مدينة كوتشي تعتبر مسقط رأس العديد من الشخصيات التاريخية المهمة في اليابان، مثل الساموراي والسياسي ساكاموتو ريوما وعالم النبات ماكينو توميتارو. ومع ذلك، فإنها ليست معروفة بنفس القدر من البقاع السياحية الصاخبة الأخرى في اليابان. تتميز مدينة كوتشي بمناظرها الطبيعية الخلابة وتاريخها الغني، مما يجعلها وجهة ممتازة للسياح الذين يتطلعون إلى استكشاف الجوانب الأصلية والتاريخية لليابان. إذا كنت تبحث عن تجربة ثقافية وتاريخية غنية، فإن مدينة كوتشي هي الوجهة المثالية لك، حيث يمكنك استكشاف تاريخ الساموراي والتعرف على مسارات حياة الشخصيات التاريخية المهمة في اليابان. كما يمكنك التمتع بالمأكولات الشهية التي تقدمها المدينة والتي تعكس تراثها الغذائي الغني.
أفضل الأسرار المحفوظة
جدول المحتويات
على الرغم من أن محافظة كوتشي ليست وجهة سياحية شهيرة بين السياح اليابانيين أو الأجانب، إلا أنها تحتفظ بجاذبية خاصة تعكس جمالها الطبيعي وتاريخها الغني. في استطلاع العلامات التجارية الإقليمي لعام 2023، احتلت كوتشي المرتبة الثانية والثلاثين بتقييم يبلغ 20.9 درجة، وهو معدل قليل مقارنة بالمحافظات الأخرى.
يمكن أن يكون هذا الوضع مؤسفًا، خاصةً مع إمكانات كوتشي لاحتضان السياح بتجارب فريدة ومناظر طبيعية ساحرة. فهي تضم معالم تاريخية وثقافية تعود للعصور القديمة، بالإضافة إلى غنى تراثها الطبيعي وتنوع المأكولات التي تعكس التقاليد المحلية. قد تكون كوتشي واحدة من تلك الوجهات الحافظة للأسرار التي تنتظر اكتشافها واستكشافها بواسطة المسافرين الباحثين عن الجمال الخفي في اليابان.
إقرأ أيضا:جزر أوغاساواراتقع على بعد 90 دقيقة بالطائرة من طوكيو، وعلى الرغم من صغر حجمها، إلا أنها تضم مجموعة من المعالم السياحية المميزة، بدءًا من قلعة كوتشي المثيرة للإعجاب التي تتوسط المدينة. تعتبر هذه القلعة نقطة انطلاق مثالية لاستكشاف جمال الطبيعة المحيطة بها، حيث يمكنك التجول في الحدائق المحيطة بالقلعة والتمتع بإطلالاتها الرائعة.
ومع وجود شبكة فعالة من وسائل النقل العامة مثل الحافلات والترام، يمكنك الوصول بسهولة إلى جميع الأماكن التي يجب زيارتها في المدينة وخارجها. يمكنك الاستمتاع بجولة في المتنزهات الطبيعية المحيطة بالمدينة أو استكشاف الثقافة والتاريخ في المعابد والمتاحف المحلية.
تتيح لك مدينة كوتشي تجربة فريدة ومثيرة للاكتشاف الذاتي، وتعكس جوهر اليابان التقليدي بجمالها الهادئ وروعتها الطبيعية.
مكان حيوي تاريخيا
تعتبر قلعة كوتشي تعتبر جزءًا لا يتجزأ من تاريخ اليابان، وهي تمثل شاهدًا حيًا على العديد من الفترات الزمنية المهمة. بدءًا من تأسيسها في القرون الوسطى وحتى الوقت الحاضر، شهدت القلعة العديد من التحديات والحروب والنزاعات، ومع ذلك، استطاعت البقاء والصمود عبر العصور. في عام 1727، تعرضت القلعة لحادث حريق أسفر عن دمار جزء كبير منها، ولكن بفضل الجهود الجادة والإعمار السريع، تمت إعادة بناؤها بناءً على التصميم الأصلي. وعلى مر السنين، واجهت القلعة تحديات الحروب والنزاعات المتعاقبة دون أن تتعرض للتدمير، مما يبرز قوتها وصمودها كرمز للتاريخ والتراث اليابانيين.
إقرأ أيضا:حديقة سانكيينبالإضافة إلى ذلك، تجسد عملية التجديد الواسعة التي خضعت لها في الخمسينيات من القرن الماضي إرادة الشعب الياباني في الحفاظ على تراثه الثقافي والتاريخي. فقد تم استعادة قلعة كوتشي لرونقها وجمالها الأصليين، مما يجعلها واحدة من المعالم السياحية المميزة في اليابان.
ويلاحظ في قلعة كوتشي أن جميع مبانيها عبارة عن هياكل تاريخية وليست جزءًا من الاستنساخ من فترة ما بعد الحرب. وبالإضافة إلى ذلك، فهي القلعة الوحيدة في اليابان التي لا تزال تحتفظ ببرجها القديم وقصرها. وفي الواقع، هو البناء الوحيد الذي لا يزال يحتفظ بجميع الهياكل الأصلية التي تعود إلى القرن الثامن عشر في منطقة ”هونمارو“ (الجزء الرئيسي من القلعة).
رغم أن كوتشي ليست وجهة سياحية رئيسية، إلا أنها تحمل أهمية كبيرة في تاريخ اليابان. في نهاية فترة إيدو (1603-1867)، والتي كانت المنطقة فيها تعرف باسم ”توسا“، كانت واحدة من الأماكن الرئيسية التي شهدت الحركة المناهضة لحكم الشوغون، والتي أدت في النهاية إلى استعادة السلطة الإمبراطورية.
وسط تلك الفترة الدامية، كان ساكاموتو ريوما، شاب من الساموراي، يدافع بشدة عن القيم الديمقراطية والتحديث والوطنية اليابانية، ويسعى لاستعادة السلطة للبلاط الإمبراطوري. تعتبر مشاركته في المفاوضات السرية عام 1866 من بين أهم مساهماته في الحركة المناهضة لحكم الشوغون. هذه المفاوضات أدت إلى تكوين التحالف العسكري بين منطقتي ساتسوما وتشوشو، وهما المناطق الغربيتان القويتان التي قادتا في النهاية الانتفاضة ضد النظام الشوغوني العسكري.
إقرأ أيضا:مقاطعة إيواته الساحليةوبسبب دوره في حركة التحديث، تمت مطاردة ساكاموتو من قبل الجماعات المؤيدة لحكومة شوغون العسكرية وتم اغتياله في نهاية المطاف عندما كان الحادية والثلاثين من عمره، وأصبح فيما بعد نوعًا من أيقونة الثقافة الشعبية وموضوعًا للعديد من الروايات والمسلسلات الدرامية التلفزيونية والأفلام والمانغا، بما في ذلك دراما الـ تايغا التاريخية من إنتاج قناة إن إتش كيه لعام 2010 ”ريومادين“.
وينبغي لهواة التاريخ التوجه إلى شاطئ كاتسوراهاما ذو المناظر الخلابة جنوب وسط المدينة. حيث سيجدون هناك تمثال ساكاموتو ومتحف ساكاموتو ريوما التذكاري الغني بالمعلومات. ويقع الشاطئ على خلفية خضراء من أشجار الصنوبر، وهو وجهة جميلة في الهواء الطلق كانت معروفة منذ العصور القديمة كمكان شهير لمشاهدة القمر.
ولمزيد من المعلومات حول هذه اللحظة المحورية في التاريخ الياباني، تعد القاعة التذكارية للحرية والحقوق المدنية بمثابة متحف يتم فيه سرد حياة وأفعال هؤلاء الناشطين المهمين مثل إيتاغاكي تايسوكى وناكاي تشومين من خلال الصور والنماذج ومقاطع الفيديو.
القوة الروحية لرحلة الحج البوذية
تشترك مدينة كوتشي أيضًا في الـ (هينرو) رحلة الحج في الديانة البوذية التي يبلغ طولها 1400 كيلومترًا والتي تأخذ المشاة إلى 88 معبدًا حول جزيرة شيكوكو، والتوقف الحادي والثلاثين للمسار المقدس الشهير هو معبد تشيكورينجي. وهذا المعبد البوذي الخلاب إذا كان موقعه في طوكيو أو كيوتو، سيكون مكتظًا بالسياح كل يوم من الصباح إلى المساء. ولكن، نظرًا لكونه في كوتشي، فمن المحتمل أنك ستتواجد مع عدد قليل فقط من الزوار.
ويقع مجمع المعبد على تلة صغيرة (يُطلق عليها اسم جبل غوداي) على مسافة ليست بعيدة من وسط المدينة، وهو غارق في المساحات الخضراء لأشجار القيقب اليابانية، والتي تتحول من اللون الأخضر الباهت إلى اللون الذهبي والقرمزي في الخريف. ويمكن الوصول إليه بسهولة بالحافلة عبر طريق تم قطعه عبر الغابة الكثيفة التي تغطي التل بأكمله.
وهناك استمتع بقضاء بعض الوقت على أراضي المعبد ومن المحتمل أن ترى عددًا قليلاً من الحجاج، بعضهم يرتدي زيًا كاملاً، بأرديتهم البيضاء المغطاة بالكتابات البوذية وقبعة ”سوغيغاسا“ المصنوعة من القش تعتلي رؤوسهم.
ولكن بخلاف مشاهدة الحجاج، فإن المتعة الحقيقية تأتي من التجول حول أراضي المعبد الهادئة والمغطاة بالطحالب العشبية. فهو مكان سحري ينقلك إلى عالم من السلام والهدوء الذي يوجد عادةً داخل الأماكن المقدسة، ولكن مع متعة إضافية تتمثل في كونك محاطًا بالطبيعة.
الطبيعة المهجورة: حديقة ماكينو النباتية
على بعد مسافة قصيرة سيرًا على الأقدام من معبد تشيكورينجي يوجد مكان آخر يمتزج فيه التاريخ الياباني بالطبيعة: حديقة ماكينو النباتية بمحافظة كوتشي. حيث يُعرف الطبيب ماكينو توميتارو بأنه ”أبو علم النبات الياباني“. وخلال معظم حياته، سافر في جميع أنحاء اليابان وجمع أكثر من 400,000 عينة نباتية، وصف 1500 منها لاحقًا بأنها أنواع جديدة أو تصنيفات دنيا.
وفي النهاية حقق هدفه الطموح المتمثل في نشر كتاب ”ماكينو“ المصور عن النباتات في اليابان، وهو تحفة فنية شاملة تمثل تتويجًا لأبحاثه المكثفة. وفي عام 2023، أصبح موضوعًا للمعالجة الدرامية التليفزيونية الصباحية ”أسادوري“ عندما أنتجت قناة إن إتش كيه مسلسل ”رانمان“، وهي قصة خيالية على غرار حياته.
وقد تم افتتاح الحديقة النباتية في عام 1958، بعد عام واحد من وفاة ماكينو. وتعرض الحديقة التي تبلغ مساحتها 8 هكتارات تقريبًا، والتي تستفيد من التضاريس المتموجة، الفصول الأربعة الملونة في اليابان. فهي موطن لأكثر من 3000 نوع من النباتات البرية ونباتات الحدائق المرتبطة بالطبيب، بما في ذلك الكرز والأزاليات المحببة لدى ماكينو والتي تزهر في الربيع، أما في الخريف فهي مغطاة بالباترنيا الصفراء والبرسيم الياباني وزهور الـ هيتيروبابوس الوردية والأرجوانية، من عائلة زهرة الأقحوان.
ومن أبرز معالم الحديقة الدفيئة الزراعية أو (الصوبة) الواسعة المليئة بالنباتات الاستوائية النادرة والملونة التي تم جمعها من اليابان وخارجها. ويتم الوصول إليها من خلال برج يبلغ ارتفاعه9أمتار، وهو عبارة عن نوع من الكهوف الشجرية الكبيرة مغطى من الداخل والخارج بالنباتات المتسلقة وجذورها المتشعبة.
وفي داخلها، تم تخصيص مساحات مختلفة لحديقة مائية ومنطقة غابات ونباتات الأراضي الجافة التي يمكنها تحمل درجات الحرارة المرتفعة أثناء النهار ودرجات الحرارة المنخفضة أثناء الليل.
أشياء يجب تجربتها
وبالعودة إلى وسط المدينة، فإن أفضل طريقة للاستمتاع بمدينة كوتشي هي استقلال إحدى الحافلات أو عربات الترام (تصميماتها تتراوح ما بين الطرازات القديمة إلى تصميمات الـ أوتاكو التي تضم بطل المانغا المحلي أنبانمان)، ثم الترجل منها عشوائيًا واستكشاف أزقتها أو التنزه على طول نهر كاغامي. ويحتوي مركز المعلومات السياحية الموجود خارج محطة كوتشي على الكثير من الكتيبات والجداول الزمنية لمساعدتك على التنقل في المدينة.
وعلى الرغم من أن نهر كاغامي يتدفق عبر وسط المدينة، إلا أنه نظيف بدرجة كافية بحيث يسبح العديد من السكان المحليين في مياهه في الصيف. وفي الواقع، يوجد في المدينة العديد من هذه الأنهار الجميلة، بداية من نهر نيودو في بلدة إينو إلى نهر دوي، أحد روافد نهر نيودو، والذي يقع على بعد حوالي ساعة بالسيارة من المدينة. وكلها مثالية للسباحة والتجديف وركوب الكنو.
ومن المؤكد أن كل هذه التحركات سوف تجعل المرء جائعًا، وحتى في هذا الصدد، فإن المدينة لن تخيب ظنك مع مجموعة متنوعة من الأطباق اللذيذة البسيطة بدءًا من رامن ”نابياكي“ (حساء معكرونة الرامن المقدمة في وعاء فخاري ساخن) و”ساواتشي ريوري“، وهو مطبخ متنوع يضم أنواعًا مختلفة من أطباق الـ ساشيمي والمحار. وهناك أيضًا لحم البقر ”واغيو توسا أكاؤشي“ ويمكن القول أن الطبق الأكثر شعبية في المنطقة، ”كاتسو نو تاتاكي“، أو سمك الـ بونيتو المحمر قليلاً أو سمك التونة الوثاب الذي غالبًا ما يعلوه القليل من ملح البحر أو صوص الـ بونزو الحمضي.
ولا يمكنك التحدث عن مدينة كوتشي دون ذكر الـ يوزو، وهو نبات حمضي جميل ذو رائحة ونكهة مذهلة يحظى بشعبية كبيرة في المطبخ الياباني. على غرار الليمون، حيث يضيف الـ يوزو نكهة خاصة جدًا عند إضافته إلى الطبق، بدءًا من المخللات والصلصات وحتى الحلويات. وتعد مدينة كوتشي أكبر مُنتج في العالم، حيث تمثل 55% من إجمالي محصول اليابان.
وهناك العديد من الأماكن في مدينة كوتشي حيث يمكن للمرء الاستمتاع بالطعام المحلي، ولكن تجربتين لا ينبغي تفويتهم هما زيارة سوق هيرومي (سوق داخلي لطيف يضم 60 مطعمًا مختلفًا)، والسوق الذي يبلغ طوله 1.3 كيلومترًا الذي يعرف بممر سوق الأحد، حيث يقدم الأطعمة التقليدية المحلية مثل ”إيناكا-سوشي“ (السوشي النباتي على الطريقة الريفية حيث تم استبدال الأسماك بالخضروات المحفوظة والمخللة والتوفو المقلي) و”إيمو تن“، وهي عبارة عن تيمبورا البطاطا الحلوة المقلية الطازجة ذات الحجم الصغير والتي لربما تكون واحدة من أفضل الأطعمة الحلوة التي ستتناولها في اليابان على الإطلاق.
وأفضل ما في مدينة كوتشي، كما ذكرنا من قبل، هو أنه أينما ذهبت، فمن المحتمل أن تكون السائح الأجنبي الوحيد. لذا، إذا كنت قد سئمت من حشود السياح الصاخبة في كيوتو وطوكيو، فأنت تعرف الآن إلى أين عليك أن تذهب لاحقًا.
(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة مقدمة من اليابان بالعربي)