magellan) واستمرت هذه الرحلة العلمية لمدة أربعة أعوام تم خلالها رسم ما نسبته 98 بالمئة من شكل سطح الكوكب، وفي الوقت الحالي تتواجد المركبة الفضاية اليابانية أكاتسوكي (Akatsuki) في مدار كوكب الزُهرة لدراسة المزيد عن خصائص هذا الكوكب.