تعريف الخط
يٌعرَف الخط بالكثير من المُصطلحات والتّعريفات المُختلفة؛ فيُقال عنه رسوم وأشكال تدلّ على الكلمات المسموعة الدالّة على ما في النّفس من حاجات ومشاعر، وهو مَلَكة تنضبط بها حركة الأصابع بالقلم على أساس قواعد وضوابط مُعيّنةٍ، وعُرِّف الخط بأنّه فن رسم الحروف بشكل جميل وجذّاب، وهو التّعريف الأفضل والأشمل للخطّ.
نشأة الخط العربي والكتابة
للخط العربي قيمة فنيّة عالية وتاريخ مُميّز، ويقترن فن الخطّ بالزّخرفة العربيّة حيث يُستعمَل لتزيين قِباب المساجد وجدران القصور، كما أنّه يُستَعمل في زخرفة المَخطوطات القديمة والكتب، بالإضافة إلى أنّه يُستخدَم بشكل خاصّ في نسخ القرآن الكريم، وقد عرف العرب الخطّ بأنّه لسان اليد، ويُعتَبر فنّ الخط من أكثر الفنون ذوقاً وجمالاً؛ فالخط العربيّ يُضفي جماليّةً ورونقاً خاصاً على جماليّة اللّوحات المرسومة، والآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة.
يمتدّ تاريخ الخط العربيّ إلى زمن بعيد، وهنالك العديد من الرّوايات التاريخيّة والنّظريات التي تُناقش وتطرح أفكارأ خاصّةً بموضوع نشأة الخط العربيّ والكتابة، ويُذكَر من هذه الرّوايات والنّظريات ما يأتي:
- النظريّة الأولى: والتي تقول إن مصدر الكتابة إلهي من عند الله عزّ وجلّ، وتستند هذه النظريّة على الآية القرآنية: (وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)؛ أي أنّ آدم عليه السّلام هو الذي وضع الكتابات على الأرض بعد أن علمّه إياها الله سبحانه وتعالى، وبعد الطّوفان العظيم الذي أغرق الأرض أصابت كلّ أمّة كتابها.
- النظريّة الثانيّة: يعتقد مناصرو هذه النظريّة بأن الخط العربي قد تمّ اشتقاقه من الخط المُسنَد المعروف باسم الخط الحِميَريّ بسبب المكان الجغرافيّ المُتوسّط للجزيرة العربيّة، والذي يقع بين اليمن وبلاد الشّام والعراق، إذ كانت تمرّ فيه القوافل التجاريّة بكثرة، فأخذ العرب عنهم الخط الحِميَريّ واشتقّوا منه الخط العربيّ وسمّوه بخطّ الجَزْم، أي المُشتقّ من المُسنَد.
- النظريّة الثّالثة: وأساس هذه النظريّة أنّ الخط العربيّ تطوّر عن الخط النبطيّ، وتعتمد هذه النظريّة على دراسة النّقوش التي تعود إلى عصر ما قبل الإسلام والقرن الهجريّ الأول، ويُستدلّ على ذلك بالنّقوش التي عُثر عليها في أمّ الجمال في الأردن.
- وكانت اللغة العربيّة تُكتَب دون نقاط في بداياتها، واستمرّ هذا الحال حتّى أتى أبو الأسود الدُؤليّ ووضع النّقاط على الحروف، فكانت العربيّة في السّابق يُكتب فيها اسم (خالد) مثلاً هكذا (حالد) إلى أن جاء أبو الأسود وجعله (خالد)؛ ليتمّ التّمييز بين الكلمات التي من المُمكن أن تتشابه في حال عدم وجود النّقاط.
أنواع الخطوط العربيّة
يوجد الكثير من الخطوط العربيّة التي تختلف في المنشأ، وسبب التّسمية، والاستخدامات أيضاً، وأنواع الخطوط العربية هي:
إقرأ أيضا:موضوع تعبير عن البيئة- الخط الكوفي: أَخذ هذا الخط اسمه من مدينة الكوفة في العراق التي ظهر فيها لأول مرّة، وقد تمّ اشتقاق الخط الكوفيّ من الخط النبطيّ الذي كان مُنتشراً في شبه الجزيرة العربية، وكُتِبَت به المَصاحف لمدّة خمسة قرون حتّى القرن الخامس الهجريّ، وتمتاز أحرف الخط الكوفيّ بالاستقامة، ويجب استخدام المِسطرة لكتابة الأحرف بالطّول والعرض. انتشر الخط الكوفيّ واشتهر كثيراً في العصر العباسيّ بشكل خاصّ؛ فقد تمّ استخدامه في كتابة جميع المُراسلات، والوثائق، وزخرفة وتزيين المساجد والأبنية المُختلفة، وقد كُتِبَت به المَصاحف على الرقّ حتّى القرن التّاسع الميلاديّ، والخط الكوفيّ له أنواع كثيرة زادت على 70 نوعاً. والتّقارب في رسم الحروف وتشكيل الكلمات واضحة المعالم في الخط الكوفيّ.
- خط النّسخ: هو أحد أوضح الخطوط العربيّة على الإطلاق، واشتهر بشكل كبير جدّاً في العصر العباسيّ القديم، يمتاز بسهولته ووضوح الأحرف والحركات، ويُستخدَم حاليّاً بشكل كبير جدّاً في نسخ المصاحف، وفي الصُّحف، والمجلّات، والكتب التعليميّة والدراسيّة المكتوبة باللغة العربيّة. أوّل من وضع قواعد خط النّسخ الوزير ابن مقلة، وجودّه الأتابكة، فعُرِف باسم خط النسخ الأتابكيّ.
- خط الثُّلث: وضع ابن مقلة أُسس وقواعد هذا الخط من مقاييسَ وأبعادٍ، ومن ثم جاء بعده ابن البوّاب البغداديّ فهذَّبَه وأجاد في تراكيبه من غير التدخّل في أُسس الخط وقواعده، ويُعتَبر خط الثُّلث من أروع الخطوط منظراً وجمالاً، وأصعبها كتابةً وإتقاناً، وتطوّر خط الثّلث عبر الزّمن بشكل كبير حتّى وصل إلى شكله الحالي، وتُعتَبر القدرة على إجادة الكتابة بخط الثلث هي المعيار والميزان الرئيسيّ لقياس موهبة وقدرة الخطّاطين والتّمييز بينهم.
- خط الرّقعة: هو الخط الاعتيادي الذي يكتب به النّاس بشكل يوميّ واعتياديّ، ويعود أصل ابتكاره للأتراك وتحديداً الخطّاط التركيّ ممتاز بيك، وأُنشِئ في دواوين الخلافة العثمانيّة ليكون الخط المُعتَمد في مُراسلات موظَّفي الدّولة العثمانيّة، بالإضافة إلى أنّه يُعتَبر الخط الاعتياديّ في الكتابات والمُراسلات اليوميّة، وهو أصل الخطوط العربيّة وأبسطها، كما أنّ له أساليبَ مُتعارف عليها، منها تركيّ ومصريّ أو تجاريّ، كما أنّه يُعتَبر عند مُعلِمي الخطّ هو الخطّ الأول للمُتعلّم. يُستَعمل خط الرّقعة في الصّحف، والمجلّات، واللافتات، ويَتميّز خط الرّقعة بعدم اشتقاق خطوط أخرى منه.
- الخط الديوانيّ: يُعتَبر من أجمل الخطوط العربيّة، وسُمِّيَ بالديوانيّ لأنّ الخطّاطين اعتمدوه في دواوين الملوك والخلفاء، يمتاز الخط الديوانيّ باستقامة أسطره من الأسفل، وعدم احتوائه على الحركات. اكتُشِفَ هذا الخطّ في عهد السّلطان العثماني محمد الفاتح، وتمّ ابتكار أنواع أخرى من الخطوط من الخط الديوانيّ، مثل الخط الديوانيّ المُترابط، والخط الديوانيّ الجَلِيّ، والخط الديوانيّ الجَلِيّ المحبوك، والخط الديوانيّ الجَلِيّ الهمايونيّ، والخط الديوانيّ الجَلِيّ الزَورقيّ.
- الخط الفارسيّ: ظهر الخط الفارسيّ في بلاد فارس (إيران) في القرن الثّالث عشر الميلاديّ، ويمتاز الخط الفارسيّ بسهولته، ووضوحه، وبساطته، وابتعاده عن التّعقيد، ولا يحتوي على الحركات. بدأ الفارسيّون باستخدام هذا الخط بعد انتشار الإسلام، وقد وضع قواعد وأسس هذا الخط الخطّاط الفارسيّ مير علي التبريزيّ، ومع الاهتمام المتزايد والكبير بالخط الفارسيّ فقد تمّ اشتقاق واكتشاف أنواعاً أخرى من الخطوط من الخط الفارسي، منها خط الشّكستة، والخط الفارسيّ المُتناظر، والخط الفارسيّ المُختَزل.
- خط الإجازة: يُعتبر هذا الخط مزيجاً من خط النّسخ وخط الثّلث، فهما أصل خط الإجازة، سُمِّيَ بهذا الاسم لتجاوز الخطاط الجمع بينهما. اخترع هذا الخط وأرسى قواعده الخطاط يوسف الشجريّ، وتم تهذيبه وتطويره من بعده على يد الخطاط مير علي التبريزيّ، واستعمالاته مُشابهة لاستعمالات خط الثّلث.
- خط الطّغراء: هو شكل جميل من أشكال الخط العربيّ يكون على شكل إبريق القهوة، ويُكتَب غالباً بخط الثّلث، وكان السّلاطين العثمانيّون هم من تخصّصوا باستخدامه بشكل كبير جداً، وقد اندثر هذا الخطّ مع اندثار الدّولة العثمانيّة، لكن استخدامه ما زال موجوداً بشكل قليل جدّاً، ويكتب به الخطّاطون عادةً البسملة القرآنيّة، والأحاديث النبويّة الشّريفة من باب المُحافظة عليه.
- خط التّاج: وهو نسخة مُطوّرة من خط الثّلث، وكان السّبب في تطويره هو الملك المصريّ فؤاد الأول الذي أوعز بتطوير هذا الخط، ويكون أول حرف في هذا الخط على شكل تاج، لكنّه لم ينتشر كثيراً، ولم يُستَخدم كثيراً إلا في فترة تطويره واكتشافه فقط.
- الخط المغربيّ: وسبب تسميته أنّ خطّاطِي مصر وبلاد الشام لم يستحسنوه، وبقي مُستخدَماً كخط مَحليّ في المغرب، وتطوّر هذا الخطّ كثيراً بعد الفترة المُزدهرة للأندلس في القرنين الثّامن والتّاسع الهجريين، ثم انخفض الاهتمام بهذا الخط وقلّت المساحة التي انتشر فيها استعماله.
الخط العربيّ في العصر الحديث
من المعروف أنّ الخط العربيّ لم يصل إلى ما هو عليه الآن في العصر الحالي، وإنّما تطوّر عبر الزّمن ليصل إلى هذه المرحلة من التطوّر والرُقيّ والجمال، وفي العصر الحالي هنالك الكثير من الأشخاص الذين يهتمّون به ويسعون إلى تطويره واتقانه، وكمثال على الخطوط التي أعيد اكتشافها أو تطويرها في العصر الحديث الخط الغُباريّ والرّسم بالكلمات؛ فالخط الغُباريّ هو خط مُتعلّق بالصوفيّة، وسُمِّيَ بالغُباريّ لدقّته وصغره، والرّسم بالكلمات هو فن يَدمج بين الخط العربيّ والرّسم بتصاميم الجرافيكس، حيث تكون اللوحة تحتوي على أشكال مرسومة بالجرافيكس وإضافات أُخرى مرسومة بالكلمات المَكتوبة بالخط العربيّ. يوجد العديد من المَتاحف التي تُعنى بشؤون الخط العربيّ، مثل مَتحف الخط العربيّ في دمشق، ومَتحف الإمارات للخطّ للعربيّ.
إقرأ أيضا:تعبير حول التسامح