قصّة آثر الرسول فيها أصحابه على نفسه
تعلّم الصحابة الكِرام الإيثار من النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لكثرة ما يرون منه ذلك، فقد جاءته امرأة وأهدت إليه بُردة، وقبلها منها وكان بحاجةٍ إليها، فطلبها رَجُلٌ منه لتكون كفنه، فأعطاه إياها، كما أنه كان يدعو الناس ويحُثُهم على الإيثار، كقوله: (إنَّ الأشْعَرِيِّينَ إذا أرْمَلُوا في الغَزْوِ، أوْ قَلَّ طَعامُ عِيالِهِمْ بالمَدِينَةِ جَمَعُوا ما كانَ عِنْدَهُمْ في ثَوْبٍ واحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بيْنَهُمْ في إناءٍ واحِدٍ بالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وأنا منهمْ)، وذات يومٍ بعث إلى أحد الصحابة الفقراء الذي أراد أن يعمل وليمة فرح بسلّة دقيقٍ كانت عنده، وبقي النبي -عليه الصلاة والسلام- تلك الليلة من غير طعام، وأُهدي إليه رداء، فقال له أحدُهم: ما أجمله! فأعطاه إيّاه.
وقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يُعطي ما عنده لغيره، فقد كان يدّخر التمر وغيره لمدّة سنة، فإن جاءه ضيفٌ أو طرأ على أحدهم شيء؛ يقوم بإيثار غيره عليه، حتى وإن أدّى ذلك إلى نفاده عنده، وذات يومٍ أُهدي إليه طعامٌ وهو جائع من أبي طلحة وزوجته أُمّ سليم، فدعا إليه الصحابة، وكان عددُهم قُرابة السبعين أو الثمانين رَجُلاً، حتى أكلوا وشبعوا، ثُمّ أكل هو، وأُهدي إليه قدحاً فيه لبن، فآثر به أهل الصُفّة ومعهم أبا هُريرة، وكان النبيّ آخرهم شُرباً، فقد شربوا جميعاً حتى شبعوا، ثم شرب النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وغير ذلك من المواقف الكثيرة في خُلق الإيثار في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتقديم حال الناس على حاله.
إقرأ أيضا:قصة طالوت وجالوتما يعين على الإيثار
توجد العديد من الأُمور التي تُعين المُسلم على الاتّصاف بِخُلق الإيثار، ومنها ما يأتي:
- الإقبال على الآخرة، والبُعد عن الدُنيا؛ فمن عظُمت الآخرة في قلبه هانت عليه الدُنيا بما فيها، فيُحبّ الإيثار، ويكره الشُحّ والبُخل.
- الإقبال على رعاية حُقوق الناس وتعظيمها.
- تعويد النفس على الصبر على المصائب والشدائد.
- الرغبة في الوُصول إلى معالي الأخلاق ومكارِمها، ولا شكّ أنّ الإيثار من أشرف الأخلاق وأعلاها، وقد جُبلت النُفوس على حُب وتعظيم الإنسان المُؤثر.
أهمية الإيثار
إن للإيثار أهميّةً وفوائد عديدة، ومنها ما يأتي:
- دليلٌ على محبة الله -تعالى- ورضوانه، وفيه تحقيقٌ للكمال الإيمانيّ، لقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى يُحِبَّ لأخِيهِ ما يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)، كما أن فيه اتّباعاً للنبي -عليه الصلاة والسلام- والاقتداء به.
- ثناء الله -تعالى- على المُؤثرين، وجعلهم من أهل الفلاح، والإيثار سببٌ للبركة والخير في المال والطعام وغيره.
- الإيثار طريقٌ لمحبّة الناس، وثناؤهم على الإنسان في حياته وبعد مماته، كما أنه يساعد على التكافل والمودة والتعاون بين أفراد المُجتمع، وحُصول الأُلفة بينهم.
- الإيثار طريقٌ للأخلاق الحسنة؛ كالرحمة، وحُب الخير للآخرين ونفعهم، وترك الأخلاق السيئة؛ كالبُخل والطمع.
- الإيثار مظهر من مظاهر حُسن ظنّ العبد بربه، وعلامةٌ لِحُسن إسلامه.