اليابان

حديقة سانكيين

«حديقة سانكيين»… حديقة مميزة على طراز الحدائق الياباني

 

يعد متنزه سانكيين في يوكوهاما واحدًا من أهم المعالم الطبيعية في المدينة، حيث تم تعيينه كموقع ذو طبيعة وجمال خلابين من قبل الحكومة اليابانية.
يحظى هذا المتنزه بشعبية كبيرة بين سكان مدينة يوكوهاما والزوار على حد سواء، حيث يتمتع بمناظر طبيعية ساحرة تتضمن بركًا وتلالًا تعزز من جمالها.
ويعتبر برج الحديقة المشهور ”باغودا“ ذو الثلاثة طوابق أحد أبرز الرموز في المتنزه، كما يضم فيلا رينشونكاكو التاريخية التي تم تجديدها حديثًا، بالإضافة إلى العديد من الأماكن الجذابة الأخرى التي تستحق الزيارة.

تُعَدُّ ؤ في مدينة يوكوهاما العصرية، التابعة لمحافظة كاناغاوا، جوهرة يابانية تتميز بها المنطقة. تشتهر هذه الحديقة بمساحتها الواسعة التي تبلغ 175 ألف متر مربع، وتضم تضاريس طبيعية خلابة، بالإضافة إلى تنوع كبير من النباتات والزهور الموسمية الساحرة. تضفي البرك والجداول الجمال الطبيعي على المكان، وتُعزِّز من جاذبيته. كما تتميز الحديقة بوجود 17 مبنى تاريخيًا، 10 منها مُعتَرَف بها كأماكن ثقافية وطنية مهمة، حيث تُمثِّل واجهة لتاريخ اليابان العريق. وعلى الرغم من تأثُّر مدينة يوكوهاما بالثقافة الغربية نتيجة لكونها ميناء فتح اليابان للعالم الخارجي في القرن التاسع عشر، إلا أن حديقة سانكيين تحافظ على طابعها الأصيل وتاريخها الغني الذي يُضفي عليها سحراً خاصاً.

إقرأ أيضا:مقاطعة إيواته الساحلية

في عام 2022، احتفلت حديقة سانكيين بذكرى مرور 100 عام على تأسيسها. وبهذه المناسبة الخاصة، تم فتح الفيلا الصيفية ”رينشونكاكو“ لعائلة توكوغاوا للجمهور لفترة محدودة بعد الانتهاء من أعمال التجديد التي شملت المبنى. تُعتبر هذه الفيلا ملكية ثقافية وطنية مهمة، حيث تُظهِر عظمة العمارة التقليدية اليابانية. وتشهد الحديقة إقبالًا كبيرًا من الزوار الذين يأتون للاستمتاع بجمالها، ويُشبه منظرها إلى حد كبير حديقة قصر كاتسورا المنفصلة في كيوتو.

إطلالة عبر البركة الرئيسية التابعة للباغودا المكون من ثلاثة طوابق والذي تم تشييده على أنقاض معبد توميوجي المُندثر، ويعتبر إرثا ثقافياً وطنياً هاماً يتربع على قمة تل. كونه أقدم مبنى في الحديقة جعله رمزاً هاماً لحديقة سانكيين.
تحظى حديقة سانكيين بوجود حديقتين مميزتين، حديقة داخلية خاصة بمؤسس سانكيين السيد ”هارا سانكي“، وحديقة خارجية فتحت للعامة خلال فترة حياته. وتعتبر اليوم الفيلا الخاصة بالسيد هارا رينشونكاكو مركز جذب للحديقة الداخلية والتي تم فتحها للزوار بعد وفاته.
إطلالة على الغرفة الرئيسية لرينشونكاكو ”سومينويه نو ما“، حيث يمكن التمتع بالتفرج عليها من بهو المدخل ”نانيوا نو ما“. تزخر غرف الفيلا بالفنون القيمة. بدءاً من اللوحات التي تتزين بها الأبواب المنزلقة ”فوسوما“، إلى النقوش الموجودة على الدعامات العلوية والتي تم تنفيذها من طرف فنانين بارعين من مدرسة كانو الشهيرة للفنون.

فتح الحديقة للعامة

تم تسمية حديقة سانكيين نسبةً إلى اللقب الذي اشتهر به مؤسسها السيد ”هارا توميتارو“. وُلد توميتارو في فترة تتراوح ما بين عامي 1868 و1939 في محافظة جيفو، وكان يُعرف سابقًا باسم ”آؤكي توميتارو“.

إقرأ أيضا:زيارة مركز أبحاث الديناصورات في اليابان

كان نشيطًا في صناعة وتجارة الحرير، وظهر ذكاؤه منذ صغره، وأبدى اهتمامًا بدراسة الكلاسيكيات الصينية والآداب الأخرى، بالإضافة إلى دراسة الفنون.

استكمل تعليمه في جامعة وسيدا بعد انتقاله إلى طوكيو، وبدأ في التدريس في مدرسة أتومي. هناك التقى بزوجته هارا ياسو، وقامت عائلتها، التي كانت تعمل في التجارة، بتبنيه ومنحه لقبها العائلي الذي أصبح يُعرف به لاحقًا.

معرض للأعمال الفنية التي تعود ملكيتها للسيد هارا، وبعض الوثائق عن حياته بالاضافة إلى لوحات مدرسة كانو للفنون والتي كانت موجودة قبلاً بـ ”رينشونكاكو“.

بعد تولي هارا زمام الأمور في مؤسسة العائلة، قام بتطوير نشاطات الشركة وأدخل تحديثات على مجال تصنيع الحرير فيها، كما عمل على تصدير الحرير الخام منه إلى خارج اليابان، مما حقق له ثروة كبيرة. اشتهر هارا أيضًا باستحواذه في وقت ما على مصنع توميوكا للحرير، والذي كان منشأة حكومية في محافظة غونما. كان هذا المصنع الكبير أول منشأة تقوم بتصنيع الحرير على الطراز الغربي في اليابان ابتداءً من عام 1872.

أما ملكية أرض سانكيي، فإنها تعود إلى جده ”هارا زينزابورو“ الذي قام بشرائها عام 1868. بعدها، قام هارا ببناء مسكنه هناك عام 1902، حيث قام بشراء المباني التاريخية ونقلها من أماكن مختلفة من البلاد إلى سانكيين لإنشاء الحديقة، ومن ثم أطلق على العقار اسمًا مستوحى من اسم المكان المحلي.

إقرأ أيضا:موقع التراث العالمي نيكو توشوغو

تختلف قصة حديقة سانكيين عن بقية الحدائق التي تعود ملكيتها الأصلية إلى رجال الأعمال الكبار، وذلك بسبب حرص هارا على فتح جزء كبير منها للجمهور وبشكل مجاني أثناء حياته، على عكس المعتاد حيث يتم تحويل بعض عقارات رجال الأعمال إلى حدائق عامة بعد وفاتهم. وبعد مرور سنوات قليلة من إنشاء هذه الحديقة، قام هارا بفتح جزء كبير من الحديقة الخارجية للناس عام 1906، وزرع الحديقة بأشجار البرقوق والكرز، ومجموعة متنوعة من الأزهار الموسمية، لتصبح منتزهًا مهمًا لسكان المنطقة والزوار من مختلف المناطق. واستمر هارا في العمل على توسيع الحديقة وتجهيزها بالعديد من المباني والهياكل حتى اكتملت بشكل نهائي عام 1922.

صورة لقصر كاكوشوكاكو المسكن السابق الخاص بعائلة هارا، متربعاً خلف بركة اللوتس في الحديقة الخارجية. وقد تم تصنيفه اليوم بعد أن تم إعادة بنائه على أنه ملكية ثقافية لمدينة يوكوهاما.
صورة لمبنى تشوشوكاكو وهو آخر هيكل تم نقله إلى حديقة سانكيين عام 1922. وكان هذا المبنى مقر إقامة كاسوغا نو تسوبوني مرضعة توكوغاوا إيميتسو ” ثالث شوغون من عائلة توكوغاوا“، وقد شيد على طراز روكاكو الصيني الذي يتميز بشكله المربع ذي الطابقين. ونظرا لأهميته التاريخية فقد صنف كممتلكات ثقافية وطنية مهمة.

موطن الثقافة الراقية

تتيزن الحديقة الخارجية بوجود تل يشغل حيزاً كبيراً منها، يتوسطه مبى من ثلاثة طوابق يقال أنه قد شيد عام 1457 في توميوجي ”وهو معبد مندثر بكيوتو“.

يعتبر هذا البناء الأقدم في الحديقة والأكثر أهمية بها إذ يعد أيقونة تاريخية حيث تم نقله إلى الحديقة عام 1914 لتزيين الإطلالة من حديقة هارا.

أما بالنسبة لفيلا رينشانكاكو التي تعود ملكيتها إلى عائلة إوادي غوتان المتفرعة من عائلة توكوغاوا، فقد خضع هيكلها إلى العديد من التعديلات لتتناسب وموقعها الجديد بحديقة سانكيين.

حيث تم تغيير أشكال الأسقف وموقع الأجنحة وأعيد تقسيم الغرف بشكل يسمح لها بالاستفادة من أجمل الإطلالات والمناظر الخلابة للباغودا والجسر المغطى الموجود بالمكان.

إطلالة من غرفة بالجناح الثالث من فيلا رينشونكاكو، إذ يظهر في الخلفية مبنى باغودا متناغماً بشكل رائع مع البركة والخضرة المحيطة في لوحة ساحرة.
إطلالة على الجسر المغطى المستوحى من جسر كانجيتسوداي الموجود بمعبد كودايجي في كيوتو. حيث يمكن رؤية قاعة جوتو أويدو من غرفة نانيوا نو ما.
صورة لقاعة جوتو أويدو التابعة لمعبد تينزويجي ”الغير موجود حاليًا “ والتي شيدها تويوتومي هيديوشي لمعبد دايتوكوجي في كيوتو عام 1597. وتعتبر اليوم هذه القاعة من الممتلكات الثقافية الوطنية الهامة وتقع جنوب شرق الجسر المغطى.

لم تكن فيلا كاكوشوكاكو مقر إقامة هارا الخاص فقط، بل كانت أيضًا مكانًا يعرض فيه هارا أعماله الفنية العديدة وفي بعض الأحيان كان يفتح بعض قاعات المقر كصالون للفنانين الرائدين في ذلك الوقت. ومن بين أبرز من كان يرتاد على مقر إقامته فناني النيهونغا الشهيرين الفنان يوكوياما تايكان ”1868-1958“ والفنان مايدا سيغون ”1885-1977“، وكان من بين الأعمال الفنية الرائعة التي قاما بعرضها ريوين ”في ظلال الصفصاف“ للفنان يوكوياما و ميكوشي بوري ”موكب الميكوشي“ للفنان مايدا. كما عرف المكان مرور أسماء أخرى كبيرة كالفيلسوف واتسوجي تيتسورو ”1889-1960“ الذي كتب خلال إقامته هناك مذكراته التي تحمل إسم كوجي جونري ”حج إلى المعابد القديمة“.

بالاضافة إلى كاكوشوكاكو يوجد أيضاً مبنى آخر لا يقل أهمية عنها، شوفوكاكو المطل على الحديقة والواقع بالقرب من مبنى باغودا. هو بدوره كان ملاذاً للفنانين والمبدعين الذين وجدوا البيئة المناسبة واللازمة لابداعاتهم، ومن بين الشخصيات المهمة التي أقامت به الشاعر والكاتب والمصلح الإجتماعي الهندي رابندراناث طاغور”1861–1941“ وهو أول آسيوي يحصل على جائزة نوبل للآداب. حيث أقام بالمبنى مدة شهرين ونصف من عام 1916 وأثمرت إقامته بولادة كتابه الشعري ”الطيور الشاردة“. وهذا ما كان هارا يحرص عليه إذ لم تكن الحديقة مكاناً للاسترخاء فقط للعامة بل هيئها لتكون مناسبة للمبدعين والفنانين الذين كان على وصال بهم.

بصعودك إلى التل، ستحظى بإطلالة رائعة على باغودا توميوجي.
بالقرب من مبنى بادوغا يوجد لوحة تشير إلى ما تبقى من شوفوكاكو الذي دمره زلزال كانطو عام 1923.

تقدير إرث هارا

بعد إكتمال حديقة سانكيين بعام واحد ضرب زلزال كانتو الكبير مدينة يوكوهاما، وتسبب بدمار كبير للمدينة انهارت بسببه العديد من مباني الحديقة. ثروة هارا ساعدته في المشاركة في إعادة إعمار المدينة. توفي بعدها هارا بسانكيين عام 1939.

لم تسلم الحديقة أيضاً من التخريب خلال الحرب العالمية الثانية، حيث تعرضت لأضرار بالغة. تم التبرع بها في نهاية المطاف إلى حكومة مدينة يوكوهاما عام 1953، ليتم فتح حدائقها الخارجية للعامة في العام الموالي من ذلك. بعد الانتهاء من عمليات الترميم التي دامت خمس سنوات أعيد افتتاح الحديقة الداخلية عام 1958، وبعدها فتحت العديد من المرافق بما فيهم صالة سانكيين كينانكان التذكارية والعديد من ممرات المشي. وصنفت بعدها الحديقة على أنها مكان ذو جمال طبيعي خلاب من قبل الحكومة الوطنية عام 2007.

إقامة هاكونتي التي أمضى فيها هارا آخر أيامه. هي اليوم إرث ثقافي مادي لمدينة يوكوهاما.
بوابة غومون المؤدية إلى الحديقة الداخلية والتي تم نقلها من سايهوجي بكيوتو في القرن الثامن عشر، هي اليوم إرث ثقافي مادي تابع لمدينة يوكوهاما.

لا تقتصر متعة زيارة الحديقة على التجول وسط طبيعتها الساحرة واكتشاف خبايا مبانيها التاريخية فقط، بل تشمل نشاطات أخرى لا تقل أهمية عنها من خيارات لتناول الطعام والنزول بقاعات الشاي المنتشرة هنا وهناك. ومن أشهر الأماكن مطعم سانكيين ساريو الذي يقدم وجبات التامبورا والصوبا، ومطعم تايشونكان المعروف بنودلز سانكي الخاصة والمميزة. كما يقدم المرشدون السياحيون المتطوعون شروحات للزوار المتعطشين إلى معرفة المزيد عن تاريخ الحديقة ومعالمها البارزة.

وفقاً لشهادة الكثير من المرشدين السياحيين، فإن العديد من الزوار قد أجمعوا على تميز حديقة سانكيين بجمالها البسيط والساحر في رقيه. حيث تختلف عن بقية حدائق الأغنياء التي تتصف بنمطية مشتركة وسائدة بها الكثير من البهرجة والمظاهر الفخمة. ولا تزال الحديقة إلى يومنا هذا تحتفظ وتعكس شغف هارا العميق بالفن ورغبته في مشاركة كل الجمال الذي كان يراه مع بقية العامة من سكان المدينة وزوار حديقته.

صورة لقاعة شاي سانكيين ساريو تفتح أبوابها من الساعة 11:00 صباحاً إلى غاية الساعة 3:30 بعد الظهر، تقدم أيضاً كرات الأرز المحلاة والمشوية ”المصنوعة يدوياً“ والتي تعرف باسم الدانغو.
صورة لوجبة متكاملة ”سانكيووان“، المكون من طبق صوبا و الجمبري المقلي على الطريقة اليابانية ”تامبورا“، الفجل الأبيض المبشور مغطى بأعشاب بالطحالب البحرية ”واكامي“ ويبلغ ثمن هذه الوجبة 1,200 يناً. أما كرات الأرز المحلات فيبدأ سعرها من 150 يناً.
صورة للمدخل الرئيسي للحديقة

سانكيين

  • العنوان: 58-1 هونموكو سانوتاني، ناكا-كو، يوكوهاما
  • ساعات العمل: من الساعة 9:00 صباحًا إلى 5:00 مساءً ”آخر دخول مسموح به 30 دقيقة قبل موعد الإغلاق“.
  • أيام الإغلاق: 29-31 ديسمبر/ كانون الأول.
  • أسعار الدخول: للأشخاص البالغين من العمر 16 عامًا فما فوق: 700 ين ياباني، للأطفال من عمر 6 سنوات إلى 15 عامًا: 200 ين ياباني.

(النص الأصلي باللغة اليابانية، الترجمة مقدمة من اليابان بالعربي)

السابق
موقع التراث العالمي نيكو توشوغو
التالي
معبد نينّاجي في كيوتو