أدباء وشعراء

تعريف بأبي الأسود الدؤلي

التّعريف بأبي الأسود الدُّؤليّ

يُعدّ أبو الأسود الدُّؤليّ واضع عِلم النّحو بحسب ما ورد في قاموس التّراجم، كما يُعتبر فقيهاً، وأميراً، وشاعراً، بالإضافة إلى كونه من الأعيان والفُرسان التّابعين، وكان الدُّؤليّ قاضيّاً في عهد عُمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان رضي الله عنهما، واستمر كذلك في عهد عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وتجب الإشارة إلى أنّه كان كاتباً في مدينة البصرة التي كان يسكن فيها، وكان أمير البصرة آنذاك عبد الله بن عبّاس، فولّى ابن عبّاس الدُّؤليّ القضاء فيها، وعندما انتقل إلى مدينة الحجاز جعل خلافة الإمارة في البصرة بيد الدُّؤليّ، فأقرّها عليّ بن أبي طالب له، وأصبح أميراً على البصرة.

اسم أبي الأسود الدُّؤليّ

تعدّدت أقوال العُلماء في تحديد اسم أبي الأسود، حيث أكّد ابن خلكان هذا الاختلاف بقوله: “في اسمه ونسبه ونسبته اختلاف كثير”، فمن الأسماء التي نُسبت إليه ظالم بن عمرو بن ظالم، وظالم بن عمرو بن سفيان الدّيليّ، وفي رواية أخرى عثمان بن عمرو، وغيرها من الأسماء، أمّا أرجح الأقوال فتُشير إلى اسم ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل بن يعمر بن حلس بن نفاثة بن عدي بن الدؤل بن بكر بن علي بن كنانة بن خزيمة، وتجدر الإشارة إلى أنّ ابن خلكان ذكر له نسبتين الأولى تعود للدُّؤليّ، والثّانية للدّيليّ، كما أضاف ابن الجوزيّ بأنّ النّسب الأول يعود لبني حنيفة، والثّاني يعود لبني كنانة، فيما أشار ابن منظور إلى نسبة ثالثة هي الدّئل.

إقرأ أيضا:موضوع تعبير عن نجيب محفوظ

مَولد أبي الأسود الدُّؤليّ

اتّفق العُلماء على أنّ مِيلاد أبو الأسود الدُّؤليّ كان في حياة الرّسول -صلى الله عليه وسلّم-، إلّا أنّ سنة المِيلاد ظلّت مجهولة بالنسبة لهم، ومن هؤلاء العُلماء ابن كثير، والذّهبيّ، والعسقلانيّ الذي قال مُقدِّراً ما عاشه الدُّؤليّ من أيّام النّبوّة بأكثر من عشرين سنة، إلّا أنّ ما رجّحه أهل التّأريخ هو نفسه ما ذكره الشّيخ محمّد منصور حين قال: “وُلد الدؤلي في الجاهليّة قبل الهجرة النّبويّة بستّة عشر عاماً”.

وفاة أبي الأسود الدُّؤليّ

فارق أبو الأسود الدُّؤليّ الحياة سنة تسع وستّين للهجرة عن عُمر يُناهز الخمسة والثّمانين عاماً، كما ذكر يحيى بن مَعين أنّ الدُّؤليّ مات قبل الطّاعون، وكان ذلك في عهد أبي خُبَيْب عبد الله بن الزُّبير.

أبو الأسود الدُّؤليّ ونشأة عِلم النّحو

أجمع المُؤرّخون القُدماء مِثل أبي سلام الجمحيّ، والزُّبيديّ، وابن قُتيبة على أنّ واضع النّحو العربيّ هو أبو الأسود الدُّؤليّ، فيما لم يمنعهم ذلك من ذكر رّوايات أخرى تنسبه إلى غيره، أمّا بالنّسبة للمُحدِّثين مِثل أحمد أمين، وشوقي ضيف، وكارل بوكلمان، فقد اختلفوا في فضل الدُّؤليّ وفضل تلامذته، وكان موضع اختلافهم فيما جاء به الدُّؤليّ، وما جاء به تلامذته، حتّى أنّهم نفوا فضله في المسائل القرآنيّة، وأرجعوه إلى آخرين، في حين أقرّوا أنّه قام بتنقيط أواخر الكلمات في القرآن الكريم إثر ما حدث من فساد في الّلغة العربيّة الصّحيحة، إذ اختار لهذا كاتباً ماهراً من بني عبد قيس، واتّفق معه على نهج معين في الكتابة حتّى وضع مِقياساً مُعتمداً استنبطه من كلام العرب، وأكّد الزُّبيديّ هذا في كِتابه (طبقات النّحويّين والّلغويّين) قائلاً: ” هو أوّل من أسس العربيّة ونهج سلبها، ووضع قياسها؛ وذلك حين اضطّرب كلام العرب”، لذلك كان التّنقيط الذي وضعه الدُّؤليّ المبنيّ على وضع الحركات في موضعها الصّحيح ذا أهميّة بالغة في معرفة المرفوعات بالضّم، والمنصوبات بالفتح، والمجرورات بالكسر، ووسمها بالدّلالات التي تميّز كلّ واحد منها، كأن تكون المرفوعات للدّلالة الفاعليّة، والمُبتدئيّة، والخبريّة وهكذا، والجدير بالذِّكر أنّ تلامذة الدُّؤليّ لم يقِفوا على القواعد والضّوابط المُوجزة التي أوجدها معلمهم بل اعتبروها بذرة عِلم النّحو وأضافوا عليها لتصبح أكثر نُضجاً وثراءً، فهذا عبد الله بن أبي اسحق الحضرمي يكتب في الهمز ودلالته، أمّا عيسى بن عمر فقد ألّف كتابي (الجامع) و(الكمال)، فيما شرح سيبويه كتاب (الجامع) وبسّطه وزاد عليه من كلام الخليل وغيره.

إقرأ أيضا:بحث عن الشاعر إيليا أبو ماضي

الجدير بالذِّكر أنّ الرّوايات التي تنسب الوضع الأوليّ لِعلم النّحو، تروي أنّ عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه هو أولّ من وضعه، وذلك يعود للرّوايات التي جاءت على لسان أبي الأسود الدُّؤليّ نفسه، والتي ردّ فيها أساس هذا العلم لعلي بن أبي طالب، لا سيما عندما سُئل عن النّحو ومن أين أتى به، فأجاب قائلاً: “لَفَقْتُ حدوده من علي بن أبي طالب رضي الله عنه”، وكان الدُّؤليّ كلّما صنّف باباً في النّحو عرضه عليه -رضي الله عنه- إلى أنْ وضع الضّوابط العامّة لعِلم النّحو، مما يدفع الباحث للقول بأنّ الدُّؤليّ كان له الفضل بإيجاز الدّلالات المُختلفة لكيفيّة نطق الكلام بشكل صحيح، وعلى صورة بسيطة للابتعاد عن الّلحن الذي وُجد في عهده، ولحاجة المُلوك في ذلك العهد لفهم النّصوص القرآنيّة واستنباط الأحكام منها، ومن قصص الّلحن التي دفعت الدؤلي لأن يفعل ما فعل ما حدث له مع ابنته التي أخطأت في التّعبير حين قالت “ما أشدُّ الحرّ” قاصدة التّعجب، فصحّح لها أبوها ذلك بقوله “ما أشدَّ الحرّ!، بالإضافة إلى قصّة الأعرابيّ الذي أخطأ في لفظ الآية في عهد عُمر بن الخطّاب رضي الله عنه، فلّما سمع بذلك، أمر باقتصار قراءة القرآن على عُلماء الّلغة، وكما تقول القصّة فقد وكّل أمر وضع النّحو إلى الدُّؤليّ حينها، وهذه كُلّها دوافع ليقُدم الدُّؤليّ على إيجاد مفاتيح النّحو الأولى، ليأتي تلامذته من بعده فيضيفوا ما أضافو على هذا العلم للتخلص من الآفات التي طالت اللغة.

إقرأ أيضا:أين ولد نجيب محفوظ

تلامذة أبي الأسود الدُّؤليّ

قسّم المُتقدِّمون عُلماء النّحو في المدن ومدارسها النحويّة إلى طَبَقات، ووضّح الزُّبيديّ ذلك في كتابه (طبقات النّحويّين والّلغويّين)، فقد قُسِّم عُلماء البصرة إلى عشر طَبَقات مثلاً جاء أبو الأسود الدُّؤليّ في الطّبقة الأولى منها، بل كان على رأس هذه الطّبقة بالنّسبة لمعاصريه، فأخذوا عنه، وتعلّموا منه المسائل النّحويّة، ومن التّلاميذ الذين أخذوا عنه، واستهدوا بما وضع:

  • عبد الرّحمن بن هرمز الأعرج: يعدُّ عبد الرحمن بن هرمز أوّل ناقلٍ لعِلم النّحو إلى المدينة، كما كان أعلم النُّحاة في وقته آنذاك.
  • عطاء بن أبي الأسود: قام عطاء بن أبي الأسود بتبسيط النّحو، وتعيين أبوابه ومقاييسه.
  • يحيى بن يعمَر: قام بن يعمر بتعيين الأبواب النّحويّة وتبسيط النّحو كذلك.
  • عنبسة بن معدان: قِيل في عنبسة إنّه أكثر أصحاب أبي الأسود براعة.
  • ميمون الأقرن: كان أبو عبيدة يرى تقديم ميمون على عنبسة.
  • تصر بن عاصم: نُسب لابن عاصم أوّل النّحو، وقِيل فيه أنّه أنبل من تتلمذ على يد الدُّؤليّ.
  • عبد الله بن أبي إسحاق الحضرميّ: كتب الحضرمي في دلالات الهمز.

مكانة أبي الأسود الدُّؤليّ العِلميّة

كان لأبي الأسود الدُّؤليّ مكانة عظيمة عند العُلماء، ومنهم الجاحظ الذي ذَكَره في كِتابه (البيان والتّبيّين)، إذْ أكّد على تقديم الدُّؤليّ في قائمة الطَّبَقات، وذكر أنّه من النُّبلاء والأشراف، كما عدّه من دُهاة العرب، وممن كان للدؤلي مكانة عنده من العُلماء مُحمّد بن سلام الذي أشار إلى أنّ الدُّؤليّ هو مُؤسّس للعربيّة الأوّل، كما عدّد الأبواب التي وضعها مِثل باب الفاعل، وباب المفعول به، وباب المُضاف، وباب حُروف الرّفع والنّصب والجرّ والجزم كذلك، وغيرها، كما شهد الكثير من علماء اللغة بفضل الدؤلي وإنجازاته في التّشكيل القرآنيّ، والتّنقيط الذي صاحبه، وأكّد هذا أبو العبّاس المبرّد، إذ قال: “إنّ أوّل من وضع العربيّة، ونقّط المصاحف أبو الأسود الدُّؤليّ”، بالإضافة إلى ما تركه من مقطوعات وقصائد قام الأستاذان محمّد حسن ياسين وعبد الكريم الدجيلي بتحقيقها وتنسيقها بعد جمعها ضمن ديوان بعد أن كانت مُتفرّقة في كُتب مختلفة، كما لم يخلُ عهد الدُّؤليّ من الرّواية، فقد روى عن العديد من الصّحابة، مِثل عمر بن الخطّاب، وعليّ بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وأبو ذرّ الغفاريّ، وعبد الله بن مسعود، والزّبير بن العوّام، -رضي الله عنهم جميعاً-، مما يؤكد على الدور العظيم الذي قام به الدؤلي للاعتناء بالّلغة العربيّة والقرآن الكريم وحفظهما من اللحن وغيره من الآفات.

صفات أبي الأسود الدُّؤليّ

تظهر صفات أبي الأسود الدُّؤليّ في أدبه وشِعره الذي كان ينظمه، حاله حال الأديب والشّاعرالذي يصوّر أدبه ذاته وشخصيّته تبعاً لرؤية عبّاس محمود العقّاد حين قال: “فإذا قرأت ديوان شاعر ولم تعرفه منه، ولم تتمثّل لك شخصيّة صادقة لصاحبه، فهو إلى التّنسيق أقرب منه إلى التّعبير”، وفيما يلي مجموعة من الصّفات التي يُمكن استخلاصها من الأبيات الشِّعريّة الخاصّة به:

  • الكرم: كان أبو الأسود مِعطاءً، وذُكِر له قصّة مع جاره الذي كان حاسداً له، فبعد انتقال الدُّؤليّ إلى مدينة هذيل، ذهب جاره القديم ليسأل جاره الجديد في هذيل عن كرمه وعطائه في سقاية الّلبن، وصفة الكرم هذه تعاكس ما قاله عنه ابن قتيبة الذي اتّهمه بالبخل، أمّا الأبيات التي تُثبت له هذه الصّفة له:

إنَّ امرأ نُبِّئْته من صديقنا

يُسائِلُ هل أسقي من الّلبن الجارا؟

وإنّي لأسقي الجار في قعر بيته

وبيتيَ مـالا إثم فيه ولا عارا
  • الفطنة والحِنكة: تُعدّ الفطنة والحنكة من أهمّ الصّفات التي جعلت للدُّؤليّ رصيداً كبيراً من الحكمة، ومن الأبيات التي تُؤكّد هاتين الصّفتين:

وبلوتُ أخالقَ الرّجالِ وفعلَهم

فشَبِعْتُ علماً منهمُ وتجاربا

فأخذتُ منها ما رضيتُ بأخذه

وتركتُ أكثرَ ما هنالكَ جانبا
  • الحزم: كان الدُّؤليّ يفخر بهذه الصفة، وله في ذلك أبيات من ديوانه يقول فيها:

فإذا وعدتُ الوعدَ كنتُ كغارمٍ

دَيْناً أقـِرُّ به وأحضرُ كاتبا

حتَّى أُنَفّذَه كما وجَّهْته

وكفى عليَّ له بنفسي طالبا
  • القناعة والتّرفُّع تُعدّ هاتين الصفتين من أكثر الصّفات التي تناولها في شِعره، وقد قال فيهما:

ولا تُشْعِرَنَّ النّفسَ يأساً فإنَّما

يعيشُ بجدٍّ حازمٌ وبليدُ

ولا تَطْمَعَنْ في مالِ جارٍ لقربه

فكلُّ قريبٍ لا يُنالُ بعيدُ
  • التّسامح: لهذه الصّفة تأثير على الحِكمة التي تشكّلت لدى شخصيّة الدُّؤليّ، ومن الأمثلة على ذلك ما قاله في صديقه الهيثم بن زياد بعد أن أفشى له سرّاً:

فلستُ بجازيكَ المالمة إنَّني

أرى العفـوَ أدنى للسَّدادِ وأوسعا
  • الحِكمة: استسقى الدؤلي الحكمة التي امتاز بها من مصادر عدّة كان أوّلها القرآن الكريم، والسيرة النبويّة، كما أفاد من تجاربه وخبراته الشخصية، ومن الشعراء الأوائل، وقد سخّر الدؤلي حكمته هذه في إبداء النُّصح والإرشاد لنفع النّاس، حيث انعكس ذلك في شعره، فها هو يوصي من أصابته مصيبة بالصبر، فيقول:

الدّهر لا يبقى على حالة

لكنّه يُقبِلُ أو يدبرُ

فإن تلقاكَ بمكروهه

فاصبرْ فإنَّ الدّهر لا يصبر
السابق
الشاعر أبو القاسم الشابي
التالي
أبو فراس الحمداني