نص للشاعر : محمد محمود العكشية
بعنوان : شقيق التل
غزة ، فلسطين
أنا في التلِّ قبلَ الخلقِ كلِّهِمُ.. وكان التلُّ منفرداً بلا صحبٍ ولا إخوانْ وأمُّ التلِّ والدتي وأمُّ التلِّ عذراءٌ وهذا التلُّ أصغرُنا وكان ينامُ فوق يديَّ مرتعشاً ويخشى من هزيمِ الرعدِ والأسطورةِ السوداءِ والغيلانْ ويخبرُني بأنَّ التلَّ ثديُ الأرضِ يعرفُ ما تخبِّئُهُ وأنَّ الأرضَ تخبرُهُ بأنَّ السفحَ مسكينٌ.. سيُقتل فوقَهُ ولدي.. ويُصلبُ فوقَه سَربٌ من العُقبانْ هنالك جدتي صلَّتْ.. ولم تركعْ ولم تسجُدْ وكانَ اللهُ ألهمَها تصلي مثلَ زيتونةْ وتسجُدُ قطرةً قطرةْ.. كسَربِ غمامْ. هنالك جدتي صنَعَتْ.. شعاعَ الشمسِ في كهفٍ وغنَّتْ دون شفتينِ.. وحاكت من جدائلِها لنا شُطآنْ.. ومن وديانِ كفَّيْها رَمَت في أرضنا وديانْ وصاغت شِعرها الوطنيَّ حينَ التلُّ ثارَ وصارَ جبلياً وبعدَ الثورةِ العظمى وفوقَ التلِّ بثَّ اللهُ روحَ اللهِ في الدنيا.. فكانَ الكونُ واستلقى به الإنسانْ! هنالك جدتي هبَطَتْ.. تغطي جسمَها الشرقيَّ كوفية وتحملُ بضعَ شهداءٍ ومئذنةً وأحجاراً سماوية وترسلُ صُرةً من ذاكَ للجيرانْ وتصنعُ من مزيجِ الصمتِ والجبروتِ قُبَّتَنا.. وتخبرُ من أقاموا حولَ قريتِنا.. بأنَّ القُبَّةَ السوداءَ بعضُ اللهِ في أرضي وأنَّ الأرضَ مُلكُ اللهِ أورَثَها لهذا التلِّ والأحفادِ مَن حملوا ملامحَنا فكيف تنامُ يا ابن الليلِ فوقَ التلِّ دونَ ملامحِ التلِّ؟ وكيف تنامُ قربَ القُبَّةِ السوداءْ.. وكنتَ فتحتَ قبلَ الكلِّ ما صرَّتهُ جدتُنا؟ وكنتَ أكلتَ قبلَ الكلِّ نورَ الجدةِ الأولْ.. وهذا النورُ يا ابنَ الجهلِ يُستنشقْ.. ولا يُؤكلْ.. وكيف أتيتَ فوقَ البحرِ والأمواجُ تحرُسُنا؟ أخانَتْ عهدَنا البحريَّ أم فقدَتْ ملوحَتَها.. فلم تشعرْ بِحَرِّ الجُرحِ حين بصدرِها أوغلْ. وكيف ترابُنا الخرزيُّ أوصلَ نعلَكَ الغازي.. ولم يخجلْ؟ وكيف نبشتَ قبر الجدة الأولى.. ولم تُقْتلْ؟! وكيف حصانُنا العربيُّ بيعَ كخمرِكَ الحمرا ولم يصهلْ؟! وكيف تقولُ إنك صاحبُ التلِّ؟ ولم تشهدْ طفولتَهُ.. ولم تبصرْ بلوغَ التلِّ سنَّ الرعشة الأولى.. ليغدوَ بعدها جبلاً.. وكان بهذه الرعشاتِ يَفزعُ ثم يتكوَّرْ.. كمثلِ تحدُّبِ المِنجلْ فأحضُنُهُ وأُخبرُه بأنَّ حقائقَ الأجسادِ لا تُخجِلْ.. فلملمْ يا دعيَّ التلِّ ما تروي عن الدنيا فإنكَ تجهلُ الدنيا.. وأعرفُ ضِعفَ ما تجهلْ.
إقرأ أيضا:قصائد الشاعر سعد علوشإن نصاً ماثلاً أمامنا كهذا النص يجعلك تغرق من العمق الفلسفي لدى الشاعر سواء كان في التجذر الوطني وخير تعبير عنه أم في التجذر النفسي وأصدق ما قيل فيه أم كان في التأريخ المكاني والزماني لدى الكاتب وما استخدمه من مصطلحات كالتل والأرض والشقيق والوطن والأم وغيرها من المصطلحات الكبيرة هي قوى دليل ومثال على ذلك … ثم ما يتبعه من صور جمالية كقول الشاعر متنغماً والأمواج تحرسنا حين شبهها بأنها إنسان يحرس أي جمال يمكنك أن تحسه هنا فوق جمال قراءتها إنني أمام نص أعجز حقيقة عن الإلمام بجوانبه ومفرداته ومعانيها وأحث المطلعين على البحث والغور فيه قدر المستطاع ..
إقرأ أيضا:قصيدة عن لبنان