التعريف بكتاب الأيام
كتاب الأيام هو سيرة ذاتية للأديب طه حسين. يقع الكتاب في ثلاثة أجزاء، صدر الجزء الأول عام 1929م، والجزء الثاني عام 1939م، أما الجزء الثالث فألفه خلال رحلته إلى فرنسا، وتشتمل الأجزاء الثلاثة على مراحل من حياة ونشأة الكاتب، بِدءاً من ولادته وطفولته في قريته، إلى دراسته في جامع الأزهر، ثم إلى رحلته إلى فرنسا، وقد قصّ طه حسين سيرته باللغة الفصيحة، بأسلوب جميل وممتع، وتناول هذه السيرة بالتحليل المنطقي، كما سرد الجانب النفسي لطفولته ومشاعره عندما أصيب بالعمى، حيث عاش حياته ببؤس ومعاناة نتيجة لذلك، ولا بدّ من القول هنا إن كتاب الأيام ليس مجرد سيرة ذاتية، وإنما يصلح أن يكون أنموذجاً تستفيد منه الأجيال القادمة، كما يصلح لأن يكون مصدراً لدراسة حالة المجتمع المصريّ في القرن العشرين.
دوافع كتابة الأيام عند طه حسين
إنّ السبب الرئيسي الذي دفع طه حسين لكتابة “الأيام”، هو تلك الضجة والثورة الكبيرة التي أحاطت بكتابه “في الشعر الجاهلي” الذي صدر عام 1926م، فقد أثار هذا الكتاب خلافات بين أوساط معينة في المجتمع المصري وبين طه حسين، ممّا تسبّب في تولد مشاعر الظلم لديه، والتي ذكّرته بالمعاناة التي لاقاها في طفولته وشبابه، وقد دفعه رفض أفكاره في تحرير الفكر إلى الإصرار على التمسك بالحياة وإثبات ذاته والانتصار، وقد ذكر طه حسين في مقدمة إحدى طبعات هذا الكتاب سنة 1954م عن سبب كتابته للأيام بقوله: “إنما أمليته لأتخلص من بعض الهموم الثقال، والخواطر المحزنة التي كثيراً ما تعتري الناس من حين إلى حين”، وإضافة إلى تلك الدوافع التي كانت خلف كتابة طه حسين لسيرته الذاتية، وهو تلك العلاقة الوثيقة التي كانت تربطه بالأدب العربي والأدب الغربي.
إقرأ أيضا:فنون النثرالأسلوب الأدبي لكتاب الأيام
التقنيات الأسلوبية في كتاب الأيام
ضمير الغائب
اعتمدَ طه حسين في كتابه الأيام على استخدام ضمير الغائب، وهذا أسلوب يضفي على العمل نوعاً من الغموض لا يفهم من قراءة النص للمرة الأولى، ممّا يحفز القارئ على إعادة القراءة أكثر من مرة لإجلاء هذا الغموض وفهم المكتوب، كما أن هذا الأسلوب في السرد يجعل الكاتب أقرب إلى المصداقية، ويتيح له الفرصة بأن يستذكر حياته ويعيش شخصيته التي كان عليها قبل وقت كتابة السيرة.
الشخصية
مما لا شك فيه أن الشخصية هي من أهم العناصر الفنية في السيرة الذاتية، ومن أهم مقوماتها، وتتنوع الشخصيات في نص السيرة، وأهمها الشخصية الرئيسية، وقد تمثلت الشخصية الرئيسية في “الأيام” في صورتين، وهما صورة (الصبي) وصورة (الكهل) وهذه الشخصية تواجه صعوبة في الاندماج بين شخصية الراوي التي تعتمد على الخيال، وبين شخصية البطل الواقعية، كما أن تلك الشخصية تتطور وتتغير، حيث تمر بثلاث مراحل تتسم بالآتي:
- التكرار، والوجود الدائم للشخصية.
- التحول، حيث تتحول من صبي يكابد الفقر إلى عالم حافظ للقرآن.
- المخالفة، إذ تختلف في هذه المرحلة مع الشخصيات الأخرى في النص.
دلالة الزمان مع المكان
بالرغم من تسمية طه حسين لكتابه (الأيام) وما يحمله هذا الاسم من دلالةٍ زمنيةٍ، إلا أنّ شعوره بالزمان أقل قوةً وتأثراً من شعوره بالمكان، ومن الدلالة على ذلك تلك العبارة التي استهلّ بها كتابه حيث قال: (لا يَذكر لهذا اليوم اسماً ولا يستطيع أن يضعه حيث وضعه الله من الشهر والسنة، بل لا يستطيع أن يذكر من هذا اليوم وقتاً بعينه وإنما يقرب ذلك تقريباً)، فيظهر هنا إحساسه الكئيب لزمن كان من المفترض أنه يكون مهماً لا ينسى، لذا فالزمن عنده غير محدد مهما تغيّرت الأحوال وتعدّدت الأماكن، ويتّسم بالكلية والشمولية، كما أنّه يعكس شعوره بالوحدة والغربة، فذكريات الطفولة المريرة وما عاناه فيها من الوحدة والظلمة، وهو يحاول اكتشاف العالم من حوله، ظلّت ملازمةً له وعالقةً في ذهنه، حتى بعد التقائه بالكثيرين في أماكن مختلفة، مثل الأزهر والجامعة.
إقرأ أيضا:اصعب لحظات الحياةوقد تعددت الأساليب الزمنية التي استخدمها طه حسين في كتاب الأيام، منها “التنافر الزمني”، وهو أسلوب ينتقل فيه كاتب السيرة الذاتية عبر الزمن في الفصل الواحد ليربط الأحداث والوقائع ببعضها دون اشتراطات زمنية، حيث ينتقل من زمن لآخر لا يليه مباشرة بالضرورة، ليتخذَ إيقاعاً استرجاعياً، مستنداً إلى الذاكرة في استعادة الزمن المفقود والذكريات الدفينة، ويعلّل النقاد ذلك التلاعب بالزمن في كتاب الأيام إلى كونه يصنّف ضمن عمل روائي لا عملاً تاريخياً، لذلك لا ضرورة للتسلسل المنطقيّ للأحداث، كما يرى النقاد أنّ طه حسين استخدم التنافر الزمنيّ؛ ليبين قدرة ذاكرته على اختراق الحواجز الزمنية في الفصل الواحد.
كما أسقط طه حسين في كتابه بعض أحداث الماضي، متمثلاً في حذف بعض فترات من الزمن، والكاتب هنا لا يحذف الزمن باستخدام التقنيات الزمنية فقط، ولكن يربطها بالأمكنة، فهو يحدد الزمن بالأمكنة، ليحضران معاً، فهو يعمل على جمع لحظات مختلفة الأزمنة متشابهة الأهداف مع أمكنة موحدة، مثل: البيت، والمسجد، ومجالس العلماء، ومما لا شك فيه أن الحذف هنا حقّق انسجاماً فنياً في النص، لا يتحقق لو أنه استخدم التعاقب التقليدي للزمن، أما المكان فقد عُني به طه حسين كثيراً، حيث أثرى النص بالأمكنة الروائية، ووصف جمالها، فالمكان بالنسبة له هو الحيز الذي يتحرك فيه ومسرح الحياة، ومن الأماكن التي ذكرها في نص الأيام والتي ساهمت في بناء شخصيته، وعكست ما في أعماقه: (البيت، والسياج، والطريق إلى الكتّاب، والطريق بين الأزهر والبيت، والجامعة، والسوربون في فرنسا، وغرفته في القاهرة، وغيرها من الأماكن).
إقرأ أيضا:تلخيص رجوع الى الطفولةالجنس الأدبي لكتاب الأيام
عُدّ كتاب الأيام لطه حسين النص التأسيسي الأول لجنس السيرة الذاتية العربية في الأدب العربي الحديث، وقد اختلف النقاد في تصنيفه أهو رواية أم سيرة ذاتية، فمن ناحيةٍ أنه عملٌ يحقق الشروط الفنية للرواية، ومن ناحية أخرى أن الطريقة السردية التي تبناها طه حسين، والتي تتميز بإخفاء الذات الكاتبة، جعلها تفقد عنصراً من عناصر السيرة الذاتية، إذ إنّ السيرة الذاتية هي نص سردي يتميز عن الرواية باستخدام الراوي لضمير المتكلم، فجاء الكتاب متردداً بين السيرة الذاتية القائمة على الحقيقة، والرواية الفنية المتكئة على الخيال، وباستثناء ذلك فقد حقق الأيام أساسيات تقنيات فن السيرة الذاتية، ويمكن القول هنا إنّ طه حسين كتب سيرته الذاتية بأسلوب قصصي روائي، وقد أبدع في ذلك وأبهر القارئ بهذا الأسلوب التمويهي، وخالف الصورة التقليدية للجنس الأدبي التي تعتمد على النقاء، ووضع نصاً رائعاً أسماه النقاد (السيرة الذاتية الروائية).