نزار قباني
شاعر المرأة والحب والغضب السياسي، له العديد من القصائد والدواوين، من قصائده الجميلة نذكر قصيدة كلمات، وقصيدة ألا تجلسين قليلاً، اللتان يصف فيهما الحب بشكل رائع. في هذا المقال نقدّم لكم بعضاً من جميل ما كتبه نزار قبّاني.
كلمات
- يُسمعني.. حـينَ يراقصُني
كلماتٍ ليست كالكلمات
يأخذني من تحـتِ ذراعي
يزرعني في إحدى الغيمات
والمطـرُ الأسـودُ في عيني
يتساقـطُ زخاتٍ.. زخات
يحملـني معـهُ.. يحملـني
لمسـاءٍ ورديِ الشُـرفـات
وأنا.. كالطفلـةِ في يـدهِ
كالريشةِ تحملها النسمـات
يحمـلُ لي سبعـةَ أقمـارٍ
بيديـهِ وحُزمـةَ أغنيـات
يهديني شمسـاً.. يهـديني
صيفاً.. وقطيـعَ سنونوَّات
يخـبرني.. أني تحفتـهُ
وأساوي آلافَ النجمات
و بأنـي كنـزٌ… وبأني
أجملُ ما شاهدَ من لوحات
يروي أشيـاءَ تدوخـني
تنسيني المرقصَ والخطوات
كلماتٍ تقلـبُ تاريخي
تجعلني امرأةً في لحظـات
يبني لي قصـراً من وهـمٍ
لا أسكنُ فيهِ سوى لحظات
وأعودُ.. أعودُ لطـاولـتي
لا شيءَ معي.. إلا كلمات
إقرأ أيضا:من وضع بحور الشعرألا تجلسين قليلاً
ألا تجلسينَ قليلاً
ألا تجلسين؟
فإن القضية أكبرَ منكِ.. وأكبرَ مني..
كما تعلمين..
وما كان بيني وبينكِ..
لم يكُ نقشاً على وجه ماء
ولكنه كان شيئاً كبيراً كبيراً..
كهذي السماء
فكيف بلحظةِ ضعفٍ
نريد اغتيالَ السماء؟..
ألا تجلسين لخمس دقائقَ أخرى؟
ففي القلب شيءٌ كثير..
وحزنٌ كثيرٌ..
وليس من السهل قتلُ العواطف في لحظات
وإلقاءُ حبكِ في سلةِ المهملات..
فإن تراثاً من الحبِ.. والشعرِ.. والحزن..
والخبز.. والملحِ.. والتبغ.. والذكريات
يحاصرنا من جميع الجهات
فليتكِ تفتكرينَ قليلاً بما تفعلين
فإن القضيةَ..
أكبرُ منكِ.. وأكبرُ مني..
كما تعلمين..
ولكنني أشعر الآن أن التشنج ليس علاجاً
لما نحن فيهِ..
وأن الحمامةَ ليست طريقَ اليقين
وأن الشؤون الصغيرة بيني وبينكِ..
ليست تموتُ بتلك السهوله
وأن المشاعرَ لا تتبدلُ مثل الثياب الجميلهْ..
أنا لا أحاولُ تغييرَ رأيكِ..
إن القرارَ قرارُكِ طبعاً..
ولكنني أشعر الآن أن جذورك تمتد في القلبِ،
إقرأ أيضا:شعر الحكمةذاتَ الشمالِ ، وذات اليمين..
فكيف نفكُّ حصارَ العصافير، والبحرِ،
والصيفِ، والياسمينْ..
وكيف نقصُّ بثانيتين؟
شريطاً غزلناه في عشرات السنين..
-سأسكب كأساً لنفسي..
-وأنتِ؟
تذكرتُ أنكِ لا تشربين..
أنا لست ضد رحيلكِ.. لكن..
أفكر أن السماء ملبدةٌ بالغيوم..
وأخشى عليكِ سقوطَ المطر
فماذا يضيركِ لو تجلسين؟
لحين انقطاع المطرْ..
وما يضيركِ؟
لو تضعينَ قليلاً منَ الكحل فوق جفونكِ..
أنتِ بكيتِ كثيراً..
ومازال وجهكِ رغم اختلاط دموعك بالكحل
مثلَ القمرْ..
أنا لست ضدّ رحيلكِ..
لكنْ..
لديَّ اقتراح بأن نقرأ الآن شيئاً من الشعرِ.
علَّ قليلاً من الشعرِ يكسرُ هذا الضجرْ..
… تقولينَ إنكِ لا تعجبين بشعري!!
سأقبل هذا التحدي الجديدْ..
بكل برودٍ.. وكل صفاء
وأذكرُ..
كم كنتِ تحتفلينَ بشعري..
وتحتضنينَ حروفي صباحَ مساءْ..
وأضحكُ..
من نزواتِ النساء..
فليتكِ سيدتي تجلسين
فإن القضية أكبر منكِ .. وأكبرُ مني..
كما تعلمين..
أما زلتِ غضبى؟
إذن سامحيني..
إقرأ أيضا:ابو نواس شعرفأنتِ حبيبةُ قلبي على أي حال..
سأفرضً أني تصرفتُ مثل جميع الرجال
ببعض الخشونهْ..
وبعض الغرورْ..
فهل ذاك يكفي لقطع جميع الجسورْ؟
وإحراقِ كل الشجر..
أنا لا أحاول ردَّ القضاء وردَّ القدر..
ولكنني أشعر الآنَ..
أن اقتلاعكِ من عَصَب القلب صعبٌ..
وإعدام حبكِ صعبٌ..
وعشقكِ صعبٌ
وكرهكِ صعبٌ..
وقتلكِ حلمٌ بعيد المنالْ..
فلا تعلني الحربَ..
إن الجميلاتِ لا تحترفن القتالْ..
ولا تطلقي النارَ ذات اليمين،
وذاتَ الشمال..
ففي آخر الأمرِ..
لا تستطيعي اغتيالَ جميع الرجالْ..
لا تستطيعي اغتيالَ جميع الرجالْ..
لا تسألوني
لا تسـألوني… ما اسمهُ حبيبي
أخشى عليكمْ.. ضوعةَ الطيوبِ
زقُّ العـبيرِ.. إنْ حـطّمتموهُ
غـرقتُمُ بعاطـرٍ سـكيبِ
والله.. لو بُحـتُ بأيِّ حرفٍ
تكدَّسَ الليـلكُ في الدروبِ
لا تبحثوا عنهُ هُـنا بصدري
تركتُهُ يجـري مع الغـروبِ
ترونَهُ في ضـحكةِ السواقي
في رفَّةِ الفـراشةِ اللعوبِ
في البحرِ، في تنفّسِ المراعي
وفي غـناءِ كلِّ عندليـبِ
في أدمعِ الشتاءِ حينَ يبكي
وفي عطاءِ الديمةِ السكوبِ
لا تسألوا عن ثغرهِ.. فهلا
رأيتـمُ أناقةَ المغيـبِ
ومُـقلتاهُ شاطـئا نـقاءٍ
وخصرهُ تهزهزُ القـضيبِ
محاسنٌ.. لا ضمّها كتابٌ
ولا ادّعتها ريشةُ الأديبِ
وصدرهُ.. ونحرهُ.. كفاكمْ
فلن أبـوحَ باسمهِ حبيبي
تلومني الدنيا
تلومني الدنيا إذا أحببتهُ
كأنني.. أنا خلقتُ الحبَّ واخترعتُهُ
كأنني أنا على خدودِ الوردِ قد رسمتهُ
كأنني أنا التي..
للطيرِ في السماءِ قد علّمتهُ
وفي حقولِ القمحِ قد زرعتهُ
وفي مياهِ البحرِ قد ذوّبتهُ..
كأنني.. أنا التي
كالقمرِ الجميلِ في السماءِ..
قد علّقتُه..
تلومُني الدنيا إذا..
سمّيتُ منْ أحبُّ.. أو ذكرتُهُ..
كأنني أنا الهوى..
وأمُّهُ.. وأختُهُ..
هذا الهوى الذي أتى..
من حيثُ ما انتظرتهُ
مختلفٌ عن كلِّ ما عرفتهُ
مختلفٌ عن كلِّ ما قرأتهُ
وكلِّ ما سمعتهُ
لو كنتُ أدري أنهُ..
نوعٌ منَ الإدمانِ.. ما أدمنتهُ
لو كنتُ أدري أنهُ..
بابٌ كثيرُ الريحِ.. ما فتحتهُ
لو كنتُ أدري أنهُ..
عودٌ من الكبريتِ.. ما أشعلتهُ
هذا الهوى.. أعنفُ حبٍّ عشتهُ
فليتني حينَ أتاني فاتحاً
يديهِ لي.. رددْتُهُ
وليتني من قبلِ أن يقتلَني.. قتلتُهُ..
هذا الهوى الذي أراهُ في الليلِ..
على ستائري..
أراهُ.. في ثوبي..
وفي عطري.. وفي أساوري
أراهُ.. مرسوماً على وجهِ يدي..
أراهُ منقوشاً على مشاعري
لو أخبروني أنهُ
طفلٌ كثيرُ اللهوِ والضوضاءِ ما أدخلتهُ
وأنهُ سيكسرُ الزجاجَ في قلبي لما تركتهُ
لو أخبروني أنهُ..
سيضرمُ النيرانَ في دقائقٍ
ويقلبُ الأشياءَ في دقائقٍ
ويصبغُ الجدرانَ بالأحمرِ والأزرقِ في دقائقٍ
لكنتُ قد طردتهُ..
يا أيّها الغالي الذي..
أرضيتُ عني الله.. إذْ أحببتهُ
هذا الهوى أجملُ حبٍّ عشتُهُ
أروعُ حبٍّ عشتهُ
فليتني حينَ أتاني زائراً
بالوردِ قد طوّقتهُ..
وليتني حينَ أتاني باكياً
فتحتُ أبوابي لهُ.. وبستهُ
رفقاً بأعصابي
شَرَّشْتِ ..
في لحمي وأعْصَابي ..
وَمَلَكْتِني بذكاءِ سنجابِ
شَرَّشْتِ .. في صَوْتي ، وفي لُغَتي
ودَفَاتري ، وخُيُوطِ أَثوابي ..
شَرَّشْتِ بي .. شمساً و عافيةً
وكسا ربيعُكِ كلَّ أبوابي ..
شَرَّشْتِ .. حتّى في عروقِ يدي
وحوائجي .. وزجَاج أكوابي ..
شَرَّشْتِ بي .. رعداً .. و صاعقةً
وسنابلاً ، وكرومَ أعنابِ
شَرَّشْتِ .. حتّى صار جوفُ يدي
مرعى فراشاتٍ .. وأعشابِ
تَتَساقطُ الأمطارُ .. من شَفَتِي ..
والقمحُ ينبُتُ فوقَ أهْدَابي ..
شَرَّشْتِ .. حتَّى العظْم .. يا امرأةً
فَتَوَقَّفي .. رِفْقاً بأعصابي ..
أيظنّ
أيظن أني لعبة بيديه؟
أنا لا أفكر في الرجوع إليه
اليوم عاد كأن شيئا لم يكن
وبراءة الأطفال في عينيه
ليقول لي: إنّي رفيقة دربه
وبأنّني الحب الوحيد لديه
حملَ الزهور إليّ .. كيف أردّه
وصباي مرسوم على شفتيه
ما عدت أذكر .. والحرائق في دمي
كيف التجأت أنا إلى زنديه
خبّأت رأسي عنده .. وكأنني
طفل أعادوه إلى أبويه
حتى فساتيني التي أهملتُها
فرحَت به .. رقصت على قدميه
سامحتُه .. وسألت عن أخباره
وبكيت ساعات على كتفيه
وبدون أن أدري تركت له يدي
لتنام كالعصفور بين يديه ..
ونسيت حقدي كله في لحظة
من قال إنّي قد حقدت عليه؟
كم قلت إني غير عائدة له
ورجعت .. ما أحلى الرجوع إليه ..
عيد ميلادها
بطاقة من يدها ترتعد
تفدى اليد
تقول: عيدي الأحد
ما عمرها؟
لو قلت .. غنّي في جبيني العدد
إحدى ثوانيه إذا
أعطت عصوراً تلد
وبرهة من عمرها
يكمن فيها .. أبد
ترى إذا جاء غد
وانشال تول أسود
واندفعت حوامل الزهر..
وطاب المشهد
ورد..وحلوى ..وأنا
يأكلني التردّد
بأي شيء أفِد
إذا يهل الأحد
بخاتم .. بباقة؟
هيهات.. لا أقلّد
أليس من يدلّني؟
كيف .. وماذا أقتني؟
ليومها المُلحّن
أحزمة من سوسن؟
أنجمة مقيمة في موطني؟
أهدي لها
الله .. ما أقلها؟ ..
من ينتقي؟
لي من كروم المشرق
من قمر محترق
حقاً غريب العبق
آنية مسحورة خالقها لم يخلق..
أحملها ..غداً لها
الله ..ما أقلّها
لو بيدي الفرقد
والدرّ والزمرّد
فصّلتها جميعها
رافعةً لنهدها
ومحبساً لزندها
هدية صغيرة .. تحمل نفسي كلّها
لعلّها
إذا أنا حملتها
غداً لها
ستسعد
يا مرتجي .. يا أحد ..
أكبر من كلّ الكلمات
سيّدتي ! عندي في الدفترْ
ترقصُ آلافُ الكلمات
واحدةٌ في ثوبٍ أصفَرْ
واحدةٌ في ثوبٍ أحمَرْ
يحرقُ أطرافَ الصفحاتِ
أنا لستُ وحيداً في الدنيا
عائلتي .. حُزْمةُ أبيات
أنا شاعرُ حُبٍّ جَوَّالٌ
تعرفُهُ كلُّ الشُرُفاتِ
تعرفهُ كلُّ الحُلْوَاتِ
عندي للحبِّ تعابيرٌ
ما مرَّتْ في بال دواة
الشمسُ فتحتُ نوافذَها
وتركتُ هنالكَ مرساتي
وقطعتُ بحاراً .. وبحاراً
أنبشُ أعماقَ الموجاتِ
أبحثُ في جوف الصَدَفاتِ
عن حرفٍ كالقمر الأخضرْ
أهديهِ لعينيْ مولاتي
سيِّدتي ! في هذا الدفترْ
تجدينَ ألوفَ الكلمات
الأبيضَ منها و .. والأحمَرْ
الأزرقَ منها و .. والأصفَرْ
لكنَّكِ .. يا قمري الأخضَرْ
أحلى من كلِّ الكلماتِ
أكبرُ من كُلِّ الكلماتِ ..
أحبّك جداً
أحبك جداً
وأعرف أن الطريق إلى المستحيل طويـل
وأعرف أنك ستّ النساء
وليس لدي بديـل
وأعرف أن زمان الحنيـن انتهى
ومات الكلام الجميل
لسِتّ النساء ماذا نقول
أحبك جداً…
أحبك جداً وأعرف أنّي أعيش بمنفى
وأنتِ بمنفى
وبيني وبينك
ريحٌ
وغيمٌ
وبرقٌ
ورعدٌ
وثلجٌ ونـار
وأعرف أن الوصول لعينيك وهمٌ
وأعرف أن الوصول إليك
انتحـار
ويُسعدني
أن أمزّق نفسي لأجلك أيتها الغالية
ولو خيّروني
لكرّرت حبّك للمرة الثانية
يا من غزلت قميصك من ورقات الشجر
أيا من حميتك بالصبر من قطرات المطر
أحبك جداً
وأعرف أنّي أسافر في بحر عينيك
دون يقين
وأترك عقلي ورائي وأركض
أركض
أركض خلف جنونـي
أيا امرأة تمسك القلب بين يديها
سألتك بالله لا تتركيني
لا تتركيني
فماذا أكون أنا إذا لم تكوني
أحبك جداً
وجداً وجداً
وأرفض من نــار حبك أن أستقيلا
وهل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقلا؟
وما همني
إن خرجت من الحب حيّاً
وما همّني
إن خرجت قتيلاً.