أدباء وشعراء

قصة حياة مي زيادة

حياة ميّ زيادة

التّعريف بالأديبة مي زيادة

مي زيادة، هي الشّاعرة والأديبة الفلسطينيّة واللّبنانيّة وإحدى الشّخصيّات التي برزت في تاريخ الأدب العربيّ النَّسَويّ، فكانت عَلَماً مشهوراً في النِّصف الأول من القرن العشرين، بالإضافة إلى أنّها تطرّقت إلى الفلسفة، والتّاريخ العربيّ والإسلاميّ.

لم يكن اسم “ميّ” هو الاسم الأصليّ لها، إنّما هو الاسم الذي اختارته لنفسها، أمّا اسمها الأصليّ فهو “ماري”، واختيارها لاسمها يعود لكون اسمها الأول إفرنجيّ وغير مألوف عند مسامع العرب، في حين أنّ اسمها الذي اختارته عربيّ وخفيف على مسامع الأذن وسهل النُّطق كذلك، بالإضافة إلى أنّ هناك العديد من الأسماء التي سُمّيت بها ميّ، مثل: إيزيس كوبيا، وعائدة، وكنار، وشجية، والسّندبادة البحريّة الأولى، وأيضاً مداموزيل صهباء، وخالد، ورأفت، وكانت ميّ توقّع على المقالات والقصص التي تكتبها بهذه الأسماء، وتختلف الأسماء عندها باختلاف أحوالها، وتُشير إلى ذلك فيما كتبته في رسالتها الأولى لجُبران خليل جُبران، وذلك عام 1921م: “أُمضي مي بالعربيّة، وهو اختصار اسمي، ويتكوّن من الحرفين الأول والأخير من اسمي الحقيقيّ الذي هو ماري، وأُمضي إيزيس كوبيا بالفرنجيّة، غير أنّ هذا لا أسمى ولا ذاك، إنّي وحيدة والديّ، وإنْ تعدَدَت ألقابي”.

نّشأة ميّ زيادة وطفولتها

وُلِدت ميّ زيادة في فلسطين في مدينة النّاصرة تحديداً، وذلك في الحادي عشر من شهر شباط عام 1886م، والدُها هو إلياس زيادة، أصلهُ من لُبنان، أمّا أمُّها فهي نُزهة معمر، والتي تُعدّ من أصحاب الأدب الذين يُعنَون بحفظ الأشعار، وقد حظيت الأديبة مي زيادة باهتمام كبير من والديها كونها الابنة الوحيدة لهما بعد وفاة أخيها، وممّا قالته أمُّها فيها: “أن من ينجبْ ميّاً، لا يُنجبْ غيرها”.

إقرأ أيضا:بحث عن جبران خليل جبران

انتقل والدُها للعيش في مدينة النّاصرة الفلسطينيّة في النّصف الثّاني من القرن العشرين، وذلك بعد أن كان يسكن في قرية شحتول في لبنان، وكانت مدينة النّاصرة موطن اجتماع والديّ مي، فأمُّها من أصل سوريّ إلّا أنّ موطنها في فلسطين، ومن الجدير بالذِّكر أنّ لخلفيّة أمِّها الثّقافيّة والأدبيّة سبباً في إعجاب إلياس زيادة بها.

تعليم ميّ زيادة

بدأت ميّ زيادة أول مراحلها التّعليميّة في مدارس النّاصرة الابتدائيّة، ثمّ عادت لموطن أبيها في لبنان، وفي كسروان تحديداً وهي في سنّ الرّابعة عشر، ثمّ تابعت دراستها في دير الرّاهبات في منطقة عينطورة، إلّا أنّ ذلك لم يُنسها المدينة التي وُلدت فيها، فكان لمدينة النّاصرة دائماً في ذاكرتها حيّز لا يُنسى، وإن زارتها تُخاطبها شاكرة إيّاها على ما عاشته فيها. اهتمّت ميّ زيادة بدراسة الّلغة العربيّة، والّلغات الأجنبيّة، بالإضافة إلى جوانب أخرى تتعلّق بالفنّ، والغناء والموسيقى، فتعلّمت العزف على آلة البيانو، فكانت ترى في الموسيقى تسلية لها لما تعيشه من الغُربة، وممّا قالت فيها: “إنّها تُنيِّلُني أجنحة، وتطير بي إلى عوالم لا يطرقها غيرها”.

بعد أنْ تخرّجت مي من مدرسة دير الرّاهبات عام 1904م رجعت إلى النّاصرة عند أهلها، وفي عام 1908م انتقلوا جميعاً إلى مِصر، فاستقرّوا في القاهرة، ودرست هُناك في جامعتها الفلسفة وآداب الّلغة، ودرست كذلك تاريخ الّلغة بالإضافة إلى الّلغات المُختلفة، مثل: الفرنسيّة، والسّريانيّة، واليونانيّة القديمة، واللاتينيّة، وكذلك الإنجليزيّة، والألمانيّة، والإيطاليّة، والإسبانيّة، كما أنّها دخلت مسيرة التّربية والتّعليم فعملت فيها.

إقرأ أيضا:من مؤلف كتاب وحي القلم

ميّ زيادة والصّحافة

تُعدّ ميّ زيادة ممّن أبدعوا في مجال الصّحافة، فكانت تكتب المقالات التي لها الأثر الاجتماعيّ في الصّحافة المصريّة، وتتميّز مقالاتها بأسلوب مُختلف وخاصّ بها؛ فكان أسلوباً مليئاً بالعاطفة، والمشاعر الجيّاشة، بالإضافة إلى ما تملكه من الثّقاقة الواسعة سواء العربيّة أو الأجنبيّة، ومن الصُّحف التي كتبت فيها صحيفة “المحروسة”، وكان لها فيها باب خاص وثابت اسمه “يوميّات فتاة”، وكانت تستعرض في هذا الباب مقالاتها بطريقة جريئة وتُمضي في نهايتها بأسماء مُستعارة، وممّا أضافته ميّ إلى عملها في الصّحافة إنشاء باب جديد في صحيفة “السّياسة الأسبوعيّة” وتسميته “خليّة النّحل”، وكان هذا الباب قائماً على أساس الأسئلة والأجوبة الصّادرة ممّن يُريد من قُرّاء الصّحيفة أن يسأل سؤالاً أو يُجيب على سؤال مطروح، أمّا وظيفة الصّحيفة في هذا الباب فكانت باختيار ما هو مُناسب من هذه الأسئلة والأجوبة وإعادة صياغتها بشكل جيّد.

زادت ميّ زيادة من إقبال الفئة الشّبابيّة على القراءة من الجريدة بإنشائها باب خليّة النّحل التّفاعليّ، وبهذا تكون قد أضافت عاملاً مُهماً في الصّحافة، ومع أنّ هذا الباب يُعدُّ عملها “الفنيّ” الأول في الصّحافة إلّا أنّه كان الأخير، لأنّها فضّلت أن تكون كاتبة غير مُقيَّدة بأحد وأنْ تكون حرّة لا تختلط مع من تكتب لهم.

صالون ميّ زيادة الأدبيّ

عَمَدت الأديبة ميّ زيادة إلى إنشاء صالون أدبيّ خاصّ بها تحت اسم “ندوة الثّلاثاء” وذلك في عام 1912م، واعتمدت بيت أبيها القائم في القاهرة مقرّاً لهذا الصّالون لتُعقد النّدوة فيه أسبوعيّاً، حيث نالت التّقدير والاحترام الكبير من حاضريها لِما تتمّتع به من ذكاء وشجاعة في إدارة النّدوة بأدب ورُقيّ، واستمرّ عقدُ هذه النّدوة عشرين عاماً مُنذ نشأتها، وكان العقّاد قد قال فيها: “ووُهِبتْ ما هو أدلّ على القدرة من ملكة الحديث، وهي ملكة التّوجيه، وإدارة الحديث بين مجلس المختلفين في الرأي والمزاج والثّقافة والمقال”، وممّن اشتهرت أسماؤهم في ارتياد صّالون ميّ الأدبيّ: أحمد زكي باشا، وأحمد شوقي، وعبّاس محمود العقّاد، وطه حسين، ومصطفى صادق الرّافعيّ، والباحثة مَلك حقني ناصف، وهي المرأة الوحيدة في الصّالون.

إقرأ أيضا:أين ولد محمود درويش

مؤلّفات الأديبة ميّ زيادة

المساواة

يُعنى كتاب المساواة بالتّطور الاجتماعيّ للإنسانيّة، والأنظمة الاجتماعيّة السّائدة في العصر الحديث، ويتحدّث عن تعريف كلمة المُساواة خلال العديد من المفاهيم المُتعلّقة بالسُّلطة والحُكم، فقد تطرّقت ميّ للحديث فيه عن الطّبقات الاجتماعيّة بداية، ثمّ بدأت بنقاش العديد من المُصطلحات التي ترتبط فيها، مثل: الأرستقراطيّة، والعُبوديّة، والدّيمقراطيّة، وكذلك الاشتراكيّة السّلميّة والثّوريّة، كما تناولت الحديث عن التّاريخ الأوروبيّ لمفهوم الفوضويّة.

باحثة البادية

باحثة البادية هو كتاب على هيئة دراسة نقديّة تُقدّمها الأديبة ميّ عن الكاتبة المِصريّة مَلَك حنفي ناصف، وتدرُسها فيها دراسة مُحكَمة، وتُعد مَلَك ابنة الّلغويّ المشهور حنفي ناصف وتشتهرُ بكونها مُصلحةً اجتماعيّة، وأديبة، وصاحبة مكانة عالية في المجال الأدبيّ والحياتيّ، وممّا تتميّز به أنّها تملك القدرة على استخدام الّلغة في التّعبير عن أفكارها وعواطفها بسهولة، فكانت النّصوص الخاصّة بها واضحة وبسيطة، وتتنوّع بين الجمال والفصاحة، ومن الجدير بالذِّكر أنّ مَلك تُعدّ المرأة الأولى التي تشتهر بفنّ الخَطابة في العصر الحديث، لذلك اختارتها ميّ لتكون عنواناً لمُصنّفها وتكون دراسة لظاهرة أدبيّة فريدة، أما “باحثة الباديّة” فهو الاسم المُستعار للكاتبة مَلَك.

بين الجزر والمدّ

يتناول الكتاب مجموعة من الدّراسات والأبحاث التي تُعنى بالآداب، والفنّ، والحضارة، وتتطرّق ميّ في هذا المُصنّف إلى الحديث عن أهميّة الاعتناء بالّلغة العربيّة، مُوجِّهة العرب إلى ضرورة ذلك وإلى أهميّة العودة إليها، وكان ذلك في أوائل القرن العشرين تحديداً في عصر النّهضة الأدبيّة، وذلك ينبع من إيمانها بأنّ الّلغة سبب في بقاء الأمم وإحياء الحضارات، وتتطرّق كذلك للحديث عن ما مرّت به الّلغة العربيّة من فترات ضّعف وأنّها رغم ذلك باقية، وتعود تسمية الكتاب إلى ذلك التّفاوت في الفترات التي مرّت بها الّلغة العربيّة، فهي بذلك تُشبه ظاهرة المدّ والجزر.

رجوع الموجة

هي رواية تتناول فيها مي الحديث عن أشكال فُقدان قيم الحُبّ والوفاء، من خلال قصّة “مرغريت” التي أحبّت زوجها “ألبير” حُبّاً كبيراً وأنجبا ابنتهما “إيفون”، لكنّ هذه القصّة لم تكتمل إذ يقابلها زوجها بخيانته لها مع صديقتها “بلانش”، فتمرّ الزّوجة بمرحلةٍ تفقد فيها ابنتها ثمّ تتزوج لاحقاً من ابن عمّها “روجر” الذي يُحبّها كثيراً والذي تُنجب منه “مكسيم”، فتعرض ميّ زيادة في هذه الرّواية الصّراع النّفسيّ الذي تواجهه مرغريت في عدم قدرتها على نسيان حبّها لألبير، وبين أنْ تبقى مع روجر الذي يُحبّها، فتصف فيه هذه الحيرة، وتُخبر عن الحال الذي ينتهي الأمر بها.

سوانح فتاة

يضمّ كتاب سوانح فتاة خواطر وآراء تتعلّق بالحياة والنّفس الإنسانيّة، ولكونها ممّن اشتهروا في الأدب النَّسَويّ وأحد العاملين على النّهضة الأدبيّة العربيّة عملت في كتابها هذا على أن يكون رأيها بشكل حسن ويَفي بالغرض؛ ليتناسب مع ما تسعى لإظهاره من الأدب النَّسَويّ، فكانت النّصوص في هذا الكتاب فصيحة بشكل تظهر فيها معالم التّطوير والتّحديث والإبداع فيما تقول، وكلمة سوانح مأخوذة من السّانح، وهو الشّيء الذي يأتي عن اليمين، وعادة ما يربط النّاس الأمور التي تتعلّق باليمين أنّها خير، وفيها بركة، وأنّها تدعو للتفاؤل.

ظلمات وأشعّة

يتضمّن كتاب ظلمات وأشعّة العديد من المقالات الأدبيّة التي تطرّقت إلى موضوعات مُختلفة تتعلّق بمناسبات مُتنوعة، فقد تناولتها ميّ بطريقة تبتعدُ فيها عن التّكلف، واستعرضت في مقالاتها الاهتمام بالقضايا التي تُعنى بالمرأة الشّرقيّة وتوعيتها، فحرصت على توضيح أهميّة ممارستها لحقوقها المُجتمعيّة، كالحياة الكريمة، والحُريّة، بالإضافة إلى تطرُّقها إلى المرأة الشّرقيّة في العصر الحديث، والأمور التي تُساهم بتطويرها في الجانب الحضاريّ، والاجتماعيّ، والسّياسيّ، والثّقافيّ، لذلك يُعدّ من المُصنّفات النَّسويّة الشّائعة لمي زيادة في النّصف الأول من القرن العشرين.

عائشة تيمور

تناولت الكتابة ميّ زيادة في كتابها “عائشة تيمور” شخصيّة بارزة في الأدب والعلم، وهي أديبة وشّاعرة مصريّة، وتطرّقت في الحديث عن دواوينها الشّعريّة الثّلاثة بلُغات مُختلفة، العربيّة، والتُّركيّة، والفارسيّة، كما تحدّثت عن المُصنّفات النّثريّة الخاصّة بها، وهما: نتائج الأحوال، ومرآة التأمل في الأمور، وممّا قالته مي فيها: “كانت كلّما دفقت نمت التّيمورية في ذهني، وتفرّدت صورتها أمامي إذ لم يقم على مقربة منها صورة تسابقها أو تشبهها ولو شبهاً بعيداً”، وأشارت كذلك إلى أنّ الفكرة دارت لها بعدما دعتها جمعيّة مصر إلى خِطاب في الجامعة المصريّة تُلقيه، وأنّ شخصيّة عائشة خطرت في ذهنها بعد تناول مواضيع المحاضرة التي تضمّنت محاور الأدب، والأخلاق، والاجتماع.

غاية الحياة

يُعدّ هذا المُصنّف رسالة للمرأة للعربيّة من ميّ زيادة، فخاطبتها فيها بزرع الآمال في نفسها، وتجديد الرّوح والنّفس، بالإضافة إلى تشجيعها إلى السّعي والعمل للوصول إلى الغايات الضّائعة، ومُشيرة إلى أنّها تكون قريبة لها أكثر من أيّ شيء آخر، كما حرصت ميّ في رسالتها هذه على أن تكون مع المرأة في ضيقها وآلامها، حتّى تصل بها إلى دواء يشفي روحها، ويجعلها تُحسن البحث عن غايتها.

وردة اليَازجِي

تحدّثت الأديبة ميّ في كتابها هذا عن الأديبة والشّاعرة الّلبنانيّة وردة اليَازجِي، فالكتاب عبارة عن دراسة نقديّة فريدة لها، فتناولت فيه حياتها وفِكرها، وشِعرها، كذلك استعرضت امتلاكها نوعاً مُختلفاً من الأدب والشِّعر، مُشيرة إلى ديوانها الشِّعريّ “حديقة الورد”، وأنّها ممّن علا صِيتهم في أواخر القرن التّاسع عشر، وأوائل القرن العشرين، كما كانت الأكثر ريادة في النّهضة الأدبيّة النِّسائيّة، فكان هذا العمل لإظهار المكانة الكبيرة التي تحتلّها وردة.

ترجمة كتاب ابتسامات ودموع

كتاب ابتسامات ودموع هو كتاب ترجمته ميّ زيادة لعالِم الّلغة “فريدريخ مكس مولر”، والذي يتحدّث عن الذِّكريات المُتضادّة للإنسان من فرح وحُزن، وحياة وموت، وابتسامات ودُّموع، ويُعدّ الكتاب كذلك لمجموعة من المشاعر التي يمرّ بها الإنسان على اختلاف أحواله، فيتحدّث عن أحوال التّنافس، والأحقاد، والإجهادات، والتّهكمات، وغيرها، كما يتناول الكتاب الأزمنة التي يمرّ الإنسان بها والتي لم يمرّ بها بعد، فيصل القارئ الماضي، والحاضر، والمستقبل معاً، وفي نفس الوقت، لذلك يُعدّ هذا الكتاب مُناسباً لجميع الفئات العُمريّة، وعلى اختلاف مواقعهم الوظيفيّة.

مؤلفات أخرى لميّ زيادة

يوجد للأديبة ميّ زيادة العديد من المؤلفات الأخرى، منها ما يأتي:

  • المطبوعات:
    • رسالة الأديب إلى الحياة العربيّة.
    • الصّحائف، وهي مجموعة من المقالات المتنوعة في مختلف المجالات، وقد قام عباس محمود العقّاد بنقده في كتابه “مطالعات الكتب والحياة”.
    • كلمات وإشارات، وهي مجموعة خُطب أدبيّة، تُعنى في مواضيع اجتماعيّة، وعلميّة، وفلسفيّة مختلفة.
    • الحبّ في العذاب، وهي رواية إنجليزيّة مُترجمة.
    • الرّسائل، وقد قام كلّ من مادلين أرقش، وجميل جبر بنشرها.
    • أزاهير حُلم، وهو ديوان شعر فرنسيّ، نشرته ميّ تحت اسم مُستعار.
  • مُؤلّفات مخطوطة: هي ثلاثون بحثاً أو رسالة، وعدد صفحات البحث الواحد يتراوح بين 1-25 صفحة، وتتضمّن:
    • أربع قصص.
    • ثلاث روايات.
    • خمسة أبحاث في الأدب.
    • ستّ عشرة دراسة ومُحاضرة.
    • رسالة في شِعر فرنسيّ.

أثر ميّ زيادة المُجدِّد في فنّ الرّسائل

تواصلت الأديبة ميّ زيادة مع العديد ممّن كانوا أعلاماً في عصرها، فراسلت الكُتّاب، والشُّعراء، والصّحفيّين، وكذلك المُفكِّرين والسّياسيّين، بالإضافة إلى تواصلها مع العديد من النّاشطات في الحراك النّسائيّ في كلّ من مِصر، ولبنان، وسوريا، وكان الطّابع العامّ لرسائل ميّ أن تكون نقاشاً حول القضايا التي تُعنى بالمرأة، ومنها: النّهوض بالمرأة، والمشاركة الحياتيّة للمرأة، بالإضافة قضايا الإصلاح المُجتمعيّ، والوُجود الإنسانيّ، كما كانت رسائلها تتضمّن نقداً وآراءً في الكُتب التي كانت تصدر حديثاً في عصرها، ومن الجدير بالذِّكر أنّ ميّ قدّمت إضافةً إلى فنّ المُراسلة سواء كان بالشّكل أم المحتوى؛ لأنّها تناولت مواضيع لم يكن قد تناولها أحد من قبل، مثل عملية النّقد للكُتب، وما تطرّقت له من الأوصاف الجديدة للطبيعة، وهذا طبعاً بالإضافة إلى مواضيع المرأة.

كان أسلوب مي زيادة في طرح الرّسالة سهلاً، وواضحاً، ودقيقاً في اختيار العبارات، كذلك في القدرة على الانتقال إلى الفكرة الرّئيسيّة، وقوّة محاورتها في حديثها، وهذا ما جعل الرّسائل تأخذ نهجاً بعيداً عن العاطفة، فكانت تعكس عقلها وقلبها وثقافتها الواسعة معاً، حتّى جعل أصدقاءها يحتفظون برسائلها؛ لما تحتويه من لُطف، وأدب الخِطاب.

الأسلوب الأدبيّ لميّ زيادة

لم يعتمد أسلوب ميّ في الكتابة والخَطَابة على تقليد أشخاص أو السّير على نهجهم، ولا في اتّباع إحدى المدارس الفنيّة التي تُعنى بالأدب والعلم، إنّما كان أسلوبها نابعاً منها يتّصف بالجزالة، والنُّضج، والبساطة، والجمال، والعفويّة، والإبداع، وممّا ساهم في تميّز أسلوبها ثقافتها الغربيّة وتعلُّمها الّلغات المُختلفة، فقال عن أسلوبها في كتابتها أحد أساتذة جامعة هامبرغ: “أنّ المرء يجد فيه توازن الإنجليزيّة، ودُعابتها، ودقّة الألمانيّة وأحكامها، ورشاقة الفرنسيّة، وحيويّة باقي الّلغات الّلاتينيّة”. بالإضافة إلى أخذها ما تقوم بدراسته على مَحمل الجِّد، فهي لم تُشبه مثيلاتها ممن تطرّقن إلى أفكار الإصلاح، فكانت تُجيد الإقناع فتعرض رأيها بقوّة وتدعو إلى الآخذ به، وتُشير سلمى الصّائغ أنّ لكتابات غوستاف لوبون سبباً في نُضج كتابات ميّ زيادة، ومن الأمور التي تتّبعها ميّ في أسلوب كتابتها كذلك ما يأتي:

  • العرض المنطقيّ والهندسيّ لما تطرحه، فتقول مثلاً واصفة البحر: “البحر هو أحد أقانيم حبّي، وحُبّي مُثلّث الأقانيم، السّماء، والبحر، والعيون”.
  • العرض التّسلسُليّ في الكتابة، ويظهر ذلك في مقالاتها مثل: “كالعيون”، و”كن سعيداً”، و”الموضوع التّائه”.
  • استخدام طريقة السّرد التّشويقيّ في عرض أفكارها.
  • الانتقال بين الأفكار بطُرق مُختلفة باستخدام الأساليب الإنشائيّة المُختلفة، كالاستفهام الاستنكاريّ، والتّعجب.
  • إيراد الحكمة في نهاية النّص الأدبيّ.
  • استخدام المُفردات التي تُصوّر للقارئ خيالاً جميلاً في ذهنه، ويعود هذا لما تملكه من حصيلة مُفردات من الّلغات والثّقافات المُختلفة.
  • استحضار الوجدانيّات، بأسلوب غامض، وألفاظ روحيّة.
  • توجيه نصوصها لكافّة النّاس، وبطبقاتهم المُختلفة.
  • الابتعاد عن المُحاكاة والتّقليد.

ميّ زيادة والنّقد بين تيّارين

لاقت ميّ زيادة تقديراً مليئاً بالتّكريم، والتّرحيب ممّن عاصروها من أعلام الأدب؛ لما قدّمته من مؤلفات قيّمة أثرَت على المكتبة العربيّة، كما أنّها حصلت من أهل الألقاب على لقب “الأديبة النّابغة”، وفي عام 1923م أطلق الرّافعيّ عليها لقباً في إحدى رسائله لها، فسمّاها “سيدة القلم العربيّ”، وكان لها من الأمير شكيب أرسلان لقب كذلك فكان يدعوها بلقب “أديبة العصر”، لكن كحال أيّ أديب، لا بُدّ من وجود نُقّاد له، فكان لنُقّاد نصوص مي الأدبيّة رأيان، وهُما:

  • النّقد المادح: هو نقد مبنيّ على الإطراء والثّناء للعمل الأدبيّ بعيداً عن التّحليل والدّخول إلى مضمونه، فيعَمَد النّاقد إلى النّظر بشكل سطحيّ، وهذا يُضرّ به كعمل أدبيّ؛ فالفِكر لا يُباع ويُشترى بالدّعاية دون التّمحيص والتّدقيق.
  • النّقد التّحليليّ: هو على عكس النّوع الأول، إذ يعتمد على الأحكام في قراءة النّص الأدبيّ ويبتعد عن المدح فيها، لذلك يكون فيه الاعتراض أكثر من البناء والتّوجيه، وكان لميّ العديد من النُّقاد من هذا النّوع خاصّة فيما يتعلّق بقضايا المرأة، فينظرون لها نظرة استخفاف، مع أنّها ترى في النّقد باباً للإلهام، وأنّه أحد مظاهر الحُريّة، إلّا أنّها كانت “تتوقّاه كثيراً، ولو تبيّن لها أنّه صادر عن نيّة حسنة” كما قال عنها العقّاد، خاصّة أنّ النّقد يُستخدم على نحو خاطئ أحياناً كثيرة.

مرض ووفاة ميّ زيادة

تدهورت الصّحة النّفسيّة والجسديّة لمي زيادة إثر فُقدانها والدها عام 1929م، ثمّ وفاة الحبيب جُبران خليل جبران عام 1931م، وفي عام 1932م لحقتهما والدتها، فأثّر ذلك فيها؛ ممّا دعاها إلى العُزلة عن النّاس، حتّى أصدقاءها ومعارفها، كما أنّها في عام 1935م توقّفت عن الكتابة والقراءة، وفي عام 1936م عادت إلى لُبنان بنصيحة ابن عمّها “د.جوزيف زيادة” تخفيفاً عنها لما حصل لها، على أن تعود إلى القاهرة بعد أسبوع، وكان جوزيف قد وكّل نفسه على أموالها، إلّا أنّه أمدّ الفترة إلى أكثر من شهرين وبدون رضاها، فأدخلها بعد ذلك إلى مصح للأمراض العقليّة والنّفسيّة بعد اتّهامها بالجنون وكان اسم المصحّ “العصفوريّة” والذي يقع بالقرب من بيروت، وقد تعرّضت فيه إلى أنواع التّعذيب النفسية المُختلفة، ومع إضرابها عن الطّعام تدهورت حالتها حتّى وصل وزنها إلى 28 كيلوغراماً، ولم تُوقف إضرابها حتّى تمّ نقلها إلى مُستشفى آخر، وفي هذه الأثناء عَمَد ابن عمّها إلى الحجز على أموالها، وبيتها، ومُمتلكاتها؛ لتكون له، وما كانت هذه الأحداث إلّا طمعاً في أموالها فقط.

مع حلول عام 1937م وفي شهر آذار تحديداً تمّ نقل ميّ من المصحّ إلى مُستشفى خاصّ لدكتور “نقولا ربيز”، وذلك بعد تدخلّات من أصدقائها، فعُولجت فيه حتّى تحسّنت صحّتها، ثمّ سكنت بعد عامين في بيت ريفيّ في مدينة بيروت لكن هذا لم يمنع عنها الحجز الذي فُرض عليها قضائيّاً، ثمّ عادت إلى مِصر بمساعدة أصدقاء لها وذلك بعد حصولها على تقرير يُثبت سلامة فِكرها، وأنّ الحالة التي هي فيها ما هي إلّا ظُلم حاصل لها فقط لا غير، وكانت قد حصلت عليه من كبير الأطباء وقتها وكان اسمه الجنرال مارتان، وعندما استقرّت ميّ في بيت صغير في مِصر، كتبتْ رسائل لمن كانوا أوفياء لها في محنتها، ومنهم: فيليكس فارس، وأمين الرّيحاني، وعندما توفّيا ضاقت بها الأرض وزاد مرضها لأنّهما كانا أكثر الذين وقفوا إلى جانبها، وكانت ميّ قد أخبرت من يزورها عن كتاب ألقتْ عليه اسم “ليالي العصفوريّة”، ومن الجدير بالذِّكر أنّ مي زيادة أُصيبت بالخفقان وضيق التنفس في الليلة التي تسبق يوم وفاتها الذي صادف يوم التاسع عشر من شهر تشرين الأول من سنة 1941م، والذي كُتبت فيه العديد من المقالات والخواطر في رثائها، كما أُقيم لها حفل تأبين في رحيلها كان مقرُّه في دار الاتّحاد النّسائيّ الذي ترأسته “هدى شعراوي”، واجتمع فيه العديد من الأدباء العرب، منهم طه حسين إذ قال في حفلها:

خليليَّ عُدَّا حاجتي من هواكُما

ومن ذا يواسي النّفس إلاّ خليلها؟

ألمّا بمي قبل أن تطرح النّوى

بنا مطرحاً أو قـبل بَيْن يُزيلها

فإلّا يكُن إلّا تعلُّل ساعة

قليلاً فإنّي نافع لي قليلها
السابق
تاريخ وفاة نزار قباني
التالي
من هو جبران خليل جبران